مصر وفيضان النيل

على النيلِ أمْ في جنَّةِ الخُلْدِ أنْزِلُ؟!
وفي مصرَ أمْ في غادةٍ أتَغَزَّلُ!
تَدَفَّقَ في الوادي وجاشَتْ غُرُوبُه
وأقْبَلَ في أَبْرَادِهِ الحُمْرِ يرْفُلُ
وقدْ يزْدَهِيني الوردُ أحمرَ زاهِيا
كما يسْتَبِيني خَدُّ عذراءَ تَخْجَل
تَرَى الذهبَ الوَهَّاجَ مَازجَ فِضَّةً
بلْ النِّيلُ مُحْمَرُّ السبيكةِ أجْمَل
تَبِيتُ الدَّرَاري من صفاءِ سمائِه
على لُجَّةٍ من أَوْجِها تَتَنَزَّلُ

•••

وكم من غَديرٍ مازَجَ الخمرَ ماؤُه
تَرَشَّفَ شَهدًا من ثَناياه جَدْولُ
وراحَ يناغِي في ثَرى مصرَ جنَّةً
تُرَنِّحُ من أَعْطافِها اللُّدْن شَمْأَلُ
تَرُدُّ المُنَى خُضْرًا على كلِّ شاعرٍ
كريمِ الخُطَى في ظِلِّها يتَنَقَّلُ

•••

وقد أغْتَدِي والشرقُ يُلقِي شُعاعَه
على قِمَم النَّخلِ البهيجِ ويرسِل
إلى كلِّ مَرْجٍ حين يبْصِرُ حُسنَه
جواديَ يطغى في العِنانِ وَيصْهِل
وقد نُضِّدَتْ فيه الحقولُ فمُجْمِلٌ
من الحُسنِ في أرجائِه ومُفَصَّل
وهل أرضُ مصرٍ غيرُ أفوافِ بُرْدَةٍ
يزَرْكِشُها نُوَّارُها ويجَمِّل
ويملكُ سمعي بين حينٍ وآخرٍ
أغاريدُ مصقولِ الجناحِ يُرَتِّل
فَأُوقِفُ مُهري تارةً مُتَخَشِّعًا
وحينًا تراني هَيبَةً أتَرَجَّلُ
ومِنْ عَنْ يميني أو يساري تِرْعَةٌ
بَدَتْ كَفِرِنْدِ السيفِ جَلَّاه صَيقَل
وفوقِي سماءٌ رَقَّ مَسُّ نسيمِهَا
فلا أَتَّقِي بَرْدًا ولا أَتَظَلَّل
فيا أهلَ مصرٍ لو تَرَوْنَ كما أرى
محاسنَها بل تَجْهَلُون وأَجْهَل

•••

ألَا أَنصِتُوا إني سمعتُ شِكايةً
يرَتِّلُهَا في شَدْوِه العذبِ بُلبُل
يقولُ أنا بين الرِّياضِ مُنَعَّمٌ
بما أَشْتَهِي من يانع أتَعَلَّلُ
فمِن رُطَبٍ في النَّخلِ حلوٌ مذَاقُه
إلى عِنَبٍ يُسقَى رحيقًا ويؤْكَل
إلى مشمشٍ شَهدٍ وخوخٍ مُوَرَّد
أشُمُّ الشَّذا من خَدِّه وأقبِّلُ
إلى النيلِ أسْتَجْلِيه صُبْحًا ومغربًا
أُسَبِّحُ ربي حولَه وأُهَلِّلُ
خلا أَنني أَشتاقُ إلْفًا تهذَّبَتْ
تُؤانِسُ قلبي عندما أتَجَوَّل
وذلك نقصٌ في عُلا النيلِ شائِنٌ
ولولاهُ كان السَّعْدُ في مصرَ يكْمُلُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤