الفصل الخامس والعشرون

الكوليسترول

كان تناول العشاء في بيت آل فيني تجربةً مميزة. حين وصلنا، كان أخوا ماري لو يركضان كحيوانين جامحين، ويقفزان فوق الأثاث ويرميان الكرات. وكانت ماجي أخت ماري لو الكبرى تتحدث في الهاتف وتشذب حاجبيها في آن واحد. وكان السيد فيني في المطبخ يطهو شيئًا ما، يعاونه في ذلك تومي ذو الأعوام الأربعة. همست فيبي قائلةً: «لستُ متفائلة كثيرًا بشأن الاحتمالات التي يمكن أن تئول إليها تلك الوجبة.»

حين دخلت السيدة فيني من الباب الساعة السادسة، جذب كل من تومي ودوجي ودينيس أجزاءً مختلفةً منها، وهم يتحدثون جميعًا في آن واحد. «انظري إلى هذا»، «أمي، أمي، أمي»، و«أنا أولًا!» شقت طريقها إلى المطبخ، ساحبة معها الإخوة الثلاثة المتشبثين بها مثل خطاف سنارة، والذين بعثروا كومةً متشابكةً من الإطارات القديمة والأحذية عالية الرقبة وغيرها من المهملات المتفرقة. طبعت على شفتَي السيد فيني قبلة سريعة، ووضع هو في فمها شقفة من الخيار.

أعددت أنا وماري لو المائدة، مع أني أظن أنه كان جهدًا مهدرًا. إذ جلس الجميع إلى المائدة بهمجية وعشوائية، فأسقطوا أكوابًا وتطايرت شوكات على الأرض والتقط كل واحد منهم طبقًا (لفتت فيبي نظري إلى عدم تناسق الأطباق) قائلًا: «هذا طبقي. أريد الطبق الذي عليه نقشة زهرة الأقحوان،» و«أريد الطبق الأزرق! إنه دوري للأكل فيه.»

جلست أنا وفيبي بين ماري لو وبن. توسط المائدة صحن ضخم من الدجاج المقلي. قالت فيبي: «دجاج؟ مقلي؟ لا يمكن أن آكل الأطعمة المقلية. فمعدتي حساسة.» استرقَت النظر إلى ثلاث قطع من الدجاج المقلي استقرت في صحن بن. قالت: «صِدقًا لا ينبغي أن تأكل ذلك يا بن. الأطعمة المقلية مضرة بصحتك. فهي أولًا تحتوي على الكوليسترول …»

أخذت فيبي قطعتي دجاج من صحن بن وأعادتهما إلى صحن التقديم. تنحنح السيد فيني. وقالت زوجته: «ألن تأكلي الدجاج إذن يا فيبي؟»

ابتسمت فيبي. «نعم يا سيدة فيني. لا يمكن أن آكل منه أبدًا. في الواقع، لا يجدر بالسيد فيني أن يأكل منه أيضًا. لا أدري إن كنتِ تعرفين ذلك لكن ينبغي للرجال أن يراعوا مستوى الكوليسترول لديهم.»

أطرق السيد فيني إلى الدجاج في صحنه. وزمَّت السيدة فيني شفتَيها بغرابة. في تلك اللحظة، كان صحن الفاصولياء قد وصل إلى فيبي. «هل وضعتِ زُبدًا في هذه الفاصولياء يا سيدة فيني؟»

«أجل. هل في الزبد خطب ما؟»

قالت فيبي: ««الكوليسترول». الكو-ليس-ترول. الزبد فيه كوليسترول.»

قالت السيدة فيني: «أجل، الكوليسترول.» نظرت إلى زوجها. «احذر يا عزيزي. الفاصولياء تحوي الكوليسترول.»

حملقتُ في فيبي. أنا واثقة بأني لم أكن الوحيدة التي شعرت برغبة في أن أطبق على عنقها.

أزاح بِن الفاصولياء في طبقه جانبًا. والتقطت ماجي حبة فاصولياء وتفحصتها. حين مُررت إلى فيبي البطاطس، قالت إنها تتبع حمية غذائية تمنعها من تناول النشويات. أطرقنا جميعًا إلى أطباقنا واجمين. كان طبق فيبي خاويًا. قالت السيدة فيني: «ماذا تأكلين إذَن يا فيبي؟»

«تُعِدُّ أمي وجبات نباتية خاصة. قليلة السعرات الحرارية ولا تحتوي أي كوليسترول. نأكل الكثير من السلاطات والخضراوات. أمي طاهية بارعة.»

لم تأتِ على ذكر الكوليسترول الموجود في العدد الكبير من الفطائر وكعك الشوكولاتة التي كانت أمها تخبزها. أردت أن أهب من مكاني وأقول: «لقد اختفت والدة فيبي، ولهذا تتصرف بذلك التعنت»، لكنِّي لم أفعل.

كررت فيبي: «طاهية بارعة بحق.»

قالت السيدة فيني: «رائع. وماذا تقترحين أن تأكلي الليلة؟»

«ألديكِ أي خضراوات غير معالَجة؟»

قالت السيدة فيني: «غير معالَجة؟»

«أي محتفظة بقيمتها الغذائية، غير مضاف لها أي زبد أو إضافات …»

قالت السيدة فيني: «أعرف ما يعنيه ذلك يا فيبي.»

«يمكن أن آكل خضراوات غير معالجة. أو هل لديك سلاطة فاصولياء حمراء جاهزة، أو ورق كرنب محشو؟ أو طاجن بروكلي وعدس؟ أو معكرونة وجبن؟ أو سباجيتي نباتي؟»

واحدًا تلو الآخر، التفت الجالسون على المائدة إلى فيبي محملقين. نهضت السيدة فيني عن المائدة وذهبت إلى المطبخ. سمعناها تفتح وتُغلق أبواب الخزانات. ثم عادت إلى مدخل المطبخ. وسألت فيبي: «رقائق الموزلي؟ هل تأكلينها؟»

قالت فيبي: «أجل آكل رقائق الموزلي. على الإفطار.»

اختفت السيدة فيني في المطبخ مرة أخرى وعادت حاملة سلطانية من رقائق الموزلي المجففة وزجاجة حليب.

سألتها فيبي: «على العشاء؟» وحملقت في السلطانية. وأضافت: «أنا عادةً آكلها مضافًا إليها الزبادي، لا الحليب.»

التفتت السيدة فيني إلى زوجها. «عزيزي، هل اشتريت الزبادي ذلك الأسبوع؟»

«تبًّا! كيف أنسى الزبادي؟»

أكلت فيبي الموزلي مجففًا دون حليب. طَوال العشاء، ظللت أفكر في بايبانكس، وكيف كان بيت جديَّ حين نزورهم لتناول العشاء. دائمًا ما كان البيت يعج بالناس — أقرباء وجيران — ويسوده الارتباك. لكنه كان ارتباكًا مفعمًا بالمودة، يشبه ذلك الموجود في بيت آل فيني. سكب تومي كوبين من الحليب، ولكم دينيس دوجي، فرد له دوجي اللكمة. ووجهت ماجي لكمةً إلى ماري لو، فرمتها ماري لو بحبة فاصولياء. أخذت أفكر. ربما كان ذلك ما أرادته أمي. بيت يعج بالأطفال والفوضى.

في طريق عودتنا إلى البيت، قلت: «هل بدا لكِ الجميع غارقين في الصمت على غير العادة بعد العشاء؟»

قالت فيبي: «على الأرجح بسبب كل ذلك الكوليسترول الذي استقرَّ في معدتهم.»

سألتُ فيبي إن كانت تود قضاء عطلة نهاية الأسبوع في منزلي. لا أعرف يقينًا لمَ فعلتُ ذلك. كان تصرفًا عفويًّا. لم أكن قد دعوت أحدًا إلى منزلي بعد. قالت: «أظن ذلك. هذا إن ظلت أمي …» وقطعت كلامها بسعال. «لنذهب إلى أبي ونستأذنه.»

في المطبخ، كان أبوها يغسل الصحون. كان يرتدي مريلة مزخرفة فوق قميصه الأبيض ورابطة عنقه. قالت فيبي: «يُفترض أن تشطف الصابون منها. هل تستخدم الماء البارد؟ ينبغي أن تستخدم الماء الساخن جدًّا. لقتل الجراثيم.»

لم يلتفت إلى فيبي. ظننت أنه ربما يكون محرجًا من رؤيتنا له وهو يغسل الصحون.

قالت فيبي: «لقد نال ذلك الصحن كفايته من الغسيل على الأرجح.» كان يمسحه مرارًا وتَكرارًا بمنشفة الصحون. توقف وأطرق ببصره إلى الصحن. كنت وكأني أرى طيور الحزن تنقر رأسه، لكن فيبي كانت مشغولة بإبعاد طيورها الخاصة.

سألته فيبي: «هل اتصلتَ بجميع أصدقاء أمي؟»

قال: «فيبي، أنا أنظر في الأمر. وأنا متعب قليلًا. هلا أجلنا هذا النقاش لوقت لاحق؟»

«لكن ألا تظن أننا يجب أن نتصل بالشرطة؟»

«فيبي …»

«تريد سال أن تعرف ما إذا كان يمكن أن أقضيَ عطلة نهاية الأسبوع معها في منزلها.»

قال: «بالطبع.»

«لكن ماذا إن عادت أمي وأنا عندها؟ هل ستتصل بي؟ هل ستُعلِمني بعودتها؟» «بالطبع.»

«أو ماذا إن اتصلت تليفونيًّا؟ ربما ينبغي أن أبقى بالبيت. أظن أني ينبغي أن أكون موجودة إن اتصلَت.»

قال: «لو اتصلت فسأتصل بكِ في بيت سال.»

قالت فيبي: «لكن إن لم تردنا أي أنباء بحلول غد، فعلينا قطعًا أن نبلغ الشرطة. لقد انتظرنا بما فيه الكفاية. ماذا لو كانت مقيدة في مكان ما تنتظرنا أن ننقذها؟»

في البيت في تلك الليلة، كنت أُعد تقرير الميثولوجيا الخاص بي في البيت حين اتصلت بي فيبي. كانت تتحدث همسًا. حين نزلَت للطابق السفلي لتتمنى لأبيها ليلة طيبة، وجدَته جالسًا في مقعده المفضل يحدق في التلفاز، لكن التلفاز كان مطفأً. لولا أنها تعرف أباها جيدًا، لظنت أنه كان يبكي. قالت: «لكن أبي لا يبكي أبدًا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤