القلعة!

كان ﻟ «ريما» أصغر الشياطين سنًّا رأيٌ مخالفٌ في مسألة مصرع الزعيم؛ فرقم «صفر» لا يعرفه أحدٌ من العاملين بالمنظمة إلا المسئول عن الأمن.

ثانيًا: إنهم لم يقوموا بأيِّ عمل ضد هذه الجماعات … أي لم تكن لهم معهم مواجهات حتى يقوموا بعمليات انتقامية.

ثالثًا: حركة الزعيم رقم «صفر» حركة محسوبة ومؤمنة … ولا يمكن للجماعات الإرهابية اختراقها، ولن ينفذوا أغراضهم دون أدنى حساب لأمنهم.

أحمد: هذا كلام جميل … ولكنه حتى الآن يدخل في باب الأماني … وكلُّنا مثلُك نتمنى ألا يكون قد وقع للزعيم مكروه.

قيس: «أحمد» … «أحمد» …

أحمد: ماذا لديك يا «قيس»؟

قيس: إن هذه السيارة يمكنها النزول إلى الماء!

قفز «أحمد» في شغف ليجلس بجوار «قيس» الذي كان يبحث عن المزيد من إمكاناتِ مقرِّهم الجديد … ووسط شغف بقية الشياطين تحدَّث «أحمد» بلهجةِ غيرِ المصدِّق؛ فهذه السيارة يمكنها الاختباء تحت الماء لفترات طويلة ولكن دون حركة؛ أي أنها تخرج من نفس المكان الذي نزلت فيه إلى الماء.

وعلى شاشات الكمبيوتر المثبتة في ظهرِ كلِّ كرسي … تابع الشياطين فيلمًا عن هذه السيارة الغواصة وهم في أماكنهم … وكان لهم الكثير من التساؤلات عن حاجتهم الحقيقة لهذا المقر وبهذه الإمكانات … وهل هناك خطرٌ محدق بهم إلى هذا الحد؟ ولماذا ظهرَت هذه السيارة في هذا التوقيت بالذات؟ هل المقصود هو بثُّ الطمأنينة في نفوس الشياطين وإعدادهم لتقبُّل قيادة زعيم جديد غير رقم «صفر»؟ أم ماذا؟

قالت «إلهام» ردًّا على ذلك: ولماذا لا يكون حادثُ اغتيال رقم «صفر» تمثيلية؟

أحمد: وما المقصود منها؟

إلهام: لرفع درجة الاستعداد النفسي لمواجهة أولئك الإرهابيين بقوة.

عثمان: وهذا المقر الرائع؟!

إلهام: نوعٌ من التعويض عن غياب رقم «صفر».

ريما: معنى ذلك أنهم يريدون لنا أن نأتلف معه … ونحبه.

مصباح: أشعر أن هذا المكان سيشهد اجتماعنا في الفترة القادمة … أكثر من المقار الأخرى.

أحمد: طالما الحاجة تتطلب ذلك … فلا مانع.

قيس: ألم يَحِن الوقتُ لنتحرك؟

أحمد: لا … انتظر … هناك رسالة … فلنتلقاها أولًا ثم نتحرك.

كان «الخرتيت» يتحرك على شاشة الكمبيوتر المثبتة في تابلوه السيارة … و«أحمد» يسجل ذلك على جهاز صغير معه في حجم الآلة الحاسبة الصغيرة … وعندما توقَّف «الخرتيت» عن الحركة ضغط على زرٍّ على نفس الجهاز، وبدأ يقرأ: من مقر قيادة «ش. ك. س» إلى المقر المتحرك … نعلم أنكم توقفتم للاجتماع عند النقطة ٣١ ك بجوار قلعة «قايتباي» … برجاء التحرك إلى ميناء «أبي قير» … وعدم التوقف لفترة طويلة بعد الآن دون تمويه … شكرًا … قيادة المقر.

عثمان: ياه … كيف لم ننتبه لذلك؟!

أحمد: ما زلنا متأثرين لغياب رقم «صفر» عنَّا.

فهد: علينا أن نتجاوز ذلك بسرعة … ما دمنا قد اخترنا الاستمرار.

أحمد: أنا معك يا «فهد» فيما تقول.

وهنا رفع كلُّ الشياطين يدَهم اليمنى وهم يصيحون في صوت واحد قائلين: نحن معك يا «أحمد» قائدًا، ولن نردَّ لك أمرًا.

أحمد: وأنا أعدكم ألَّا أتخذَ أيَّ قرار دون الرجوع إليكم.

سارَت السيارة المقر التي نسيَ الشياطين أن يختاروا لها اسمًا … فحادث مصرع رقم «صفر» … والذي لا يزال غامضًا قد شغلهم عن كلِّ شيء.

ولم يكن الشياطين يشعرون بحركة السيارة … فقد كانت كلُّ النوافذ مغلقة بإحكام … وزجاجها المزدوج لا يسمح بمرور الضوء منه.

أما «قيس» فقد كانت أمامه شاشة بديلًا عن الزجاج … توضح له الطريق الذي يسلكه، والعوائق التي يقابلها … وكيفية تجنُّبها.

وحانَت من «ريما» التفاتةٌ إلى زرٍّ أعلى زجاج الشباك ضغطَت عليه … فتغيَّر لونُ الزجاج من الأسود إلى الشفاف … ولم تصدِّق نفسها … عندما رأت الماء يحيط بهم … وصاحَت قائلة: «قيس» … أين نحن الآن؟!

قيس: في الطريق لأبي قير.

ريما: أمتأكد أنت من أنه الطريق؟!

قيس: طبعًا فأنا أخضع لتوجيه الكمبيوتر.

نظرَت «إلهام» لها في دهشة وسألَتها: ماذا حدث يا «ريما»؟!

أحمد: «قيس» … أَفقدنا الاتجاه؟!

ريما: المسألة ليست بهذه البساطة … فالاتجاه صحيح كما تريده قيادة المقر … وكما وجهنا الكمبيوتر.

عثمان: إذن ما المشكلة؟!

ريما: ليست هناك مشكلة … هناك مفاجأة.

قيس: أرجوك ما هي المفاجأة؟

ريما: لقد وصلنا إلى أبي قير ومنه إلى الميناء … ونحن الآن في البحر … ويحيط بنا الماءُ من كل جانب.

علَت همهماتُ الشياطين … فاستطردَت «ريما» قائلة: «قيس»؛ ألم يكن من الأجدى أن تسأل الكمبيوتر أين نحن؟

قيس: سأسأله.

ابتسم الشياطين … وابتسم «قيس» لأول مرة منذ حادث انفجار السيارة … وبدءوا يستعيدون نشاطَهم مرة أخرى … وقد ظهر ذلك على «عثمان» الذي كان قليلَ الكلام جدًّا طوال الرحلة … فقد عاد إلى أسئلته الصاروخية مرة أخرى وهو ينظر ﻟ «أحمد» ويقول: هيَّا يا زعيم … كيف دخلنا الميناء دون اعتراضٍ من السلطات … أو طلب إبراز تصاريح أمنية؟

مصباح: صحيح … وكيف نحن الآن في عرض البحر دون مطاردة السلاح البحري … أو السلطات عمومًا.

إلهام: قد تكون هذه السيارة خفية … أي لا يراها إلا نحن.

ابتسم «قيس»، وقال: لا تحتاج المسألة إلى هذا النوع من الحلول … من المؤكد أن هناك تنسيقًا بين قيادة المنظمة … وسلطات الأمن في الميناء.

أحمد: ما يقوله «قيس» صحيح … هذا هو الاحتمال الأرجح.

إلهام: إذن … فنحن في طريقنا خارج البلاد … بهذا المقر العجيب.

بو عمير: ولكننا لم نعتَد على المفاجآت مع رقم «صفر».

أحمد: لكل قيادة أسلوبها.

فهد: لا أعتقد أن أسلوب قيادتهم لنا سيتغير … فهم يعرفون جيدًا … كيف كان يتعامل معنا رقم «صفر».

أحمد: نعم … وليس من الذكاء تغيير ذلك دون تدريب نظري وعملي.

إلهام: لا أعرف لماذا أشعر في كلِّ ما يحدث أن رقم «صفر» على قيد الحياة.

ريما: أريد أن أفهم يا «إلهام».

إلهام: كيف تشكُّ الإدارة ولو مجرد شك في موت الزعيم ولا تخضعنا لبرامج تدريب مع قيادة بديلة كما قال «أحمد»؟ هذا من ناحية … ومن ناحية أخرى … لم يَرِد في نشرة من نشرات الأخبار كلمة واحدة عن الحادث مما يُوحي بأنه حادث غير حقيقي!

عثمان: تمثيلي إذن؟

إلهام: نعم!

أحمد: وهل كان من الصعب على قيادة المنظمة بثُّ نشرات أخبار بما تريد؟!

إلهام: قد يكون ذلك مقصودًا حتى يتركوا لنا مساحة من الأمل والاحتمال.

شعر «أحمد» بأن كلام «إلهام» فيه قدرٌ كبير من المنطق … ومثله بقية الشياطين … ورأوا أن عليهم الآن الالتفات للمهمة التي سيكلفون بها … فقد يكون وراءها الزعيم.

وبجوار «قيس» جلس «أحمد» … وبدأ يبحث عن المزيد من إمكانات السيارة … إلا أن أمرًا ظهر له على الشاشة جعله يفضِّل الاتصال بالقيادة … فقد قال له هذا الأمر: سوف تعرف كلَّ شيء في وقته.

وحين اتصل بالقيادة في الهرم، طلبوا منه الاتصال بالمقر الكبير في الصحراء الغربية، وعندما همَّ بالاتصال بهم … تلقَّى اتصالًا لم يعرف مصدره … يُفيدهم بأن المهمة القادمة قريبة منهم جدًّا … وعليهم الاستعداد الكامل لها.

وعندما سألَته «ريما» عن المقصود بالاستعداد الكامل قال لها: أي أن نكون في حالة تركيز عالية عقليًّا ونفسيًّا.

وقد لفت نظرَه … دهشةٌ طرأَت على «قيس»، فسأله عن مصدرها.

قال: تصور يا «أحمد» … أن هذا الاتصال تم من مكان قريب جدًّا … يكون فوق سطح الماء.

أحمد: تقصد أن يكون هناك مقرُّ قيادة آخر … مثل هذا المقر؟

قيس: أو غيره … ولكن الكمبيوتر يقول ذلك.

تبادل «أحمد» و«قيس» مقاعدَهما … ثم أخرج من جيبه كارتًا وضعه داخل فتحة خاصة في تابلوه السيارة … وبدأ يُجري مسحًا شاملًا بموجات الرادار للمنطقة المحيطة به وعلى مسافات بعيدة … ثم طلب تقريرًا مفصلًا من الكمبيوتر عن نتيجة هذا المسح … إلا أنه لم يسجل شيئًا غير عادي … فلم يقتنع … وأعاد المسح مرة أخرى، فكانت كسابقتها … فسجل أمرًا للكمبيوتر بمتابعة المسح الراداري للمنطقة مرة كلَّ خمس دقائق وتسجيل النتائج … وعند الوصول إلى نتيجة إيجابية يتصل به … وترك المقعد ﻟ «قيس»… وعاد ليجلس وسط الشياطين الذين لاحقوه بأسئلتهم، وكانت أولهم «ريما» التي قالت له: ماذا تقصد من هذا البحث الذي تقوم به عن طريق الرادار؟ هل تبحث عن المقر الذي أتانا منه الاتصال؟

أحمد: لا … ولكني أبحث عن المقر الذي تحرَّكنا من أجله … وتحدَّدَت فيه مهمتُنا.

عثمان: وهل تحدَّدت مهمتُنا؟

أحمد: لقد غادرنا المقر … وفي نيتنا جميعًا مواجهة جماعة الإرهابيِّين الذي دأبوا على ضرب السياحة والسياح في «مصر».

عثمان: ولكن لم يتحدَّد لنا مكان للمهمة … أو مع مَن ستكون المواجهة … ومَن الذي سيكلف بها … والنتيجة المطلوب الوصول لها.

أحمد: نحن لم نُوضع في هذا المكان لكي نشمَّ الهواء … فمن المؤكد أن هناك شيئًا هامًّا يحدث بالقرب منا!

إلهام: أنا معك فيما تقول … وخاصة بعد ذلك الاتصال الذي تلقَّيناه … والذي يدل على أن مصدره قريب.

ريما: أي أن هناك تحركات قريبة منَّا لمواجهة ما.

بو عمير: وهل نحن نتحرك الآن أم متوقفون؟

قيس: لا … نحن متوقفون.

أحمد: فلنتحرك يا قيس … فالرادار لم يسجل نتيجة إيجابية حتى الآن.

أدار «قيس» محركاتِ السيارة المقر … وانطلقَت بهم بلا صوت لها … ولا صوت حولها يقطع صمتَ الليل … وعينَا «أحمد» على شاشة الرادار … ينتظر ظهورَ بادرةِ أمل … تبدَّد له الكثيرُ من الغموض الذي يحيط بالمهمة حتى الآن … لكن الوقت يمرُّ ولا جديد.

إلا أن الجديد كان يدور برأس «زبيدة» التي شعر «فهد» أنها تحادث نفسها، فسألها قائلًا: «زبيدة» ماذا يشغلك؟

زبيدة: إذا حدثَت مواجهة الآن … فستكون معنا كلنا … كل مجموعة الشياطين … وهذا لم يحدث من قبل … فلم يخرج أكثرُ من خمسة شياطين في مهمة!

فهد: نحن لا نملك إلا تنفيذ الأوامر.

رشيد: لا يا «فهد» … في هذه الظروف بالذات يجب أن نفهم.

خالد: نفهم ماذا؟

رشيد: هل سيتم الدفع بنا جميعًا في هذه السيارة … في مواجهة مع قوى لا نعرف مداها؟

فهد: ليس إلى هذا الحد … فقد تخرج جماعة منَّا للتعامل مع الهدف … في حدود ما اعتدنا عليه.

باسم: تقصد أنه توجد في هذه السيارة إمكانات لخروجنا وتحركنا جيدًا عن السيارة … والقيام بمهمة ثم العودة؟

أحمد: نعم … من الممكن … ولذلك ردَّت المنظمة على سؤالي بأننا سنعرف كلَّ شيء في وقته … ويتضح من ذلك أن بهذه السيارة العائمة … إمكانات لا حدود لها … ولا يمكن التعامل معها بأسلوب الشرح.

قيس: «أحمد» … «أحمد» …

التفت «أحمد» إلى «قيس» الذي كان متنبِّهًا إلى نقطة تظهر على شاشة الكمبيوتر الرادار … وكانت مساحتها تكبر ببطء شديد … مما أكد له أنهم يسيرون في اتجاههم.

وفجأة سمعوا أصوات إشارات خافتة يلتقطها جهازُ الاستقبال الفائق الحساسية المزودة به سيارتهم التي اتفقوا أخيرًا على أن يسموها «القلعة»، فعلَت الهمهمةُ بينهم وكثرَت التساؤلات عن هذه النقطة، وهذه الإشارات … وهل هي سفينة؟ وهل هذه الإشارات خاصة بالاتصالات؟

إلا أن تحليل الكمبيوتر للأشعة المرتدة منها بيَّن أنها ليست جسمًا معدنيًّا.

وتساءلَت «هدى» عن عدم استعانة «أحمد» بالقناة الخاصة بالمنظمة على القمر الصناعي؟

فردَّ عليها قائلًا: تعلمين يا «هدى» أننا ركبنا «القلعة» دون تدريب … ودون معرفة إمكاناتها … وحتى الآن أنا لا أعرف إن كنَّا نستطيع استقبال إرسال القمر الصناعي عليها أم لا.

ثم التفت إلى مجموعة الشياطين قائلًا: ولكني أخبركم وأنا مسئول عن كلامي هذا بأن النقطة التي نقترب منها … هي جزيرة صغيرة وسط الماء … وهناك احتمالان لا ثالث لهما … إما أنها قاعدة للمنظمة … وسيتم تدريبُنا فيها على مواجهة الإرهابيِّين … أو أنها قاعدة للإرهابيِّين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤