الماء والخمر

إذا دارتِ الأقداحُ رِجْسًا عليهمُ
فما أنا منهم يبرَأُ الله منهمُ
فصَفِّقْ أباريقَ الغمامِ وهاتِهَا
زلالًا فنفسي أوشكتْ تتضرَّمُ
إذا رقرَقَتْ في الكُوبِ أْلفَيتَ فِضَّةً
تَدَفَّقُ أو ذَوْبًا من الدرِّ يُسْجَم
يُقَطِّرُها الدَّنُّ الحلالُ كأَنَّما
تتابعُها عِقدٌ من الدرِّ يُنْظَم
يرِنُّ رنينَ العُودِ في كلِّ قطرةٍ
كأن قِيانًا تحته تَتَرَنَّمُ

•••

فيا ماءُ سِرُّ الحُسْنِ أنت ومَنْشأُ الـ
ـجمالِ ونورُ الدهرِ والدهرُ مظلِمُ
وأنت حملتَ العرشَ والله فُوقَه
ولم تَكُ أفلاكٌ ولم تكُ أنجمُ
وشتَّانَ بين الماءِ والخمرِ في فمٍ
ولكنَّ ذا حِلٌّ وهذا مُحَرَّم
مضَى الحَقُّ إلا ساعةَ الموتِ إنَّها
ستَنْقُضُ ما يبني الضلالَ وتهدِمُ

•••

فمَنْ شاءَ أن يلْقَى جهنَّمَ قبل أنْ
يموتَ ففي حانِ المُدامِ جهنَّمُ
تُجاذب روحَ الشاربين بنشوةٍ
تبِيتُ لها أحشاؤهم تَتَصَرَّم
ومَن خاف نابَ الأُفعوانِ وسُمَّه
ففي كأسِها نابٌ خَفِيٌّ مُسمَّم
يمزِّقُ أستارَ النفوسِ لُعابُه
ويلطِمُ أنيابَ النَّدامَى فَيَهْتمُ
منابعُ أدواءٍ مواردُ مِحْنةٍ
تطُولُ بها البلْوَى ويشقَى بها الفم

•••

وطاب لأصحابي من الخمرِ نَتْنُها
وأوْهمهَم شيطانُها فتوَهَّموا
يقولون شرب الخمر بات فريضةً
علينا فلسنا إنْ تركناه نهضمِ
فهل لا ترى أنا نموتُ بتركِهَا
فقلتُ لهم مُوتوا فلا خيرَ فيكمُ
ألم يكْفِكُم وردًا كئوسٌ مِزاجُها
من الذلِّ والحرمان صابٌ وعلقم
وتضييعُكم عزَّ البلادِ وهدمُكم
بناءً خليقًا أنهُ لا يُهدَّمُ
أقامَتْه أطرافُ العوالي وصانَه
قرونًا على الدنيا الوَشِيجُ المُقَوَّمُ
إذا مالت الدنيا به قام ركنُه
يُناطحِ رَوْقَ النجمِ والدهرُ مُرْغَم
ألا أبلغوا أهرامَ مصرَ توجَّعي
وإن تَكُ لا ترثي ولا تترحَّم
وإن جزتمُ بِالبدرشَينِ فعَرِّجوا
هُدِيتُم على تلك الطُّلولِ وسَلِّمُوا
وعُوجُوا على الفُسطاطِ تقضوا حقوقَه
وقولوا لِعمرٍو قُمْ أَنَشْقَى وتنْعَم
أتعوي ذئابٌ في عرِينٍ تحلُّه
رُفاتُك — كلَّا — إن بأسَك أعظمُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤