مصر الدستورية

مِن عذبِ ماءِ النيلِ صَفِّ شَرَابِي
ومِنَ الرَّحيقِ أَدِرْ علَى أصحابي
فَرُضابُ هذا النَّهْرِ أحْلَى في فمي
من ذائبِ التفاحِ والأعناب
تاهَتْ على حُمْر الكئوسِ وصُفْرُها
دُرِّيَّةُ اللَّمَحَاتِ بِنْتُ سَحاب
غَذَتِ الغزالةُ بِالضياءِ جنينَها
ذَرًّا تقلَّبَ في بُطون رَباب
طَرِبَتْ لها المُزْنُ الرِّوَاءُ تُقِلُّها
حيث الدِّنان جَثَمْنَ غيرَ طراب
فالرعدُ قَهْقَهَةُ الغمامِ وبرْقُهُ
بسَمَاتُها من غبطةٍ ولِعاب
تُومِي بِبَسْمَتِها السحابُ وضِحكِها
لمقطَّبِين من الدِّنانِ غِضاب

•••

بنتُ الطبيعة دُرُّ تاج جمالِها
أُمُّ الحياة عَمارُ كلِّ يَبابِ
يُجْرِي عليَّ النيل من مَعسولها
رُوحًا يُضيءُ لها دمي وإهابي
فاشَرَبْ هُديتَ السلسبيلَ مُطَهَّرًا
تَرِدِ النعيمَ وَرَدْتَ غيرَ سَرَاب
وانزلْ على حُكْمِ الزمانِ وشرْعِهِ
إنْ كنتَ غيرَ مُصَدِّقٍ بِكِتاب
هذي الممالكُ حَرَّمَتْها وانْقَضَى
شَرُّ الكئوسِ ومحنةُ الأكْواب
إبليسُ تاب عن المُدامِ لرِجْسِها
أَنَظَلُّ نحن ولاتَ حِين متابِ؟!

•••

يا مصرُ بين يديك نشءٌ صالحٌ
سامي المطالبِ ماجدُ الأَنْسابِ
نَفَضَ الغُبارَ وَهَبَّ من أَحْلامِهِ
لَيثًا يُروعُ زئيرُه في الغاب
نادَى بأعلى صوته نُوَّابَهُ
يُملي إرادتَه على النُّواب
النيلُ منبعُه لنا ومَصَبُّهُ
قَبْلَ الجِدَالِ وقبلَ كلِّ خِطَابِ
لا تَقْبَلوا في الحقِّ حُجَّةَ قاسط
قامت دُعامَتُها على الإرْهَاب
فوراءكم شعبٌ يبيعُ حياتَه
في حبِّ مصرَ كريمةِ الأَحْساب
سارت وراء المجلسين صفُوفُهُ
تشتدُّ ذاتَ تَدَفُّقٍ وعُباب
وتَوَحَّدَ العزمُ الشتيت وأَجْمَعَتْ
آراءُ مصرَ على هُدًى وصواب
شعبٌ بصائرُهُ تباشيرُ النُّهَى
وعُلاه بِكْرُ مفاخِرِ الأحقاب
وكنوزه تيهُ الفنون حديثُها
راحُ النفوس ونُزهَةُ الألباب
أَهدَى له (تَوتِنْخُ) دنيا عرشه
دُرِّيَّة التيجانِ والأثواب
طُوفوا بسُدَّتِهِ وحَيُّوا عرشَهُ
وأرنوا ه بالحب والإعجاب
وبعابدين المُلْكُ أشْرَق وازدهي
عالي الدعائِم ثابتُ الأطنابِ
أَسْدَى (فؤادًا) عِزَّ تاج (محمدٍ)
ولِسُدَّةِ (الفاروق) سوف يُحابي
مُلْكٌ على النهرين والبحرين والشـ
ـعبين مُنبسِطٌ رحيبُ جَنَاب
مُلْكٌ تُوَحِّدُه الطبيعةُ أُمُّهُ
توحيدَها للقادر الوهاب
يا أمة (التاميز) جِدَّ أَثيمةٍ
فيما أخذت به من الأسباب
تبنين مجدَك من شُطوط بلادِنَا
بالتُّرَّهاتِ إلى شطوط (الكَاب)
لكننا قومٌ نُحِبُّ ديارَنا
ونَهيمُ في دَمِ نيلنا الجَذَّاب
ولقد بلغْنا رُشدَنا فحقوقُنا
تأْبَى وصايةَ خائنٍ كذَّاب
عُدْنا حديدًا لا يَلينُ لِمَاضِغٍ
وسَرابَ قاعٍ بعد بردِ شراب
وبقاؤكِ استَعْصَى لَدَى أهرامِنَا
فَتَأَهبي من غُرْبةٍ لإِيَاب
(فالبَرْدُ) فينا لا يَطُول كَأرضِكُم
ثَلُجَتْ حَصًى وَتَلَفَّعَتْ بِضَبَابِ

•••

لِلمجلسين أَزُفُّ خيرَ تَحِيَّةٍ
وأَخُصُّ (سعدًا) بعد بعضِ عتابِ
فالحقُّ أَنِّي لا أُسامِحُ إنْ هَفَا
رَجُلًا من العظماءِ والأَقْطَاب
خطأ الصغير إلى التغاضي إنما
خطأُ الكبير إلى عسير حِسَاب
وَمِنَ العِدا ألمُ الجراحِ أَخَفُّ مِن
آلامِهِنَّ يَجِئْنَ مِنْ أَحْبَابِ
أَزْجَيْتُ أوراقي إليه شهادةً
أَنِّي من الشعراءِ والكُتَّاب
وأرادني أسعَى إليه مُؤَيَّدًا
بشهادةِ الجُهَلَاءِ والأَوْشَاب
فأَبَتْ عليَّ النفسُ موقفَ ساعةٍ
تُلْقِي الرءوس بِها إلى الأذناب
ما حِيلَتِي ويَدُ الزمانِ تصدُّني
عن غايتي بأَسِنَّةٍ وحراب
أمشِي وفي رجلي القيودُ تعوقُني
وجهنَّمُ الفردوس جَنْبُ عذابي
قلمي وإن أَرْضَى البيانَ مُحطَّمٌ
سَيْفِي وإن رَدَّ الكَتائبَ نابني
واليأسُ حظِّي والزمانُ مُعَاندي
والهَمُّ زادِي والدموعُ شَرَابِي

•••

راحوا بها لا غالبينَ مُزاحِمًا
لكنَّهم شَهِدُوا وطالَ غِيَابِي
قالوا تنازَلَ آثمينَ وأَرْجَفُوا
بين القُرى بِخديعةٍ وكِذَاب
أنا لا أنوحُ علي النيابة إنَّما
حَظِّي الذي أشكوهُ فهو مُصابي
لا باركَ الله القضاءَ فإنَّه
أَعْمَى استحَلَّ وما جنيتُ عقابي
حابَى بِمالي الوقفَ غيرَ مُوَفَّقٍ
فقَضَى بغُرْم فادح وخراب
فليُهْنِهِمْ مالٌ هُديتُ بِوَعْظِهِم
في جَمْعِهِ ولتُغْنِهمْ أسلابي
كم وَاعظٍ يَهدِي الوَرَى ويَؤُمُّهُمْ
وحياتُه ثِقلٌ عَلى المِحراب
كم من وزيرٍ في مَطارِفِ خَزِّهِ
نفسُ الخفيرِ وهِمَّةً البوَّاب

•••

إن لم أكنْ في الموسرين فإنَّني
في الفائزين غدًا بخير ثواب
في الصابرين ولا كَحُلَّةِ صابرٍ
زانَتْهُ في الدنيا ويومَ مَآب

•••

حسبي من الأقسامِ أَنِّيَ شاعرٌ
أَلقى النشورَ وبِاليمينِ كِتَابِي
للشعرِ قيمتُهُ وحكمتُه التي
شَهِدَ الرسولُ لها وليس بِعابِ
جَهِلَ الذي زَعَمَ الإلهَ يَذِيمُنا
بعد امتداحِ نبيِّه الأَوَّاب
لم يَهْجُنَا الله اللطيفُ مُفاكِهًا
إلَّا رِضاءً لا لِمَحْضِ سِبابِ
أو ما تراهُ له الثناءُ اخْتَصَّنا
بمواهب شَمَخَتْ على الطُّلَّاب
حُجِبَ الجمالُ وسِرُّهُ عن غيرِنَا
وبدا الجمالُ لَنَا بِغيرِ حجاب

•••

ما للقوافِي لا تَرِقُّ لعاشق
من صَفْوةِ العُشَّاقِ والخُطَّاب
تدنو فأَطْلُبُها فتَنْأَى مَنْعَةً
يا طولَ وجدي يا أليمَ عَذَابِي
إن كان في شَرْعِ المحبَّةِ ما أَرَى
عَدْلًا فإني في الغرامِ لما بي

•••

يا مصرُ تَحلُو فيكِ كلُّ مرارةٍ
ولَديكِ جامي فَامْزجيه بصاب
مِن عَسْجَدٍ قد صاغَكِ الله الذي
خَلَقَ المَمالكَ من حصًى وتراب
كم قد رشفْتُ رُضابَ نيلِكِ سَلْسَلًا
كَلَمَى الحبيبةِ عَلَّنِي بِرُضاب
ولَمَحْتُ ضوءَ الشمسِ فيكِ مُوَدِّعًا
كَيَدِ المَلِيحَةِ أَوْمَأَتْ بِخِضاب
كم فيكِ من عِنبٍ ومن أَرْطاب
كَأنامِل الغيدِ الحسانِ رِطابِ
يا مصرُ تَفْديكِ الجآذِرُ والمَهَا
بِعُيونِهنَّ فِداؤُهُنَّ شبابِي

•••

بي من ظباءِ النيل ذاتُ خَلِيقةٍ
لِذَكائها شِيَمُ الربيع صَوَابي
مصريةٌ سوريَّةُ الأنسابِ
شرقيَّةٌ غربيَّةُ الجلباب
خَلَعَتْ لآلِئَهَا على أترَابِهَا
وازَّيَّنَتْ بالعِلمِ والآداب
لُومِي مع اللُّوَّامِ صَبَّك إنَّني
لك قد غفرتُ ذنوبَ كلِّ كَعاب
ماذا لقيتُ من العَناءِ وذُقْتُه
مِن مُحْنَقِينَ عليَّ فيكِ غِضابِ
لا يا حمامةَ أيْكَتِي لا أنتهي
عن عشقِ ذاتِك أو يَطيرَ غرابِي
بل إن أهاب بيَ النذيرُ عصيتُه
فهَوَاك طُهْرٌ لا يُسيغُ مَتَابي
وإذا قَضَيْتُ هتفتُ باسمِكِ شاديًا
في الخُلْدِ بين كواعِبٍ أترابِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤