الحسناء المتأدبة

به منكِ ما أجرَى الدموعَ وما شَفَّا
فتًى عاد رُوحًا جسمُهُ في الهوى ضَعفَا
يظَلُّ رزينَ الحِلمِ كالطودِ راسيا
فإنْ لاح برقٌ أو زَقا طائرٌ خَفَّا
إذا ناحَ أنساكِ الحمامَ وإنْ شدا
بذكْراكِ أخزي الناي والعودَ والدُّفَّا
سقى جفنُه في البُعدِ أمحلَ دارةٍ
فَأَنْبَتَها الزهرَ الجَنِيَّ وما جَفَّا
يعذِّبُهُ بُعدُ الحَبيبِ فإنْ دنا
به وَطَرٌ يزْرِي بِشِيمَتِهِ عَفَّا
يخافُ على عينيكِ من سَهَرِ الدُّجَى
وأن تفتَحي سِفْرًا وأن تكتبي حرْفَا
فما خُلِقَتْ عيناكِ لِلعلمِ وحدَه
ولكنْ لِسرٍّ عن ذكائِكِ لا يخْفَى
كفاكِ عرفْنا أن في الشرق غادةً
إذا كتبَتْ سالتْ على طِرْسِها ظرفا
مزَجْتِ لنا كأسَ الجمالِ بحِكمةٍ
وعلمٍ وشعرٍ فاحتَسَينا الهوَى صِرْفا
وحَلَّقْتِ في جوِّ البهاء فلم نَعُدْ
نرى منكِ إلا كوكبًا يحسِرُ الطَّرْفا
إذا زار أقطارَ السماء تَهَلَّلَتْ
لِرُؤْيتِهِ الأقمارُ وانتَظَمَتْ صَفَّا
وأقبلَ وَفْدٌ من ملائكةِ العُلا
يُطيفُ به حُبًّا ويرْنو له عَطْفَا
وَرُحْنَ له حُورُ الخلودِ سَوَافِرًا
فَأَوْجَعْنَهُ ضَمًّا وأَظْمَأْنَهُ رَشْفَا
وَحَياهُ ربُّ العالمينَ بنُورِهِ
فَزادَ السَّنا إذ كان تمَّمَهُ ضِعْفا

•••

بِنَفْسِي من لا يُثْمِرُ الحُبُّ عندَها
ولا تَرتَضِي إلَّا محاسِنَها إلْفَا
وما ذَكَرَتْني لحظةً في حياتِها
وأَذْكُرُها في لحظةٍ تَنْقَضِي أَلْفا
يهيجُ شُجوني نفحةٌ من دَلَالِهَا
وتعصفُ بي أَرْوَاحُ هجرانِها عَصْفا
وَيلوِي بِعُودي في الشبيبةِ بُعْدُها
ويعْصِرُني عَصْرًا ويقْصِفُني قَصْفَا
تُحمِّلُني وحْدي دمى في غرامِها
ولولا الهوى حَمَّلْتُها من دمي النِّصْفا
فَإِنَّ جمالَ الروضِ يدعو لِنفسِهِ
إذا مَلَأَ الأرْجَاءَ عاطِرُهُ عَرْفا

•••

ألا ليت شِعري هل أعيشُ مُعَذَّبًا
وقد حَفَّ بي من ناعمِ العيشِ ما حَفَّا
فَحَوْلي جَوْقٌ صادِحٌ من بَلابِل
وألوانُ وردٍ ضاحكٍ بالنَّدَى رَفَّا
ولِلرَّوْض نَفْحٌ بالعبيرِ ومنظرٌ
يرُوق مَن استَجْلَى ويشْفِي مَنِ اسْتَشْفَى
وهل جَوُّ مصرٍ غيرُ صَفْو مُخَيِّم
وإن كان قلبي منه في هجرِكم أَصْفَى
وما النيلُ إلا النيلُ في كلِّ مَشْرع
سوى أَنَّ دمعي منه في بُعْدِكُمْ أَوْفى
هنا الجوُّ صافٍ للعِناقِ هنا الهَوى
سُلافٌ هنا ما حسنُه يُعْجِزُ الوصفا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤