مشاهير عظماء

(١) مقبرة الجناح الأخضر

زينب الخالصية حفيدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

تُوفيَت بالقيروان لما قدم أبوها عبد الله بن عمر بن الخطاب في الجيش الذي تحت قيادة معاوية بن حديج؛ وذلك سنة ٣٤ﻫ، وهي السنة التي مات فيها أبو زمعة البلوي كما قدمنا، ودُفنت بمقبرة باب سلم، وهي المُسمَّات الآن بمقبرة الجناح الأخضر، وقبرها مشهور يُزار، رضي الله تعالى عنها.

شقران الهمداني

هو علي شقران بن علي الهمداني نِسبة إلى همدان، كان أستاذ ذي النون المصري، روى عنه سحنون، وكان كفيف البصر مُواخيًا للبهلول بن راشد، قدم ذو النون المصري القيروان لزيارة شقران، وكان شقران لا يَخرج من داره إلا يوم الجمعة، فلما خرج قال له ذو النون: قد جئتُ من بلد بعيد أطلب الموعظة، فقال له شقران: «كُلْ من كدِّ يمينك، فيما عرق فيه جبينُك، ولا تأكل بدينك؛ فإنْ ضعفَ يقينُك، فاسأل الله يُعِنك، ولا تشتكِ من يَرحمك إلى من لا يرحمك.» تُوفي شقران رضي الله عنه سنة ١٨٦ﻫ، وقد أناف على السبعين، ودُفن بباب سلم بالمقبرة المسمَّات الآن بالجناح الأخضر، وبجوار قبره سبعون عالمًا؛ منهم: أبو العرب، وأبو ميسرة إمام الجامع الذي ذكرناه سابقًا، وقبر مروان بن العابد، وواصل، رضي الله عنهم. وقبر شقران مشهور يُزار، رضي الله عنه.

رباح بن يزيد

كان يُضرب به المثل في زهده وعبادته، غزير الدمعة، كثير الإشفاق والخشية، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، تُوفي سنة ١٧٢ﻫ، فازدحم الناس يوم جنازته على نعشه، فقال العالم يزيد بن حاتم: ازدحِمُوا على عمله، ولا تزدحموا على نعشه. وصلى عليه يزيد، ودفن بباب سلم بمقبرة الجناح الأخضر، وقبره مشهور يُزار، رضي الله عنه.

البهلول بن راشد

روى عن مالك بن أنس، والثوري، والليث بن سعد، وكان من علماء الدين المشهورين بالصلاح والتقوى، من قوله: «والله إني لأستحي من الله عز وجل أن تكون الملائكة أطوع له مني.» قرأ عليه سحنون وغيره. قال سعيد بن الحداد رحمه الله: ما كان بهذا البلد — يعني القيروان — أقوم بالسنَّة من رجلين؛ البهلول بن راشد في وقته، وسحنون في زمنه.

امتحن البهلول في آخر عمره بمحنة كانت سبب موته؛ وصورة ذلك أن العكي أمير إفريقية كان يُلاطف «الطاغية» كبير البرابرة، فكتب إليه الطاغية «أن ابعث إليَّ بالنحاس والحديد والسلاح» فلما عزم العكي على ذلك وعظه البهلول لتزولَ عنه الحُجة، وقال له: إنَّ في إرسالك ما ذُكر إلى ذاك العدو إثمًا كبيرًا. وألحَّ عليه البهلول في الموعظة، فبعث إليه العكي وضربه أسواطًا دون العشرين، فبرئت كلها إلا أثر سوط واحد تنغَّل فكان سبب موته. وقبل جَلده غلل فدخل عليه عبد الله بن فروخ العالم الشهير، وجعل يبكي بكاءً كثيرًا، فقال له البهلول: سبحان الله يا أبا محمد، ما يبكيك؟ فقال: أبكي لضرب ظهرك وتقييدك بدون حق. فقال البهلول: يا أبا محمد «قضاء وقدر». ثم ندم الأمير العكي على ما فعل، فأرسل إليه بكسوة وكيس، فأبى البهلول قبول ذلك، فقال الرسول: يقول لك العكي إذا كنت لم تقبل ذلك فاجعَلني في حلٍّ. فقال البهلول: قل له ما حللتُ يدي من العقالَين حتى جعلتُك في حل. وقد مات من أثر ذلك السوط الذي تنغل كما قدمنا في سنة ١٨٣ﻫ، ودُفن بمقبرة الجناح الأخضر. وهكذا كان السلف الصالح، وعلماء الدين يقولون الحق ويموتون عليه، وقبر البهلول مشهور يزار متصل بقبر جبلة بن حمود، رضي الله عنهما.

جبلة بن حمود

هو أبو يوسف جبلة بن حمود بن عبد الرحمن بن مسلمة الصدفي، أسلم جده على يد عثمان بن عفان رضي الله عنهما، سمع جلبة العلم من سحنون، ومحمد بن رزين، ومحمد بن عبد الحكم وغيره، وأخذ عن سحنون المدونة والمختلطة والموطأ. قال سحنون: لو تفاخَر علينا بنو إسرائيل بعُبَّادهم فاخَرْناهم بجبلة بن حمود. وقال القاضي موسى القطان: من أراد أن يدخل إلى دار عمر بن الخطاب فليدخل دار جبلة بن حمود؛ لزهده وتقلُّله. وقال أبو بكر ابن أبي عقبة: ما أوقد جبلة نارًا أربعين سنة، إنما كان له دقيق شعير، إذا كان عند إفطاره أخذ قبضة فحركها في قدح بماء فأفطر عليها. وكان يَصدع بالحق لا تأخُذُه في الله لومة لائم، ولما دخل عبيد الله الشِّيعي إفريقية، وكان هو وجماعته من الظالمين المُفسدين صار جبلة رضي الله عنه يخرج إلى جهة رقادة، وهو المحل الذي يقصدُه هذا الشيعي الظالم يبعد عن القيروان بنحو سبعة كيلومترات، فيركب جبلة فرسه، ومعه سيفه وترسُه وسهامه، فيجلس هناك من ضحوة النهار إلى غروب الشمس ويقول: أحرس عورات المسلمين من هذا الظالم وقومه. وكانت لجبلة أملاك كثيرة تصدق بها كلها حتى تجرد من ثيابه وبقي عريانًا فكساه سحنون. وكان جبلة لا يهاب الملوك ولا يخشى بأسهم. تُوفي سنة ٢٩٧ﻫ؛ وذلك يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من صفر، وهو ابن سبع وثمانين سنة، وصلى عليه أبو سعيد محمد بن محمد بن سحنون في مصلَّى العيد، ودفن بالجناح الأخضر، وقبره متَّصل بقبر البهلول بن راشد مشهور يُزار، رضي الله عنهما.

(٢) مشاهير رجال مقبرة باب نافع، وهي التي بها قبر سحنون

ابن أنعم التابعي

هو زيادة بن أنعم الشعباني، من عظماء علماء التابعين، يروي عن عبد الله بن عمر، وأبي أيوب الأنصاري، وروى عنه ابنه عبد الرحمن. سكن القيروان واختط بها دارًا في ناحية باب نافع بجوار دار سحنون. شهد الغزو مع أبي أيوب الأنصاري. حكى أنه لما كان في الغزو مع أبي أيوب قال حضر غداؤنا، فأرسلنا إلى أبي أيوب، وإلى أهل موكبِه فأبى، وبعد أن تَغذينا قال أبو أيوب: دعوتموني وأنا صائم وكان عليَّ أن أجيبكم، سمعت رسول الله تسليمًا يقول: «للمُسلم على المسلم ست خصال واجبات، فمن ترك شيئًا منها فقد ترك حقًّا واجبًا لأخيه: عليه إذا دعاه أن يُجيبه، وإذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا عطس أن يشمتَه، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يحظره، وإذا استنصحه أن ينصحه.» تُوفي ابن أنعم بالقيروان في المائة الأولى، ودفن بمقبرة باب نافع، وهي المقبرة التي بها ضريح سحنون، وقبره في حوطة بسيطة قرب ضريح ابن غانم، مشهور يُزار، رضي الله عنه.

عبد الله بن غانم قاضي إفريقية وصاحب مالك بن أنس

هو عبد الله بن عمر بن غانم بن شرحبيل بن ثوبان الرعيني، روى عن الإمام مالك، وعليه كان مُعتمده، وروى عن سفيان الثوري، ثم دخل الشام والعراق ولقي بها أبا يوسف صاحب أبي حنيفة. كان مالك إذا دخل عليه ابن غانم وقت سماعه أجلسه إلى جنبه، ويقول لأصحابه: قال رسول الله : «إذا جاءكم كريمُ قوم فأكرموه.» وهذا كريم في بلده. ولِيَ غانم قضاء إفريقية سنة ١٧١ﻫ، وهو ابن اثنتين وأربعين سنة، دخل عليه عبد الملك بن قطن الفهري عائدًا في مرضه الذي مات فيه، فقال له: «رفع الله ضجعتك من هذه العلَّة إلى إفاقة وراحة، وأعاد عليك ما عودك من الصحة والسلامة، فاصبر لحكم ربك عز وجل، فإنَّ الله يحبُّ أن يُصبر على بلواه كما يحب أن يُشكر على نعماه.» فقال ابن غانم: هو الموت والغاية التي إليها نهاية الخلق، فصبر جميل يؤجر صاحبه خير من جزع لا يغني عنه، ثم تمثل بهذا البيت:

فهل من خالد لما هلكنا؟!
وهل بالموت يا للناس عار؟!

ولابن غانم تآليف كثيرة، وكان موتُه بسبب فالجٍ أصابه؛ وذلك في شهر ربيع الآخر سنة ١٩٨ﻫ، وصلى عليه إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية، وبكى عليه بكاءً كثيرًا. وترك ابن غانم وَلَدَين: أبا عمرو غانمًا، وأبا شرحبيل، وكان الأخير فقيهًا ورِعًا، ودُفن ابن غانم بمقبرة باب نافع بينه وبين قبر سحنون مقدار خمسين خطوة في حوطة بسيطة، وعند رأسه عمود أحمر وبجانبِه قبر أبي العرب بن أبي الفضل التميمي العالم الكبير، رضي الله عنهما.

الإمام سحنون صاحب المدونة

اسمه عبد السلام، وغلب عليه لقب سحنون، وسحنون اسم طائر حديد البصر، سُمِّي سحنون بهذا الاسم لحدَّته في المسائل، وأصله شامي من حمص، سمع العلم بإفريقية من علي بن زياد دفين تونس، ومن عباس بن أشرش، وبهلول بن راشد، وعبد الله بن غانم، ومعاوية الصمادحي. ثم رحل إلى المشرق سنة ١٨٨ﻫ، فقرأ بمصر على ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، وابن الحكم، وشعيب بن ليث، ويوسف بن عمر. وقرأ بالمدينة على عبد الله بن نافع، ومعن بن عيسى، وأنس بن عياض، والمغيرة بن عبد الرحمن. وسمع بمكة من سفيان بن عوينية، وعبد الرحمن بن المهدي، ووكيع بن الجراح، وحفص بن غياث، ويزيد بن هارون، ويحيى بن سليمان. وسمع بالشام من الوليد بن مسلم، وأيوب بن سويد. وحج مع ابن القاسم وابن وهب وأشهب في مرة واحدة. وكان زميل ابن وهب على راحلته، ثم قدم إلى القيروان سنة ١٩١ﻫ، فأظهر علم أهل المدينة بالمغرب. وكان يقول: أنحى الله الفقر، فلولاه لأدركت مالكًا؛ لأنَّ مالكًا مات وسحنون ابن ثمانية عشر عامًا. وكان سحنون قنوعًا لا يَقبل من أحد شيئًا سلطانًا كان أو غيره، ولا يهاب الملوك، شديدًا على أهل البدع، راوده الأمير أحمد بن الأغلب حولًا كاملًا على أن يُوليه القضاء فأبى عليه، فعزم عليه بالأيمان التي لا مخرج منها، فاشترط عليه سحنون شروطًا كثيرة حتى قال له: إني أبدأ بأهل بيتك وقرابتك وأعوانك، فإن قبلكم ظلامات للناس منذ زمان طويل. فقال الأمير: نعم، لا تبتدي إلا بهم، وأجرِ الحق مفرق رأسي. وتولى القضاء بهاته الشروط؛ وذلك في رمضان سنة ٢٣٤ﻫ، وأقام قاضيًا ستة أعوام، وكان سنه يوم تقديمه أربعًا وسبعين سنة، ولم يَزل قاضيًا إلى أن مات. ولما وليَ القضاء دخل على ابنته خديجة، وكانت من خيار الناس، فقال لها: اليوم ذُبح أبوك بدون سكين. فعلمت أنه قبل القضاء.

وعندما ولي القضاء كتب إليه عبد الرحيم بن عبد ربه الربعي الزاهد: «أما بعد، فإنَّك كنت تنظر للناس في مصالح أخراهم، فصرت تَنظر مصالح دنياهم، فأيُّ الحالتَين أفضل؟ والسلام.» فكتب إليه سحنون: «أما بعد، فإنَّ كتابك جاءني، وفهمتُ ما ذكرتَ، وإني أُجيبك، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه أنيب، وأما ما ذكرتَ من أني كنتُ أنظر للناس في مصالح أخراهم فصرتُ أنظر في مصالح دنياهم، فاعلم أنَّه لا تصلح للناس أخراهم حتى تصلح لهم دنياهم، آخذًا لضعيفهم من قويهم، ومن ظالمهم لمظلومهم، وأنا لم أزل مُبتلًى ينفذ قولي منذ أربعين سنة في الفتيا، فأنا منذ أربعين عامًا قاضيًا؛ لأنَّ قول المفتي يمضي في أشعار المسلمين وأبشارهم، ومع هذا فقد ابتُليت، فقدمتُ جبرًا، فالزم نفسك بالدعاء لي والسلام.»

وسحنون أول من نظر في الحِسبة؛ إذ كانت قبل للأمراء دون القضاة، وأول من فرَّق أهل البدع من الجامع، وأول من جعل في الجامع إمامًا يُصلِّي بالنَّاس؛ إذ كان للأمراء، وأول من جعل الودائع عند الأمناء، وكانت قبلُ في بيوت القضاة. من مآثرِه في القضاء أنَّه كان جالسًا على باب داره؛ إذ مرَّ به حاتم «من حواشي الأمير المقربين»، ومعه سبيٌ من سبي تونس، فقال سحنون لأصحابه «قوموا وأتوا بهم»، فذهبوا وخلصوهم من حاتم لأنَّه أبى أن يُسلمهم، وهرب حاتم على برذونه بعد خرق ثيابه، ودخل على الأمير وشكا إليه، وكان الأمير إذ ذاك محمد بن الأغلب، فأرسل الأمير غلامه إلى سحنون، وقال له: يقول لك الأمير اردُدِ النسوة على حاتم؛ فإنهن إماء له. قال سحنون: فإن كنَّ إماء فمثل حاتم لا يؤمن على الفروج، وقل للأمير أيها الغلام: جعل الله حاتمًا شفيعك يوم القيامة. ولما ذهب الرسول، قال سحنون: هذا الأسود — يعني حاتمًا — يذهب هكذا. فأمرَ بجلبِه وسجن بعد أن طرحت عمامته.

ثم أقبل رسول الملك بوجهٍ غير الذي أقبل به أولًا، فقال لسحنون: يقول لك الأمير: إنك تعدَّيت عليه، ارددهنَّ له كما أمرتك وسرِّحه من السجن. فقال سحنون: قل له: أنت الذي تعدَّيت، واللهِ لا رددتهنَّ عليه حتى يفرق بين رأسي وجسدي. فانصرف الخادم، فأقبل محمد بن سحنون على أبيه وقال: اكتب له والْطف يا سيدي. فدعا سحنون بدواة وقرطاس، وكان جالسًا بالأرض وابنه محمد مشرفًا على مقعده، فكان سحنون يكتب، وابنه محمد يَنظر ما يكتب ويقول لأبيه: دَوِّن هذا، دوِّن هذا. حتى فرغ سحنون من كتابه، ثم طبَعه وسلَّمه مع عونه إلى الأمير، فأخَذه الأمير وضرب به وقال: والله لا أدري هذا علينا أم نحن عليه. واسودَّ وجهُه، وكان له جمال، فركب فرسه وانصرف لعسكره راجعًا إلى القصر القديم، وهو الذي أنشأه بقصر الماء إبراهيم بن الأغلب سنة ١٨٥ﻫ، يبعد عن القيروان بنحو ثلاثة أميال، ويُسمَّى العباسية، وقد اندثر الآن، فأقام الأمير بالقصر غاضبًا من أول النهار إلى وقت العصر لم يدخل عليه أحد، ثم سكن غضبه ورجع له رشده، فأذن لأصحابه ووزرائه بالدخول، وقال لهم: إني لأظنُّ هذا الرجل — يعني به سحنون — ما يُريد بنا إلا خيرًا ونحن لا ندري، أرسلوا إليه يرسل محتسبيه ويكتب لهم سجلات إلى أقصى عملي يأخذون من وجدوا من الحرائر. فأرسل سحنون أصحابه يأخذون السجلات، فخرَجُوا وردُّوا من وجدوا.

امتُحن سحنون في مسألة خلق القرآن، وأراد الأمير الانتقام منه، فمات الأمير قبل الانتقام ونُجِّي سحنون. ولد سحنون سنة ١٦٠ﻫ، وتُوفي لستٍّ خلوْن من رجب قبل نصف النهار سنة ٢٤٠ﻫ، ودفن من يومه، ووجَّه إليه محمد بن الأغلب بكفن وحنوط، فاحتال ابنه محمَّد حتى كُفن في غيره وتصدق بذلك. قال أبو بكر المالكي: لمَّا مات سحنون رجفت القيروان لموته، وحزن له الناس. ولسحنون تآليف كثيرة في فنون متنوعة، فُقدت كلها وبقيت منها المدونة المشهورة إلى الآن، ولو لم يكن له غيرها لكفاه. وقبره بداره بباب نافع، بجانبه قبر العالِم الشهير أبو إسحاق السبئي المتوفَّى سنة ٣٥٦ﻫ، وبجانبه أيضًا قبر خلف بن منصور من أتباع أبي إسحاق المذكور رضي الله عنهم، وضريح سحنون مشهور يُزار.

محمد بن سحنون

سمع العلم من والده سحنون، ومن عبد العزيز بن يحيى المديني، وموسى بن معاوية الصمادحي، وعبد الله بن أبي حسان. ورحل إلى المشرق سنة ٣٣٥ﻫ، فلقيَ أبا مصعب الزهري، وابن كاسب وسلمة بن شبيب النيسابوري. ألف كتبًا كثيرة في فنون شتى، ولما سافر إلى مصر كان بها يهودي قويَّ العارضة، محجاجًا في المناظرة، معروفًا بذلك عند أهل مصر؛ فأخذ محمد بن سحنون يُناظره من صلاة الظهر إلى أن طلع الفجر، فانقطع اليهودي في الحُجة، وخرج ابن سحنون وهو يمسح العرق عن وجهه، وأسلم اليهودي، وشاع ذلك بمصر فأتى فقهاء مصر إلى محمد بن سحنون، ومن جملتهم أبو رجا بن أشهب، وسأله أن ينزل عنده ففعل، ولما جلس وحلَّق عليه العلماء وسألوه، فكان من جملة من أتى إليه المزني صاحب الشافعي، فجلَس كثيرًا لينفضَّ الناس ويخلو به، فلما خرج قيل له: كيف رأيته؟ قال والله ما رأيت أعلم منه ولا أحدَّ ذهنًا على حداثة سنه، وكان إذ ذاك ابن خمس وثلاثين سنة.

ثم سافر محمد بن سحنون إلى المدينة، ودخل مسجد النبي عليه السلام، فوجد جماعة عظيمة محلقين على شيخ وهو متَّكي لكبر سنِّه، وهم يتنازعون في مسألة من مسائل أمهات الأولاد، فنبَّههم محمد بن سحنون على نكتة، فاستوى الشيخ جالسًا وقرَّرها، فزاد ابن سحنون أخرى، فقال الشيخ: من أي بلاد أنت؟ قال: من إفريقية. قال: من أيِّ بلدة منها؟ قال: من القيروان. قال: يَنبغي أن تكون أحد الرجلين؛ إما محمد بن سحنون، وإما محمد بن لبدة ابن أخي سحنون. فقال له: أنا محمد بن سحنون. فقام إليه وصافَحه وخرجا من المسجد، وجعل ابن سحنون يُملي على الشيخ بالطريق وهو يكتب المسألة.

من كمالاته وكرمه رضي الله عنه، عن أبي الحسن بن القابسي رضي الله عنه قال: إنَّ رجلًا كان يشتم محمد بن سحنون، وينال من عرضه ويؤذيه، فافتقر الرجل واشتدَّ عليه الحال، فمضى إلى محمد بن سحنون لما يسمع من كرمه، فدخل عليه مترديًا بأطمار فسلَّم، فأقبل عليه محمد بن سحنون، وقال له: ما حاجتك؟ وكان قبل ذلك يأتي إليه فيقول له «أحب أن أكلمَك في أذنك» فيشتمه ويذهب، فيقول له محمد «جزاك الله خيرًا» ولا يعرف أحد ما يقوله له إلى ذلك اليوم، فقال له: أصلحك الله، جئتك تائبًا مما كنت أفعل. فقال له ابن سحنون: دع هذا واذكر حاجتَك. فقال: والله ما أتاني إليك إلا الحاجة. فاسترجع ابن سحنون واغتم لذلك، وقال: يا أخي، نزل بك هذا وأنا في الدنيا! ثم كتَب إليه رقعة وقال امض بها إلى فلان الصيرفي، فمضى إليه فأعطاه عشرين دينارًا، فأخذها واشترى ما يحتاج إليه، وأتى بالحمَّالين إلى الدار، فقالت زوجته: ما هذا؟ فقال: هذا ما أعطاني الرجل الذي كنت أشتمُه، وبعد أيام أرسل إليه محمد بن سحنون وقال له: تَقدِر على السفر؟ قال: نعم. فكتب إليه كتابًا وقال: امض إلى قسطيلية. وسلِّمه إلى أناس من أهلها، وسمَّى له أفرادًا، فلما وصل دفع الكتاب فأضافوه وأعطوه ثلاثمائة دينار وهدايا نفيسة، فظنَّ الرجل أنَّها لمحمد بن سحنون، فلما وصل إلى القيروان دخل إلى محمد فأعطاه كتاب القوم، فلما قرأه استرجع وقال: حال النَّاس ما هكذا عهدناهم. فقال الرجل: يا سيدي، إن كان قد بقيَ لك عندهم حاجة فأنا أرجع إليهم ثانية. قال محمد: يا أخي إنها لك، فكأني لم أجد من أبعث إلا أنت، وإنما عجبتُ من تغير الزمان في هذا الوقت.

وحكى بعض الثقات قال: كنت بجامع المنستير وإذا برجل يقرأ في جوف الليل هاته الآيات: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ، ويَبكي ودموعه تقع على الحصير لكثرتها وهو يُكرِّر الآية، وما زال يكررها حتى طلع الفجر، ولا أدري من يكون، فلما خرج إذا هو محمد بن سحنون.

وليَ محمد بن سحنون رئاسة القضاء بالقيروان، وكانت وفاته بالساحل، وأُتي به إلى القيروان، وغلقت الكتاتيب والحوانيت من أجل وفاته؛ وذلك سنة ٢٥٦ﻫ وعمره أربعة وخمسون سنة، وصلى عليه إبراهيم بن أحمد الأغلبي أمير إفريقية، ودُفن بباب نافع خارج مقام أبيه سحنون بخطوات قليلة في حوطة بسيطة، ورُثي بثلاثمائة قصيدة، ومنها تَعرف عمارة القيروان، ونقاق سوق الأدب بها فضلًا عن العلم. قال بعضهم يرثيه، وهي أبيات من قصيدة طويلة ونصها:

لقد مات رأس العلم وانهدَّ ركنه
وأصبح مِن بعد ابن سحنون واهيَا
فمن لِرُواة العلم بعد محمد!
لقد كان بحرًا واسع العلم طاميَا
ومن لرواة الفِقه والرأي والحِجا
وقد أصبح المفضالُ في الترب ثاويا!
لقد أفجع الإسلام موت محمد
وأصبح منه جانب العلم خاويا
بكى كلُّ مَن بالغرب عند وفاته
وحق لمن بالغرب أن يكُ باكيا

قال أبو محمد بن أبي زيد رضي الله عنه: لما مات محمد بن سحنون أقامت البيوع والأشرية والقباب مضروبة على قبره أربعة أشهر بالليل والنهار، فما صرفهم إلا هجوم الشتاء؛ وذلك أسفًا وحزنًا على ذلك العالم الجليل، وهكذا كان النَّاس في ذلك العصر يحزنون على فقدِ كلِّ مَن نفعَهم في دينهم وأرشدهم في أمور دنياهم، فنعم السلف وبئس الخلف. وقبر محمد بن سحنون مشهور يُزار رضي الله تعالى عنه، وهو بحوطة بسيطة خارج مقام والده، ويُقال إنَّ القبر الذي بجانبه قبر إبراهيم بن الأغلب، والله أعلم.

(٣) مشاهير رجال مقبرة الحطبية

عبد الرحمن الحبلي المعافري التابعي

كان من عظماء فقهاء التابعين، يَروي عن أبي أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وفضالة بن زيد الأنصاري، وعقبة بن عامر وغيرهم. روى عنه جماعة؛ منهم: يزيد بن عمر، وأبو هاني الخولاني، وعامر بن يحيى المعافري. بعثه عمر بن عبد العزيز يُفقه أهل إفريقية؛ فانتفعوا به، وبث فيها علمًا كثيرًا. وشهد فتح الأندلس مع موسى بن نصير، ثم سكن القيروان واختطَّ بها مسجدًا ودارًا خارج باب تونس اندثرا وعفت رسومهما.

قال أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي: كنتُ ضجيعًا لأبي عبد الرحمن الحبلي في المركب في غزو إفريقية، فكنت أسمعه إذا انتبه من نومه يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثلاث مرات. سبحان الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، ثلاثًا. والحمد لله الذي أنامَ ليلي وأهدأ عروقي، ثلاثًا.» فقلت له: رأيتك تلزم هذه الكلمات، فما بلغك فيهن؟ قال الحبلي: بلغني أن ما يقولهن أحد حين ينتبه من نومه إلا كان من الخطايا كيوم ولدته أمه، أقول ويشترط مع هذا الإقلاع عن المعاصي، والسير في طريق نفع الأمة بالإرشاد والعمل الصالح؛ لأنَّ كثيرًا من النَّاس يستمر على ارتكاب الآثام، والجمود عن كل عمل نافع، ويعتمدون على الأدعية، مع أنَّ الله يقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ، وقال في آية أخرى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، ولو أنَّ دخول الجنة بفضل الله وكرمه، ولكن لا بد للإنسان من العمل، وفَّقَنا الله للتوبة وللعمل الصالح.

تُوفي عبد الرحمن الحبلي بالقيروان سنة ١٠٠، ودُفن بمقبرة باب تونس المشهورة الآن بالحطبية خلف زاوية الشيخ يوسف الدهماني، في حوطة بسيطة، وقبره مشهور يُزار، رضي الله عنه.

أبو الحسن القابسي

هو الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بابن القابسي. قال عياض: لم يكن قابسيًّا، وإنما كان له عم يشدُّ عمامته بشد قابس فسُمِّي بذلك، وهو قيرواني الأصل. سمع العلم بإفريقية من أبي العباس عبد الله بن أحمد الأبياني، ومن مسرور التجيبي، ومن علي بن محمد الخولاني، وغيرهم من مشاهير العلماء. ثم رحل إلى المشرق سنة ٣٥٢ﻫ، وحج ٣٥٣ﻫ، ثم عاد إلى مصر، فسمع بها الحديث من أبي الحسن علي بن جعفر الشابياني، ثم عاد إلى القيروان سنة ٣٥٧ﻫ، فقرأ عليه خلق كثير؛ منهم: أبو عمران الفاسي، وأبو القاسم اللبيدي، وأبو القاسم بن الكاتب.

ولأبي الحسن تآليف كثيرة؛ منها: «الممهد»، بلغ فيه ستين جزءًا ومات ولم يكمله، جمع فيه الحديث والأثر والفقه، وله كتاب «الملخَّص» وكتاب «المنبه للفطن، والمبعد من شُبه التأويل»، وله «رسالة الاستنتاجات» ورسالة «أجمعية الحصون» وكتاب «المناسك»، و«الرسالة المفصلة لأحوال المعلمين والمتعلمين». قال ابن سعدون لما طُلب القابسي للفتوى تأبى وسدَّ بابه دون الناس، فقال ابن سعدون: اكسروا بابه؛ لأنه قد وجب عليه فرض الفتيا وهو أعلم من بقيَ من القيروان، فخرج القابسي إليهم وأنشد:

لعمرُ أبيك ما نسب المعلَّى
إلى كرم وفي الدنيا كريم
ولكنَّ البلاد إذا اقشعرَّت
وصرَّح نبتها رعي الهشيم

وبالجملة فقد كان القابسي إمام زمانه في العلم والصلاح. توفي ليلة الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ٤٠٣، وله من العمر ثمانون سنة إلا خمسة أشهر، وصلى عليه أبو عمران الفاسي بين الفسقية والمقبرة، ورثاه شعراء القيروان إذ ذاك بمائة قصيدة، وضربت الأخبية على قبره مدة ستة أشهر، وبات عليه خلق كثير، وقبره بمقبرة الحطبية بجوار الشيخ يوسف الدهماني مشهور يُزار، رضي الله عنه.

أبو يوسف الدهماني

كان من أعلام طريق الإرادة، وكان له في بداية أمره رياضة ومجاهدات للنفس وصدق معاملات، سمع الفقه من أبي زكرياء بن عوانة، ولازم مجلسه وانتفع به، وسمع الحديث من عبد الله بن حوط وغيره، ورحل إلى بجاية للقاء الشيخ أبي مدين شعيب بن موسى، ثم توجَّه إلى الحج سنة ٥٩٥ﻫ، ولقيَ الشيخ أبو عبد الله القريشي وجماعة من شيوخ المتصوِّفين الذين خدموا الأمة بإرشادهم وإصلاحهم، وقد تخرَّج على الشيخ الدهماني طائفة اشتهرت بالعلم والصلاح. ولد أبو يوسف بالبادية بقرب قرية تُسمَّى المسروقين من حوز القيروان، ونشأ بالبادية والقيروان، وتُوفي ليلة عاشوراء سنة ٦٢١ﻫ وعمره اثنان وسبعون عامًا، وقبره في وسط قبَّة بمقبرة الحطبية مشهور يُزار، وأحفاده موجودون إلى الآن، رضي الله عنه.

ابن ناجي

هو العالم قاسم بن عيسى بن ناجي، قرأ العلم بالقيروان عن ابن عرفة، وعن أبي مهدي الغبريني، والبرزلي، ويعقوب الزغبي، وعمر المسراتي القيرواني، ومحمد بن فندار القيرواني، والقاضي بن أبي بكر الفاسي. ولي الإمامة والخطابة في جامع الزيتونة بالقيروان بإشارة قاضي القيرواني في ذلك العصر وهو الشيخ محمد بن قليل الهَم، وفي يوم توليتِه قال له الشيخ المذكور: «نحن عقدنا على رأسك لواءً أبيض، فاحذر أن تُدنسه بما لا يَليق، وبالمشي مع من لا يليق.» وكان عُمرُ ابنِ ناجي إذ ذاك إحدى وعشرين سنة، ثم انتقل إلى تونس، وقرأ بها أربعة عشر عامًا، وبعدها قدم قاضيًا وخطيبًا بجزيرة جربة، ثمَّ انتقل لقضاء باجة، وكان له تفقُّهٌ عظيم، وله شرحان على المدونة؛ «الشتوي» في أربعة أسفار، و«الصيفي» في سفرين. وله شرح على الرسالة حسن مفيد سماه «المهذب»، وبالجملة فهو من مشاهير العلماء المصلحين، انتفع به خلق كثير، تُوفي سنة ٨٣٧ﻫ، وقبره في وسط قبة صغيرة بمقبرة الحطبية مشهور يُزار، رضي الله عنه.

علي العبيدلي

أصله من عرب البادية، جاء إلى القيروان كبيرًا، فقرأ العلم على الشيخ الرماح وغيره من كبار العلماء، فنبغ وانتفع به خلق كثير، وكان لا يريد أن يجتمع بالأمراء ولا ينظر إليهم، ولا تأخذه في الأمر بالمعروف لومة لائم. ولما وصل أبو يحيى أبو بكر أمير إفريقية في ذلك العصر للقيروان بمحلَّته، اقتبله أبو عبد الله الرماح مع أهل القيروان، فقال لهم الأمير: هل في القيروان من العلماء الأحياء الصالحين من يُزار؟ فقالوا له: نعم، الشيخ علي العبيدلي. فعزم على زيارته، فقيل له: لا يفتح لك الباب. فقصده هو وقائده المسمَّى ابن سيد الناس، فدق الباب، فقالت امرأة من خلف الباب: مَن هذا؟ فقال لها الأمير: قولي للشيخ أميرك بالباب ينتظرك. فلم يخرج له، فتعوذ الأمير، وقرأ بصوت عالٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ، فأجابه الشيخ، وكان يصلي بصوتٍ عالٍ سمعه الأمير والنَّاس: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ولم يخرج له، فقال الأمير: لا بدَّ لي من رؤيته. فقيل له: إنك لا تراه إلا يوم الجمعة؛ لخُروجه للصلاة.

فوقف له الأمير يوم الجمعة في مكانٍ، فلمَّا رأى الشيخ ترجَّل عن جواده، فانفتل الشيخ العبيدلي بوجهه إلى حائط السور ولم ينظر إليه، فقال له الأمير: يا سيدي، أحبُّ منك أن تدعو لي، فقال له الشيخ: قال رسول الله : «اللهم مَن ولي أمرًا من أمور أمتي فشق عليهم فاشقق اللهم عليه، ومَن وليَ أمرًا من أمور أمتي فرفق بهم فارفق اللهم به.» فركب الأمير ولم يُرَ له وجه.

قال الشيخ محمد الشببي: وإنما حسن من الشيخ العبيدلي هذا؛ لأنَّ الشيخ الرماح ذلك العالم الجليل الذي اقتبل الأمير المذكور كانت حوائج الخلق تُقضى على يديه، فلذلك حسن من العبيدلي الإعراض عمَّن ذكر، ولو مات الشيخ الرماح قبله، واضطرَّت الناس إلى العبيدلي؛ لوجب عليه أن يغير طريقه ويسلك طريق شيخه الرماح؛ ليتوصَّل بذلك إلى قضاء حوائج المسلمين. ألَّف العبيدلي كتابًا في الفقه، وعقيدة في التوحيد. تُوفي سنة ٧٤٨ﻫ، وقبره عليه قبة صغيرة بمقبرة الحطبية بقرب ضريح ابن ناجي مشهور يُزار، رضي الله عنه.

عبد السلام بن غالب المسراتي

قرأ على أبي يوسف الدهماني وغيره من العلماء؛ منهم: أبي زكرياء يحيى بن محمد البرقي الصدفي، قرأ عليه القراءات السبع والحديث وتفقَّه عليه، ثم انتصب الشيخ عبد السلام لقراءة العلم، فانتفع به خلق كثير، منهم عبد الرحمن بن محمد الأنصاري. قال أبو يوسف الدهماني: اجتمع في عبد السلام بن غالب أربع خصال: العلم، والعمل، والزهد، والورع. ولعبد السلام تآليف كثيرة منها كتاب في الفقه سماه «الوجيز»، ونقل فيه الشيخ خليل في شرحه على ابن الحاجب. وكان عبد السلام كثيرًا ما ينشد هذا البيت:

أنت في غفلة وقلبك ساهي
ذهب العمر والذنوب كما هي

تُوفي يوم الخميس من شهر صفر سنة ٦٤٦ﻫ، ودُفن يوم الجمعة إثر صلاتها، وقبره بالحطبية عليه عمود أزرق، وبجانب قبرِه من جهة الجوف قبر ابنه إبراهيم العالم المصلح المتوفَّى سنة ٧٠٤ﻫ، رضي الله عنهما.

(٤) مقبرة باب الخوخة

أبو القاسم السيوري

أخذ الفقه عن أبي بكر بن عبد الرحمن وأبي عمران الفاسي، وكانت له عناية بالحديث والقراءات، والغالب عليه الفقه. انتفع به خلق كثير؛ منهم: عبد الحميد المهدي، وأبو الحسن اللخمي، وأبو القاسم الماهري، وغيرهم من فضلاء العلماء. وكان من الحفاظ المعدودين، والفقهاء المبرزين، يحفظ المدونة تمامًا، ويحفظ دواوين المذهب الحفظ الجيد، ولما نفَذت المدونة أملاها من رأسه، وعندما وجدت نسخها قابلوا ما أملى عليهم فوُجد سواءً. وله تعليق على نُكَتٍ في المدونة. وبنى دارًا لدبغ الجلود؛ لأنَّه كان يأكل من كدِّ يمينه. وكان يملك من الزيتون بالساحل اثنتَي عشرة ألف زيتونة، ويخدم بعضها بنفسه، يأخذ نصف دخلها ينتفع به، والنصف الآخر للفقراء والمساكين، وكان مسموع الكلمة عند الأمراء؛ بحيث إذا طلب عزلَ والٍ ظالم عُزل. تُوفي بالقيروان سنة ٤٦٢ﻫ، ودُفن بداره خارج الباب المعبر عنه الآن بباب الخوخة أحد أبواب القيروان، ضريحه مشهور، رضي الله عنه.

(٥) مقامات العلماء والصلحاء الأتقياء التي داخل سور القيروان

أبو عمران الفاسي

أصله من فاس، وبيته بها بيت مشهور، يعرفونه ببني الحجاج. تفقه بالقيروان على الشيخ أبي الحسن القابسي وغيره. ثم رحل إلى قرطبة فقرأ على سعيد بن نصر، وعبد الوارث بن سفيان وغيرهما. ثم رحَل إلى المشرق، وأخذ بمصر القراءات على عبد الكريم بن أحمد، وأخذ بمكة على أحمد السرقسطي، وحج حجات كثيرة، ودخل بغداد سنة ٣٩٩ﻫ، وحضر مجلس أبي بكر بن الطيب الباقلاني القاضي، وسمع العلم منه ومن غيره، ثم عاد إلى القيروان فأقرأ بها القرآن ودرس الفقه وأسمع الحديث، ورحلت إليه الطلبة من أقصى البلاد، وتفقه عليه جماعة كأبي القاسم السيوري وغيره، وطارت فُتياه في المشرق والمغرب، ثم رحل إلى المشرق مرة ثانية سنة ٤٢٦ﻫ، فلقيَ بمكة عبد الله بن أحمد الهروي وأخذ عنه، ثم قدم القيروان قبل وفاته بيسير. ولما حضرته الوفاة جعلت زوجتُه تمرِّغ خدَّيها على رجليه، فقال لها: مرِّغي أو لا تمرغي، والله إني ما مشيت بهما إلى معصية قط. ولد في سنة ٣٦٨ﻫ، وتُوفي في الثالث عشر من رمضان سنة ٤٣٠ﻫ، وصلى عليه أبو بكر عتيق السوسي الزاهد بوصية له، ودُفن بداره الكائنة الآن قرب الجامع الأعظم، وأحفاده موجودون بالقيروان إلى الآن، ضريحه مشهور بالدار المذكورة يُزار، رضي الله عنه.

أبو عبد الله الرماح

هو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن القيسي ثم الرماح، تفقَّه بالقيروان على تلامذة الشيخ أبي محمد عبد السلام بن عبد الغالب رحمه الله، ثم رحَل إلى تونس، فقرأ بها على الشيخ أبي القاسم بن زيتون. قال أبو القاسم الرزلي: درس العلم أبو عبد الله الرماح بالجامع الأعظم بالقيروان خمسين سنة، وكان مشهورًا بالسَّخاء، وإطعام المساكين. من آثاره في الكرم أنَّ أهل القيروان أصابتْهم شدة في زمنه، وكانت عنده ثلاثة مطامير مملوءة شعيرًا، ففتحها وفرق جميعها على الفقراء والمساكين، ثم دخل لدارِه فقالت له زوجته: ما بقيَ في الدار عندنا طعام. فقال لها: لو عرَّفتِني كنا أخذنا من جملة الفقراء ربع شعير كواحد منهم. وانشرح وقال: الحمد لله، نشتري من السوق طعامنا.

وكان يُطعم الفقراء في المواسم والأعياد، وكان مقصودًا في الفتيا، قائمًا بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر إلى أن حضرته الوفاة. دخل بعض العلماء عليه في مرضه الذي مات فيه، فوجدوه متوسِّدًا حجرًا، وتحته حصير حلفاء قديمة، فقال العايد لولد الشيخ: أيا ولدي، هكذا تترك الشيخ! فقال: كلما نفرش له ونُرفِّهه يتركني حتى نغيب عنه، فيُزيله من تحته ونجده هكذا، فكلمته في ذلك، فقال لي: يا بني ما نحبُّ نلقى الله إلا وأنا على هذه الحالة. تُوفيَ رحمه الله بالطاعون سنة ٧٤٩ﻫ، ودفن بداره الكائنة على يسار الذاهب إلى الجامع الأعظم من طريق الخضراوَين، قريب من الجامع بخطوات، وأحفاده موجودون بالقيروان إلى الآن، رضي الله عنه.

أبو فندار

هو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الجليل بن فندار المُرادي، قرأ على الشيخ محمد الرماح ابن الجلاب وهو صغير السن وارتحل لتونس، وقرأ بها على ابن عبد السلام، ثم رجع إلى القيروان، وانتفع النَّاس به، ومن جملة من قرأ عليه: ابن محمد الجديدي، والشيخ منصور المزوعي، وأبي بن يعقوب الضاعني. كان أعرف النَّاس بمذهب مالك ليس فوقه في عصره أحد بإفريقية، وتولى قضاء بلده القيروان، ثُمَّ تولى قضاء قفصة، وقدم القيروان زائرًا وهو مريض، فمات قرب وصوله فجر ليلة الإثنين المُوفِّي ثلاثين محرم سنة ٧٠٢ﻫ، وصلى عليه الفقيه الخطيب إبراهيم بن عمر الدهماني، ودُفن بداره بحومة الجامع، وقبره مشهور يُزار، رضي الله عنه.

أبو القاسم اللبيدي

هو أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الحصري المعروف باللبيدي نسبة للبدة؛ قرية من قرى الساحل. سمع العلم من أبي الحسن القابسي، وأبي محمد بن أبي زيد وغيرهما، وقرأ عليه محمد بن سعدون وغيره من القرويِّين والأندلسيين، وجَّهه أبو الحسن القابسي ليفقِّه أهل المهدية، وامتد عمره بعد أقرانه فحاز رئاسة العلم بالقيروان. ألَّف كتابًا في الفقه كبيرًا، جمع فيه بين النوادر لأبي محمد بن أبي زيد وموطأ مالك. وألَّف في اختصار المدوَّنة كتابًا سماه «الملخَّص»، وكان ينشد الشعر، ويحسن القول فيه. تُوفي سنة ٤٤٠ﻫ لليلتَين بقيتا من شوال وعمره ثمانون سنة، وصلى عليه ابنه أبو بكر، وكان من أهل العلم، وحضر جنازته صاحب إفريقية، وجميع أركان دولته، ورُثي بمَراثيَ كثيرة، وقبره بداره الكائنة بحومة اللبيدية نسبة إليه، رضي الله عنه.

عبد الله بن أبي زيد

النفزاوي نسبًا، القيرواني مولدًا ومنشأً ومدفنًا، سمع العلم بإفريقية من محمد بن اللباد، وعليه كان اعتماده في الفقه. وسمع من عبد الله بن مسرور الحجام، ومحمد بن العسال، ومن أبي ميسرة، ومحمد بن موسى القطان، وأجازه من أهل المشرق أبو سعيد بن الأعرابي، وإبراهيم بن أبي بكر بن المنذر، وجماعة من البغداديِّين، وتفقَّه عليه كثير من القرويين، والأندلسيين، وأهل المغرب؛ فمن القرويين: أبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو القاسم اللبيدي، وأبو القاسم خلف البراذعي وغيرهم. انتشرت إمامته في العلم شرقًا وغربًا. قال أبو الحسن القابسي: كان عبد الله ابن أبي زيد إمامًا مؤيدًا وثوقًا به في درايته وروايته. وقال الشيرازي: كان عبد الله بن أبي زيد يُعرَف بمالك الأصغر، وله تآليف كثيرة؛ منها: كتاب «النوادر» وكتاب «مختصر المدونة»، و«الرسالة» الشهيرة، و«الاقتداء»، وكتاب «الذب عن مذهب مالك»، وكتاب «المضمون من الرزق»، وكتاب «المعرفة واليقين والتوكل»، وكتاب «المناسك»، وكتاب «شرح مسألة الحبس»، وكتاب «إعجاز القرآن»، وكتاب «التنبيه»، وكتاب «رد الخواطر من الوسواس»، وكتاب «قيام رمضان والاعتكاف»، وكتاب «إعطاء الزكاة للقرابة»، وكتاب «كشف التبليس»، وكتاب «الرد على أبي ميسرة المارق»، وكتاب «حماية عرض المؤمن».

وله رسالة وعْظ وعَظ بها محمد بن الطاهر القائد، وأول تأليف له الرسالة الشهيرة، وسبب تأليفها أنَّ الشيخ محرز بن خلف التونسي سأله، وهو في سن الحداثة، أن يُؤلِّف له كتابًا مختصَرًا في اعتقاد أهل السنة مع فقه وآداب ليتعلَّم ذلك أولاد المسلمين، فألف الرسالة الشهيرة؛ وذلك سنة ٣٢٧ﻫ، وسنُّه إذ ذاك سبع عشرة سنة، فانتشرت الرسالة في سائر بلاد المسلمين حتى بلغت العراق، واليمن، والحجاز، وبلاد السودان. وتنافس الناس في اقتنائها حتى كتبت بالذهب، وأول نسخة نُسِخت منها بيعت ببغداد في حلقة أبي بكر الأبهري بعشرين دينارًا، ولما كان القصد بها أن تعلم لأولاد المسلمين لم يبقَ بلد من بلاد الإسلام إلا بلغَت إليه. وكان ابن أبي زيد رضي الله عنه على غاية من الجود والكرم، كثير البذل للفقراء، والغرباء، وطلبة العلم، ينفق عليهم ويكسوهم ويزودهم. تُوفي يوم الإثنين عند الزوال الموافق ثلاثين من شهر شعبان سنة ٣٨٦ﻫ، وعاش ستًّا وسبعين سنة، وصلى عليه الشيخ أبو الحسن القابسي يوم الثلاثاء في جمع لا يُحصى، ودفن بداره المعروفة الآن، وبجوار قبره قبر العالم الجليل أبو محمد عبد الله الشبيبي شارح الرسالة في سفرين، وقد تُوفي سنة ٨٧٢ﻫ، رضي الله عنهما.

محمد بن خيرون المعافري الأندلسي

كان من أكابر العلماء العاملين، رحل إلى العراق، وقرأ العلم على محمد بن نصر صاحب يحيى بن معين وغيره، ثم عاد إلى القيروان واشتغل بتدريس العلم بمسجده الذي أسَّسه، وهو المسمَّى الآن بمسجد ذي ثلاثة أبواب، فانتفع بعلمه خلق كثير. وكان قائمًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شديد الوطأة على الظالمين المستبدِّين، فسعى به الظالم علي المرودي قاضي الشيعة إلى الأمير عبيد الله المهدي، فأمر عامله بالقيروان المسمَّى الحسين ابن أبي خنزير بقتله. حكى الشيخ أبو الحسن القابسي رحمه الله قال: أخبَرَني من أثق به أنَّه كان جالسًا عند ابن أبي خنزير عامل عبيد الله المهدي المذكور، إذ دخل عليه شيخ ذو هيئة جميلة، وقد علاه اصفرار مع حُسن سمت وخشوع، فلما رآه ابن أبي خنزير بكى، فقال له جليسه: ما الذي يُبكيك؟ قال: بعث لي السلطان عبيد الله يأمُرُني بدرس هذا الرجل — يعني ابن خيرون — حتى يموت، ثم أمر به فأدخل إلى مجلس، وبطح على ظهره، وطلع السودان فوق سرير، فقفزوا عليه حتى مات؛ وذلك من أجل جهاده على دين الله، وبغضه لملوك بني عبيد الظالمين المستبدين.

قال المالكي: ولما مات أخذوه وحملوه على بغل، وألقوه في حفير خارج البلد، ثم نهب ابن أبي خنزير داره وأخذ مولَّدة كانت معه، وجعلها مع خدمه. وكانت عاقبة القاضي الشيعي ابن علي المرودي الذي سعى بابن خيرون أنَّ الله انتقم منه؛ وذلك أنَّ ابن أبي خنزير عامل القيروان المذكور سعى به إلى الأمير عبيد الله فمكنه الأمير منه، فأخذه وكتَّفه ورماه في إصطبل الدواب فركضت الخيل وغيرها عليه حتى قتلتْه، وكانت جارية ابن خيرون تأتيه وهو تحت أرجل الدواب وتتولَّى عذابه بنفسِها، فيقول لها: إنكِ بسببي صرت عند عامل الأمير. فتقول له: يا شيخ السوء، قتلت سيدي ابن خيرون شيخ القيروان، وأزلتني من عنده، ورددتني عند خنزير ابن خنزير، فقد خاب من حمل ظلمًا. ثم تأمُر خدمها فيلطمونه إلى أن مات، وتلك عاقبة الظالمين، ومسجد ابن خيرون قائم إلى الآن على ذاته يشهد لله بالوحدانية والعظمة، ويترجم بلسان حاله على مؤسسه الذي ذهب ضحية الدفاع عن عباد الله والذَّبِّ على الدين الإسلامي القويم، وهذا المسجد هو المعروف الآن بجامع ذي ثلاثة أبواب، يبعد عن سوق المداسين بنحو أربعين خطوة، رضي الله عن مؤسسه، تُوفِّي ابن خيرون سنة ٣٠١ﻫ، ودفن بعد إخراجه من الحفرة التي ألقي فيها بمقبرة الجناح الأخضر، عليه رضوان الله ورحمته.

علي العواني الشريف الحسيني

قرأ على الشيخ الرماح بالقيروان، وقرأ بتونس على الشيخ محمد بن عبد السلام الهواري، وقرأ القراءات السبع على أبي إبراهيم بن عبد العظيم، وتفقَّه عليه أبو عبد الله الشبيبي، وتولى بالقيروان القضاء، والفُتيا، والإمامة، والخطابة بالجامع الأعظم، وهو جَدُّ جامعِ هذا الكتاب للأم، وأحفاده الشرفاء موجودون بالقيروان إلى الآن، ولا زالت نقابة الأشراف في بيتهم. تُوفي الشيخ العواني بالقيروان في سجوده في صلاة العشاء الآخرة سنة ٧٥٨ﻫ، ودُفن بزاويته الكائنة بحومة الباي المجاورة لمدرستِه، وعلى هذه الزاوية والمدرسة أحباس قائمة بهما، وقبره يُزار، رضي الله عنه.

عبيد بن يعيش الغرياني

أصله من جبل غريان من ولاية طرابلس الغرب، قدم القيروان واشتهر بالصلاح والتقوى والتَّوسعة على الفقراء والمساكين، وكان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر. حُبسَت على زاويته أحباس كثيرة، عائد بالنفع على طلبة العلم وأبناء السبيل، وكان رضي الله عنه لا يهتمُّ بأمر نفسه، وغاية مُبتغاه في حياته الالتفات إلى العجَزة والأرامل والأيتام الضعفاء، ولا زالت زاويته إلى الآن مأوى الغرباء وطلبة القرآن. وللطلبة النازلين هناك جراية خبز يأخذونها يوميًّا، تُوفي الشيخ عبيد سنة ٨٠٥ﻫ، ودُفن بزاويته داخل باب الجلادين، وقد تفد الزوار إلى هاتِه الزاوية للتبرُّك بضريح صاحبها وضريح حفيده الشيخ عبيد الأصغر العالم الجليل المتوفَّى سنة ١١٨٢ﻫ، وضريحه في البيت الذي في الجدار المواجه لباب الزاوية الثاني على يسار الداخل مواجَهة له، رضي الله عنهما.

الشيخ عمر عبادة

أصله من أولاد عيار، قبيلة من قبايل البادية، نشأ بالقيروان، وتعاطى صناعة الحديد حتى برع فيها، ثم أعرض عن الصناعة، واشتهر بالصلاح وفعل البر فأحبَّه أحمد باشا باي الحسيني، وصار يُرسل له الأموال الكثيرة، والشيخ ينفقها على الفقراء العاجزين والأرامل والأيتام الضعفاء، واقترح على الباشا المذكور بناء الزاوية المشهورة، وقصد الشيخ من ذلك تبادل الحركة، ولينتفع فقراء البنائين والنجارين في ذلك الوقت العسير، فأسست الزاوية الشهيرة سنة ١٢٦١ﻫ، والنقش الموجود في الألواح والأبواب الغاية منه رواج اليد العاملة.

ثم أرسل الشيخ عبادة إلى أحمد باشا في توجيه «المخاطف» الحديدية الكائنة الآن ببرج الزاوية، وهي ضخمة الحجم من أثر المراكب الرومانية، وجد اثنان منها تحت الأرض بغار الملح، وواحد برادس، فوجَّهها له الأمير المذكور محمولة على عربات المدافع العتيقة؛ وذلك سنة ١٢٧٠ﻫ، وقد تَقصد الزوار هاته الزاوية للتبرُّك، والتفرُّج على هيئة بنائها، والتأمل في تلك المخاطف العجيبة، وبعد الزيارة والتأمُّل ينفحون الفقراء والأطفال الأيتام المجاورين للزاوية بنصيب من الدراهم؛ بحيث صار نفع الشيخ عبادة مُتعديًا في حياته وبعد الممات. تُوفيَ الشيخ سنة ١٢٧٣ﻫ، ودفن بزاويته المشهورة، رضي الله عنه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤