مراسم التأبين

استيقظت إيلين من النوم على ضوء الشمس في وضح النهار لترى جون واقفة بجوار سريرها حاملة صينية في يديها، عليها قدح من القهوة وسكر وقشدة، وشرائح من توست القمح كامل الحبة المصنوع بالمنزل.

«يا إلهي! هذا ما كنت أنوي صنعه لك.»

«ما الذي كنت تنوين صنعه؟»

«أن أحضر لك القهوة إلى السرير. وقد استيقظت من قبلك، ولكني انتظرت. أردت الانتظار حتى تشرق الشمس.»

لم تقل إيلين إنها ظلت مستيقظة طوال الليل تقريبًا، تتحسس صلابة حشية الفراش، ونعومة الملاءات، وهي نفسها كشيء غريب، لا ضرورة له أعلاها.

وضعت جون صينية الطعام، قائلة بلهجة انتقادية: «كيف يمكنك أن تعيشي بدون ساعة يد؟ هذا لا يقل بشاعة عن عدم قيامك من السرير ومحاولة عمل أي شيء. إنك لم تستطيعي حتى إدارة مطحنة البن.»

في الواقع، نسيت إيلين ذلك تمامًا، نسيت أنهم يطحنون قهوتهم بأنفسهم. يحضرون نوعين أو ثلاثة من الحبوب من متجر مشهور في وسط المدينة، ويصنعون مزيجًا خاصًّا بهم من البن المطحون.

أردفت جون: «على أي حال كان يجب أن أستيقظ من النوم؛ فهناك كم لا يصدق من الأشياء لعملها.»

«أستطيع المساعدة.»

«ساعديني فقط الآن بشرب قهوتك هذه والبقاء مكانك بينما أبعد القطيع الهادر بعيدًا عن الطريق.»

كانت تعني بذلك الأولاد، كانت ولا تزال تطلق عليهم هذا اللقب دائمًا. لم يحدث أي اختلاف عما كان، نفس الأسلوب المرتجل البراق. كانت ترتدي ملابسها بالفعل، بنطلونًا برتقالي اللون وبلوزة مكسيكية مطرزة من قطن غير مبيض. كانت تبدو كالمعتاد بشعرها الكستنائي المسحوب إلى الخلف والمربوط بشريط مطاطي، وخصلات طويلة ناعمة من شعرها تنساب على جبينها. إنه نفس المظهر الذي ينم عن الحماس المفرط والسيطرة والانشغال، الذي يؤثر فيك ويثيرك في الوقت نفسه. تلك صفات تليق بزوجة مسيطرة. كانت بشرتها متوردة، خشنة الملمس عند وجنتيها وعنقها. ولا بد أن فجيعتها بثكل ابنها قد أدت إلى زيادة احتقان بشرتها، إن كان هناك ما يمكن أن يؤثر فيها.

رأت إيلين أنه من السذاجة أن تتوقع أي تغيير بها. كانت تحسب أن جسد جون قد تعرض للنحول والذبول بسبب أحزانها، وأن صوتها قد أمسى غير واضح، أو لعله أصبح صامتًا تمامًا. ولكن ليلة أمس عندما تعانقا، في المطار، أحست بأن جسد أختها نشيط مفعم بالحيوية كعادته دائمًا كما لو كان له مصدر طاقته الخاص. وعندما حاولت قاطعتها جون مواساتها في إصرار حاد، بل وبنبرة تدل على الابتهاج تقريبًا قائلة:

«الرياح عاصفة اليوم، هل كانت رحلتك مروعة؟»

•••

أرسلت جون الأولاد الصغار إلى المدرسة. كان لدى جون وإيوارت من الأطفال سبعة، إذا حسبنا دوجلاس واحدًا منهم. الخمسة الكبار منهم صبية، ثم تبنيا فتاتين، كانتا هنديتين أو نصف هنديتين. أما الطفل الأصغر فكان لا يزال في روضة الأطفال. كان دوجلاس يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا.

تناهى إلى مسامع إيلين صوت جون وهي تتكلم في الهاتف، قائلة:

«أنا لا أريد كبت مشاعرهم، ولكني لا أريد إثارتهم على نحو مصطنع أيضًا. هل تفهم قصدي؟ نعم. هذه هي بيئتهم الطبيعية. أنا أعتقد أنهم في حال أفضل هنا. ولكني أريد أن تتاح أمامهم الفرصة لكي يعبروا عن أحزانهم. لو كانوا يريدون التعبير عن هذا الحزن. نعم. بالضبط. نعم. شكرًا لك. شكرًا جزيلًا.»

ثم أجرت مكالمة هاتفية للترتيب لشراء ماكينة صنع القهوة.

«أعرف أنه كان يجدر بي حينها شراء الماكينة التي تصنع خمسين كوب قهوة وليس التي تصنع ثلاثين. دائمًا ما تنتهي بي الحال هكذا. أوه لا، لا، كل هذه الأشياء تم الترتيب لها. لا، أنا أفضِّل هذا. شكرًا جزيلًا.»

بعد ذلك اتصلت بعدة أشخاص وسألتهم إن كانوا قد وجدوا وسيلة مواصلات لحضور الجنازة، أو مراسم التأبين، كما كان يُطلق عليها آنذاك. اتصلت بآخرين وسألتهم إن لم يكن لديهم مانع في توصيل هؤلاء الذين يجدون صعوبة في تدبير وسيلة مواصلات للذهاب، ثم عاودت الاتصال بأولئك الذين اتصلت بهم أولًا وأخبرتهم بالمكان والزمان حيث يمكن للآخرين أن يقلوهم بسياراتهم. كانت إيلين قد نهضت من فراشها وارتدت ملابسها في ذلك الوقت، وكانت تغدو وتروح إلى الحمام. ومن غرفة الاستجمام بالطابق السفلي سمعت موسيقى الروك بصوت منخفض على غير العادة، ربما مراعاة للظرف الذي يمر به أهل البيت. لا بد أن الأولاد الكبار بالطابق السفلي. تساءلَتْ عن مكان إيوارت. كان لديها انطباع بأنه ليست كل هذه الترتيبات التي تقوم جون بإعدادها ضرورية، أو على الأقل، لم يكن مطلوبًا من جون أن تعدها. فبمقدور الناس بكل تأكيد تدبر وسائل مواصلات تقلهم إلى هناك بأنفسهم. وجدت إيلين أنها تكره حتى نبرة صوت جون في الهاتف. «صباح الخير، أهلًا! أهلًا، معك جون!» كان في واقع الأمر صوتًا عمليًّا مرحًا مبتهجًا، ألم يكن هناك في هذا المرح الشديد بعض التحدي، إصرار شديد على السيطرة؟ هل كان يمكن أن يقال إن جون كانت تسعى لأن تنال التقدير على ما تفعله؟ حسنًا، ولِمَ لا؟ إذا كان هذا سيفيد، لو كان هناك ما يفيد.

بيد أن إيلين كرهت تلك النبرة في صوتها؛ فقد أصابتها بالإحباط.

في المطبخ غسلت كوبها وطبقها؛ إذ لم يكن هناك غيرهما في مجال رؤيتها. فالمطبخ، في التاسعة والربع من الصباح الباكر، كان نظيفًا ولامعًا كالمطابخ الموجودة في الإعلانات. كانت الأطباق كلها في غسالة الأطباق، فهذا هو مكانها الطبيعي. لم تفكر إيلين في استخدام غسالة الأطباق؛ فهي نفسها تعيش في منزل قديم، منزل مستأجر في مدينة أخرى. كانت تعيش وحيدة لأنها مطلقة وابنتها الوحيدة كانت تتجول في أوروبا. لم تكن تعرف كيف تشغل غسالة الأطباق.

كانت قد تركت بقايا من الخبز المحمص في إفطارها، ولكنها الآن التهمتها كلها؛ لأنه كان من الصعب معرفة في أي من سلال المهملات من المفترض أن تلقيها. ربما يستغرق منها الأمر هنا يومًا كاملًا، على الأقل، لكي تفهم النظام على الوجه الصحيح. كانت قد عرفت ليلة أمس أن ثمة نظام جديد ومعقد لتقسيم النفايات، يساهم في عملية إعادة التدوير. أعربت إيلين عن استعدادها لتعلمه ولكنها قالت: «عليَّ أن أجرب كل هذا لكي أقوم به أنا أيضًا.» فردت عليها جون: «ولكن، ألم تفعلي من قبل؟»

بالمقارنة مع جون، كانت إيلين تعيش بطريقة غير مسئولة. كان يجب أن تعترف بذلك. كانت قمامتها ملقاة بإهمال في كل مكان؛ وتحت مظهرها المرتب، تعج خزائن مطبخها بالفوضى. ذات مرة حدثت مشادة بينها وبين جون بسبب الأكياس الورقية بنية اللون، حيث كانت إيلين تحفظ الأكياس الورقية بحشرها في أحد أدراج المطبخ، أما جون فقد فردتها وسوتها، ثم رصتها بعضها فوق بعض، وبفضل ذلك زادت سعة الدرج كثيرًا وأصبح إخراج الأكياس أسهل كثيرًا. كلتا الأختين ضحكت غاضبة.

علقت جون قائلة: «أنا أعني أن الأمر أسهل بهذه الطريقة. إنه دائمًا أسهل بهذه الطريقة. في الحقيقة، في النهاية يمكنك بذلك أن توفري لنفسك وقتًا كثيرًا.»

فردت عليها إيلين: «أنت موسوسة.» قالتها بنبرة من يحاول يائسًا أن يستخدم لغة جون الخاصة ضدها، فهي تستخدمها بتهكم وعجرفة. واستطردت: «النظام انحراف عن الطبيعة. أنا مندهشة منك.»

ولكنها حاولت. في مطبخ جون حاولت طوال الوقت أن تتذكر النظام والترتيب، أن تتذكر المنطقي دائمًا، على الرغم من التصنيفات غير المتوقعة. كانت دائمًا ما تخطئ. عندما كان إيوارت يكتشف أحد أخطائها، شيء في غير مكانه، كان يربت على ذراعها مع نظرة تنمُّ عن الاعتذار والتواطؤ، دون أن ينبس ببنت شفة، ثم يضع الشيء في مكانه الصحيح بتلويحة ماكرة. ومن هذه الإيماءات من جانبه، وهذا اللطف والقلق من جانبها، فهمت إيلين إلى أي مدى كان كل هذا أبعد ما يكون عن المزاح، فهمت كم سيكون غضب جون عميقًا وحقيقيًّا. في منزل جون وإيوارت أحست طوال الوقت بثقل ظل عالم النظام، والمتطلبات الجادة، والاختلافات التي استخفت بها، كانت هنا أخلاقيات في الشراء والاستخدام، أخلاقيات في النزعة الاستهلاكية. لم يكن لدى إيلين أي أموال قط؛ لذا لم يكن عليها من بأس في التبذير، كانت مهملة وراضية بذلك. أما جون وإيوارت، بما يتمتعان به من ثراء عظيم، فكانا يشتريان ويستخدمان كل الأشياء مع إحساس عظيم بالمسئولية، ليس فقط مسئولية امتلاك الأفضل، الأكثر فاعلية وكفاءة ومتانة، ولا مسئولية الحفاظ على ما يمتلكونه، بل مسئولية نحو المجتمع، على حد وصفهم. وهؤلاء الذين لا يقرءون مجلة كَستمر ريبورتس، المعنية بتقارير الاستهلاك، كانوا يبدون بالنسبة لهم مثل من لا يكلفون أنفسهم عناء الإدلاء بصوتهم في الانتخابات.

الأشياء التي كان من الصعب عليهم شراؤها هي الأشياء التي لا تخدم أي غرض ولكنها ذات أهمية لأي منزل، مثل الصور والزينة. وقد حلوا هذه المشكلة أخيرًا بأن اختاروا لوحات ومنحوتات الإسكيمو، معلقات الحائط الهندية، منافض السجائر، السلطانيات، وبعض القدور المسامية رمادية اللون المصنوعة بواسطة سجين سابق ترعاه كنيسة التوحيديين بوصفه خزافًا! كل هذه الأشياء يتوافر بها قدر من المعايير الأخلاقية، وكانت إضافة إلى ذلك تضفي الزينة بطريقة مقبولة. فتجد زوجًا من أقنعة شعب الكوكيوتل الهندي — يعبر عن خطر داهم وشراسة قاتلة — معلقًا على جدار المدفأة، ويلقى قدرًا كبيرًا من الإعجاب. أرادت إيلين أن تسأل: ماذا تفعل أشياء مثل هذه في غرفة المعيشة؟ لقد لمست في نفسها تلك الأيام إصرارًا غير محبب على التدقيق في بعض الأشياء، كالملابس، مثلًا، والديكور. رغبة في تجنب الخداع، عدم إقحام أشياء جدية في استعمالات سخيفة، عدم ابتذال الأشياء بإدخالها في موضات مختلفة. رغبة محكوم عليها بالفشل. هي نفسها استاءت. وإيوارت وجون لم يقصدا الابتذال، كانا في الحقيقة معجبين بالفن الهندي، وقد قالا: «أليس هذا شرسًا؟ أليس هذا رائعًا؟» في غرفة المعيشة بمنزل إيلين كانت تشيع الألوان المائية الباهتة بألوان الزهور، مجموعة غير متوافقة من الأثاث المستعمل، ومن سيقول إن هذا التدني ومجافاة الذوق لم يكن فعلًا أقل بشاعة من التكلف الظاهر في عرض أقنعة الكوكيوتل، آلهة الخصوبة المشوهة؟

جاء إيوارت من المرأب مرتديًا قميص العمل وبنطلونه. كان شعره قد نما حتى شحمة أذنيه. ثم صاح قائلًا لإيلين: «هل تحبين أن تري حديقتي اليابانية؟ كنت لتوي بالخارج أعتني بالشجيرات. لن تستطيعي رفع عينيك عن هذه الشجيرات عندما تبدأ في النمو.»

كان بصوته نبرة ابتهاج، ولكنها اكتشفت وهي قريبة منه أن رائحة نفسه سيئة، لشخص حزين لم ينم؛ رائحة يغطيها غسول الفم، غير أنه لم يفلح في إزالتها؛ فأجابت:

«بالطبع أود هذا.»

ثم قامت بتتبعه خلال المرأب ثم إلى الخارج. كان يومًا خفيف الغيوم معتدل الحرارة من شهر فبراير. قال إيوارت: «يبدو أنه سيكون يومًا مشمسًا.» وثنى لها الأغصان الرطبة لكي تعبر، محذرًا إياها من المنطقة المائلة من البقعة حيث كانت المرجة الكبيرة زلقة، كان كالمعتاد مضيفًا طيبًا ولطيفًا. الثروة جعلت منه إنسانًا دمث الخلق يسمو فوق كل المتطلبات العادية، كتومًا، استرضائيًّا، غامضًا. عندما قابلته جون لأول مرة، في الجامعة — كلٌّ منهما ذهب إلى الجامعة المحلية بمنح دراسية — بدا أنه ليس لديه أي أصدقاء، فطاردته جون بنفس الإزعاج المستمر والحماسة المشجعة اللذين أظهرتهما بعد ذلك تجاه الطلاب الأفارقة، ومدمني المخدرات، والسجناء، والأطفال الهنود. اصطحبته معها للحفلات حيث وجد فيها مبكرًا وظيفة مقدم المشروبات، ومساعد المضيف والمضيفة، ومهدئ الجار الثائر، وأحيانًا ضابط الشرطة، ويمسك رءوس الناس الذين يتقيئون في الحمام نتيجة كثرة الشرب، كما كان صديقًا مقربًا من الفتيات يبحن له بأسرارهن مع الشبان الذين أساءوا إليهن. قالت جون إنها تريه الحياة؛ إذ كانت تعتبره محرومًا، معاقًا. كان اسمه وماله قد وسماه فقط بالحزن، من وجهة نظرها، كبقعة داكنة بالوجه أو قدم مشوهة. لم يفكر أي أحدٍ أنها كانت تعني بذلك أن تتزوجه، ولا هي نفسها اعتقدت ذلك أيضًا، أخذ هذا منها بعض الوقت لكي تزن الاحتمالات كلها. اعتقدت جون أنها قد أعطته بيتًا، ولكن هذا كله كان ضمن برنامجها لكي تريه الحياة الحقيقية.

كانت إيلين وجون وأمهما في ذلك الحين لا يزلن يسكنَّ في الطابق العلوي من منزل يقع خلف صالون الحلاقة، في شارع بيكر ستريت. غرف المنزل كانت مظلمة، ولكن بها معوضات عن ذلك، رائحة ذكورية صابونية منعشة، تنبعث من صالون الحلاقة، وفي الليل وميض وردي يدخل الغرفة الأمامية من المقهى في ركن الشارع. كانت أمهما تعاني من إعتام العدسات في كلتا العينين، كانت تستلقي على الأريكة الطويلة — كانت لها هيبة، حتى وهي مستلقية — ثم تصدر الأوامر. كانت تريد كئوسًا من الماء، حبوب الأدوية، أكوابًا من الشاي، كانت تريد وضع الأغطية عليها، وعندما تستيقظ تريد إزالتها عنها، وتريد أن يمشط شعرها ويضفر، وتريد أيضًا ضبط محطات الراديو على الموجة الصحيحة، وتستنكر استخدام اللهجة العامية، المبتذلة، لغة بلا قواعد، كانت تريد إيصال الشكاوى إلى صالون الحلاقة ومتجر البقالة، كانت تريد منا الاتصال بأصدقائها القدامى ومعارفها وتسليمهم تقارير عن صحتها المتدهورة، وتساءلت عن سبب عدم قدومهم لزيارتها. أحضرت جون إيوارت وجعلته يجلس ويستمع. وقد حاولت جون تجنب مشكلة والدتها بالتخصص في علم النفس في الجامعة، وهو عين ما حاولت إيلين فعله بدراسة الأدب الإنجليزي، ولكن كانت جون أكثر توفيقًا، حيث قوبلت إيلين بالكثير من الحالات لأمهات مهووسات في كتب الأدب، ولكنها فشلت في الاستفادة من هذا الاكتشاف، أما جون، على الجانب الآخر، فكانت قادرة على تعريف أصدقائها بأمها من دون أي اعتذارات، ولكن بالكثير من التفسيرات المسبقة والمناقشات فيما بعد. كانت تجعل الناس يحسون بالتميز. كان على إيوارت أن يستمع إلى قصة طويلة، كئيبة، مشوهة، وغير صحيحة عن كيف أن عائلتهنَّ تربطها صلة قرابة بآرثر ميجان، رئيس الوزراء السابق في كندا، وقد أخبرته جون أنه بصدد أن يفهم بنفسه الضلالات الراسخة لدى الناس ذوي الطبيعة الخاصة التي نتجت عن موقف اجتماعي اقتصادي لا مخرج له (كانت تقطع قفزات على طريق تعلم اللغة التي يمكن أن تخدم مطامحها جيدًا بقية حياتها)، أما إيلين فلم تستطِع أن تفعل شيئًا سوى التأثر بهذا الحصاد غير المتوقع من المكاسب، هذه الموضوعية المفاجئة.

قالت جون مسمعة إيلين وأي شخص آخر يتسمع الكلام: «هذا أسهل بالنسبة لي بكل تأكيد؛ لأنني الطفلة الثانية؛ فقد تحررت من الشعور بالذنب، الذي تراكم كله لدى إيلين.» بالفحص الهادئ ولكن الدقيق من جانب أولئك المتخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع، كانت إيلين — المكتئبة في ذلك الوقت على أي حال كطالبة دراسات عليا — ترى نفسها تتحرك والشعور بالذنب يثقل كاهلها، من دون وعي منها، تتعثر في مقررات دراسية خاطئة، غير مناسبة في الأدب، وفي علاقتها بحبيبها المزعج (هاوي، كان هذا اسمه، الرجل الذي تزوجته بعد ذلك ثم حصلت على الطلاق منه)، متخبطة كخفاش في ضوء النهار. كانت مندهشة كيف أن جون في سنة واحدة استطاعت أن تتخلص من سمنة المراهقة، وتلعثمها في الكلمات، وبراءتها، واعتمادها على الغير، وارتباكها، وشعورها بالامتنان لمن حولها. من الذي كان يمكن أن يعتقد أنها تملك هذا الصوت العالي الواضح والوجه النضر وذلك الجسم الرشيق، كل هذا إضافة إلى الثقة؟ قبل مضي سنتين فقط، كانت تنظم الشعر، وتقرأ نفس الكتب التي كانت إيلين تقرؤها، كانت تبدو أنها تسير على خطى أختها الكبرى وتصنع من نفسها نسخة منها. ولكن هيهات!

تزوجت إيلين من هاوي، الصحفي غريب الأطوار الذي تركها وطفلة صغيرة تعولها، أما جون فتزوجت من إيوارت وبدآ تأسيس حياتهما. وبينما لم تأخذ حياة إيلين أي شكل على الإطلاق وانهارت بفعل الأزمات وخلت من المسرات، كانت حياة جون مبنية على أسس متينة مخطط لها، تسير بسلاسة. كانت تعوز أسرتهما الأحزان والكآبة، ومهمة المناسبات الحزينة أن تعوض ذلك النقص.

فهل كانت تلك مناسبة أخرى للتعويض؟

قال لها إيوارت: «هذه الشجرة ساعدني دوجلاس في زراعتها الأسبوع الماضي.» ثم عرض عليها شجيرة هلباء قصيرة. كان يستخدم اسم ابنه تمامًا كما تفعل جون، عرضيًّا ولكن بحزم. رقته وتردده الطبيعيان وغير الملحوظين جعلا حزمه أقل إزعاجًا من حزمها. وواصل حديثه عن الحدائق اليابانية، وقال لها، في وقت من الأوقات في اليابان كانت هناك قوانين دقيقة موضوعة فيما يتعلق بأقصى ارتفاع لأحجار الممشى في الحديقة، بالنسبة للإمبراطور كان ارتفاعها ست بوصات، نزولًا حتى العامة والنساء الذين كانوا يمشون على حجارة ارتفاعها بوصة ونصف. ثم أشار إلى الماء، قائلًا:

«صوت الماء في الحديقة اليابانية لا يقل أهمية عن مظهرها. سوف يسقط الماء في ذلك المكان، هل ترين! سوف يكون هذا أشبه بشلال ماء صغير، سوف يتشعب لمجريَيْن عند هذه الصخرة، كل شيء مصمم بدقة، بهذه الطريقة تحصلين على التأثير الاستثنائي؛ إذا نظرتِ إليه وحده دون أي شيء آخر، فبعد قليل سوف يبدأ في الظهور كشلال ماء حقيقي، منظر طبيعي حقيقي.»

وتكلم عن الترتيبات التي اتخذها لجلب هذا الماء، نظام أنابيب المياه تحت الأرض. كان دائمًا ما يهتم بالتفاصيل، والمعلومات الدقيقة عن مشاريعه الحالية، وكان حماسه لا يخبو. كان دائمًا ما يبدو عليه أنه يعرف أكثر حتى من شخص يحترف هذا الشيء ويتخذ منه عملًا يكسب منه قوت يومه. ربما بسبب أنه هو نفسه لم يكن لديه عمل ليتكسب منه قوت يومه؛ إذ لم يكن مضطرًّا لذلك.

مناسبة، ولِمَ لا؟ مناسبة لاستعراض تلك القيم التي نحيا بها، لعرضها على الملأ، لوضعها على المحك. إيوارت وجون عاشا حياتهما على القيم والمثل، كان هذا ما يقولانه. ولِمَ لا؟ كانت إيلين تفكر بهذا، مستمعة إلى حديثه بشأن الأنابيب، وتحول الحديث إلى الشجيرات. كانت تفضل أن ترى الموت حقيقة ماثلة ولا مفر منها، أمام عيون كل الناس، أكانت تفضل ذلك حقًّا؟ من دون عقيدة دينية قوية لا يمكن أن يحدث هذا، لا يمكن أن يحدث بحال من الأحوال. وبفرض أن ابنتها هي من تعرضت للحادث، ماذا لو أنها مارجوت؟ كانت قد فكرت في هذا ذات مرة، بمجرد سماعها للخبر، وانتابها شعور غريب بالراحة يعقبه الذعر. بدا الأمر كما لو أن دوجلاس، بجذبه للأضواء، قد أعطى أبناء كل الناس قبلة الأمان، وفي نفس الوقت مذكرًا أن الضوء لا يزال هنا ويمكن أن يبلغه أيٌّ منهم. مارجوت، التي من الممكن أن تركب في أي لحظة قاربًا مثقوبًا أو ربما طائرة مخطوفة، أو حافلة بفرامل معطوبة، أو قد تدخل مبنًى فخخه الإرهابيون بالقنابل، كانت مارجوت تخاطر أكثر من دوجلاس الذي كان يعيش بالمنزل.

ومع ذلك، لقي دوجلاس حتفه في حادث سيارة، فيما لم يُصَب الفتيان الثلاثة الآخرون الذين كانوا معه بأذًى شديد.

فتًى مكتنز الجسد. على متن الطائرة، كانت إيلين تحاول أن تتخيل صورة واضحة له، كان شعره الأشقر الطويل غير المسوَّى، مربوطًا بشريط إلى مؤخرة عنقه، مثل شعر أمه، ولكنه لم يشارك شباب جيله ذوي الشعر الطويل نفس الاهتمامات والأفكار؛ فلم يكن لديه أي اهتمام بالحالات المتغيرة من الوعي والإدراك، أو المفاهيم السامية، بل شغل نفسه بالمسائل الدنيوية والمادية، والاهتمامات العلمية، بالرحلات إلى القمر، والرياضة (كمتفرج فقط)، وحتى سوق الأوراق المالية. كان مثل أبيه في دأبه الحثيث، ربما متحمسًا، جامعًا ومتعلقًا وساردًا للتفاصيل. كان يستمتع بالشرح، وكان لديه القليل من الأصدقاء. كان يتجول حول المنزل تكتنفه هالة من التحفظ والاستبداد، ويشرب الكولا الخالية من السعرات الحرارية. إيوارت وجون كانا دائمًا ما يملآن نهايات الأسبوع والعطلات الرسمية بالنشاطات الأسرية، كانا يمتلكان مركبًا للإبحار، كانا يذهبان إلى تسلق الجبال واستكشاف الكهوف، كانا يمارسان التحليق والتزلج ومؤخرًا اشتريا دراجتين ذواتي عشر سرعات. افترضت إيلين أن دوجلاس كان يشارك في كل ذلك؛ إذ كان من العسير أن يتجنبه، ولكن جسمه الثقيل ونمط حياته المفتقر للحركة أثارا شكوكًا حول مدى إخلاص وعمق تلك المشاركة. كان قد ذهب إلى المدرسة التجريبية التي اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على مساعدات والديه المالية. ربما لم يكن ذلك الإصرار على الحرية، تلك الجهود المبذولة من أجل الإبداع، مناسبة له. لم يكن بوسع إيلين إلا أن تخمن ذلك فقط؛ إذ لم يكن ثمة شيءٌ في دوجلاس يشير إلى هذا. لم يكن دوجلاس شاعريًّا بدرجة كافية في أي وقت مضى لكي يرى نفسه كمتمرد، كمتشكك في هذه المعتقدات التقليدية.

جلس أبوه القرفصاء لكي يلمس الشجيرات، أظهر لها أنواعًا كثيرة من أوراق الشجيرات، متحدثًا عن متطلباتها المعقدة، عن تحليل التربة، والماء والتغذية التي أعطاها جميعًا اهتمامه. هو لم يكن من نوع الرجال الجذابين جنسيًّا. ولِمَ لا؟ هل السبب هو مؤخرته العريضة ومظهره الضعيف الأشبه بالخنزير؟ في مرة قالت جون لإيلين إنها وإيوارت ذهبا لمشاهدة فيلم إباحي في السينما، مع أزواج آخرين مما كان يُطلق عليه مجموعة التنمية في الكنيسة التوحيدية، كانوا مهتمين باستكشاف المحفزات الجديدة. كانت إيلين قد قالت هذا للناس، عن أختها، فجعلت منها أضحوكة، والآن هي تعتقد أنها كانت مخطئة في سخريتها، ليس لأنها بهذا كانت غير لطيفة، مثلما كانت تشعر ووخز الضمير يعتريها في ذلك الوقت، ولكن لأنها كانت جاهلة. لم تكن الجدية مدعاة للضحك. كان هناك نظام لتصنيف الأشياء يضع كل شيء في خدمة مقاصده، لم يكن بإمكان شيء أن يوقفه، لا الحدائق اليابانية أو الأفلام الإباحية أو حتى الموت العرضي. كل ذلك تم تقبله، هضمه، تعديله، استيعابه، ثم تم تحطيمه.

•••

بعد مراسم التأبين كان المنزل يعج بأصدقاء جون وإيوارت وجيرانهما وأصدقاء أبنائهما المراهقين. كان المراهقون في الطابق السفلي في غرفة الاستجمام، قبالة المدفأة الحجرية الممتدة من الأرض إلى السقف، الكثيرون منهم ادعوا أنهم كانوا أصدقاء دوجلاس، ربما كانوا كذلك، وجاءوا معهم أيضًا بالقيثارات، وأجهزة التسجيل، والشموع. فتاة واحدة جاءت ملفوفة في حشية من الريش، وسألت عند الباب بصوت رقيق: «هل هذا هو المكان الذي يقيمون فيه مراسم التأبين؟» وأخريات ارتدين شالات بأهداب وملابس مهلهلة تجرجر على الأرض. لم يبدوا مختلفين عن الأكبر منهم كما كانوا يتمنون. في الطابق السفلي أشعلوا الشموع، وأطفئوا كل ما عداها من أضواء باستثناء الضوء الصادر من نار المدفأة، أشعلوا البخور، وغنوا وعزفوا على آلاتهم، فيما كانت رائحة البخور تنتشر في أرجاء المكان محدثة تأثيرًا كتأثير رائحة الماريجوانا.

وهو المشهد الذي علقت عليه امرأة طويلة الشعر، رثة الملابس، تلتحف أيضًا بشال، متكئة على الدرابزين: «هذه طريقتهم في توديع دوجلاس. ويا لها من طريقة جميلة حقًّا تهز المشاعر!»

ولكن هل كان دوجلاس سيهتم بذلك، بمراسم التأبين تلك؟ لم يكن ليقول أي شيء، بل كان سيبقى معهم بعض الوقت، على أي حال، من باب الأدب؛ بعدها ربما كان سيذهب إلى غرفته ومعه الجريدة لقراءة صفحة الاقتصاد.

أردف رجل يقف خلف تلك المرأة، قائلًا: «إن معهم سيجارة أو اثنتين محشوة بالمخدرات، رائحتها تبدو كذلك.» واستنتجت إيلين من عدم رد المرأة، ومن الطريقة التي اقتربت بها منه بوجهها وبسائر جسدها، أنه زوجها بالتأكيد. وعلى عكس زوجته؛ فقد جاء مرتديًا ملابسه بشكل محافظ، كان يبدو كما كان الرجال قد تعودوا الظهور في الجنازات. مثل هؤلاء الأزواج كانوا شائعين في هذه الأيام؛ الزوج المسئول، المحترم، سريع التأثر، طويل الشعر قليلًا، وقصير السوالف، أكمامه نظيفة ومربوطة، تحيط به هالة حقيقية، وإن كانت مؤسفة، من المال والسلطة، هالة سخيفة أو لها ما يبررها؛ أما الزوجة فتبدو لا مبالية، لا تضع إلا قليلًا من مساحيق التجميل، تعوزها الرزانة، تجرجر ملابس توحي بالفقر المدقع. من آن لآخر، كان يأتي زوجان متناقضان؛ الزوجة تتشح بقلنسوة وترتدي زيًّا فاتح اللون وتضع في أذنيها أقراطًا صغيرة، أما الزوج فيلبس سترة مخملية مطرزة، مطوقًا عنقه بالتمائم والصلبان المتلألئة فيما بين شعيرات صدره.

انتقل هذا الزوج هو وإيلين إلى غرفة المعيشة، التي تعج بأناس على هذه الشاكلة، شالات وقفاطين، ملابس قطنية موشاة من الهند، بنطلونات من الجينز. لم يكن صعبًا، منذ عامين أو ثلاثة أعوام مضت، تمييز أصدقاء إيوارت وجون الأغنياء عن التوحيديين، أصدقاء «مجموعة التنمية»، أما الآن فقد بات هذا مستحيلًا؛ نظرًا لأن بعض هؤلاء أصبحوا ربما ينتمون للفئتين معًا.

كان إيوارت يتحرك فيما بينهم يقدم لهم المشروبات، فيما كانت جون في غرفة الطعام، إلى جوار المنضدة حيث القهوة والشطائر؛ ولفائف النقانق ولفائف الهليون. كانت قد وجدت بعض الوقت لعملها. كانت ملابسها جميلة: فستان طويل منسوج يدويًّا من اللونين الذهبي والبرتقالي ودثار طويل متناسق مع لون الفستان، سميك وقوي، مكسيكي أو إسباني الطراز. أما جفونها المطلية باللون الأخضر الفضي فكانت مفاجئة وخاطئة تمامًا، وهي الخطأ الوحيد الذي يشي بتسرعها واضطرابها.

قالت لأختها: «هل أنت بخير؟ لم أستطِع أن آخذك في جولة وأقدمك للناس، لقد تركتك تتصرفين من تلقاء نفسك.»

فردت إيلين قائلة: «أنا بخير تمامًا. أحتسي الشراب.»

لم تعد تطرح السؤال حول ما يمكن أن تقوم به للمساعدة. يئست من البحث عن شيء تفعله. كان المطبخ وغرفة الطعام يعجان بالنساء اللاتي كن يعرفن أين يوضع كل شيء، ولكنهن لم يكنَّ أفضل حظًّا منها؛ فقد استبقت جون كل هؤلاء، وكل شيء كان معدًّا سلفًا.

كان الخشب يكسو جدران غرفة المعيشة وسقفها العالي المائل، أما السجادة فكانت وثيرة والستائر ثقيلة، كريمية اللون، ناعمة الملمس. شربت إيلين الفودكا، ولم تكن الستائر مسدلة بالكامل. كانت تتأمل في أزيائهم الرائعة، المحيرة (كانت هي أيضًا ترتدي قفطانًا أزرق غامقًا مطرزًا بالخيوط الفضية، وهو ما يعني أنها خانت أحكامها الصارمة). كانوا يتحركون، يشربون، يتكلمون، طيلة عصر ذلك اليوم وحتى بداية المساء. وفي المساء المظلم الممطر شاهدتهم جميعًا ساطعين حقًّا، شاهدت بساطًا من الأضواء لم يكن سوى المدينة، يشقه خيط معتم لم يكن سوى النهر.

سألها زوج تلك المرأة: «أتدرين أين أنت؟» ثم أردف سريعًا: «أنت على جانب جبل هوليبورن. وتلك ضاحية بوينت جراي هناك.» وجعلها تتحرك لكي تقترب أكثر من النافذة لكي يشير في الاتجاه المعاكس لجسر ليونز جيت بريدج، الذي كان أشبه بإكليل بعيد من الأضواء المتحركة. وهو ما علق عليه بقوله:

«مشهد رهيب.»

وافقته إيلين الرأي.

قال لها إنه جارهم، كان قد بنى منزلًا فوق الجبل. وشأنه شأن الكثير من الأغنياء كانت تبدو عليه سيماء الإخلاص والحيرة والهم، والسعي وراء نيل ما يجب نيله.

ثم استطرد: «كان لدينا منزل في نورث فانكوفر، ولم أكُن متأكدًا لوقت طويل إن كنا محقين في التخلي عنه. لم أكن متأكدًا أنني قد أحب هذا المشهد بهذا القدر. تعودنا أن ننظر إلى الخارج ونرى انحدار هذا الجبل، في المكان الذي نحن به الآن تمامًا. والجسر والمدينة، وفي يوم صافٍ نستطيع أن نرى جزيرة فانكوفر، وبالنظر غربًا ترين غروب الشمس. منظر بديع، ولكني واقع في غرام هذا المشهد بالقدر نفسه لدرجة أنني لا أرغب في العودة أبدًا.»

بادرته إيلين متسائلة: «هل أنت مغرم دومًا بالمناظر الطبيعية؟»

فكرر كلامها: «مغرم دومًا بالمناظر الطبيعية؟» ثم مال برأسه عن يمينه وأسبل عينيه كمن ينتظر أن يُسحر.

فأردفت: «حسنًا، تخيل أنك في حالة مزاجية سيئة، أنت تعرف، من الممكن أن تكون في حالة مزاجية سيئة، ثم تنهض وتفرد ذراعيك عن آخرهما وأمامك هذا المنظر الرائع. وطوال الوقت لا تستطيع الذهاب بعيدًا عنه، ألا تحس أبدًا أنك لست أهلًا لذلك؟»

«لست أهلًا لذلك؟»

«مذنب.» قالتها إيلين بإصرار بالرغم من لهجتها المتأسفة، ثم أوضحت قائلة: «ألا تشعر بالذنب لأنك لست في مزاج أفضل؟ تشعر بأنك لا تستحقه؛ هذا المنظر الخلاب؟» ثم أخذت رشفة كبيرة من الشراب، متمنية بالتأكيد أنها لم تدخل في هذا الحوار من الأساس.

رد الرجل في زهو: «ولكن ما إن أرى هذا المنظر الخلاب، حتى أنسى حالتي المزاجية السيئة على الفور. إن تأثير هذا المنظر عليَّ يفوق تأثير بضع كئوس من الشراب، أكثر من تلك الأشياء التي يشربونها بالأسفل. إضافة إلى أنني لا أُومن بالحالات المزاجية السيئة، الحياة أقصر من أن نضيعها في تلك السخافات.»

قوله هذا ذكَّره أنهما ليسا في حفلة؛ فقال من فوره:

«الحياة أقصر من أن نضيعها في السخافات. ليس هناك أي تفسير واضح لما يحدث، أليس كذلك؟ إن أختك رائعة، وإيوارت أيضًا.»

قطعت إيلين الردهة وصولًا إلى غرفة الضيوف، وهي تحمل شرابًا قويًّا أعدته لتوها. دلفت من باب الغرفة التي كان بها الأطفال الصغار، أطفال الأصدقاء يلعبون مع ابنتَي جون الصغيرتين المتبنَّيَتين، كانوا يلعبون لعبة، وقفت هناك وشاهدتهم. شعرت بالرهبة نوعًا ما من الطفلتين الهنديتين، شعرت بأنها في امتحان أمامهما. بكل تأكيد كان هذا عندما كانت جون هناك، كان بإمكانها أن تحس أن جون تنصت وتشاهد؛ بدت وكأنها ترتعش، مع حرصها على كشف الإخفاقات في المواقف. من الذي يمكن أن يصدق أن جون — وكذلك إيلين — كانت تتحدث داخل المنزل بإنجليزية مبسطة كالتي كان يتحدث بها الزوجان الصينيان في بقالة شارع بيكر؟ كانت إيلين تشاهد الوجهين الأملسين بنيي اللون للطفلتين الهنديتين. ماذا كانتا تحديدًا؟ شارات جون؟ جوائزها؟ لم تستطِع أن تراهما كذلك، جون وحدها استطاعت.

أغلقت باب غرفة الضيوف، ثم استلقت في الظلام، عاقدة كاحليها، دافعة بالوسادة إلى الأعلى خلف رأسها، ما زالت ممسكة بالكأس ولكنها أسندتها على بطنها. كانت قد وصلت إلى المرحلة التي كانت دائمًا تصل إليها في منزل جون. لم يُحدِث دوجلاس أي فارق، لم يُحدِث الموت أي فارق، كانت تصاب بالشلل غير قادرة على تمالك نفسها. في هذا المنزل تشعر أن حياتها واختياراتها (إن كان هناك أي اختيار أمامها)، وهي نفسها، لا تترك أي انطباع محبوب، أو حتى متماسك. كان يجب التسليم بأنها قد عاشت حياة عشوائية، أنها ضيعت وقتًا كثيرًا جدًّا، أنها لم تَقُم إلا بعمل القليل جدًّا من الأشياء الجيدة. لا يهم كيف كان كل هذا يبدو عندما تبتعد عن هنا، كيف حولت كل هذا إلى قصص طريفة للأصدقاء. علاوة على ذلك، لم تكن قادرة على تقديم المساعدة.

وهي في طريقها إلى هنا بالطائرة حسبت أنه يمكن أن تصنع بسكويت الشاي، كما لو كان هذا ممكنًا حقًّا، في مطبخ جون.

حينما علموا بوفاة أبيهم في الحرب، جاءهم الخبر لسبب ما عبر مكالمة هاتفية، في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة مساءً. كانت أمهم قد صنعت بسكويتًا وشايًا، وأيقظت إيلين لتشاركها فيهما، وليس جون؛ لأنها كانت صغيرة جدًّا آنذاك. كان لديهم مربى، وكانت إيلين جشعة ولكن جبانة. كانت أمهما معظم الوقت شخصًا خطيرًا، تشكو من آلام غامضة، ومآسٍ لا أول لها ولا آخر. بدت كما لو أنها تخلَّت عن موقعها المعتاد، لتتحوَّل إلى إنسانة غير مزعجة، مقلَّة من طلباتها، وفوق كل ذلك، خجولة. لم تخبرها بهذا النبأ (كانت ستوقظهما في الصباح بوجه أبيض شاحب، وتقبِّلهما قبلة بغيضة، وتقول لهما بصوت رتيب: بابا مات). بعد سنوات حاولت إيلين أن تتحدث مع جون عن عشية ذلك اليوم مع البسكويت، هذه الطريقة التي تصرفت بها أمهما كشخص ضعيف ساكن؛ تقريبًا تصرفت كامرأة عادية، وهو الشيء الذي كانتا تأملانه آنذاك. قالت جون إنها تجاوزت كل هذا.

«منذ سنوات مضت، وبنظرية الجشطلت أيضًا. حقيقة لقد تجاوزت الأمر بنظرية الجشطلت، لقد تجاوزت الأمر وانتهيت منه.»

فكرت إيلين في نفسها: «أنا لم أتجاوز أي شيء، علاوة على ذلك، لم أكُن أُومن أن الأحداث وُجدت ليتم تجاوزها.»

الناس يموتون؛ هم يعانون، ثم يموتون. لقد ماتت أمهما بالالتهاب الرئوي العادي، بعد كل هذا الجنون. أمراض وحوادث، يجب احترامها، لا تفسيرها. الكلمات كلها مخزية. يجب أن تتوارى خجلًا.

أثارت الكلمات التي قرئت من كتاب «النبي» أثناء مراسم التأبين عصر ذلك اليوم استياء إيلين؛ فهي في نظرها مجرد خداع وإهانة، كانت غير متعمدة؛ إذ كانت في الواقع المرادف العصري للتقوى، إن لم يكن هذا عذرًا. والآن مع تأثير الشراب رأت أنه ما من كلمة قد تجدي أي نفع. الآن في أمل مؤكد ويقيني أيضًا … لا خداع في الكلمات ولكن الخداع الآن في قولها. الصمت الآن هو الشيء الوحيد الممكن.

في وقت ما كانت هي وجون يستحقان اعتبارًا أكثر مما هما الآن، في وقت ما كانتا غير كريهتين. أليس كذلك؟ إيوارت أيضًا، والجيران أيضًا، والتوحيديون أيضًا. في وقت من الأوقات كان يمكن الوثوق في أننا نعرف ما نعنيه، ولكن ليس الآن، على الرغم من أننا في حال أفضل الآن. انضمت جون لمجموعة التنمية، وتعلمت أيضًا اليوجا، وبحثت في التأمل السامي، سبحت عارية، مع آخرين، في مسبح دافئ في جزيرة للصفوة؛ أما بالنسبة لإيلين، فقد قرأت كتبًا كثيرة، وعرفت كيف يكون التعرض لكل أشكال الخسة. قد تظن أنهما أفضل حالًا من أمهما، ولكن ثمة شيئًا خاطئًا بهما مثلها تمامًا. الشيء الوحيد الذي نتمنى حدوثه هو أن نهرب الآن إلى الواقع، هكذا فكرت إيلين، ثم استغرقت في النوم ثواني معدودة، لتقوم مفزوعة بعد ذلك، وأصابعها قابضة بقوة على الكأس.

كادت أن تسكبه على السجادة والمفرش. شربت كل المتبقي من الشراب ووضعته على المنضدة إلى جانب السرير وغلبها النوم من فورها.

استيقظت وهي ما زالت مخمورة، لم تعرف كم الوقت الآن، كان المنزل هادئًا. قامت من النوم، تفكر في أنها يجب أن تغير ملابسها إلى ملابس النوم. ذهبت أولًا إلى الحمام، مرتدية قفطانها الأزرق الغامق، ثم إلى المطبخ لكي ترى الوقت في الساعة. نور المطبخ كان مضاءً. كانت الساعة الحادية عشرة والربع فقط.

شربت كوبًا كاملًا من الماء البارد، الذي كانت تعرف من خبرتها أنه سيقلل صداعها الصباحي أو يقضي تمامًا عليه إذا كانت محظوظة. خرجت من الباب الجانبي إلى المرأب، معتقدة أنها من الممكن أن تقف هناك بعيدًا عن المطر وتتنفس الهواء النقي. كان الباب مفتوحًا. ولما كانت تسير مترنحة، تحسست طريقها بطول الحائط المعلق عليه بمسامير خرطوم الحديقة وأدوات الزراعة. سمعت خطوات شخص قادم ولكن لم تكن قلقة من ذلك، كانت مخمورة جدًّا، فلم تُبالِ به أيًّا كان ولا بما سيظنه بها، إذا وجدها هنا على هذه الحال.

كان هذا إيوارت حاملًا مرشة النباتات.

صاح قائلًا: «جون؟ أهذه أنت يا جون؟ إيلين! لا أدري كيف حسبتُكِ جون؛ فقد تناولَتْ حبتين من حبوب النوم.»

فردت إيلين: «ماذا تفعل هنا؟» كان صوتها مخمورًا، به نبرة تحدٍّ ولكنه يخلو من أي عدوانية.

«أروي النباتات.»

«إنها تمطر يا إيوارت. أنت أحمق.»

«لقد توقف المطر.»

«كانت تمطر قبل ذلك، لقد لاحظت هذا عندما كنا في غرفة المعيشة.»

«كان يجب أن أروي الشجيرات الجديدة. إنها تحتاج كميات مذهلة من المياه في البداية. لا يمكنك أن تعتمدي على المطر لكفايتها من المياه. حتى في يومها الأول.»

وضع المرشة جانبًا. ثم جاء من خلف السيارات إليها.

«إيلين. من الأفضل أن تدخلي إلى المنزل. لقد احتسيتِ الكثير من الشراب. ألقت جون نظرة عليك في وقت سابق. قالت إنك كنتِ كالميتة من فرط الشراب.»

كان مخمورًا هو أيضًا. كانت تعرف ذلك؛ ليس من خلال صوته ولا من الطريقة التي يمشي بها، ولكن من تثاقله، من بلاهته وعناده، وهو واقف أمامها مباشرة.

«إيلين. أنت كنت تبكين. هذا لطف شديد منك.»

ليس من أجل دوجلاس، لم تكن إيلين تبكي من أجل دوجلاس.

«إيلين. أنت تعرفين أن وجودك هنا كان عونًا كبيرًا لجون.»

«أنا لم أفعل أي شيء. كنت أتمنى لو أستطيع فعل أي شيء.»

«مجرد وجودك هنا يكفي، جون تقدر لك هذا الصنيع كثيرًا.»

قالت إيلين مندهشة: «حقًّا؟» ليس تكذيبًا له، بل كان مصدر اندهاشها هو قدرة إيوارت على المجاملة بأدب، حتى وهما الاثنان مخموران.

«إنها لا تستطيع التعبير عن نفسها أحيانًا. هي تبدو … كما تعرفين، أحيانًا هي تبدو متسلطة قليلًا. إنها تدرك ذلك. ولكن من الصعب أن تتغير.»

قال إيوارت: «إيلين.» ثم خطا نحوها خطوتين وعانقها.

إيلين امرأة مضيافة، خاصة عندما تكون مخمورة. لم يفاجئها هذا العناق تمامًا. كان هذا متوقعًا، مع أنه سيكون من العسير عليها شرح كيف توقعته. ربما مع إيلين — إيلين الوحيدة، متقلبة المزاج، الرخوة بشكل عجيب في بعض الأحيان، مع أنها حادة بما يكفي في أحيان أخرى — عناق مثل ذلك دائمًا ما يكون متوقعًا. سمحت به، وتقريبًا رحبت به، ولكن كيف تخلِّص نفسها بدون أن تبدو فظة؟ حتى لو لم يكن هذا ضمن ما خططت له، يمكنها أن تزيح توقعاتها جانبًا لخلق مساحة له، هكذا فكرت، كما تعودت أن تفكر دائمًا في لحظات مثل هذه، ولِمَ لا؟

النسوة مثلها، النسوة اللاتي يفكرن بهذه الكيفية، يُعتقد أنهن ضعيفات، تعوزهن الروح، سريعًا ما يصبن بالدوار أمام أي إغراء، وحالهن يرثى له. نسوة أخريات يعتنقن هذا الرأي، ورجال أيضًا، لا سيما الرجال الذين يتحينون كل فرصة لإبداء الإعجاب والتقدير. كانت إيلين تعرف هذا، ولكنها وجدته بعيدًا عن الحقيقة، وحسبت أنها تُثار بسهولة. لكن في تلك اللحظة، لم تكن تتوقع كل تلك الإثارة من زوج أختها إيوارت — الذي كان الآن يقودها، بتصميم ومهارة أكثر مما توقعت على الإطلاق، باتجاه المقعد الخلفي من السيارة الأكبر — ولكنها فعلت ما هو أكثر من السماح له، تقريبًا كانت تفعل دائمًا ما هو أكثر من ذلك. كم أحبت وجهيهما في هذه الأوقات، كانت معجبة بجديتهما؛ تفانٍ محبب وجدية مجردة، انتباه للواقع، واقعهما الخاص.

ترديد اسمها كان كل الحديث الذي تفوه به معها، كانت قد سمعت هذا من قبل. ماذا كان إيوارت يعني بهذا الاسم؟ ماذا كانت إيلين بالنسبة له؟ النساء يجب أن يتساءلن. كانت مثبتة على مقعد السيارة في وضعية غير مريحة تمامًا، إحدى رجليها ملتوية ومرفوعة على ظهر المقعد معرضة لخطر الإصابة بشد عضلي. كانا سيستمران في البحث عن دلالات، وتخزين الأشياء في سرعة ليتم النظر فيها فيما بعد. كان عليهما أن يصدقا أن ما يحدث أكثر مما يبدو لهما، وهذا جزء من المشكلة.

فيما بعد كانت إيلين تفكر في نفسها: ماذا كنت أعني بالنسبة لإيوارت؟ كان هذا محيِّرًا. النقيض التام من جون! أليس هذا ما كانت هي عليه؟ الشيء الطبيعي الذي يبحث عنه رجل يتألم، رجل يحب زوجته ويخاف منها. سقطة موجزة. إيلين بلا هدف ولا تتحمل المسئولية، إنها تأتي من نفس المكان في العالم الذي تأتي الحوادث منه. إنه يضاجعها بهدف الإقرار والتسليم — ولو في أمان مؤقتًا — بما حدث لابنه، بما لا يمكن أن يقال في منزله. وبهذا تستطيع إيلين، مع خلفيتها المثمرة في القراءة، وعادتها البارعة في التحليل (المادة والتوجه مختلفان عن جون، ولكن العادة ليست مختلفة تمامًا، في النهاية)، فيما بعد تفسير الأمر لنفسها. إنها لا تعرف، ولن تعرف أبدًا، ما إذا كان كل هذا أدبيًّا، خياليًّا. جسم المرأة. قبل وأثناء الفعل يبدو أنهم يهبون لهذا الجسد قوى فردية معينة، يقول الرجال اسمه بطريقة توحي بشيء معين، شيء فريد، شيء يتم السعي وراءه. بعد ذلك يبدو وكأنهم قد غيروا رأيهم. إنهم يتمنون أن يُفهم أن هذه الأجساد قابلة للتبادل، أجساد النساء.

•••

أخذت إيلين تحزم ملابسها، طوت قفطانها المكرمش المتسخ ووضعته في قاع حقيبتها، على عجل، وخشية أن تقرر جون، التي مرت مرتين أو ثلاث أمام باب غرفتها، الدخول إليها. هي وجون كانتا وحدهما في المنزل، كان الأطفال قد عادوا إلى المدرسة في هذا اليوم، وإيوارت قاد سيارته إلى المدينة ليحضر بعض الأنابيب لنظام ري الماء. كانت جون هي التي ستقوم بتوصيل إيلين إلى المطار.

دخلت عليها جون، قائلة: «يسوءني أن ترحلي سريعًا. إنني أحس بأننا لم نفعل أي شيء من أجلك. نحن لم نصحبك إلى أي مكان هنا. أتمنى أنك تستطيعين البقاء عدة أيام أخرى.»

ردت إيلين بحزم: «لم أكن أتوقع مكوثي كل هذه المدة.» لم تكن تشعر بالرهبة كما كانت في اليوم الأول، ولم تكن مندهشة. كانت تعرف أنها لو بقيت عدة أيام أخرى كانت جون ستبذل ما بوسعها لتريها المدينة، مع أنها قد شاهدتها من قبل، كانت ربما ستصحبها إلى التليفريك، وتصحبها في جولة بالسيارة عبر المنتزهات، وتأخذها لتشاهد أعمدة الطوطم.

فقالت لها جون يائسة: «إذن، يجب أن تأتي في زيارة حقيقية.»

قالت إيلين: «أنا لم أساعدك بالطريقة التي كنت أتمناها.» لم تكد تتلفظ بهذه الجملة حتى ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة. كان هذا يومًا لا يمكن أن تتفوه فيه بالكلام الملائم.

«دائمًا ما أحزم أشياء أكثر مما أحتاج.»

جلست جون على السرير، وقالت بنبرة يجللها الحزن: «أتدرين! إنه لم يمت في الحادث.»

«لم يمت في الحادث؟»

«ليس في التصادم الفعلي. لم يكن الأمر بهذا السوء، حقًّا. أصيب الأطفال الآخرون بخدوش بسيطة وكان هو مصابًا بالدوار في الغالب. أعتقد أنه كان مصابًا بالدوار، وقد زحف خارجًا من السيارة، كلهم فعلوا ذلك. كانت السيارة مقلوبة بزاوية غريبة جدًّا على جانب الطريق، من يراها يحسب أنها تسلقت سور الطريق وكانت على جانبها، لا بد أنها كانت على جانبها، هكذا.» وفردت جون إحدى يديها وأصابعها مفروقة وترتعش قليلًا، فوق يدها الأخرى. ثم واصلت: «ولكن في ركن، أيضًا، مائلة بانحراف نوعًا ما. أنا حقًّا لا أستطيع أن أفهم كيف حدث هذا، أحاول أن أتخيله ولكن لا أستطيع حقًّا. أعني أنني لا يمكنني فهم الزاوية التي كانت عليها السيارة. وكيف كانت عالية لتسقط … لتسقط عليه … السيارة سقطت عليه … فمات بهذه الطريقة. لا أعرف فعلًا كيف كان يقف حينها، أو لعله لم يكن واقفًا حينها، لعله زحف للخارج وحاول النهوض. لا أستطيع فهم كيف كان ذلك. هل يمكنك تصور هذا؟»

قالت إيلين: «لا.»

«لا يمكنني أنا أيضًا.»

«من أخبرك بذلك؟»

«أحد الأولاد الذين … أحد الأولاد الآخرين أخبر أمه وهي أخبرتني.»

«لعل ذلك كان قاسيًا.»

ردت جون في صوت رصين: «أوه، لا، لا. لا أعتقد ذلك، ففي أحوال كهذه يرغب المرء في معرفة ما حدث.»

في المرآة فوق التسريحة كانت إيلين تستطيع رؤية وجه أختها من الجانب وهي منكسة رأسها، منتظرة، ربما في ارتباك، بعد أن تحدثت عن هذا الأمر. أيضًا كانت تستطيع رؤية وجهها، الذي بدا لها مفاجئًا لما اعتلاه من نظرة مناسبة تمامًا تحمل اللباقة والاهتمام. كانت تشعر بالبرد والتعب، كان أكثر شيء تريده أن تذهب بعيدًا. كانت تجد صعوبة حتى في أن تمد يدها. إن الأفعال التي تتم دون إيمان ربما تسترجع الإيمان. وقد آمنت، بكل الطاقة التي يمكنها استجماعها في تلك اللحظة، بذلك، كان يجب أن تؤمن بذلك وأن تأمل في أنه حقيقي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤