في رثاء كروانة

أهْدَتْ لِقلبي الأسى سِحْرِيَّةُ النَّغَمِ
لَمَّا ثَوَتْ وأَرَاحتْ عازبَ الأَلمِ
يا معشرَ الكرْوانِ الله يلْهِمُكُم
فيها العزاءَ ويَشفِيكمْ من السَّقَمِ
إنِّي أشاركُكُمْ في رُزْئِكمْ ومتى
يقضي حقوقَ الأَسَى في مِثْلِها كَلمِي
لو يقْدِرُ الخَطبَ فيها قَدْرَه قلمٌ
مَجَّ النجيعَ على قرطاسِهِ قلمي
أو يعرف الكون فيها ما خسارته
بكي عليها بأجفانٍ من الدِّيَم
وضاعَفَ الحزنَ أَنِّي كنتُ حاضرهَا
لَدَى الوفاة ومُزْجِيها إلى العَدَمِ
جاءت بها طفلتي تسعَى لِوالِدِها
في النَّزْعِ تُشْرِكُه في الحادث العَمَم
وضَعْتُها فوق طاقات مُعَطَّرةٍ
من الأزاهِرِ في رِفقٍ وفي نَدِم
وظَلْتُ أرْقُبُ فيها الرُّوحَ خافقةً
مِلْءَ السَّقامِ لتلْقَى بارئَ النَّسَم
إذا تَحَرَّكَ منها العضوُ حَرَّكَني
إلى السَّماعِ وإنْ يسْكُنْ فللصَّمَم
حتى إذا فَتَحَتْ فاها مُوَدِّعَةً
تَمزَّقَ الشَّدْوُ وانْحَلَّتْ عُرَى النَّغَم
يا شَجْوَ ألحانِها في الجَوِّ طائرةً
غِرِّيدةً في سماءِ النيلِ والهرمِ
كانت إذا البدرُ أضفى من أشِعَّتِهِ
تُسَبِّحُ اللهَ مُضْفِي وارفِ النَّعَم
وتَمَلأُ الجَوَّ أنغامًا مُرَوِّحَةً
عن القلوبِ عناءِ الهَمِّ والسَّأَمِ
تقول رَبِّ لكَ المُلكُ العظيمُ وَلَا
شريكَ لله في فضلٍ ولا كَرَمِ
لو يعرفُ البدرُ فيها قدرَ مِحْنَتِهِ
لم يُشْرِقِ البدرُ في داجٍ من الظُّلَمِ
دَفَنْتُها في ظِلالِ الوَرْدِ أُكْرِمُها
ما بين مُنْتَثِرٍ منهُ ومُنْتَظمِ
ما عِشْتُ تحنو ضُلوعي من تَذَكُّرِها
على خيالٍ لَهَا في القلبِ مرتَسِمِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤