الصراع مع سمك القرش!

لم يشأِ «أحمد» أن يقترب أكثر من ذلك من هذه النقطة … التي كبرَت إلى حدٍّ كبيرٍ على شاشة الكمبيوتر … قبل أن يعرف ماهيتَها … وقد توصَّل «قيس» ومعه «عثمان» إلى أجهزة رؤية حديثة … مزودة بها القلعة ويتم التحكم فيها إلكترونيًّا وقد ساعدَتهم هذه الأجهزة في معرفة ماهية هذه النقطة، التي اتضح أنها جزيرة … ولكنها خالية من السكان … عدا بعض الطيور البحرية … والتي إن دلَّت فإنما تدلُّ على عدم نزولِ أحدٍ عليها منذ فترة بعيدة؛ مما شجعهم على زيادة سرعة القلعة للاقتراب منها أكثر … للنزول عليها.

إلا أن «أحمد» ووسط دهشة الجميع أمرهم بالتوقُّف عن زيادة سرعة القلعة … بل إيقاف محركاتها تمامًا!

فسألَته «إلهام» قائلة: هل لا زلت تشك يا «أحمد» في هذه الأرض؟!

أحمد: الحذر … الحذر … إن تخلينا عنه ضِعْنا … وأتمنى أن تتعلموا من الظروف التي نمرُّ بها!

عثمان: وهل سيُوقفنا الحذرُ عن الحركة … أم سيُعيدنا إلى الميناء مرة أخرى؟

أحمد: لا هذا ولا ذاك … ولكني سأقطع المسافة الباقية حتى هذه الجزيرة سباحة!

إلهام: ياه … لماذا أنت يا «أحمد» … إنها مخاطرة.

أحمد: وهل هذه أول مرة نُقدم على المخاطرة؟

بو عمير: إذن سأنزل أنا بدلًا منك.

وتعالَت أصواتُ الشياطين وهم يرفعون أيديَهم يطلبون القيام بالمهمة … إلا أن «أحمد» رفض كلَّ هذه العروض … فالمصلحة هي التي تحدِّد مَن الأصلح للمهمة … فردَّ «عثمان» قائلًا: أنا أرى أننا نحتاج هنا للقيادة … وإذا أصابك سوءٌ اختلَّت هذه القيادة … فاختلَّت الجماعةُ كلُّها … دَعْني يا «أحمد» أقوم أنا بهذه المهمة.

أحمد: «عثمان» … هذه المهمة سنقوم بها أنا وأنت و«إلهام» … فهي تحتاج إلينا معًا … ونحن نستطيع التنسيق فيما بيننا بما تقتضيه الظروف … دون الحاجة إلى أمر مباشر مني … فكلٌّ منكما قادرٌ على اتخاذ نفس القرار وحده.

صمت الجميع … وساد الهدوءُ في «القلعة»، قطعه «أحمد» قائلًا: ليس معنى هذا أنكم غيرُ قادرين على اتخاذ القرار، على العكس … إن كل واحد منكم بداخله قائد … وها أنا ذا أترك «القلعة» لقيادتكم … وأضع حياتي وحياة «إلهام» و«عثمان» بين أيديكم … فإذا ما شعرتم أننا في خطر … فعليكم بمساعدتنا، وسنكون على اتصال دائم بكم.

فهد: «أحمد» … نحن لم نشعر ولو للحظة واحدة بأننا أقلُّ منكم أو أصغر من الحدث … لقد تعلَّمنا في المنظمة أن المهمة هي التي تختار الرجل … وليس الرجل هو الذي يختار المهمة.

ريما: آآه … ولِمَ الرجل فقط … ألسنا كلنا أعضاء في منظمة واحدة لنا ما لكم وعلينا ما عليكم؟!

عثمان: يا «ريما» كلُّنا هنا رجال … حتى «إلهام» التي ستُشاركنا هذه المهمة.

ضحكَت «إلهام»، وقالت: أين معداتنا؟

أحمد: «قيس» … لو سمحت نريد معداتٍ للغطس … وأسلحة حديثة …

وببراعةٍ سجل «قيس» الأمرَ على جهاز الكمبيوتر … وتحاور معه وتناقش ثم أخيرًا … خرج بما لم يتوقعه الشياطين من نتائج … فقد كانت «القلعة» تحتوي على كبسولات مزودة بمحركات دفع غازي على أعلى مستوى تكنولوجي … تسع كلُّ كبسولة فردًا واحدًا … ومزودة بكل أجهزة الاتصال الحديثة … وبمدفع ليزر وبعض الأسلحة الأخرى، ويتم ركوبها من قاع «القلعة»، حيث تنطلق كالقذيفة بمجرد إدارتها.

وفي أرضية السيارة خلف الكنبة الأخيرة … انفتح بابٌ يسمح بمرور فرد واحد فقط … فوفر على الشياطين وقت البحث عنه … فودَّعهم «أحمد» وتمنَّوا له التوفيق، وانزلق من هذا الباب أنبوب، انتهى به إلى الكبسولة التي أخذَت وضْعَ الاستعداد ثم انطلقَت … ومن خلفة «إلهام» … ثم «عثمان» في اتجاه واحد.

وعبر أجهزة الاتصال الحديثة المزودة بها الكبسولة … اتفق الشياطين الثلاثة والذين أطلق عليهم «قيس» «مجموعة القرش»، انطلقوا في جولات تحت «القلعة»، وقاموا بالاتصال بالشياطين، ونقلوا لهم مشاعرهم، وهم في وسط الماء وحولهم الأسماك من كل نوع … ثم اتفقوا على لحظة الانطلاق إلى الجزيرة المجهولة … وبدأ «قيس» عدًّا تنازليًّا علا في نهايته صفيرٌ صادرٌ من تابلوه الكبسولة، انطلقَت على أثره «مجموعة القرش»، وفي سباق جنوني للوصول إلى المجهول … وفك طلاسمه … ومعرفة ما يجري حولهم ولا يجدون له تفسيرًا.

وقبل أن يبلغوا أرض الجزيرة بعدة كيلومترات … سمعوا صوت أزيز متصل على شاشة بالتابلوه … عرفوا المسافة الباقية إلى الجزيرة … فقللوا من سرعة الكبسولة وساروا متجاورين حتى أصبح بينهم وبين الجزيرة عدة أمتار، فأوقفوا محركاتِ الكبسولات … ثم خرج «أحمد» من كبسولته وتركها بجوار «إلهام» التي ثبتت كبسولتها عن طريق ذراع.

ثم قطع المسافة إلى أرض الجزيرة سباحة … وحاول تسلُّقَ الصخور فانزلقَت قدماه … وكلما حاول انزلقَت قدماه، حتى أصابه الإعياء، وكان «عثمان» يتابعه في قلق، ويتمنَّى لو أنه أشار له بطلب المساعدة، إلا أن «أحمد» رأى أنه من الأفضل أن يستلقيَ على ظهره فوق سطح الماء، ويفكر بروية في كيفية تسلُّق هذه الصخور إلا أن استرخاءَه لم يَطُل … فقد شاهد عن بُعد مجموعةً من أسماك القرش تقترب في خطٍّ مستقيم نحوه … فغمغم في نفسه قائلًا: إنها تعرف ما تريد … وقبل أن تَصِل إلى المسافة الحرجة، والتي لا يمكنه إنقاذ نفسه فيها انقلب على بطنه ودارَت يداه كمروحة الطائرة النفاثة … ومن الاتجاه الآخر كانت الكبسولات الثلاثة تنطلق في اتجاهه، وقلبُ «إلهام» يخفق بشدة خوفًا من أن تَصِل أسماكُ القرش إليه قبلهم، و«عثمان» يوجِّه مجموعةً من الأسلحة إلى أسماك القرش … داعيًا اللهَ ألَّا تُصيبَ في طريقها «أحمد».

ورغم سرعة الكبسولات … إلا أن جر كبسولة «أحمد» معهم لم يُعطِهم الفرصة للانطلاق بكل السرعة المطلوبة … مما أعطى أسماك القرش الفرصةَ للاقتراب من «أحمد» بمسافة خطرة، فترك «عثمان» كبسولةَ «أحمد» مع «إلهام»، وانطلق هو في اتجاه أسماك القرش، وكانت قد فتحَت أفواهها … ولم يتبقَّ غير أمتار قليلة لتُطبقها عليه … ويفوز كلُّ قرش بقطعة منه … إلا أن «عثمان» قطع عليهم الطريقَ ورسم خطًّا بينها وبين «أحمد» بالكبسولة؛ مما أفزع أسماك القرش التي تفرَّقَت تحت وفوق الماء … و«أحمد» يضرب الماء بيدَيه وقدمَيه ليقتربَ من «إلهام»، وفي الجهة المقابلة تقترب منه «إلهام» التي بدأت أسماك القرش تُطاردها لبطء سرعتها … وكانت الكبسولة تغطِّي النصفَ العلوي منها فقط … أما النصف السفلي فيكون خارجها … ووجد «عثمان» نفسه في مأزق … فعليه أن يطارد أسماك القرش التي تحوم حول «أحمد» … وأن يُنقذَ في نفس الوقت «إلهام»، وفكَّر في إطلاقِ بعضِ أشعة الليزر القاتلة … إلا أنها تفرَّقَت بينها، ولم تُصِب إحداها في مقتل بل أثارَت أعصابَها … وزادَت حدَّتُها ورغبتُها في الافتراس … وتحت الماء غاص «أحمد» ليخرج بعد مسافة قصيرة قدَّرها … ليدخل في الكبسولة، ويُدير محرِّكَها وينطلق بها … لتعلوَ مقدمتُها فوق سطح الماء … ومن خلفه «إلهام»… ويلحق بهما «عثمان» ليدوروا متلاحقين … ويضعوا حول أسماك القرش حلقة … وأسماك القرش تدور حول نفسها محاولةً اللحاقَ بأحدهم، وعندما أصابها اليأس والإعياء رحلَت الواحد تلو الآخر … وكأنها أقسمَت ألَّا تعود إلى هذا المكان مرة أخرى … وكان الإعياء قد أصاب أيضًا مجموعة الشياطين فآثروا العودة إلى القلعة … على أن يعودوا صباحًا إلى الجزيرة … وكان طريق العودة طويلًا بسبب ما أصابهم من إعياء.

وعندما التحمَت الكبسولة بالقلعة … أعلن كمبيوتر المراقبة عن عودتهم … وبكثير من الشغف استقبلهم الشياطين، وسمعوا منهم بلهفة تفاصيل المطارة المثيرة مع أسماك القرش … إلا أنهم لم يصلوا إلى ما انتظروه من هذه الرحلة … ألا وهو كشف أسرار هذه الجزيرة.

لم يكن لدى «أحمد» قدرة على المزيد من الكلام فطلب طعام العشاء … وقد كان معدًّا في انتظارهم … فاجتمع ثلاثتهم عليه … وتفرقوا للنوم استعدادًا للكرة الثانية.

أما بقية الشياطين … فقد كانوا يُعدُّون خطة بديلة … بعد أن فشلت المهمة الأولى بأعضائها.

ورأى «فهد» أن يستبدلوا «إلهام» بأحد الشباب؛ فالمهمة شاقة وخطرة … إلا أن هذا الكلام لم يلقَ صدًا طيبًا لدى آنسات الجماعة وقد كانت أكثر المتحمسات وأولاهن «ريما» التي قالت: إن كنت تقصد استبدال «إلهام» لإصابتها بالإعياء … فهذا أمر يرجع لها وهي التي تقرره … فإن وافقت فسأكون أنا مكانها، أو «هدى» أو «زبيدة» … فليس لأحد منكم ميزة عنَّا … فتاريخنا في المنظمة يشهد أننا لم نقل عنكم شيئًا.

ابتسم «فهد» وهو يلاحقها في الكلام قائلًا: «ريما» … «ريما» … لقد فهمتِ كلامي على غير مقصده … وعمومًا يجب أن نكون كلنا مستعدين للقيام بالمهمة بديلًا عن أيٍّ منهم … أو عنهم كلهم.

قيس: هناك إشارات غير واضحة لم يجد لها الكمبيوتر تفسيرًا … يلتقطها المستقبل بين الحين والآخر.

ريما: سجلها يا «قيس» وقارِن بينها وبين الإشارات التي ستسجلها بعدها وهكذا … لعلك تَصِل إلى مفاتيح شفرتها.

مصباح: أشعر أن الأمر غير متعلق بالجزيرة، وأن هذه الإشارات تنبعث من مكان آخر.

قيس: المسح الراداري لم يُثبت وجودَ أية سفن أو بواخر حولنا.

مصباح: ولكنه لم ينفِ وجودَها.

قيس: لا أفهمك.

مصباح: هناك مفاجأة تنتظرنا يا «قيس»، ويجب أن نكون مستعدين لها.

ريما: أحب هذا النوع من التفكير.

ثم قالت بصوت مرتفع: أرجو أن يشاركَنا بقية الزملاء فيما نتحدث فيه.

خالد: ما الجديد يا «ريما»؟

ريما: «مصباح» يرى أن تسجيل الكمبيوتر لهذه الإشارات غير المفهومة … إنما يُنبئ عن وقوع مفاجأة قريبًا ويجب أن نستعدَّ لها.

مصباح: بالذات خاصة أن الكمبيوتر وكل أجهزته المعاونة لم ينفِ وجود سفن أو بواخر حولنا.

قيس: حتى الآن لم يثبت أيضًا وجود شيء من هذا … هذا للعلم.

زبيدة: إن توقع المفاجأة يقلِّل من تأثيرها علينا، فنستطيع التعامل معها.

ريما: أي إنكم تتفقون معي.

الشياطين: نعم.

قيس: إذن فليخلد الجميع للنوم … ولا يبقى مستيقظًا معي غير اثنين منكم.

هدى: سأبقى أنا.

باسم: وأنا.

انتقلت «هدى» و«باسم» إلى جوار «قيس» … واعتدل باقي الشياطين … فأخذوا وضْعَ النوم … بعد أن فردوا مقاعدَهم فتحولت إلى أسرَّة.

وأطفأ «قيس» نورَ صالون السيارة ولم يبقَ غير نور كابينة القيادة … حيث كان «قيس» يتابع أجهزة تسجيل الإشارات وبجواره «هدى» و«باسم».

فسألهما إن كانَا يريدان رؤية البحر حولهما، فتحمَّسَت «هدى» للفكرة جدًّا، ووافقها «باسم» وضغط «قيس» زرًّا، فتغيَّر لونُ الزجاج الأسود بجوارهما وأمامهما، وصار شفافًا … وظهر البحر حولهما مظلمًا كالسماء … غير أن السماء كانت زاخرةً بالنجوم المضيئة … والتي كانت تكشف عن جسم يقفز بين الحين والآخر فوق الماء ثم يغوص … وأسماك أخرى مضيئة تقفز فوق الماء … فالكائنات جميعها نائمة … وهو جوٌّ يُغري باللهو والتريض.

إلا أن ما رآه «باسم» كان غير ذلك … فقد رأى جسمًا يُشبه صاري المركب يخرج من الماء إلى ارتفاع معين … وقبل أن يبلغ «قيس» و«هدى» كان قد اختفى ورأى ألَّا يبلغَهما قبل أن يتأكد.

إلا أن سؤالًا بدر له، رأى أنه سيُثبت له ما رأى … فحادث فيه «قيس» قائلًا: «قيس» … منذ دقيقتين فقط شعرت أن مؤشر جهاز استقبال الموجات قد سجل زيادة فيها، أليس كذلك؟

رجع «قيس» إلى الكمبيوتر وسأله، فاتضح له صدْقَ ما قاله … فسأله قائلًا: هل قرأت المؤشر الرقمي؟

باسم: لا … بل رأيت جسمًا كصاري المركب يخرج من الماء في هدوء ولم يمكث أكثر من دقيقة، ثم عاد للاختفاء.

قيس: إنه ذيلُ إحدى أسماك القروش التي أتَت خلف «أحمد» والباقين، والمشكلة أنهم لم يبرحوا المكان … وسيأتي على أثرهم المزيد وسيزيدون من صعوبة مهمة المجموعة.

باسم: صدقني يا «قيس» ما رأيته ليس ذيلَ سمكة.

قيس: مَن قال لك إن القرش سمكة؟

هدى: وهل من المعقول ألَّا يعرف «باسم» ما هو القرش؟!

قيس: لا أقصد … ولكن انتشار الظلام من حولنا … وإرهاق عقولنا وعيوننا مما عرفنا ولاقيناه ويدور بداخلنا … هو الذي يهيئ له ما يظن أنه رآه.

باسم: لقد سجل الكمبيوتر زيادة في نشاط الإشارات وقت أن رأيته.

هدى: ليس أمامنا غير الانتظار والمتابعة … فلن يُثبت ذلك غير رؤيته مرة ثانية.

وترقَّب الجميعُ ظهورَ ما رآه «باسم»، فسادَ الصمتُ والظلام، ولم يعودوا يسمعون غير رتابة أنفاس الشياطين النائمين … ولم يسجل المؤشر الرقمي المستقبل الإلكتروني أيَّ نشاط موجي.

غير أن «باسم» … سمع صوت حركة غير عادية تحت الماء … فتوترَت كلُّ أعصابه، وتيقَّظَت حواسُّه مترقبًا ما سيحدث إلى أن سمع ثلاثتهم صوتَ ارتطامِ جسم صلب … بحافة «القلعة» السفلية … فانتفضوا واقفين غير مصدقين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤