الفصل الأول
(١) «سادُودانا»
وَقَدْ عاشَ فِي قَدِيمِ الزَّمانِ شَيْخٌ هِنْدِكِيٌّ — مِنْ شُيُوخِ الْهِنْدِ — اسْمُهُ «سادُودانا». وَكانَ مَعْرُوفًا بَيْنَ أَصْحابِهِ الْهَنادِكِ (رِجالِ الْهِنْدِ) بِحِدَّةِ الذَّكاءِ (قُوَّتِهِ)، وَرَجاحَةِ الْعَقْلِ (عِظَمِهِ واتِّزَانِهِ).
وقدِ اعْتَزَمَ الشَّيْخُ «سادُودانا» أَنْ يُسافِرَ إِلَىَ مَدِينَةِ «بَنَارِسَ» لِزِيارَةِ بَعْضِ أَقَارِبِهِ.
(٢) النَّمِرُ السَّجِينُ
وسار الشَّيْخُ «سادُودانا» في طرِيقِهِ إِلَى تِلْكَ الْمَدِينَةِ، حتَّى أَصْبَحَ عَلَى مَسَافَةٍ يَسِيرَةٍ (قَصِيرَةٍ) منْها، فَسَمِعَ صَوْتًا عالِيًا، كأَنَّهُ صَوْتُ الْرَّعْدِ، فَأَدْرَكَ الشَّيْخُ أَنَّ هذا الْصَّوْتَ الْمُخِيفَ هُوَ صَوْتُ نَمِرٍ مُتَأَلِّمٍ مَحْزُونٍ.
واقْتَرَبَ مِنْ مَصْدَرِ الصَّوْتِ، فَرَأَى قَفَصًا كَبِيرًا، قُضْبانُهُ مِنَ الْحَدِيدِ. ورَأَى فِي ذلِكَ الْقَفَصِ الْكَبِيرِ نَمِرًا كَبِيرًا مَسْجُونًا فِيهِ.
(٣) رَجاءُ الْنَّمِرِ
فَلَمَّا رَآهُ النَّمِرُ تَوَسَّلَ إِلَيْهِ أَنْ يُنْقِذَهُ مِنْ سِجْنِهِ، وَقَالَ لَهُ مُسْتَغِيثًا: «أَيُّها الْشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَشْفِقْ عَلَيَّ، وَامْنُنْ بِتَخْلِيصي (قَدِّمْ إِلَيَّ مِنَّةً وَجَمِيلًا بِإِنْقَاذِي) مِنْ هذا السِّجْنِ الَّذِي آذانِي، وَأَضْعَفَ جِسْمِي، وهَدَّ كِيانِي!
أَضْرَعُ (أَتَذَلَّلُ وَأَرْجُو) إِلَيْكَ — يا سَيِّدِي — أَنْ تُخْرِجَنِي مِنْ هذا الْقَفَصِ، فَقَدْ كادَ الْعَطَشُ يُهْلِكُنِي، ولكَ عَلَيَّ عَهَدٌ ومِيثاقٌ أَنْ أَعُودَ إِلَى قَفَصِي فِي الْحالِ، بَعْدَ أَنْ أَشْرَبَ قَلِيلًا مِنَ الْماءِ، لأُرْوِيَ بِهِ ظَمَئِي.»
(٤) مُحاوَرَةُ النَّمِرِ وَالشَّيْخِ
فَقالَ الشَّيْخُ «سادُودانا»: «كَلَّا — يا «أَبا رَقَاشٍ» — كَلَّا لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْبَلَ رجاءَكَ، يا سَيِّدِي النَّمِرَ؛ لِأَنَّنِي لَوْ أَطْلَقْتُ سَرَاحَك (لَوْ أَخْرَجْتُكَ مِنْ مَحْبَسِكَ) لَعَرَّضْتُ نَفْسِي لِلْهَلاكِ، وكانَ أَوَّلَ ما تَفْعَلُهُ مَعِي هُوَ أَن تَأْكُلَنِي فِي الْحالِ.»
فَقالَ النَّمِرُ: «اطْمَئِنَّ — يا سَيِّدِي الشَّيْخَ الرَّحِيمَ — فَلَنْ أَضُرَّك، وَلَنْ أُفَكِّرَ فِى إيذائِكَ أَبَدًا، بَلْ أنا أَشْكُرُ لَكَ صَنِيعَكَ (مَعْرُوفَك)، وَلا أَنْسَاهُ لَكَ طُولَ عُمْرِي، فلا تَتَرَدَّدْ فِي الْإِحْسانِ إِلَيَّ — يا أَخا الإنْسِ — فَلَنْ يَضِيعَ جَمِيلُكَ سُدًى (لَنْ يَذْهَبَ بِلا تَقْدِيْرٍ وَلا عِرْفَانٍ).»