أماني كواذب

مُصابُكَ أجرى دموعَ المصائبْ
وخَطبُكَ شَدَّ وجوهَ المذاهبْ
ورُزْؤُكَ شَقَّ على العالمينْ
ومَنْ بعدَ رُزْئِكَ في العيش راغِب
وهذا الزمانُ قليلُ الجَدَى
كثيرُ الذنوبِ عديدُ المثالِب
رَمانا بِأَحداثِه القاتلات
فَمَنْ ذا نُعادِي ومَن ذا نُعاتب
ولو علم الدهرُ ما نال مِنَّا
رَدَاكَ أَتانا من الغَدرِ تائِب
ولو أَنَّ لِلحادثاتِ فُؤَادًا
لأصبَح من هولِ ذا الخَطْبِ ذائِب
فَوَيْلٌ لَنَا كيف ندفعُ عَنَّا
بَراثِنَ لَيْثٍ من الحَيْنِ واثِب
وكيف نرومُ البقاءَ ونفسُ الـ
ـبَقَاءِ لَنا بالفناءِ مُطالِب
وما دام حَتْمًا علينا القضاء
فَكُلُّ أماني النفوسِ كَواذِب

•••

أَقِلُّوا مِن الدَّمعِ عند المُصاب
فماذا تَرُدُّ الدموعُ السَّوَاكب
فَما الموت إنْ هَيَّجَتْهُ الدموع
سِوَى زائِدٍ في العداءِ ودَائِب
أخاف يغول النفوسَ البواقي
إذا ما بكينا الجسوم الذواهب
لَو انَّ لنا عددَ الرمل جُنْدًا
وملءَ فسيح الفضاءِ كتائب
وحَالَفَنا ذارياتُ الرِّياح
وضَافَرَنا سارِياتُ السَّحائب
وأَمْسَتْ سِهامًا نجومُ السماء
لَنا وحصونًا بُروجُ الكواكب
وهاجَمَنا صَرْفُ هذا الزمان
وحيدًا ونحن هَجَمْنا مَواكِب
لحكَّمَ فينا سيوفَ البَلَاءِ
وَجَرَّ علينا ذُيولَ المصائِب

•••

مُحمَّدُ كنتَ إمامًا لَنا
وكنتَ ضياءً لَنا في الغَيَاهِب
عظيمَ الذكاءِ كريمَ الإباءِ
عفيفَ الرِّداءِ شريفَ المناقبْ
وكنتَ مِجَنًّا لِدِينِ الهُدَى
تُقَارعُ عنهُ سهامَ المعَائب
وتَنْفِي الأباطيلَ عنه بما
حَبَاكَ الإلهُ به مِن مواهب
لَمَسْتَ الشَّريعَةَ في شَيْبها
فَغَادَرْتَها وهيَ عذراءُ كاعب
ومَا عابَ سعيَكَ غيرُ حَسُو
دٍ ولا شانَ رَأْيَكَ غيرُ مُشاغِب
رَفَعْتَ مَنارَ الهُدى والقضاءِ
ودُورَ العلومِ لأَعلى المراتب
وقبلَكَ كنَّا كيعقوبَ قَبْلَ
تؤُوبُ بثوبِ العزيز الركائِب
فَعِشْتَ تُقَاربُ أهلَ العَزَا
ئِمِ مِنَّا وأَهْلَ الجمودِ تُجانب
وَلله داعٍ ولِلنَّاسِ راعٍ
وفي الخيرِ ساعٍ وللحقِّ صاحب
فَعَيْشُكَ راضٍ وعزمُكَ ماضٍ
ورأْيُكَ قاضٍ وفِكْرُكَ ثاقب
هَدَيْتَ العُصَاةَ رَدَعْتَ الطُّغَاة
أَعَنْتَ العُفَاةَ فَتَحتَ المكاتِبْ
فَلَيْثُ صِيَالٍ وغَيْثُ نَوَالٍ
وبدرُ مَعالٍ وبحرُ مَواهب
وصاحبُ رأيٍ لَدَى الحادثاتِ
تَذِلُّ لَدَيْهِ رقاب المصاعِب
يَرُدُّ الوِئامَ يَفُضُّ الخِصام
يَقُدُّ الحُسامَ حديدَ المضَارِب
فَيَا وَيْحَ للمجدِ مَدَّ الرَّدَى
إليهِ بِسهم تَلَقَّيْتَ صائب
وكانت سهامُ المنايا قديمًا
تُصيبُ الحَشَا وتُذيبُ التَّرائِب
وَعَمَّ مُصابُك كُلَّ الوَرَى
فَشَاكٍ وباكٍ وناعٍ ونادِبْ
وأَضْحَى النحيبُ على العينِ فرضًا
وبات الوَجيبُ على القلبِ واجب
وهذا يقول عَلَتْنَا الخُطُوب
وذاكَ يقولُ دَهَتْنَا النَّوَائِب
فيا مِصرُ صبرًا على فَقْدِهِ
فكُلُّ اصْطِبارٍ حميدُ العواقب
ويا خيرَ هادٍ ويا خيرَ قاضٍ
ويا خيرَ مُفْتٍ ويا خيرَ كاتب
تَغَيَّرَ بعدَكَ وجهُ السَّخاءِ
وأصبحَ وجهُ المكارم شاحب
وَزُعْزِعَ رُكْنُ المُروءةِ بعدكَ
وأنهارَ وانْدَكَّ من كُلِّ جانب
لأَنَّكَ كنت كفيل اليتامَى
مُعِينَ الأَيامَى مُنيلَ الرَّغائب
فَمَنْ بعدَ يومِكَ لِلبائِسين
ومَنْ إنْ أهابَ الضَّريرُ يُجاوب
تَرَحَّلْ حَميدًا عليكَ الرِّضَا
ءُ فكُلٌّ سَيَركَبُ ما بِتَّ راكِبْ
لَئِنْ غَيَّبَ التُّربُ جسم الدَّفِين
فما جوهرُ الرُّوحِ في التُّربِ غَائبْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤