الفصل التاسع

إصلاح القانون

ينظم قانون حقوق التأليف والنشر شئون الثقافة في أمريكا. ويجب تعديل قانون حقوق التأليف والنشر؛ تعديله، لا إلغاؤه. إني أرفض الدعاوى الصادرة من كثيرين (من أصدقائي) المطالبة بإنهاء العمل بقانون حقوق التأليف والنشر. فلا ثقافة القراءة والكتابة ولا ثقافة القراءة فقط يمكنهما الازدهار بحق بدون وجود حقوق تأليف ونشر. غير أن هيئة قانون حقوق التأليف والنشر اليوم ومداه صارا بحق شيئًا من الماضي. لقد حان الوقت كي يبدأ الكونجرس في إجراء تَحَرٍّ جاد للأسلوب الذي يمكن بواسطته نقل تلك المنظومة الهائلة من التشريعات المتصفة بقدر هائل من انعدام الفعالية إلى القرن الحادي والعشرين.

إن تقديم تلك الخطة الشاملة ليس هو الغرض من هذا الكتاب، وإنما سأرسم في هذا الفصل رسمًا ارتجاليًّا، أحدد فيه ملامح خمسة تعديلات في القانون من شأنها أن تحسن جذريًّا من علاقته بإبداع القراءة والكتابة، وهذه بدورها سوف تحسن بصورة مؤثرة من حالة سوق الشركات الهجينة. ليس من شأن أي من تلك التعديلات أن تهدد، ولا بمقدار مليم واحد، السوق القائمة للعمل الإبداعي الذي تدافع عنه اليوم بكل ما أوتيت من شراسة صناعة المحتوى. وتلك التعديلات معًا سوف تسهل كثيرًا من جعل المنظومة أكثر تفهمًا للإمكانات الإبداعية للتكنولوجيا الرقمية.

(١) تحرير إبداع الهواة من سيطرة التشريعات

التغيير الأول هو أكثرها بديهية: إننا بحاجة لاستعادة قانون حقوق تأليف ونشر يترك «إبداع الهواة» حرًّا غير خاضع للتنظيم التشريعي، أو بعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى إعادة إحياء ذلك النوع من الغضب، الذي شعر به سوزا جراء نفس فكرة أن يقوم القانون بتنظيم سلوك «شبان يغنون سويًّا أغنيات من الحاضر والماضي.» كان هذا هو تاريخنا. شجع هذا التاريخ نطاقًا واسعًا من إبداع القراءة والكتابة، وحتى لو أغرانا القرن العشرون بالدخول في غيبوبة «الاسترخاء على الأريكة مع كيس البطاطس»، فلا يوجد مبرر أبدًا لتلك الغيبوبة بمهادنة ذلك التغيير الجذري الذي يفرضه القانون الآن في سياق التكنولوجيا الرقمية؛ ذلك التنظيم التشريعي المفروض، مرة أخرى، على ثقافة الهواة.

كان من الممكن بمنتهى البساطة تحاشي ذلك التنظيم القانوني عن طريق استثناء الاستخدامات «غير التجارية» من مجال الحقوق الممنوحة لقانون حقوق التأليف والنشر. لا شك أنه من العسير رسم هذا الحد الفاصل، لكن القانون رسمه بالفعل في العديد من السياقات المختلفة لحقوق التأليف والنشر، فهناك ثماني فقرات من قانون حقوق التأليف والنشر تميز صراحةً ودون مواربة بين تطبيقاته بناء على الفارق بين الاستخدام التجاري وغير التجاري.1 ومن الممكن أن تتطور الحصافة التشريعية كي تساعد على توجيه ذلك الفصل هنا أيضًا.

يجب عمل هذا الاستثناء على الأقل من أجل المزج غير التجاري، أو مزج الهواة. لنأخذ على سبيل المثال، الجدول التالي:

«النُّسخ» المزج
احترافي © ©/مجاني
هواة ©/مجاني مجاني

تميز الصفوف بين إبداع المحترفين وإبداع الهواة. ففيديو اليوتيوب الذي عرض لطفل ستيفاني لينز ابن الثلاثة عشر شهرًا إبداع هواة؛ ومزيج دي جيه دينجر ماوس الذي يجمع بين ألبوم البيتلز «وايت» وألبوم جاي زي «بلاك» إبداع محترفين. أما الأعمدة فتفرق بين ما هو مزيج وما ليس مزيجًا، أو ما أسميه «النُّسخ». والمزيج هنا يعني العمل التحويلي، أما «النُّسخ» فتعني جهود لا تبذل بهدف تغيير العمل الأصلي، وإنما تعني ببساطة جعله متاحًا بصورة أكبر.

إذن مع وجود تلك المصفوفة الشبكية، يمكننا الآن أن نرى على الأقل مثالًا واحدًا واضحًا على الموضع الذي ينبغي تحرير الثقافة عنده؛ ألا وهو المزج الذي يقوم به الهواة. فلا يوجد مبرر مقنع لأن يفرض قانون حقوق التأليف والنشر سطوته التنظيمية على هذا النوع من الإبداع. هناك أسباب كثيرة — سواء من حيث التكاليف أو الإبداع — تدعو القانون لترك هذه الجزئية حرة. على أقل تقدير، يجب على الكونجرس أن يستثني تلك الفئة من العمل الإبداعي من اشتراطات إبراء الحقوق اللازمة للإبداع.

على النقيض، فإن نُسخ العمل الاحترافي ينبغي أن تستمر تحت مظلة التنظيم بالقانون بالأسلوب المعتاد. ويبقى الحق في توزيع تلك النسخ، وفق ذلك النموذج، في نطاق السيطرة الحصرية لحائز حقوق التأليف والنشر، ويمكن أن يظل الحق في توزيع تلك النسخ، في ظل هذا النموذج، في نطاق السيطرة الحصرية لحائز حقوق التأليف والنشر.

أما المزج الاحترافي وتوزيع الهواة فهما حالتان أكثر تعقيدًا. ينبغي أن يكون هناك مساحة عريضة من الحرية للمحترفين كي يستخدموا عملًا متمتعًا حاليًّا بحماية حقوق التأليف والنشر في عمل المزيج، ولا توجد مبررات قوية لإبداء قلق عظيم من توزيع الهواة للعمل الإبداعي أو توزيعه لأغراض غير تجارية؛ على الأقل في حالة اتباع خطة التعويض الذي سأصفها لاحقًا. ومن ثم يمكن لهاتين الفئتين أيضًا أن تخضعا لتنظيم تشريعي جزئي. ولكن لا ينبغي تحرير أي منهما بالقدر الذي يمارس مع مزج الهواة.

ماذا عن «الاستخدام العادل»؟ إنني لا أقصد مبدأ الاستخدام العادل، وإنما أعني الاستخدام الحر. الاستخدام العادل يتمتع بأهمية حاسمة كصمام أمان داخل نطاق قانون حقوق التأليف والنشر. غير أنه يظل — وربما كان هذا من الضروري — عملية موازنة بالغةَ التعقيد، وعبئًا غير لائق على الإطلاق على معظم المبدعين الهواة. وتوصيتي هي أن يستثني الكونجرس مجال العمل الإبداعي من اشتراطات الاستخدام العادل أو تقييد حقوق التأليف والنشر. المسألة ليست أن على المحاكم أن تعثر على سبل لموازنة النظام وضبطه على الاستخدام العادل. على العكس، على الاستخدام العادل أن يظل جزءًا مصيريًّا من أي إبداع احترافي.

ولكن ماذا يحدث عندما يرغب كيان تجاري ما في استخدام هذا الإبداع الذي صنعه الهواة؟ وماذا يحدث عندما تبدأ يوتيوب في وضعه على موقعها؟ أو عندما ترغب محطة إن بي سي في إذاعته؟

في تلك الأحوال، يكون الحد الفاصل غير التجاري قد اجتيز، ويكون من الواجب سداد مقابل للفنانين دون مواربة، على الأقل كلما كان السداد ممكنًا. فلو أن وليًّا لأمر طفل قام بعمل مزيج بين صور ذلك الطفل وبين أغنية لجيلبرتو جيل (وهو ما فعلته أنا مرارًا)، حينئذ عندما تجعل يوتيوب مزيج الهواة متاحًا لعموم الجمهور، فإن شيئًا من التعويض لجيل يكون أمرًا لائقًا؛ تمامًا مثلما يحدث، على سبيل المثال، عندما يسمح مسرح شعبي مملوك للمجتمع للجيران بأداء عرض يتكون من سلسلة من الأغاني التي يؤديها الجيران، في هذه الحالة يفرض الأداء العلني لتلك الأغنيات التزامًا تجاه حقوق التأليف والنشر (يكون مغطى عادةً بترخيص شامل يصدره مسرح المجتمع). هناك الكثير من النماذج في إطار قانون حقوق التأليف والنشر لضمان هذا السداد. لطالما كانت جمعيات التحصيل تقدم حلولًا لتلك المشكلات المعقدة المتعلقة بالحقوق. إن أنظمة منح الترخيص الإجبارية — والتي فيها إما يحدد القانون سعرًا معينًا، أو يحدد عملية لتحديد السعر تحكم استخدامًا بعينه للعمل المتمتع بحقوق التأليف والنشر — تؤدي الدور نفسه.2 والهدف في كلتا الحالتين إيجاد وسيلة بسيطة وزهيدة التكلفة لضمان السداد مقابل الاستخدام التجاري. ولا بد أن يكون الهدف أيضًا — حسب زعمي — تفاديَ حظر الاستخدام غير التجاري أثناء عملية حماية الاستخدام التجاري.

ليس هذا هو التوازن الذي يحققه القانون في الوقت الراهن. على العكس من ذلك، فإن القانون اليوم ينص على أن عمل الهواة غير قانوني، غير أنه يمنح يوتيوب حصانة تيسر لها التربح بصورة غير مباشرة من عمل قام أحد الهواة بمزجه. هذه مجرد ردة للخلف، ومن الملائم إجراء إصلاح تشريعي لإعادة الأمر إلى نصابه السليم.

معظم هؤلاء الذين من الممكن أن يقاوموا هذا النوع من المقترحات لا يقاومونه من أجل المال. إن هوليوود لا تتوقع تحقيق الثراء على حساب مزيج صنعه طفلك، ولا هي تملك نموذج عمل يتم بموجبه الترخيص للأطفال الفقراء باستخدام العمل نظير مقابل زهيد. فما يقلقها مسألة سُمعتها. ماذا لو أسيء استخدام أحد المقاطع؟ وماذا لو أن النازيين أداروه على موقعهم على الشبكة العنكبوتية؟ ألن يتساءل الناس عن السبب الذي دفع كيت وينسلِت لتأييد الرابطة الوطنية للبنادق؟ (لا تقلق، فهي لم تفعل.)

من قبيل المفارقة أن مصدر هذه المشكلة لا يعود إلى غياب السيطرة. بل إن منبعها فرْض قدر مفرط من السيطرة. لما كان القانون يسمح لحائز حقوق التأليف والنشر بالاعتراض على الاستخدام، فإن على مالك تلك الحقوق أن يساوره القلق من سوء الاستخدام. والحل لمشكلة هذا القلق فرض قدر أقل من الهيمنة. فلو أن المالك لا يمكنه السيطرة على الاستخدام، فإن سوء الاستخدام حينئذ لن يقع ضمن مسئولية المالك.

فكر في هذا المثال الموازي الذي سيجعل تلك النقطة أكثر وضوحًا. مثلما يعلم كل أمريكي بكل تأكيد، فإنه طيلة ما يقرب من قرن منذ أن وضعت الحرب الأهلية أوزارها، استمر التمييز العنصري يعكر صفو مثالية المساواة التي ندعيها. واتخذت المحكمة العليا خطوة مهمة نحو تغيير تلك الحقيقة تغييرًا جذريًّا في عام ١٩٥٤، عندما أصدرت حكمها بأن التمييز العنصري الذي ترعاه الولايات غير دستوري. لكن المساواة لم تحقق أي تقدم حقيقي على الإطلاق إلا بعد أن بدأ الكونجرس في سن تشريع الحقوق المدنية خلال الستينيات.

كان يقع في مركز القلب من ذلك التشريع الجديد قانون الحقوق المدنية لعام ١٩٦٤، الذي حظر — ضمن أشياء أخرى حظرها — التمييز بين السود والبيض في الأماكن العامة، ومن بينها المطاعم، والحانات، والفنادق. وكان من بين الشهود الكثيرين الذين تم استدعاؤهم لجلسات الاستماع بالكونجرس كمؤيدين لهذا التشريع الفيدرالي الخاص بالأماكن «العامة»؛ مالكو المطاعم والفنادق في ولايات الجنوب.3

تبدو تلك الحقيقة محيرة للوهلة الأولى. فما السبب الذي يجعل الشريحة المستهدفة من مجموعة موسعة من القوانين الفيدرالية تأتي لتشهد لصالح فرض تلك التشريعات؟ تفسير هذا لا يكمن في الأيديولوجية: فهؤلاء الشهود لم يتبنوا مبدأ الاندماجية لأسباب تتعلق بالمبادئ أو العدالة. وإنما كانوا راغبين في أن ترغمهم الحكومة على القيام بشيء يخدم دوافعهم الاقتصادية.

حسبما شرح الشهود من حيث المبدأ، فإنهم كانوا راغبين في تقديم الخدمة للأمريكيين المنتمين للأصول الأفريقية. لقد قيد الفصل العنصري أسواقهم. غير أنهم لو فتحوا الأبواب ببساطة طواعية أمام الأمريكيين المنتمين لأصول أفريقية، فإن البيض سوف يقاطعون مطاعمهم. إن دعوة السود للدخول سوف ينظر إليها حينئذ باعتبارها مناصرة لقضية السود. وكانت مناصرة قضايا السود في الجنوب الأمريكي تُعد أمرًا يستوجب توقيع العقاب على مرتكبه. غير أنه لو ألغت الحكومة أي خيار متاح أمام المطاعم، فإن ساعتها يكون فتح الأبواب أمام الأمريكان السود أمرًا مبهمًا؛ فقد يعود لكونهم مناصرين للسود، وربما كان بكل بساطة بسبب اتباعهم للقانون. ووفق هؤلاء الشهود، كان من شأن ذلك الغموض أن يمنع حدوث أية ردود أفعال انتقامية. وكان من الممكن إنهاء التمييز العنصري بدون الاضطرار لدفع ثمن من أجل إنهائه.

لأسباب مشابهة للجدل الذي دار حول الحقوق المدنية، يمنح قانون حقوق التأليف والنشر مالكي حقوق التأليف والنشر سلطة تفوق في حجمها ما كانوا راغبين فيه. أو بعبارة أخرى، مثلما كان حال مالكي المطاعم الجنوبيين، ينبغي عليهم أن يطالبوا القانون بإزالة بعض من الحقوق التي يمنحهم إياها حاليًّا.

لماذا؟ حسنًا، فكر مرة أخرى في موضوع وارنر وعلاقتها بثقافة جماهيرها. لقد تبين لوارنر ما صار كثيرون الآن يتفهمونه: هذا الاهتمام المسيطر على عقول الجماهير يجعل امتيازها أكثر قيمة. إن «القرصنة» التي تقع عندما يأخذ واحد من الجمهور مقطعًا من فيلم هاري بوتر ليضعه على موقعه قرصنة منتجة. إنها تزيد من قيمة هاري بوتر. ووارنر هي التي تجني النفع من وراء ارتفاع تلك القيمة.

لكن على حد قول مارك براندون فيما أبداه من ملاحظة هو على حق فيها، فإن قانون العلامات التجارية يفرض بعض الالتزامات على مالك العلامة التجارية. وهو ما يعني أنه من الناحية التقنية، يجب أن يساور وارنر القلق من مسألة أي محتوى سترخص باستخدامه وأيها لن تفعل. بعض تلك المخاوف ذات هدف طيب: فالمواقع التي تحول محتوى وارنر لعمل تجاري تلتهم جزءًا من أرباح وارنر. غير أن بعضًا من تلك المخاوف ببساطة مخاوف سياسية، مثل محتوى يوضع على موقع يروج للثقافة الجنسية، أو يناهض الإجهاض.

على وارنر أن تلاحق تلك الاستخدامات؛ لأن عدم قيامها بذلك قد ينظر إليه باعتباره تأييدًا لاستخدامات معينة. إن كون هذا من حقوق وارنر يعني أيضًا أن المسئولية ملقاة على عاتق وارنر. إن أي أُم تعارض أسلوبًا معينًا لاستخدام مادة وارنر قد يحق لها أن تقول لشركة وارنر: «هذا خطؤك أنتِ لأنك كنتِ قادرة تمامًا على أن تقولي «لا» لهذا الأمر.»

تمامًا مثلما كان صاحب المطعم الجنوبي حرًّا في منع زبائنه السود من دخوله، كانت تلك الحرية تعني المسئولية، حتى ولو لم تكن لتلك المسئولية أية علاقة بالهدف النهائي أو الربح الذي سيحققه المطعم.

فلو كان القانون ينص على تقليص حقوق وارنر بأن يستثني من الخضوع لقانون حقوق التأليف والنشر أي استخدام غير تجاري للعمل الإبداعي، فإن وارنر ساعتها لن تعد مسئولة. وعندما يعترض أحد الآباء على استخدام هاري بوتر على موقع يروج في الوقت نفسه لمثاليات جمهورية/ديمقراطية، فسوف يكون الرد العادل تمامًا ساعتها من قبل وارنر: «لا يمكنني عمل أي شيء حيال ذلك. لا نملك الحق في تنظيم الاستخدام غير التجاري. هذا الموقع يستخدم المحتوى بصورة محضة استخدامًا غير تجاري.» وهكذا ستنتهي مسئولية وارنر عند الموضع الذي لا تملك فيه وارنر حقوقًا. ويكون التزامها تجاه الحفاظ على نقاء منتجاتها مقصورًا على السياقات التي تؤثر فيها التجارة على استخدام منتجاتها.

لن يلغي هذا الحد مسئولية وارنر وحسب، بل إنه سيزيد كذلك حجم أرباح وارنر، على الأقل في حالة الأعمال الملهمة لمجتمع من المعجبين؛ إذ إنه مع إزالة العائق القانوني أمام عمل الجمهور ستزداد أعداد الجماهير التي ستسهم بأعمالها، وكلما زاد عدد من يكرسون جهودهم نحو المنتجات الإبداعية لوارنر كان هذا أفضل لها.

فخفض حجم السيطرة هنا معناه المزيد من الربح، وإلغاء الحق في جزء من السيطرة سوف يكون بذلك تغيرًا أوليًّا وقيمًا، يمكن للكونجرس تحقيقه باتجاه تمكين هجائن القراءة والكتابة من الازدهار.

(٢) إبراء الحقوق

عندما أعلنت جوجل عن خططها الرامية لوضع ١٨ مليون كتاب في صيغة رقمية، استشاط محررو وول ستريت جورنال غضبًا. كتبت الجريدة تقول: «هناك نغمة استسهال للأمور في سلوك جوجل، تسهم في تكوين «صورة ذهنية» تروج لإبداء الاحترام لمشاريع من عينة جوجل برِنت واعتبارها مشاريع خيرية.» وتعود الجريدة لتحذر: «ولكن، نفس نشاط تحويل ملايين الكتب إلى الصيغة الرقمية وتخزينها … يثير قضية قانونية خطيرة.» كانت جوجل متجاهلة لتلك القضايا، وحسبما اتهمتها الجريدة: «كانت الملكية الفكرية من الأهمية بمكان للآباء المؤسسين بحيث ذكرت صراحةً في الدستور. وإننا لنفترض أنه عندما تقول جوجل «لا تكن شريرًا» فإن هذه العبارة تحوي في طياتها وصية «لا تسرق».»4 (واقع الأمر، لا يذكر الدستور صراحةً في نصوصه «الملكية الفكرية»، بل يتحدث عن «الحقوق الحصرية» في «المؤلفات والاكتشافات» المعروفة باسم الاحتكارات. والقول بأن هذا يعني أن واضعي الدستور آزروا الملكية الفكرية، يشبه القول بأنهم آزروا «الحرب»؛ لأن الدستور يذكرها أيضًا.)

في هذه الحالة، أغفل المحررون حقيقة أصيلة خاصة بحق الملكية؛ وهي جوهر حقوق التأليف والنشر. حقوق التأليف والنشر عبارة عن ملكية، ولكنها وفق ما هو مذكور بالدستور حاليًّا تعد أكثر نظم الملكية التي عرفها الإنسان انعدامًا في كفاءتها. هذا الانعدام في الكفاءة يعد هو المبرر الجوهري وراء ادعاء جوجل بأن من المسموح لها استخدام هذا المحتوى مجانًا. «الاستخدام العادل» بعبارة أخرى، يعتمد في عمله على هذه «الكفاءة المعدومة».

ولنبحث في أمر بعض الإحصاءات. من بين الثمانية عشر مليون كتاب التي عمدت جوجل إلى مسحها ضوئيًّا، يوجد ١٦٪ متاحة لعموم الناس و٩٪ لا تزال تصدر منها طبعات وتتمتع بحقوق التأليف والنشر؛ بما يعني أن هناك ٧٥٪ لم تعد تطبع غير أنه من المفترض أنها تتمتع بحقوق التأليف والنشر.5

ما معنى كلمة أنها لم تعد تطبع؟ أهم نتيجة عملية لهذا أنه من المستحيل واقعيًّا تحديد مالكي حقوق التأليف والنشر للأعمال التي لم تعد تطبع. مستحيل تحديدًا لأن الحكومة أخفقت بهذا إخفاقًا تامًّا في المحافظة على حقوق ملكية تلك الحقوق؛ فلا يوجد سجل لتحديد مالكي الأعمال المتمتعة بحماية حقوق التأليف والنشر، ولا يوجد حتى قائمة بأي الأعمال منها تتمتع بحقوق التأليف والنشر. وبالنسبة لأي جهة تسعى لإتاحة الثقافة بنفس الطريقة التي اتبعتها جوجل تمامًا، فإن النظام القائم يجعل من هذا الأمر مستحيلًا، على الأقل لو كان التصريح مطلوبًا لأي استخدام بعينه.

هذه المشكلة ليست قاصرة على جوجل وحدها. تدبر مثلًا مشروع رواية القصص الرقمي التابع لجامعة هيوستن. كما شرحت من قبل، فإن الغالبية من طلاب جامعة هيوستن ليسوا من الناطقين بالإنجليزية كلغة أم؛ فكثير منهم من المهاجرين. وقد نشأ معظمهم في أسر لم تكن الإنجليزية فيها هي اللغة الأم. ويخلق هذا الخليط فجوة لغوية مهمة: فبعض الطلاب يتحدث الإنجليزية بصورة أفضل كثيرًا من غيره، بما يعني أن أية مهمة تعتمد حصريًّا على استخدام الكلمات سوف تكون عبئًا على البعض أكثر من غيره.

وفي استجابة منها لذلك الاختلاف، بدأت هيوستن مشروع رواية القصة رقميًّا. ودُعي الطلاب لصنع مقاطع فيديو قصيرة تحكي كل منها قصة حقبة ما من التاريخ الأمريكي. وكان على القصص أن تمزج بين الصور والأصوات المنتمية للحقبة، بأسلوب يعيد بعث التاريخ من جديد. ولكن بينما كان هؤلاء الطلاب يستكشفون تسجيلات يعود تاريخها إلى فترة الكساد، أو صورًا فوتوغرافية من الحرب الكورية، ما المسموح لهم بصنعه بها؟ إنني لا أتحدث هنا عن أفلام ديزني، أو عن أعمال مجمَّعة من أعظم موسيقيي الجاز الأمريكيين. وإنما أتحدث عن أعمال مغمورة لا يمكن العثور على مالكيها.

كان لدى محامي الجامعة حل بسيط: لم يكونوا سعداء بالاستخدام دون تصريح، غير أنه كان في استطاعتهم تجاهله طالما أن المشروع لا يتيح لأي شخص مشاهدة العمل. كان من المسموح لهؤلاء الصغار أن يبدعوا، ولكن ما أبدعوه لم يكن باستطاعة أي شخص بخلاف معلمهم أن يشاهده.

ومرة أخرى نقول إن هذا أمر غير منطقي؛ فلا يوجد خاسر من جراء استخدام هؤلاء الشباب، فالقانون عليه ألا يمنع ذلك على الإطلاق. غير أن الغموض المسيطر حاليًّا على قانون حقوق التأليف والنشر يجعل مصير هذا المشروع، وآلاف المشاريع غيره، غامضًا. وذلك دون سبب وجيه يتعلق بحقوق التأليف والنشر.

إن التقنيات الرقمية تجعل من الممكن — للمرة الأولى في التاريخ — تنفيذ ما ظل جيفرسون يحلم به عندما أسس مكتبة الكونجرس: «استدامة مجموعة عالمية من المعرفة والإبداع والمحافظة عليها من أجل الأجيال القادمة.» وتقل شيئًا فشيئًا تكلفة تحويل كل قطعة من ماضينا إلى الصيغة الرقمية وجعلها متاحة حتى تكاد تلك التكلفة لا تذكر. على أقل تقدير، النفقات التقنية لا تذكر. أما التكاليف القانونية، على الجانب الآخر، فإنها تزيد من قدر الإحباط يومًا بعد يوم. إن الغموض يدمر مستقبل العديد من تلك المشاريع. ولا يستطيع تنفيذ أي مشاريع إلا الشركات القادرة على تحمل وطأة ذلك الغموض غير العادي.

هذا الواقع سخيف. فالمهمة الأساسية لقانون حقوق التأليف والنشر هي حماية حياة الإبداع التجارية. وبرغم وجود استثناءات من ذلك، فإنه في الغالبية العظمى من الحالات، تنتهي تلك الحياة التجارية عقب فترة بالغة القصر.6 ولا يوجد مبرر وجيه متعلق بحقوق التأليف والنشر لكي يتدخل القانون في المحفوظات أو في عمل الجامعات التي تسعى نحو تحويل ماضينا الإبداعي للصيغة الرقمية وجعله متاحًا. ومع ذلك فإن القانون يفعل هذا.

يمكن حل تلك المشكلة بسهولة نسبية عن طريق تطبيق ابتكار قديم قِدَم قانون حقوق التأليف والنشر الأمريكي.

طيلة أغلب حِقَب تاريخ حقوق التأليف والنشر في أمريكا (١٨٦ عامًا من ٢٢٠ عامًا، إذا شئنا الدقة)، كانت حقوق التأليف والنشر منظومة تشريعية تعمل وفق مبدأ الحق في الاشتراك. فأنت لا تحصل على استفادة من حماية حقوق التأليف والنشر إلا إذا طلبت الحصول عليها. أما إذا لم تطلبها بالأسلوب الملائم — أي إذا لم تسجل عملك، وتميزه برمز حقوق التأليف والنشر، وتودعه في مكتبة الكونجرس، وتجدد حق التأليف والنشر بعد مرور الفترة المبدئية — فإن عملك ينتقل إلى المنفعة العامة. ولم تزعج تلك الحقيقة أغلب من نشروا أعمالًا إبداعية في أمريكا. طيلة فترات طويلة من ذلك التاريخ، لم تحصل معظم الأعمال المنشورة مطلقًا على حماية حقوق التأليف والنشر. إن الغالبية العظمى من الأعمال التي لها حقوق تأليف ونشر لم تجدد حقها بعد مرور الفترة المبدئية.

كان هذا النظام بطيئًا وباهظ التكلفة. وكان يؤدي في بعض الأحيان إلى مصادرة غير عادلة للحقوق. لكن كانت له ميزة مهمة، سواء للمبدعين الآخرين، أو لانتشار الإبداع بصفة عامة. كان النظام يصحح نفسه تلقائيًّا. فكان يقصر حمايته بصورة تلقائية على الأعمال التي — من وجهة نظر مؤلفيها — تحتاج إلى تلك الحماية. وكان يترك ما تبقى من عالم الإبداع المنشور متحررًا من العملية التنظيمية لقانون حقوق التأليف والنشر.

أُلغي هذا النظام القائم على الاشتراك في حقوق التأليف والنشر اعتبارًا من ١٩٧٦. فربما بدافع من الرغبة في التوافق مع المعاهدات الدولية، وربما أيضًا لمجرد الرغبة في جعل النظام أكثر سلاسة، عَكَسَ الكونجرس النظام القديم. فصار حق التأليف والنشر الآن نظامًا يعمل وفق مبدأ الحق في الخروج منه؛ إذ إن قانون الحقوق ينسحب تلقائيًّا على جميع الأعمال الإبداعية بمجرد إبداعها. ولا توجد إجراءات رسمية مطلوبة للاستفادة من تلك الحماية. وصارت المدة الآن المدة القصوى، تلقائيًّا. وعندما أجرى الكونجرس هذا التعديل، لعله لم يكن مؤثرًا بقدر كبير. لقد كان عام ألف وتسعمائة وستة وسبعين يمثل أوج ثقافة القراءة فقط. وقد استفاد أولئك الذين ينتجون تلك الثقافة من هذا التعبير التلقائي عن حقهم في السيطرة.

غير أنه في عهد ثقافة القراءة والكتابة، يلقي هذا النظام التلقائي والغامض في مفاهيمه الجذرية لقانون الملكية بعبء لا داعي له على كاهل الإبداع. وهناك سبل واضحة وميسورة لتغيير هذه المنظومة من أجل إزاحة هذا العبء. وأقل التغييرات تدميرًا، من وجهة نظري، من شأنه أن يخلق التزامًا مستديمًا من مالكي حقوق التأليف والنشر عقب انتهاء مدة الحماية المبدئية التلقائية. وبموجب واحد من المقترحات، أنه بعد مرور أربعة عشر عامًا من نشر العمل، سيكون على مالك حق التأليف والنشر أن يسجل العمل. فإذا امتنع عن ذلك، فإن باستطاعة الغير استخدامه سواء مجانًا أو بعد سداد رسم امتياز محدود القيمة. يحرر النظام الحقوق بعد مرور أربعة عشر عامًا، والعمل الوحيد الذي يظل متمتعًا بالحماية الكاملة هو ذلك الذي اتخذ مؤلفه خطوات لحمايته.

ومن ثم يعمل هذا التعديل على تحرير الحق في استخدام العمل الإبداعي، وبذلك يتمكن السوق من تنظيم إتاحة هذا العمل بصورة أكثر كفاءة. وبهذا المفهوم، نجد أن هذه الأطروحة لها ما يوازيها في كل مجال آخر يغطيه قانون الملكية. إن قانون حقوق التأليف والنشر فريد في امتناعه عن فرض إجراءات شكلية على أصحاب الملكية. ففي مجالات كثيرة، لا يتسامح قانون الملكية مع أولئك الذين يتقاعسون عن تحمل نصيبهم العادل من عبء المحافظة على كفاءة المنظومة. وهذا المبدأ يجب أن يعاد إلى قانون حقوق التأليف والنشر. فإذا لم يكن الأمر يستحق أن يتخذ حائز حق التأليف والنشر بعد أربعة عشر عامًا الحد الأدنى من الخطوات نحو تسجيل عمله، فلا بد أن الأمر لا يستحق كذلك بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة أن تهدد باتخاذ إجراءات جنائية لحماية نفس الملكية.

هذا التعديل من شأنه أن يجعل منظومة حقوق التأليف والنشر أكثر كفاءة. إن حق التأليف والنشر يمنح مالكي حق التأليف والنشر حق الملكية، تمامًا مثلما يمنح قانون الملكية العقارية لملاك المساكن الحق في تملك الأرض التي بنيت عليها مساكنهم. من الناحية النظرية، هذا أمر طيب؛ إذ بحماية المورد بحق الملكية، يمكِّن القانون المورد من الانتقال إلى المستخدم الذي يوليه القيمة الأعلى. ومن ثم يكمل السوق منظومة الملكية تلك بتشجيع عمليات التجارة للتأكد من أن الحق يحوزه الشخص أو الكيان الذي يقدره بأعلى قيمة له.

غير أنه لكي يؤدي هذا النظام وظيفته، يجب أن تكون الحقوق واضحة. ينبغي أن يكون ممكنًا معرفة من يملك ماذا. ولهذا السبب مثلًا، يجب على ملاك الأراضي إعداد ملف به صك نقل الملكية الذي يصف أبعاد أراضيهم وحدودها. أو يجب على مالك السيارة إعداد ملف لتسجيل المركبة. تلك النظم صممت بهدف جعل السوق تؤدي وظيفتها بكفاءة. عن طريق جعل ادعاءات الملكية واضحة — أو بعبارة أخرى، بجعل حق الملكية واضحًا («إبراء الحق») — يضمن النظام إمكان تخصيص الملكية بأسلوب يجعل الجميع أفضل حالًا. وتقدم التكنولوجيا فرصة استثنائية لجعل التسجيل يعمل بكفاءة. وهناك شركات مثل يوتيوب تجرب بالفعل تقنية يمكنها التعرف آليًّا على مقطع الفيديو أو الموسيقى داخل المحتوى الذي يحمل على الشبكة. كان باستطاعتنا أن نتخيل بسهولة نظامًا يمكن بموجبه لحائزي حقوق التأليف والنشر، مع تطور تلك التقنيات، أن «يسجلوا» أعمالهم لا بالطريقة القديمة الطراز (أي كتابة نموذج خاص بذلك في مكتب حقوق التأليف والنشر)، وإنما عن طريق تحميل الأعمال بحيث يمكن للحاسبات الخادمة الحصول على توقيع للعمل، ثم إضافة هذا العمل إلى قائمة الأعمال الإبداعية التي تخضع للمراقبة من حيث مخالفتها للقانون. الأعمال التي أضيفت لهذا النوع من «نظام التسجيل» يمكنها التمتع بالحماية القانونية الكاملة. أما الأعمال التي لم تُضف، فإنها بعد فترة من الوقت، ترفع إلى مصاف المنفعة العامة.

هناك الكثير من الأمور التي ينبغي التساؤل بشأنها حول تلك النظرية. لكنني سأجملها هنا بدون تصنيف. إذا افترضنا أن شخصًا ما يؤمن بأن السوق كفيلة بأن تشكِّل على نحو متقن منظومة ملكية طيبة الأداء، فما الذي ستكون عليه تلك المنظومة؟ أو بعبارة أخرى، لو افترضنا أننا نريد للسوق أن تعمل جيدًا، فهل صممت منظومة حقوق التأليف والنشر بحيث تمكنها من ذلك؟

حسب طريقة بنائها الحالية، الإجابة هي لا. فحسبما هو منصوص عليه بالدستور حاليًّا، فإن حقوق التأليف والنشر منظومة ملكية تتمتع بانعدام كفاءة غير عادي. وحتى جريدة وول ستريت جورنال ينبغي أن ترى ذلك. أو في الحقيقة، يجب على جريدة وول ستريت جورنال «على الأخص» أن ترى ذلك. فمن وجهة نظرها، لماذا نندهش عندما نجد نظامًا صاغته الحكومة للاحتكار يدار بصورة منعدمة الكفاءة؟

(٣) التبسيط

التغيير الثالث يتبع الثاني مباشرةً. فعلى الكونجرس أن يعمل على جعل القانون أكثر بساطة.

لو كان قانون حقوق التأليف والنشر قاصرًا على كبريات استوديوهات الأفلام وشركات التسجيلات، فإن تعقيده وانعدام كفاءته يعدان أمرًا — وإن كان يؤسف له — ليس بالبشع. فما المشكلة لو اضطرت فوكس لتكليف عدد أكبر من المحامين ببحث المشكلات المعقدة المحيطة بتراخيص حقوق التأليف والنشر؟ (بالنسبة لمن يمتهنون من بيننا مهنة المحاماة كوسيلة لكسب الرزق [أساتذة القانون]، سيكون ذلك الاحتياج أمرًا إيجابيًّا!)

لكن عندما يكون معنى قانون حقوق التأليف والنشر فرض السيطرة على كل مَن لديه حاسب آلي — بدءًا من الأطفال الذين يتصفحون الإنترنت وحتى الجدات اللاتي يسمحن لأطفالهن بالدخول على الشبكة — فلا بد من التزام محدد تجاه التأكد من وضوح ذلك التشريع. ويكون ذلك الالتزام أقوى عندما يكون التنظيم تنظيمًا للتعبير، وهو الحال بالفعل.

إن قانون حقوق التأليف والنشر يفشل فشلًا ذريعًا في الوفاء بهذا المعيار. فبموجب القانون الحالي، لو أن طفلًا أراد أن يضع مقطع فيديو بصورة قانونية على موقع يوتيوب، مازجًا فيه بين موسيقى أحب الفِرَق إلى قلبه وبين لقطات من أفلامه المفضلة، فإن عليه أن يحصل على إبراء ذمة من تلك الحقوق. وحتى ولو كان حائزو الحقوق على الأرجح مستعدين لإبرائها، فإن من الصعوبة بمكان اقتفاء أثرهم. وبطبيعة الحال، لو أننا وضعنا في الحسبان الاتجاهات الحالية السائدة لكبار حائزي الحقوق، فإنه من المستحيل أن نتخيل أنهم سيبتهجون من فكرة الترخيص باستخدام هذا المزيج.

إذن نحن لدينا منظومة من التكنولوجيا تدعو أطفالنا كي يكونوا مبدعين. غير أن المنظومة القانونية تحظر عليهم الإبداع على نحو قانوني. ومن ثم يخفق تنظيم ذلك الإبداع في اتباع كل معيار مهم من معايير الكفاءة والعدالة. وعلى الكونجرس أن يبدأ فورًا في تناول وبحث كيفية تغيير هذا الوضع حتى يعمل التشريع بصورة أفضل.

هناك منطقة بعينها من مناطق فشل القانون؛ ألا وهي مبدأ يطلق عليه «الاستخدام العادل». إن الاستخدام العادل مصمم أصلًا كي يحد من مجال التنظيم التشريعي الذي يفرضه قانون حقوق التأليف والنشر. فاستخدام الشيء الخاضع لحق احتكار حقوق التأليف والنشر يسمح به عن طريق الاستخدام العادل، وذلك من أجل تحقيق غاية اجتماعية تتسم بالأهمية. وهكذا على غرار ما حدث مع كتبي السابقة، سوف ينسخ الكثيرون نصوصًا من هذا الكتاب في مراجعاتهم النقدية الشديدة اللهجة. إن هذا «النسخ» يقع من الناحية الفنية تحت طائلة قانون حقوق التأليف والنشر. غير أن مبدأ الاستخدام العادل يحمي عملية النسخ هذه، طالما كان مجال النسخ والغرض منه يقعان داخل حدود النقد المعتادة.

والمشكلة في الاستخدام العادل ليست في المستهدف منه. المشكلة في كيفية تحقيقه للهدف منه. ومرة أخرى نقول، ابتُكِر هذا المبدأ وفي مخيلة الناس أن المحامين هم من سيديرون شئونه. ووسط عالم لا ينظم فيه قانون حقوق التأليف والنشر (بفاعلية) سوى العلاقة بين فوكس وسوني، لم يكن هذا الأمر ليشكل افتراضًا مروعًا. ولكن من جديد، عندما يكون المقصود من قانون حقوق التأليف والنشر تنظيم العلاقة بين سوني وطفلك البالغ من العمر ١٥ عامًا، فإن المنظومة التي تتخيل أن حفنة من المحامين سوف تراجع كل استخدام تصير غير ملائمة من الناحية القانونية. فإذا كان من الضروري للقانون أن ينظم عمل أطفالنا، فإن عليه أن يقوم بذلك بطريقة يمكن لطفلك استيعابها وتفهمها.

ويمكن للاستخدام العادل أن يؤدي عمله بصورة أفضل لو أن الكونجرس اتبع جزئيًّا أساليب نظم حقوق التأليف والنشر الأوروبية. وتحديدًا، يمكن للكونجرس أن يحدد استخدامات بعينها كانت تقع خارج سلطة قانون حقوق التأليف والنشر. لا يشترط أن يتبع الكونجرس الأوروبيين في كل شيء، فمرونة قانون الاستخدام العادل الحالي تشجع بالفعل على تطوير القانون. وينبغي عليه أن يبقى على هذا النحو بحيث يمكن لأولئك الذين في استطاعتهم سداد أتعاب المحامين أن يدفعوا القانون نحو التطور بأساليب تجعله منطقيًّا، لكن هذه المنظومة يجب أن تكون مقترنة بمنظومة أوضح وأكثر بساطة تنظم أحوال كل ما عدا ذلك.

والواجب على أنصار الاتجاه المحافظ ألا يقاوموا تلك النقطة. كما علَّمَنا واحد من كبار الباحثين الليبرتاريين في أمريكا، فإن القضية بالنسبة لواضعي القوانين ليست في أي القواعد ستحقق على نحو مثالي الأهداف السياسية، بل القضية هي هل يستحق العائد الآتي من قاعدة معقدة تحقق بعض الأهداف السياسية كل هذا العناء.7 من الناحية النظرية، فإن المقومات والحدود الصارمة لقانون حقوق التأليف والنشر ربما تحقق على نحو مثالي التوازن بين الحماية والحوافز. والسؤال الحقيقي الذي ينبغي علينا طرحه هو هل يمكننا أن نكون قريبين للغاية من ذلك التوازن الأمثل عن طريق اتباع منظومة أكثر بساطة (أو بمعنى آخر أرخص سعرًا)؟

(٤) إلغاء تجريم النسخ

لعل التغيير الرابع أكثر التغييرات صعوبة، لكنه ربما كان أكثرها أهمية في نهاية الأمر. فعلى قانون حقوق التأليف والنشر أن يتنازل عن هاجسه بشأن «النسخة». على القانون ألا يكون منظمًا للنسخ أو عمليات النسخ الحديثة في حد ذاتها، وإنما عليه بدلًا من ذلك أن ينظم الاستخدامات — على غرار التوزيعات العامة لنسخ من عمل متمتع بحماية قانون حقوق التأليف والنشر — المرتبطة مباشرةً بالحافز الاقتصادي الذي قُصِد من وراء إصدار القانون بالأساس تقويته.

بالنسبة لمعظم الناس، قد تبدو فكرة أنه من الواجب على قانون حقوق التأليف والنشر أن ينظم شيئًا آخر غير النسخ فكرة غريبة. كيف يمكن أن يكون لديك قانون حقوق تأليف ونشر لو أن هذا القانون لم ينظم مسألة النُّسخ؟ غير أنه في الحقيقة، لم ينظم قانون حقوق التأليف والنشر في معظم فترات تاريخنا مسألة النُّسَخ. فمن عام ١٧٩٠ حتى عام ١٩٠٩، ظل القانون ينظم استخدامات متنوعة ترتبط ارتباطًا مباشرًا، أو من المحتمل أن ترتبط، بالاستغلال التجاري للعمل الإبداعي. ومن هنا، نظم القانون «نشر» و«إعادة نشر» الكتب والمؤلفات، وكذلك «بيعها»؛ أي كل الأنشطة المرجح أن تكون تجارية.8
في عام ١٩٠٩، تم تعديل القانون كي يشير إلى «النُّسَخ».9 غير أنه كما شرحت من قبل، حتى هذا التعديل لم يكن مقصودًا منه توسيع النطاق الفعلي لسلطة القانون. وعلى أي حال، وكما زعم لايمان راي باترسون، كان ذلك التعديل على الأرجح عبارة عن خطأ في صياغة عبارته10. ومع ذلك، فإنه بعد عام ١٩٠٩، تجاوزت سلطة القانون حدود تشريعات معينة أقرها الكونجرس من قبل. كان من شأن القانون أن يصل بسلطانه إلى أبعد ما يمكن لتكنولوجيا «النَّسْخ» أن تصل إليه.
كان من تأثير هذا التغير في التكنولوجيا وقوع تغيير جذري آخر في مجال عمل قانون حقوق التأليف والنشر. وفي عام ١٩٠٩ كتبت جِسيكا ليتمان تقول:

كان القانون الأمريكي لحقوق التأليف والنشر مغرقًا في التفاصيل الفنية، وغير متسق، ويتعذر فهمه، غير أنه لم يكن يسري على كثيرين من الناس أو على أشياء كثيرة. فلو أن امرأً ما كان مؤلفًا أو ناشرَ كتب أو خرائط أو رسوم بيانية أو لوحات فنية أو أعمال نحت، أو صور فوتوغرافية أو نوت موسيقية، أو كاتبًا مسرحيًّا أو منتجًا مسرحيًّا، أو طباعًا؛ فإن قانون حقوق التأليف والنشر يُعنى بنشاط الفرد التجاري. وكان باستطاعة باعة الكتب وناشري أسطوانات البيانولا والفونوغراف، ومنتجي الأفلام السينمائية، والموسيقيين، والدارسين وأعضاء الكونجرس، والمستهلكين العاديين أن يمارسوا أنشطتهم دون أن يواجهوا أية مشكلة مع حقوق التأليف والنشر.

وبعدها بتسعين عامًا، زاد إغراق قانون حقوق التأليف والنشر الأمريكي في التفاصيل الفنية، وعدم الاتساق، وتعذر الفهم، والأهم من ذلك أنه صار يمس كل فرد وأي شيء. فخلال السنوات التي انقضت منذ ذلك الحين وصل قانون حقوق التأليف والنشر إلى أن صار يغطي قدرًا كبيرًا من المناحي الشخصية للمجتمع المعاصر … لقد طورت التكنولوجيا، متغافلةً عن القانون، أنماطًا تغرس العديد من سلوكيات النسخ والنقل — وهي وقائع من الممكن أن تقع تحت طائلة تشريع حقوق التأليف والنشر — ضمن المعاملات اليومية العادية. ولم يعد في استطاعة معظمنا قضاء ولو ساعة دون أن يصطدم بقانون حقوق التأليف والنشر.11

بما أن قانون حقوق التأليف والنشر ينظم مسألة صنع النسخ، وبما أن عملية النسخ أمرًا شائعًا كالتنفس، فإن القانون الذي يستحث تنظيمًا فيدراليًّا للنسخ يكون قانونًا متماديًا في فرض سطوته التشريعية.

بدلًا من ذلك، على الكونجرس أن يتبنى من جديد أسلوبه التاريخي في التحديد الدقيق لأنواع استخدامات العمل الإبداعي الذي يقع تحت طائلة قانون حقوق التأليف والنشر.12 يجب على القانون أن يختص فقط بالاستخدامات التي من المفترض، أو من المحتمل، أن تكون استخدامات تجارية تنافس استخدام مالك حقوق التأليف والنشر. وعلى القانون أن يترك الاستخدامات غير الخاضعة للتنظيم التي ليست لها علاقة بأنواع الاستخدامات التي يحتاج مالك حق التأليف والنشر للسيطرة عليها. فالنسخ في عالمنا هذا لا يستدعي في حد ذاته وضع تشريع فيدرالي. بل إن حفلات الأداء العلني أو التوزيع للجمهور أو التوزيع التجاري هو الذي يستدعي ذلك.

ما سبب أهمية ذلك؟ بموجب القانون الحالي، من السهل الوقوع في أحبولة تشريع حقوق التأليف والنشر، ومن الصعب بمكان الإفلات منها. وكما شرحت من قبل، بما أن كل استخدام للثقافة في السياق الرقمي ينتج نسخة، فإن كل نشاط يستدعي استخدام الثقافة في سياق رقمي يصير معرضًا للوقوع تحت طائلة تشريع حقوق التأليف والنشر.

في بعض الحالات، لا يمثل هذا الأمر أية مشكلة. فمن السهل تحديد من سنحتاج لإذن منه، ومن السهل الحصول على ذلك التصريح من مالكي حقوق التأليف والنشر. لكن في حالات كثيرة أخرى، يتحدى الاستخدام الحديث أو المبتكر حائزي حقوق التأليف والنشر. فالاستخدام قد يخلق منافسة، على سبيل المثال، لا يريدها حائز حق التأليف والنشر. وهكذا يصبح التهديد برفع دعوى قضائية ضد المبتكر واتهامه بمخالفة حقوق التأليف والنشر؛ وسيلةً فعالة للسيطرة على ذلك الابتكار. وبمجرد صنع تلك النسخة الأولى، لا بد من استدعاء المحامين إلى معمل الأبحاث، ويهيمن الغموض حول المشروع، وتطلق عبارات الشعوذة، كما لو كانوا مجموعة من السحرة المعالجين يحاولون علاج مرض قاتل.

أعرف تلك العملية جيدًا. ورغم أنه لم يسبق لي مطلقًا أن استُشِرت مقابل أتعاب في هذا السياق، فإنني كنت من قبل مستشارًا خاصًّا في العديد من تلك المحاورات التي دارت في أوساط التقنيين وأصحاب رءوس الأموال من مؤسسي المشاريع، وهم يحاولون أن يفهموا ما إن كانت فكرتهم الرائعة التالية سوف تنتهي بهم إلى السجن المالي (أي التقاضي) أم لا. وشاهدت أحد الأطراف وهو ينبري بنغمة تبدو مقنعة للجميع بنسبة مائة بالمائة، ثم يخرج الطرف الآخر بنغمة مضادة تبدو هي الأخرى مقنعة بنسبة مائة بالمائة، فتكون المحصلة النهائية مقامرة. ولما كانت المسئولية القانونية في موضوع حقوق التأليف والنشر بالغة الحدة، فإنه في الغالب تكون مقامرة «بالشركة بأكملها».

هذا إهدار غير عادي للموارد الاقتصادية. فالنشاط التجاري ينبغي ألا يكون بحاجة لساحر كي يخبره إنْ كانت خطته قانونية أم لا، لا سيما ذلك الساحر الذي يتقاضى ما بين ٤٠٠ و٨٠٠ دولار في الساعة كأتعاب. بدلًا من ذلك يحتاج القانون إلى أن يتمتع بقدر أكبر من الوضوح. والتعقيدات الناجمة عن تطبيق القانون عند مجرد صنع نسخة وحيدة تعد ضريبة لا لزوم لها تُفرض على عملية الإبداع.

(٥) إلغاء تجريم التشارك في الملفات

آخر تغيير أود طرحه هو ذلك الذي سأشرحه بأقل قدر من الاستفاضة؛ لأن كثيرين استفاضوا في شرحه بفعالية.13 غير أن وجهة نظري أن على الكونجرس أن يلغي تجريم تشارك الملفات، سواء بترخيص تشارك الملفات غير التجاري مع فرض رسوم ضريبية تغطي قيمة رسم امتياز معقول للفنانين الذين يتم التشارك في أعمالهم، أو بمنح ترخيص غطاء بسيط، يتمكن المستخدمون بواسطته مقابل رسم زهيد من شراء الحق في التشارك المجاني في الملفات. وُصِف الحل الأول وصفًا مستفيضًا على يد نيل دبليو نيتانل وويليام فيشر. أما الحل الثاني فكان مقترحًا لمؤسسة الحدود الإلكترونية.

رغم مميزات وعيوب كلا النوعين من الحلول، فإن من الأمور المصيرية أن يتخذ الكونجرس خطوات نحو صياغة عملية لأحدهما أو للآخر. ويأتي المبرر لذلك من حقيقة واقعة بسيطة: مر عقد كامل منذ بدأت مكافحة التشارك في الملفات بين الأنداد، فلا هي أوقفت التشارك غير القانوني، ولا أوجدت وسيلة للتأكد من حصول الفنانين على تعويض عن التشارك غير المرخص به. باختصار، أخفقت استراتيجية هذا العقد في تحقيق الأهداف التي يرمي إليها قانون حقوق التأليف والنشر؛ ألا وهي تقديم تعويض للمبدعين عن عملهم الإبداعي.

لا شك أنه لا تزال توجد الآلاف من الأفكار التي تدور حول الأسلوب الذي نتمكن به من تنظيم تكنولوجيا الإنترنت كي نقضي على التشارك في الملفات بين الأنداد. وما من شك أن هناك جحافل من المحامين الذين يهوون العمل السهل المتمثل في مقاضاة الأطفال وآبائهم لتشاركهم غير المشروع في الملفات. غير أن السؤال الذي ينبغي على الكونجرس أن يطرحه هو: أي استراتيجية على الأرجح سوف تضمن التعويض للفنانين، وتقلل قدر الإمكان من تجريم شبابنا؟

إن نزع الصفة الجنائية عن التشارك في الملفات هو تلك الاستراتيجية، فكما يشرح عمل فيشر، هناك الكثير والكثير من السبل التي يمكننا بها عنونة وتتبع استخدامات محددة للمادة المتمتعة بحماية حقوق التأليف والنشر، تلك الوسيلة توفر الخط الأساسي لتعويض الفنانين عن استخدام عملهم الإبداعي، ومع أني لا أومن بأننا في حاجة لتبني هذا النظام من الآن وعلى الدوام، فإنني أومن بأن وجود تشريع انتقالي — مصمم بحيث يعوض ويلغي التجريم — من شأنه أن يقلل بدرجة ملحوظة من الدمار المصاحب للحرب الجارية حاليًّا.

•••

جميع التغيرات الخمسة السابق ذكرها من شأنها أن تقطع شوطًا طويلًا نحو تخفيف الضغوط التي لا داعي لها من فوق كاهل منظومة حقوق التأليف والنشر. كما أن من شأنها أن تقطع شوطًا طويلًا للغاية نحو تقنين معظم استخدامات العمل الإبداعي على شبكة الإنترنت اليوم. ولن تحد بأي صورة من الصور من أرباح الصناعات التي تقاتل بضراوة ضد تلك الاستخدامات. هذا هو الاختبار النهائي الذي على قانون حقوق التأليف والنشر أن يفرضه: هل تتسبب تلك الاستخدامات بالفعل في أي ضرر؟ لقد أوضح أولئك الذين تناقشت معهم وأنا أعد كتابي هذا تلك النقطة مرارًا وتكرارًا. وحسبما شرح دون جويس:

جميع الدعاوى القضائية المرفوعة في هذا الميدان دائمًا ما تكون مرفوعة من زوايا اقتصادية: «عن طريق اقتطاع هذا الأمر، عن طريق سرقة هذا الشيء، تكون قد هددت الحيوية الاقتصادية للأصل بشكل أو بآخر.» إنهم يقولون ذلك بالفعل دون وجود أي دليل على صحته على الإطلاق. فلم أر من قبل مطلقًا أي شخص يبرهن في الحقيقة على أن عملًا ما تضاءلت قدرته على جني المال بسبب وجود عينة منه صنعها شخص ما. في رأيي، العمل الذي يعيد استخدامه ليس في حالة منافسة مع الأصل؛ فأنت لم تحذف الأصل، إنه لا يزال موجودًا، وسيظل موجودًا، كما هو، وكما كان، باعتباره الأصل. وإذا أخذت منه عينة، فلقد صنعت شيئًا آخر. لعلك وضعت عينات من عشرة أعمال أخرى داخل هذا الشيء، وكان هذا مجرد عنصر واحد ضئيل، وتشكل الأجزاء معًا شيئًا لا يعتمد إلا بقدر طفيف للغاية على ذلك الشيء الذي أخذت منه عينة. ولا أعتقد البتة أن هناك دفعًا بوجود ضرر ما. فإذا لم يكن هناك ضرر، وكان الأمر به الكثير من البهجة، أرى أن علينا فعله. فلم يبين لي أحد أن الضرر حقيقي.

هذا القدر صحيح تمامًا. يتجادل الاقتصاديون بضراوة بالغة بشأن ما إن كان التشارك في الملفات بين ند وند لنسخ رقمية كاملة من أعمال متوفرة تجاريًّا سوف يضر بمالك حق التأليف والنشر أم لا، وإن كان هذا صحيحًا فلأي مدى؟ ولكن لا أحد تنبأ لمجرد التنبؤ بالضرر الآتي من خلط الأعمال والمزج بينها، والكثير من نواتج عملية المزج هذه ليس متوفرًا بالأساس على المستوى التجاري.

بطبيعة الحال، لا يعني هذا القول بأنه لا «ضرر» هنا البتة. فعلى حد قول يوهان سودربرج لي: «لا أعتقد أنني أوذي أي شخص. وأقصد، بالطبع، أنني أوذي [بوش وبلير]. إنه شيء موجه ضد جورج بوش وتوني بلير. وهكذا فإنني ألحق بهما الضرر.» ولكن هل مهمة حقوق التأليف والنشر حماية بلير وبوش من النقد؟ هل هذا هو المبرر الذي جعل واضعي القانون يمنحون الكونجرس الحق في تأمين الحقوق الحصرية؟ حتى إن كنت مترددًا في الإجابة على ذلك السؤال، فدعني إذن أشير أنك لا تعلم إلا أقل القليل عن الدوافع التي كانت تحرك صائغي قوانيننا. إن إعطاء الحكومة السلطة لإخراس النقاد من خلال منح الترخيص كان أسوأ ما صدر عن واضعي القوانين (انظر على سبيل المثال قانون الغرباء والفتن لعام ١٧٩٨). إنه لم يكن من بين المثل التي حفزت واضعي دستور تأسيس دولتنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤