من الذي بدأ الهجوم؟

كان الشياطين اﻟ «١٣» جميعًا في المقر السري، بعد مغامرة «قارئ الأفكار» و«٩٩٩»؛ فقد كان رقم «صفر» يرى أن يقوم الشياطين بتقييم المعركتَين اللتَين خاضوهما ضد هذا العدو الغريب؛ فلم يكن «مالمو» قارئ الأفكار مجرمًا عاديًّا، لقد كان رجلًا خطيرًا، يستطيع قراءة أفكار أي شخص على أية مسافة، وبهذا كان يستطيع في أي وقت أن يعرف الخطط مسبقًا، ويتمكَّن من إحباطها والقضاء عليها، وفي نفس الوقت يبني هجومه على معلومات مؤكَّدة!

وقد اختاره اتحاد العصابات للهجوم على رقم «صفر» وعلى الشياطين اﻟ «١٣»، وقد كاد ينجح في ذلك، لولا تضحية «ش. ٢٨»، أحد أعوان رقم «صفر» بنفسه لكشف مكان «مالمو» في الوقت المناسب …

وقد كانت الجولة الأولى بين الشياطين اﻟ «١٣» و«مالمو» في بيروت، ثم كانت الثانية في القاهرة … واستطاع «مالمو» في الجولتَين أن يهرب في الوقت المناسب. بعد أن قضى الشياطين على أعوانه، وأهمهم الزعيم «كاتسكا» ومستر «ون بولت» … ثم كانت مغامرة رقم ٩٩٩، وآن الأوان للدخول في جولة ثالثة مع العصابة …

لقد غادر «مالمو» القاهرة قبل نهاية الجولة الثانية بثلاث ساعات، وهذا يعني أن عدوَّهم الخطير ما زال حيًّا، وأنه يمكن أن يعود مرةً أخرى …

وهكذا جمع رقم «صفر» الشياطين اﻟ «١٣»، وطلب من كل من اشترك منهم في الجولتَين أن يُقدِّم تقريرًا عن تصوُّره لما حدث، وعن الجولة الثالثة التي لا بد أن تقع.

وقدَّم الشياطين التقارير المطلوبة، وقضوا ثلاثة أيام في تدريبات عادية في المقر السري … وفي صباح اليوم الرابع، في الساعة الثالثة والدقيقة الثلاثين، كانت الأضواء الحمراء تلمع في غرفهم جميعًا تدعوهم إلى اجتماع.

وفي الصالة الرئيسية بالمقر السري جلس الشياطين اﻟ «١٣»، وسمعوا الخطوات الثقيلة المنتظمة لرقم «صفر» وهو يتقدَّم من المنصة العالية التي اعتاد أن يجلس عليها، محاطًا بزجاج يراهم من خلاله ولا يرونه … وسمعوا صوت حركة المقعد العالي الذي يجلس عليه، ثم سعوا صوت رقم «صفر» العميق وهو يُلقي عليهم تحيَّة الصباح، ويصمت ثم يقول: لقد قرأت التقارير كلها، وقد أُعجبت بآرائكم حول المعارك التي خضناها ضد هؤلاء المجرمين، وأعتقد أننا قمنا بعمل عظيم، وقد لاحظت أنكم جميعًا تقريبًا تتوقَّعون جولةً ثالثةً مع «مالمو»، وفي هذه المرة سنقوم نحن بالهجوم …

وصمت رقم «صفر» لحظات، ثم قال: لقد استطاع «مالمو» أن يكتشف مقرَّكم في بيروت، بل استطاع أن يعرف مكاني، فهذا يدل على خطورة هذا الرجل. وما أخشاه حقيقةً أن يتمكَّن في الجولة الثالثة من أن يعرف المقر السري الرئيسي، الذي لا يمكن تعويضه!

وعاد رقم «صفر» مرةً أخرى إلى الصمت، ثم قال: وهذا ما لا يمكن أن أسمح به. إن الأماكن السرية الأخرى في العواصم العربية يمكن تعويضها، أمَّا المقر الرئيسي فلن نستطيع تعويضه إذا اكتشف مكانه … لهذا يجب أن نذهب ﻟ «مالمو» في مكانه قبل أن يحضر هو لنا!

ونظر الشياطين بعضهم إلى بعض، وابتسمت «إلهام» فقد كانت صاحبة فكرة مهاجمة «مالمو» قبل أن يُهاجمهم … وقال رقم «صفر»: إن «إلهام» قد تقدَّمت بنفس هذا الاقتراح، أن نهاجم بدلًا من أن ننتظر الهجوم، وذلك بناءً على نظرية أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع … وقد تابعنا بواسطة أجهزتنا تحرُّكات «مالمو» بعد أن غادر القاهرة، واستطعنا أن نعرف أنه بعد أن غادر القاهرة سافر إلى جزيرة صقلية، وقضى هناك ٢٤ ساعة، ثم غادرها إلى «باريس»، حيث فقدنا أثره تقريبًا، وإن بقيت لنا بعض شواهد مكَّنتنا ببعض الجهد من إعادة تتبُّعه.

وساد الصمت لحظات، ثم مضى رقم «صفر» يقول: ونحن نعرف بالطبع أن صقلية هي الموطن الأول لعصابة «المافيا» الدولية الخطيرة؛ ومعنى ذلك أن «مالمو» سيستعين بهذه العصابة الخطيرة في الجولة الثالثة … وهذا هو الخيط الذي سنسير خلفه حتى نصل إلى مكان «مالمو» … وقد طلبتُ من رجلنا في «باريس» «العصفور الأبيض» أن يُتابعه … وقد جمعتكم اليوم لاختيار خمسة منكم للسفر إلى «باريس»، حيث سيتم الصدام الحتمي بيننا وبين «مالمو» وأعوانه … وأنا أعرف أن «إلهام» و«بو عمير» قد قضيا فترةً طويلةً في «باريس»، لهذا فإنني أُرشِّحهما للسفر إلى هناك، ضمن الخمسة المسافرين.

وسكت رقم «صفر»، ونظر المغامرون بعضهم إلى بعض، ثم قال «خالد»: إنني و«باسم» و«فهد» و«قيس» في مهمة تدريبية في الجبال … فلْيكن الترشيح من بين الباقين.

قال رقم «صفر»: إن المجموعة التي تضم «أحمد» و«عثمان» و«زبيدة» مجموعة متجانسة، وقد عملوا من قبلُ معًا، وخاضوا المعركتَين ضد «مالمو» وهم أدرى به … فإذا لم تكن هناك اعتراضات، فلْيكن الخمسة هم: «إلهام» و«بو عمير» و«عثمان» و«أحمد» و«زبيدة».

ونظرت «إلهام» إلى «أحمد» الذي بادلها النظرات، ولكنها لم تسترسل في أحلامها؛ فقد عاد رقم «صفر» إلى الحديث فقال: والآن إليكم التعليمات … ستسافرون بلا أسلحة؛ فكل شيء تحتاجون إليه موجود هناك وسوف ينتظركم «العصفور الأبيض» واسمه الحركي «مارشيه» في مدينة «فانتيه»، وهي تقع على خط السكة الحديد والطريق الزراعي المؤديَين إلى «باريس»، وهناك فيلا حمراء تقع في وسط الحقول، يملكها تاجر فرنسي من المتعاونين معنا، والفيلا محاطة بزهور «الجاردينيا»، وأبوابها ونوافذها صفراء اللون … وهذه الفيلا هي مركز تجمُّعكم؛ فسوف تُسافرون فُرادى، أو كل اثنين معًا، وتلتقون هناك بعد ٧٢ ساعةً من الآن … وسيضع «مارشيه» كل المعلومات اللازمة أمامكم، وسيكون الاتصال بي عن طريقه؛ فعنده جميع الأجهزة اللازمة للاتصال في فيلا «الجاردينيا».

وتنهَّد رقم «صفر» ثم قال: هل من أسئلة؟

أسرع «أحمد» يسأل: هل تنتهي مهمتنا بالقضاء على «مالمو»؟

رقم صفر: ليس أكثر من هذا … «مالمو» فقط … أمَّا بقية من يستعين بهم فأمرهم سهل مهما كانت قدرتهم … إن «مالمو» أخطر رجل قابلناه حتى الآن؛ لأنه يملك قدرةً خارقةً لا تتوفَّر لأي شخص آخر …

قال «عثمان» ضاحكًا: ما رأي سيادتك في أن نأسر «مالمو» ونحضره معنا؟

ردَّ رقم «صفر»: إنني أترك لكم حرية التصرُّف … ولكن دون إسراف في التعرُّض للمخاطر. تعليماتي لكم هي أن تقضوا عليه، ولم يرِد في حديثي أية إشارة إلى أسره … فأنا أعرف أن ذلك مستحيل!

وانفضَّ الاجتماع … وفي خلال الساعات التالية، عقد الشياطين الخمسة المكلَّفون بالمهمة عدة اجتماعات … وفي صباح اليوم التالي، كانت «إلهام» و«أحمد» يركبان الطائرة المتجهة إلى «لندن» لمزيد من التخفِّي، ثم يركبان من لندن إلى «باريس» … وكان «عثمان» و«زبيدة» يركبان طائرةً إلى «روما»، ومنها إلى «باريس» … وكان «بو عمير» وحده هو الذي طار إلى «باريس» مباشرة؛ ليكون في استقبال الأربعة في العاشرة من صباح اليوم التالي، وكان موعد سفره السابعة مساءً …

كانت الطائرة التي يركبها «بو عمير» من طائرات شركة «إير فرانس» الفخمة، وكان يجلس في الدرجة الأولى مستمتعًا بالكرسي الضخم، ممدِّدًا ساقَيه في استرخاء، وهو يُفكِّر في المغامرة القادمة … ولكن شعورًا داخليًّا جعله يشعر أنه مراقب بشكل ما … فتظاهر بالنوم وأغمض عينَيه نصف إغماضة، وأخذ يرقب الركاب الذين معه من خلف جفنَيه المطبقَين، وأدرك على الفور مصدر الخطر … كان ثمة شخص يجلس في نفس الصف الذي يجلس فيه ولكن في الجانب الأيسر … وأخذ «بو عمير» يتأمَّله … كان رجلًا متوسِّط القامة، شديد الأناقة، قد بسط أمامه بعض الأوراق وحقيبةً صغيرة، وأخذ يكتب باستغراق، ولكن «بو عمير» أدرك على الفور أنه يتظاهر بالكتابة، بقلم أكبر من الحجم العادي قليلًا، وكان الجزء المعدِني من القلم موجَّهًا إلى «بو عمير» … هل هو مسدس صامت؟ هل يحاول هذا الشخص قتله في مكانه؟ وكان الرجل يضغط على القلم مرَّات متعدِّدة، وعرف «بو عمير» أن الرجل لا يُريد قتله؛ إنه يُصوِّره فقط، وليس هذا القلم إلَّا كاميرا دقيقة، والضغط عليه معناه إدارة الفيلم ليلتقط مزيدًا من الصور!

ظلَّ «بو عمير» هادئًا رغم توتُّر أعصابه … لقد عرف أن «مالمو» قد تحرَّك قبلهم وأنهم مراقبون … وتصوَّر ما يحدث الآن لكلٍّ من «إلهام» و«أحمد» و«عثمان» و«زبيدة»، فلا بد أنهم متبوعون، وقد تمت مهاجمتهم قبل أن يصلوا إلى «باريس» …

وكان السؤال الذي يجب أن يُجيب عليه فورًا هو: ماذا ينبغي عليه أن يفعل الآن؟ إن مهاجمة الرجل في هذه اللحظة جنون … وليس في إمكانه إلَّا أن يُحاول متابعة الرجل، بعد أن ينزل في المطار … ولكن الأغلب أن الرجل هو الذي سيُحاول متابعته؛ وهذا يعني أنهما سيلعبان معًا لعبة اتبعني وأتبعك … فمن منهما يكسب؟!

كانت الطائرة الجبَّارة تمضي فوق البحر، تهدر في سماء تبدو صافية، ولكن تحتها كانت السحب السوداء تُنبئ عن جوٍّ عاصف مطير … وكان «بو عمير» يتناول عشاءه، عندما أحسَّ فجأةً أن الطائرة تترنَّح، وشاهد المضيفة تقف بالباب وهي تبتسم قائلة: سيداتي سادتي، هناك بعض المتاعب، ولكن ليس هناك خطر على الإطلاق …

ولكن الابتسامة المطمئنة على وجه المضيفة لم تكن تعني شيئًا أمام ما حدث … فقد أخذت الطائرة تترنَّح في الجو، واهتزَّ كل شيء في الطائرة، وسقطت أطباق الطعام، وانتشر جو من الفزع والذعر بين الركاب …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤