النيل السعيد

صَفَتْ مِرآتُهُ وجَلاهُ جالِ
فلَاحَ كأنَّه ذَوْبُ اللآلي
وغازَلَتِ الحدائقُ شاطِئَيهِ
وأَلْقَتْ فوقَهُ خُضْرَ الظِّلَال
فناحِيةٌ بِرُمَّانٍ تَحَلَّتْ
وناحيةٌ أُظِلَّتْ بالدَّوَالِي
ونخلٌ باسقاتٌ كالعَذَارَى
تَثَنَّى في غدائرِهَا الطِّوالِ
خَلَعْنَ الحسنَ مُنْعَكِسًا عليه
فآنَسْنَ الحقيقةَ بالخيال
وكم غُصْنٍ قد ارتَسَمَتْ حُلَاهُ
عليه يَهُزُّهُ رَوْحُ الشَّمال
كما ارتسمت على المرآةِ خَودٌ
يرَنِّحُ عِطْفَهَا خمرُ الدلال
وحَلَّى ألسنَ الأطيار منه
وقال لها اذْكرِي بارِي جَمالي
فَجُنَّ الطيرُ باسم الله حتى
تَدَلَّى الله والسَّبْعُ العوالي
فآمنَ بالبديعِ الصنْعِ قلبي
وفاض الطَّرفُ بالدُّرَرِ الغوالي

•••

وسار النيلُ يطلبُ وصلَ مَصرٍ
وهل يُرضِي المُحِبَّ سوى الوصالِ
تضاحِكُه الغزالةُ في ضُحَاها
وبدرُ التِّم في أوجِ الكمال
عذارَى الغربِ قد سُحْتُنَّ شرْقًا
وغربًا لِلجنوبِ وللشَّمال
أغيرَ النيلِ شاهدتُنَّ نهرًا
تَفَرَّدَ بالمحاسنِ والجلال
لَئِنْ كان الأُلى عبدوه ضلُّوا
فَرُبَّ هدايةٍ تحت الضلال

•••

أُحِبُّ النيلَ حُبَّ أبي وأمي
وأَهْوَى مصرَ فوق دمي ومالي
وبي عن كلِّ مشروبٍ حرامٍ
غِنًى بِرُضابه العذبِ الحَلال
بلادي لا أرومُ بها بديلًا
ولو أُسْكِنْتُ فردوسَ المآل
وما فكَّرتُ في الأهرامِ إلا
بكيتُ مفاخرَ الحِجَجِ الخَوَالي
فلولا يمْسِكُ التوحيدُ رُكني
سجدتُ لتِلْكُمُ الرِّمَمِ البوالي

•••

ألا أَمَلٌ يجُولُ بِنفس حُرٍّ
لهُ صدرٌ جحيمَ اليأسِ صالِ
أيمْضِي الدهرُ لا مَيتٌ فَأَنْسَى
ولا أُشْفَى مِنَ الداءِ العُضال
وما بالي أهِمُّ بما أُرَجِّي
فتقْعُدَ بي على نِضْوٍ رحالي
بِمَنْ يا نيلُ أَرْمِي مَن رمَانا
وقد خَلَتِ الكنانةُ من نِبَالِ؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤