غروب الشمس

هَبي للشِّعرِ يا شمسَ المَغيبِ
مآزرَ من مُذهَّبِكِ القَشيبِ
وقُدِّي من ذُيُولِكِ لِلْمعاني
جناحًا كي تَطيرَ إلى القلوب
ويا شَفَقُ اسْتَبَحْتَ الحُسْنَ حتى
قَطَفْتَ الوردَ من خَدَّيْ حبيبي
كَأَنَّ بلادَ ياقوتٍ أَطَلَّتْ
فَمِنْ سهلٍ يُضِيءُ ومن كَثِيب
كأن السُّحْبَ سُمْرًا حولَ حُمْرٍ
هنودٌ عاكفونَ على لَهِيب
كأنَّ هَوادِجًا حُمْرًا عليها
بناتُ العُربِ تُرْقِلُ في درُوب
كأن الخَيلَ من حُمْرٍ وشُقْرٍ
قد اجْتَمعتْ بِمَيدانٍ رحيب
كأن الجَوَّ يَهْوَى الشمس لكنْ
نَأَتْ عنهُ وسارتْ لِلمغِيب
فجاءَ طُلولَها يبكي علَيْها
دمًا لَهَفًا على الباكي الكئيب
وناداها فلم ترجعْ ولكنْ
أَرَتْهُ إشارةَ الكفِّ الخضيب
كَأنَّ الغربَ من شفقٍ جريحٌ
وهاكَ البدرُ أقبلَ كالطبيب
فَقُلْ لِلشمسِ جيشُكِ قد تلاشَى
أمامَ كتائب البدرِ النجيب
وهذى رايةُ التسليمِ نَجْمٌ
تَأَلَّقَ حينَ مالتْ لِلْغُروب
على الشَّفَقِ النجومُ تلوحُ لَمَّا
تَبَدَّى البدرُ ذو الحسنِ العجيب
كنِسْوَةِ يوسُفٍ لما تَجلَّى
فَقَطَّعْنَ الأنَامِلَ من كُرُوبِ
وقد بَدَتِ الكواكبُ مُشْرقاتٍ
كحُورِ الخُلْدِ من شُرَفِ الغُيوب
وباتَتْ في الغصونِ الطيرُ تَحْكي
حَنينَ (سلَامةَ) الشادي الطروبِ
فَخلْتُ اللَّيْلَ لِلتمثيل دارًا
تُجِيدُ رِواية العِشْقِ الرَّهِيب
وَخُيِّلَتِ الكواكبُ زائرَاتٍ
على (الألواچ) تعبثُ بالقلوب
فَلَمَّا مَثَّلُوا فصلَ التَّلَاقِي
على رغمِ العَواذِلِ والرقيب
جَرَى نهرُ المَجَرَّةِ من عُيونِ الـ
ـكَوَاكِب من جَوى الحبِّ المُذيبِ

•••

تَبَاعَدَ عن رياضِ النوم جَفْني
وهامَ بِمَهْمَهِ السُّهْدِ الجَدِيبِ
وآبَ الهَجْرُ مِمَّنْ رَوَّعَتْني
فيا زَفَرَاتُ لِلْأضْلاعِ أُوبِي
تَصُونُ الحسنَ أنْ يُجْلَى علينا
ومَنْ بالحسنِ أَوْلَى مَن أَديب
لَقد طال الدلالُ فَعانِقيني
أَعُمْ في لُجِّ دِيباجٍ وطِيب

•••

وزَادَ تَلهُّفي لِلصُّبْحِ أَنِّي
ظَنَنْتُ الشُّهْبَ تَلْهَثُ من لُغوب
رَمَى فَوْدَ الدُّجَى فجرٌ مُنِيرٌ
يَلُوحُ به الخِضابُ على المَشيبِ

وكان صاحب السعادة اللواء محمد باشا فاضل الضابط الشاعر من رؤساء صاحب الديوان بالسودان، ورأى القصيدة منشورة بإحدى المجلات الأدبية، فكتب له رسالة يشجعه ويستزيده وصفًا للقمر، وكان بينهما صداقة ومساجلات أدبية، وجاء في رسالته:

سأَلتُكَ بالله والمصطَفَى
ومَن حَجَّ للبيتِ ثمَّ اعْتَمَرْ
تُقَبِّلُ لي فاكَ عَشْرًا ولا
تَضِنَّ عَليْنا بوصفِ القمرْ
فَدَيْنَاكَ من شاعرٍ مُبْدعٍ
مُجِيدٍ إذا قال أهدى الدُّرَرْ

فأَجابه صاحب الديوان واعدًا بوصف القمر:

سلامٌ عليكَ وشوقٌ إليـ
ـكَ وحبًّا سأَبْدَأُ وصفَ القمرْ
وأرْقُبُ مَطْلَعَه ليلةً
يكونُ لها في القوافي أَثَرْ
وأخلو بِهِ خَلْوَةً لِلْحديـ
ـثِ تَشُقُّ عليها الحسانُ الحَبَرْ
ومن كنتَ في الفَضْلِ بحرًا لهُ
فَأرخَصُ شيءٍ لَدَيْه الدُّرَرْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤