الفصل الحادي والثلاثون

الصورة الفوتوغرافية

كان اليوم التالي شديد الغرابة، كما كانت السيدة بارتريدج ستقول.

وصلت فيبي إلى المدرسة حاملةً رسالةً جديدة، وجدَتها على شرفتها ذلك الصباح: «لا يدرك المرء أهمية الماء إلا حين تجف البئر.» قالت فيبي: «إنه دليل. ربما أمي مخبأة في بئر.»

اصطدمت ببن وأنا ذاهبة لخزانتي. كان عطر الليمون الهندي المميز يفوح في الهواء. قال: «ثمة شيء على وجهك.» مسح جانب وجهي بأنامله الناعمة الدافئة. «بقايا إفطارك على الأرجح.»

لا أعرف ماذا دهاني. كنت أنوي تقبيله. ملت للأمام في اللحظة التي استدار فيها وصفد باب خزانته. استقرت شفتاي على الخزانة المعدِنية الباردة.

قال: «أنتِ غريبة الأطوار يا سال.»

تبادل قبلة أمر معقد للغاية. إذ يلزم وجود شخصين في المكان نفسه واللحظة نفسها، وألا يتحركا كي تستقر القبلة في مكانها الصحيح. لكني شعرت بالراحة لأن شفتيَّ استقرتا على الخزانة المعدنية الباردة. لا أعرف ما دهاني، ولا أتصور ما كان سيحدث لو استقرت القبلة على شفتي بن. كان مجرد التفكير في ذلك يثير هلعي.

استطعت أن أجتاز باقي الحصص دون أن أفقد سيطرتي على شفتيَّ.

دلف السيد بيركواي إلى الفصل حاملًا دفاتر يومياتنا. كنت قد نسيت أمرها تمامًا. كان يقفز في أرجاء الفصل وهو يهتف: «رائع! مدهش! مذهل!» قال إنه لا يُطيق الانتظار حتى يشارك اليوميات مع الفصل.

قالت ماري لو فيني: «تشاركها مع الفصل؟»

قال السيد بيركواي: «لا داعي للقلق! فكل منكم كتب شيئًا بديعًا يستحق المشاركة. لم أنتهِ من قراءة الصفحات كلها بعد، لكني أردت أن أشارككم بعض الفقرات الآن.»

بدأ جميع من بالفصل يتململ. حاولت أن أتذكر ما كتبته. مالت ماري لو ناحيتي وقالت: «لستُ قلقةً. لقد كتبتُ ملاحظةً خاصةً في مقدمة دفاتري أطلبُ منه بصفة خاصة ألَّا يقرأها علانية. دفتري خاص.»

ابتسم السيد بيركواي للوجوه القلقة. قال: «لا داعي للقلق. سأغير أي أسماء ذكرتموها، وسألف غلاف أي دفتر أقرؤه بتلك الورقة الصفراء لإخفاء هوية صاحبه.»

استأذن بن للذهاب إلى الحمام. وقالت كريستي إنها تشعر بالغثيان وتوسلت للذهاب لزيارة الممرضة. وطلبت فيبي مني أن أتحسس جبينها لأنها كانت شبه متأكدة من أن لديها حمى. عادةً لا يمانع السيد بيركواي في ذَهاب الناس إلى الحمام أو إلى الممرضة، لكن تلك المرة قال: «دعونا لا نتمارض!» التقط دفترًا، ولفه بالورقة الصفراء قبل أن يتسنى لأحد أن يتفحص غِلافه بحثًا عما يدل على هوية صاحبه. التقط الجميع نفسًا عميقًا. كان بإمكانك أن ترى الناس مترقبين بتوتر، ينتظرون بقلق كأنما سيعلن السيد بيركواي خبر إعدام شخص ما. قرأ السيد بيركواي:

«أعتقد أن مصير بيتي [من الواضح أنه غيَّر الاسم إذ ليس في مدرستنا فتاة تدعى بيتي] سيكون جهنم لأنها دومًا تنطق باسم الرب الإله باطلًا. فهي تقول: «يا إلهي!» كل خمس ثوانٍ.»

بدأ وجه ماري لو يحتقن غضبًا. قالت: «من كتب ذلك؟ هل أنتِ من كتبتِه يا كريستي؟ أراهن على أنكِ من فعلتِ.»

أطرقت كريستي ناظرةً إلى مكتبها.

«أنا لا أقول «يا إلهي!» كل خمس ثوانٍ. لا أفعل ذلك. ولن يكون مصيري الجحيم. لقد صرت أقول «قدير!» و«ألفا، أوميجا».»

حاول السيد بيركواي جاهدًا أن يشرح ما أعجبه في تلك الفِقرة. قال إن أغلبنا لا يعي أنه ربما يستخدم كلمات — مثل «يا إلهي!» — قد يعتبرها الآخرون مهينة. مالت ماري لو ناحيتي وقالت: «هل هو جاد؟ هل يصدق فعلًا أن قولي «يا إلهي!» وهو ما لم أَعُد أفعله، يُشعِر تلك الحمقاء كريستي بالإهانة حقًّا؟»

ارتسم على وجه كريستي الوَرَع وكأنما هبط الرب بذاته من السماء ليجلس على مقعدها.

بسرعة، اختار السيد بيركواي دفترًا آخر. قرأ:

«ليندا [لم يكن في فصلنا من تدعى ليندا] هي صديقتي الأقرب. أخبرها بكل شيء تقريبًا، وهي أيضًا تخبرني «بكل شيء»، حتى الأشياء التي لا أود معرفتها. على سبيل المثال، ما تناولته على الإفطار، وما يرتديه أبوها عند النوم، وثمن سترتها الجديدة. أحيانًا لا تثير مثل تلك الأمور اهتمامي.»

كان ما أثار إعجاب السيد بيركواي في تلك الفقرة هو أنها تبين أن حتى أصدقاءنا المقربين قد يدفعوننا للجنون أحيانًا. التفتت بث آن في مقعدها وأرسلت رسائل غاضبة بحاجبيها إلى ماري لو.

قلَّب السيد بيركواي صفحات الدفتر نفسه حتى وصل إلى فقرة أخرى. قرأ:

«أظن أن جيرمايا متصلب الرأي بغباء. بشرته متوردة دائمًا، وشعره نظيف دائمًا … لكنه في الواقع أحمق.»

خُيِّل لي أن ماري لو ستنزلق ساقطةً من مقعدها. احتقن وجه أليكس حتى صار ورديًّا للغاية. ونظر إلى ماري لو كما لو أنها طعنته لتوها في قلبه بسيخ ساخن. قالت ماري لو: «كلا … أنا … هذا لا يعني ما تظنه … أنا …»

ما أعجب السيد بيركواي في تلك الفقرة هو أنها تظهر مشاعر مختلطة تجاه شخص.

قال أليكس: «أوافقك الرأي.»

رن الجرس. في البداية، صدرت زفرات ارتياح من أولئك الذين لم تُقرأ دفاترهم، ثم ما لبث أن بدأ الجميع يتكلمون مليون كلمة في الدقيقة. «ماري لو، انظري إلى بشرة أليكس المتوردة»، و«ماري لو، ماذا يرتدي والد بث آن عند النوم؟»

كانت بث آن تقف مقربة وجهها من وجه ماري لو. قالت بث آن: «أنا لست ثرثارة، ولم يكن لطيفًا منكِ أن تذكري ذلك، كما أني لا أخبرك بكل شيء، والسبب الوحيد الذي دفعني إلى ذكر ما يرتديه أبي عند النوم هو أننا كنَّا نتحدث، إذا كنتِ تذكرين، عن أن ملابس السباحة الرجالية مريحة أكثر من النسائية و…» وظلت تثرثر.

كانت ماري لو تحاول أن تصل إلى الجانب الآخر من الحجرة حيث يقف أليكس وقد توردت بشرته إلى أقصى حد ممكن. نادته: «أليكس! انتظر! لقد كتبت ذلك قبل … انتظر …»

كانت فوضى عارمة. سرني أنني اضطُررت إلى المغادرة. فقد كنت ذاهبة أنا وفيبي إلى مركز الشرطة مجددًا.

دخلنا لمقابلة الرقيب بيكل على الفور. وضعت فيبي الرسالة الجديدة عن ماء البئر على مكتبه بعنف، وألقت بالشعيرات التي جمعتها من بيت السيدة كادافر فوقها، ثم وضعت فوقهما قائمة «أغراض إضافية للتحري».

قطب الرقيب بيكل حاجبيه. «لا أظنكما تفهمان الأمر أيتها الفتاتان.»

انتابت فيبي نوبة غضب. قالت: «أيها الأحمق.» وانتشلت الرسالة والشعيرات والقائمة واندفعت خارجة من مكتبه.

تبعها الرقيب بيكل، أما أنا فانتظرتُ ظنًّا أنه سيعيد فيبي ويهدئها. نظرت إلى الصور الفوتوغرافية الموضوعة على مكتبه، التي لم يتسنَّ لي رؤيتها أمس. كان أحدها للرقيب بيكل ومعه سيدة ودودة الملامح؛ افترضت أنها زوجته. وكانت الصورة الثانية لسيارة سوداء لامعة. أما الثالثة فكانت تجمع الرقيب بيكل والمرأة وشابًّا يافعًا؛ خمنت أنه ابنهما. أمعنت النظر فيها.

عرفت الابن. إنه المختل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤