جورجي

إنني على وشك أن أسرد قصةً ليس لديها الكثير لتقدِّمه على مستوى الحبكة الدرامية المركَّبة، ولكن على الرغم من أنها عبارة عن سردٍ سَلِس للغاية، فأنا عازمة على أن أُفرِد لها مساحةً هنا؛ لأنها تُظهِر مرةً أخرى بوضوحٍ كبيرٍ أنه كثيرًا ما يحدُث أن تكون المعتقدات الشائعة، والتي ربما تكون مبنية على أسسٍ مسوَّغة، متناقضةً على أرض الواقع.

إن المعتقد السائد هو أنه لا يمكن خداع المحققين. لا يوجد اعتقاد يتعلق بالشرطة أكثر خطأً من هذا الاعتقاد. فبمجرد أن تكسب ثقة فرد من أفراد جهاز الشرطة، يمكنك خداعه — رجلًا كان أو امرأة — بكل سهولة وباستمرار، وهذا ما أعرفه جيدًا. أؤكد لكم أننا لا نُعطي ثقتنا لشخص إلا نادرًا، ولكن عندما نفعل تكون عملية الخداع مثالية.

علاوةً على ذلك، فإن الافتراض السائد أن الصِّبية يكونون جريئين عند ارتكاب الجرائم أكثر من كَوْنهم ماكرين. وهذا أيضًا خطأٌ كبير. إن مكر الصبي المجرم عادةً ما يكون بارعًا.

أيضًا، كثيرًا ما يُقال إن الشباب الذين يتورَّطون في جرائم يشعرون بندمٍ أكبر بكثير من إخوانهم في الإجرام الأكبر عمرًا. هذا اعتقاد لا تثبت صحته دائمًا على أرض الواقع.

إنني أقدِّم هذه القصة لأنها تجمع في شكلٍ شديد البساطة الحقائقَ التي تتعلق بمحققٍ مخدوع، وصبيٍّ ماكر، ومجرمٍ شابٍّ يفتقر تمامًا إلى الشعور بالندم.

كان المحقق المخدوع أنا.

وكان الصبي الماكر هو جورجي.

وكان المجرم الشاب الذي شعر بالندم الشديد هو جورجي.

كما قلت من قبل، جورجي ليس بطل حبكة درامية جيدة، ولكن، على الرغم من ذلك، ربما تستحق حكايته أن تُسمَع؛ إذ تُظهِر ما يمكن أن يرتكبه شابٌّ في التاسعة عشرة من عمره وذو أعصاب باردة.

كان جورج ليجون شابًّا نبيلًا وسيمًا حقًّا، وجذَّابًا أيضًا؛ فقد كان من غير الممكن أن تقضي نصف ساعة بصحبة الصبي دون أن تُعجَب به.

كان ذا عينين مُشرِقتين، وشفتين مبتسمتين، وكان مُضحكًا وذكيًّا (بطريقته الخاصة) وصادقًا. وعلى مستوى كل الرجال النبلاء، كان فتًى من النوع الراقي.

علاوةً على ذلك، كان مُتواضعًا إلى حدٍّ ما، وخلال الأشهر القليلة التي عرفته فيها لم أجِده مدلَّلًا قط.

لم يكن فاجرًا بأي شكل من الأشكال؛ فقد كان بصحةٍ جيدة لا تنمُّ عن ذلك. كان العيب الوحيد الذي لاحظته فيه هو أنه كان يميل بين الحين والآخر إلى استقلال عربات الأجرة، والتي كنت أسمع صوت تدحرُج عجلاتها تجاه المنزل المُجاور بعد خلودي إلى الفراش.

لُمتُه ذات مرة بسبب عربات الأجرة هذه، ولكن كانت لديه إجابةٌ جيدة جدًّا لدرجةٍ جعلتني أزيح هذه العربات من ذهني في الحال.

قال: «أنا لا أدفع أجرةً كاملة أو أي شيء من هذا القبيل. إنني أنتظر حتى تمرَّ عربة أجرة في طريقي، ثم أعطي سائق العربة بقشيشًا إما ستة بنسات أو شلنًا؛ وبهذا أستقلُّ العربة لمسافةٍ قصيرة جدًّا وأعود إلى المنزل بثمنٍ زهيد.»

ما الذي يمكن أن يكون أبسط مما قاله هذا؟ لا شيء، ولكن المشكلة أنه لم يكن صحيحًا.

ثم مرةً أخرى، عندما أخبرني أنه على الرغم من أنه لم يكن يجني إلا ثلاثين شلنًا فقط في الأسبوع، كان يُنفقها كلها على مصروفاته؛ لأن والدته كانت تحصل على دخلٍ سنوي. كان هذا ردًّا على أناقة ثيابه وعلى إنفاقه القليل من المال. فمقابل ثلاثين شلنًا من المصروف الأسبوعي يمكنك الحصول على مِعطفٍ لائق ترتديه وحمل قفازات نظيفة. كان تبرير الثلاثين شلنًا من المصروف في الأسبوع تبريرًا عاديًّا بما يكفي.

ولكن المشكلة أنه لم يكن حقيقيًّا.

كنت في رحلة عمل في ذلك الوقت، وكنت أعيش في منزلٍ صغير في الطرف الشرقي من لندن، وأسكن بجوار والدة هذا الشاب. أُعجبت بالصبي لأنه كان يستيقظ في الصباح الباكر، ويغنِّي مثل الكروان وهو ينظر إلى أزهاره ويُطعِم عصافيره التفاحي المغرِّدة. أتحدَّاكم — إذا كانت لديكم أي مشاعر — ألا تشعروا عندما ترون فتًى وسيمًا ومرِحًا وصريحًا ومهذَّبًا بالرغبة في مصافحته. أؤكد لكم أن جورج هذا كان يُصافح من يراه بألطف طريقة ممكنة.

وحيث إنني يمكنني التعرف على الناس بسرعةٍ كبيرة، فسرعان ما صادقت والدته؛ وإذ وجدتها امرأةً بسيطة جدًّا وطيبة القلب، كنت أزورها في منزلها باستمرار كلما أتاح لي عملي أن آخذ ساعة راحة لنفسي.

قالت لي ذات ليلة: «أخشى أن جورجي يُنفق الكثير من المال.»

وعندئذٍ، على الرغم من أنني، بصفتي محققة، كان يتوجب عليَّ الشعور بالانتباه والحذر في الحال، قلت:

«لا يا سيدة ليجون، إن الصبي لا يفعل. إنه شاب، وما دامت عيناه مشرقتَين ومعنوياته مرتفعة، فلا داعي للخوف.»

صحيحٌ أنه كان يعود إلى المنزل متأخرًا أحيانًا، ولكنني كنت أقول لنفسي إن حي «بو» يبعد كثيرًا عن المسارح، وإنه ربما يكون مُعتادًا على الذهاب إلى ساحة القمار بنصف الثمن.

ولكن في إحدى الأمسيات، عندما كنت في منزل والدته، التي لم يبدُ أنها ميسورة الحال كثيرًا، أعترف بأن الصبي أذهلني عندما ظهر وهو يضع في إصبعه الصغير ما بدا بكل وضوح أنه خاتم مفتوح من الألماس.

قالت أمه: «يا إلهي، جورجي! ما هذا الخاتم الرائع! إنك تُضيع أموالك مجددًا. ما فائدة عملك وقتًا إضافيًّا وجَنْي أموال إضافية، إذا كنت تُنفقه بهذا التبذير!»

وافقتها قائلةً: «صحيح! لا بد أنه أنفق مبلغًا كبيرًا من المال لقاء هذا الخاتم، إنه من الألماس.»

قالت أمه: «يا إلهي، جورجي! مهما كان السبب، ما حاجتك لشراء الألماس؟»

«إنه خاتمٌ واحد فقط يا أمي، وبالإضافة إلى ذلك أنا لم أسرقه، لقد أُعطيَ لي.»

«يا إلهي، يا جورجي! من الذي يمكن أن يُعطيك ألماسًا؟»

قال وهو يضحك بسعادةٍ طوال الوقت: «أوه يا أمي! ألا تذكُرين أنني قلت لكِ إن المُلازم «دَن»، شقيق السيد كلايف دَن، كان قد عاد إلى المنزل في إجازة؟! وألا تذكُرين أنني ذهبت إلى دَن مع صديقه ويل يوم الجمعة لقضاء ليلة في لعب الورق؟ حسنًا، لقد أعطاني المُلازم دَن هذا الخاتم.»

ملحوظة: جرت هذه المحادثة يوم الاثنين.

«ولكن يا عزيزي جورجي، إنك لم ترَ هذا الرجل إلا مرتين فحسب!»

«حسنًا يا أمي، هذا ليس بيدي، ولكن الملازم قال إنني رفيقٌ مرح للغاية وأعطاني الخاتم.»

كما قلت من قبل، كان هذا يوم الاثنين.

كان في التاسعة عشرة من عمره فحسب.

في يوم الجمعة التالي، كما علِمت بعد ذلك، قال لوالدته على الفطور:

«أمي العزيز، أعطني قُبلةً بعد الإفطار لأنكِ لن ترَيني حتى الغد.»

أنا متأكدة من أنها ردَّت قائلةً: «يا إلهي، جورجي! إلى أين أنت ذاهب؟»

«أوه، لقد دعاني آل دَن لتناول العشاء في بيت عمهم، وهو على بعد عشرة أميال من المدينة، وسيوفِّرون لي سريرًا للمَبيت.»

وهكذا قبَّل والدته. قالت بعد ذلك: «لقد قبَّلني، يا عزيزتي، بطيبة قلب أكثر من أي وقت مضى، وخرج وتحدَّث إلى عصافير التفاحي المغرِّدة، وقطف زهرتين أو ثلاثًا ووضعها في مِعطفه، ثم سار في تلك الحديقة الأمامية مُبتعدًا وهو يغنِّي بسعادةٍ مثل هذه العصافير المغردة الجميلة.»

ومع ذلك، فقد ودَّع أمه وداعًا طويلًا.

ولم يرَها مرةً أخرى.

أعتقد أنه على الأرجح لن يراها مرةً أخرى أبدًا — ولا بد أنه كان على دراية بهذه الاحتمالية وهو يسير في الحديقة وهو يغنِّي — لم يكن يغنِّي لأنه كان مرحًا وطيب القلب، بل لأنه كان ماكرًا بما يكفي لئلَّا يُظهِر ما قد يُثير ولو القليل من الشك، ولأنني أظن أنه كان غير قادر على الشعور بالندم.

عندما حلَّت ليلة الجمعة لم نفتقده؛ لأنه لم يكن من المتوقَّع أن يعود إلى البيت.

وعندما حل صباح السبت لم نفتقده؛ لأنه كان من المفترض أن يذهب من المنزل الريفي الذي استضافه إلى المكتب مباشرة.

لذلك، فقط عندما كانت الأم قد انتظرت طوال ليلة السبت وكان صباح يوم الأحد قد حل، بدأت تظهر فكرةٌ واضحة باحتمال أن يكون شيءٌ ما قد حدث.

ولكنه كان يوم الأحد، وفي ذلك اليوم لم تستطع الأم الساذجة إرسال أي إشعار عن الموقف الفعلي للأمور، ولا أي تنبيه، والمقصود بذلك هو أنها لم تُعلِم أو تستفسر عن ابنها في المكتب الذي كان يعمل فيه. وهكذا مر يومٌ آخر، وفقط في صباح يوم الاثنين تلقَّت الشركة التي كان يعمل فيها الابن الصدمة.

وهذا لأن جورجي المرح، والشاب المغنِّي البالغ من العمر تسعة عشر عامًا، كان قد أدار الأمور جيدًا جدًّا، سواء في المنزل أو بالخارج، بحيث لم يكن ممكنًا الشك في حقيقة ما حدث بالمكتب حتى يوم الاثنين.

كان هذا هو ترتيبه البسيط.

عند وصوله صباح الجمعة إلى مكتبه (بعد أن ودَّع والدته الوداع الأخير)، طلب الإذن بالمغادرة ظهرًا؛ لأنه أراد الذهاب إلى الريف، وطلب أيضًا إذنًا حتى يوم السبت (اليوم التالي) ظهرًا.

وافقت الشركة، أو بالأحرى ممثِّلها؛ لكَوْنه ليِّن العريكة بدرجةٍ كافية.

يقول جورجي: «أوه! بالمناسبة، بما أنني ذاهب إلى الريف يا سيدي، فقد أحتاج القليل من المال، إذا سمحت لي بالحصول على شيك للشهر كله فسأكون سعيدًا.»

فيقول المدير: «أوه بالتأكيد!» وليس لديَّ أدنى شك في أن طلب ذلك الشيك القليل البسيط ساعد في تأجيل القلق الذي كان سيشعر به ذلك المدير عاجلًا أو آجلًا.

لقد كانت المسألة كلها مُقنِعة للغاية؛ زيارة الريف يوم الجمعة، والإذن بساعتين في صباح اليوم التالي، وأخيرًا طلب الحصول على راتب الشهر. كان كل ذلك منطقيًّا للغاية ومُتوافقًا بعضه مع بعض، بحيث لم يكن ثَمة مجال للشك، ولا حتى لمحققةٍ مثلي.

والآن لاحظوا كم كانت الخطة موضوعة جيدًا.

كان قد حصل على فسحةٍ من الوقت حتى ظهر يوم السبت. إذن لم يكن من المتوقَّع حضوره قبل يوم السبت ظهرًا. ولكن المكتب، كما هو مُعتاد مع معظم المكاتب الأخرى، أغلق أبوابه يوم السبت في الساعة الثانية؛ لذا، عندما حان ميعاد الإغلاق الأسبوعي كان جورجي متأخرًا بساعتين فقط، وهو زمنٌ يمكن تبريره بافتراض أن قطارًا قد فاته.

كان هذا بحذافيره هو ما بنى عليه غيابه؛ ومِن ثَم عاد أصحاب العمل إلى المنزل ببالٍ هادئ، وقضَوا يوم الأحد دون أدنى شك أو قلق حول جورجي.

سيتبيَّن الآن أنه لو كان هذا الفتى المُدندِن البريء ذو التسعة عشر عامًا قد فرَّ في أي يوم آخر غير يوم الجمعة، لكان الشك قد أُثيرَ في غضون أربع وعشرين ساعة، أو بعد انقضائها؛ بينما باختياره ليوم الجمعة حصل على أسبقية قرابة ثلاثة أيام قبل ملاحظة غيابه في المكتب، وقبل أن تتمكن أمه المسكينة من إرسال أي إشعار عن رحيله إلى مجلس المدينة.

لقد صادفتُ الكثير من الخُطط المرتَّبة بعنايةٍ دقيقة في تجربتي كمحققة، ولكنني لم أصادف أبدًا أي حالة من الاحتيال المقرَّر والمخطَّط تفُوق حالة جورج ليجون.

بالطبع في غضون ساعة من الشك ظهر أنه كان ثَمة اختلاسات. قبل انتهاء اليوم اكتُشف عجزٌ بنحو ٣٠٠ جنيه استرليني؛ عُزِي المُتسبب فيه بوضوح إلى الشاب.

لقد خدع كل من قابَلهم، وفيهم أنا.

كان عُرضةً للاعتقال في أي لحظة خلال الشهرين الماضيين؛ في أي لحظة ربما كان سيجد نفسه مدمَّرًا مدى الحياة، ومع ذلك، وعلى حد علمي المؤكد، فقد كان سعيدًا على ما يبدو، وبصحةٍ جيدة كما هو واضح، وعيناه مُشرقتان وشفتاه مُبتسمتان حتى النهاية.

لم يكن من الممكن أن يكون لدى هذا الشاب أي إدراك لمعنى الأخلاق، وفي نفس الوقت لا بد أن صحته الجسدية كانت رائعة.

بالطبع انتشرت هذه الحقائق الجميلة بسرعةٍ كبيرة. كان محققو المدينة مشغولين بشكلٍ خاص في نشر الأخبار.

نُفِّذت الجريمة بطريقةٍ تصل في بساطتها إلى حد الروعة.

كانت الشركة مُهمِلة في الأمور المالية، ونادرًا ما تتحقَّق من دفترها المصرفي. اكتشف هذا الفتى اليافع بشكلٍ مباشر تقريبًا أنه قد كسب مكانه في الشركة، ومن المحتمل أنه قرَّر على الفور أن يرتكب الجناية. لا بد أن أضيف أنه لم يُمضِ أكثر من ثلاثة أشهر في العمل في الشركة التي سرقها.

نُفِّذت جميع عمليات الاختلاس الكبيرة في غضون شهرين من فراره. كانت خطته شديدة البساطة، ولكنها كانت بارعة.

قد يعرف قُرائي أن النظام المتَّبَع في المدينة عند الدفع إلى البنك، هو إرسال ورقة بالمبلغ المُراد إيداعه في حساب العميل، وهو المبلغ الإجمالي للفواتير والشيكات والأوراق المالية والذهب والفضة المدفوعة، يوضع كل بند من هذه البنود بشكلٍ منفصل، ويُضاف الإجمالي كله.

كتب الصرَّاف هذه الكمبيالة الخاصة بالمال الذي يجب دفعه، ووقَّع ليجون الشاب بالقبول، ثم أصبح جورجي هو الساعي الذي يُرسَل إلى البنك. كانت خطته بسيطة للغاية. لنفترض أن الكمبيالة كانت على النحو الآتي:
بنك ذا سيتي كونسوليداتد ليميتد.
١٨٦
الرصيد
أوراق مالية عامة … ٥٠
أوراق مالية محلية … ٤٠
العملات الذهبية … ١٢٥
العملات الفضية … ٢٠ ١٩ ٦
الشيكات، أخرى … ٣٥
الشيكات والفواتير الخاصة ببنوك محلية غير مستحق —
الإجمالي بالجنيه الاسترليني ٢٧٠ ١٩ ٦
جيمس هوجلي (الصراف)

مطلوب على وجه الخصوص أن تُصرف الكمبيالات قبل الساعة ٣:٣٠ عصرًا، وفي يوم السبت بحلول الساعة ٢:٣٠ ظهرًا.

كانت عملية الاحتيال الأولى تتمثل في تزوير اسم الصرَّاف في كمبيالةٍ جديدة طِبق الأصل من الكمبيالة الأصلية، باستثناء أن بند العملات الذهبية كان ٢٥ جنيهًا استرلينيًّا، بدلًا من ١٢٥ جنيهًا استرلينيًّا، بحيث كان الإجمالي ١٧٠ جنيهًا استرلينيًّا، بدلًا من ٢٧٠ جنيهًا استرلينيًّا.

والآن لاحِظوا الذكاء المتَّبَع في تنفيذ هذه الجناية.

كان هو من يتولَّى مهمة حمل دفتر البنك جيئةً وذهابًا.

في البنك لن يتمكنوا من كشف أي احتيال؛ لأن الدفتر كان مُتوافقًا مع الكمبيالة، وبمجرد إثارة أي شكوك في المكتب سيكون هو أول موظف يُرجَع إليه للتحقق مما حدث.

لنفترض الآن في هذه الحالة أن الصرَّاف اكتشف أن ١٧٠ جنيهًا استرلينيًّا و١٩ شلنًا و٦ بنسات، بدلًا من ٢٧٠ جنيهًا استرلينيًّا و١٩ شلنًا و٦ بنسات، كانت قد دُفعت، ولنفترض أن هذا الشاب المرح، ليجون، استُدعي لتفسير الأمر، فماذا سيكون ردُّه؟

«أوه! حسنًا، أنا أرى ذلك؛ إنه مجرد خطأ في الرقم؛ ١ بدلًا من ٢.» وكانت هذه الحجة ستُلاقي قبولًا جيدًا؛ لأن جميع الأرقام المتبقية ستكون مُدرَجة بالفعل في دفتر البنك وفي دفتر المصروفات في المكتب.

وكان الصرَّاف سيقول: «يا إلهي! اذهب إلى البنك وعدِّله.»

«حسنًا، يا سيدي.»

وعندئذٍ كان سيذهب ولا يعود مرةً أخرى.

صحيحٌ أنه كان سيحظى ببدايةٍ سيئة، ولكنها مخاطرة كان معرَّضًا لها.

عندما شرعت في فحص القضية، وجدت أنها تعكس تفكيرًا مُتمعنًا ودراسةً جيدةً جعلتني مُقتنعة لبعض الوقت بأنه تلقَّى مساعدةً من شخصٍ يكبره سنًّا وخبرةً قبل أن يثبت خطئي.

أنا مقتنعةٌ الآن بأن جورجي لم يكن قادرًا تمامًا على التخطيط للأمر دون مساعدة فحسب، بل إنني متأكدة تمامًا من أنه قد اعتمد على قدراته الخاصة.

لا بد أن وَقْع الأمر لم يكن سارًّا على الإطلاق على جميع أصدقاء جورج ليجون الشاب، ولكن كان عليهم تحمُّل هذه المُعاناة واحدًا تلو الآخر. إنني أقصد هنا التحقيق والاستجواب الذي خضعوا له في محالِّ إقامتهم من قِبل قوة المباحث في مدينة لندن.

أُصيبَ أحد أصدقاء ليجون من الشباب بصدمةٍ كبيرة، لدرجة أنه لازَم الفراش جراء هذا الأمر.

وفي هذه الأثناء كان جورج قد أفلت من الأمر دون أي عواقب، ولم تستطع الشرطة (لنتذكر أنها كانت شرطة المدينة) التحصل على أي أخبار عنه.

لقد كانت قدرته على الخداع رائعةً.

لقد خدع أمه فيما يخص نفقاته، قائلًا إنه يعمل ويتقاضى أجرًا مقابل العمل لوقت إضافي. وهذا هو ما فسَّر غيابه وسهولة إنفاقه للأموال.

كما أنه ضلَّل زملاءه من الموظفين، وأنا أيضًا، بقوله إنه كان ينفق كل ما كسبه على نفسه؛ لأن والدته كانت تحصل على دخلٍ سنوي.

لقد كان ما قاله — كمقولة — بخصوص الدخل السنوي صحيحًا تمامًا، ولكنه تجاهل أن يُضيف أن هذا الدخل لم يكن يتجاوز سبعة جنيهات استرلينية وعشرة شلنات سنويًّا.

ساعَد هذا التفسير بالطبع على تغطية نفقاته العادية، ولكن تعيَّن عليه أن يتجنب إظهار أي تدفُّق ملحوظ للمال أمام رفاقه؛ لذا لم يكن ينفق أكثر مما ينفقونه أبدًا. وهو ما تأكَّد دون ريب.

ولكن عندما جمَّعت الشرطة ما اكتشفته ببطء، تبيَّن بوضوح كافٍ أنه عندما كان بمفرده أو بصحبة أشخاص ليسوا على دراية بظروفه الفعلية، كان يَشْرع في تبذير مبالغ مالية ضخمة، ومع ذلك كان يحب دائمًا أن يحصل على شيء في مقابل ماله.

كان يحجز مقصورةً خاصة، على ما يبدو، بعد تناول عشاء هادئ لطيف في فندق «تافيستوك» — وهو المكان الذي كان يتردد عليه باستمرارٍ أكثر من أي مكان آخر — أو يسترخي في المقاعد الأمامية في «المسرح الإيطالي»، مُرتديًا ملابسه في «تافيستوك». كان لديه الكثير من التذوق للموسيقى.

أما عند الذهاب إلى الأوبرا أو إحدى المسرحيات، كان، على ما يبدو، يتجه أولًا إلى متجر «إيفانز» — الذي كان يُنظَر فيه إليه على أنه رجلٌ نبيل — ليفصِّل ملابس جديدة. بعد ذلك كان يستقلُّ عربة أجرة سريعة إلى منزله في حي «بو»، ويأوي إلى الفراش وينهض سعيدًا، ويتظاهر بكل شيء على نحوٍ مُقنِع، ويتناول فطوره من القهوة الرديئة والخبز السميك والزبدة، الذي لم يكن الوضع الاقتصادي القاسي للأسرة يسمح بالحصول على طعامٍ غيره.

لا أظن أن أي أحد كان يشكُّ في جورج ليجون، ولكن عندما كُشف أمره لم يعُد ثَمة حاجة للشك.

لقد أنفق أمواله، أو بالأحرى أموال أصحاب عمله، بحكمةٍ شديدة، بحيث لم يكن ممكنًا لأحدٍ أن يشكَّ فيه. على سبيل المثال، كان لديه نظارةٌ واحدة من نظارات الأوبرا التي تركها في «تافيستوك»، ونظارةٌ أخرى في مكانٍ آخر تضرَّر كثيرًا منه — مكان سأسمِّيه «آجيرني فيك» — وهو مكانٌ لا يسرُّ النظر كثيرًا، ولكن يمكنك دفع نصف سوفيرن ذهبي فيه لمشاهدة مباريات الملاكمة التي تُقام لقاء المال، أو مباريات الجري، أو سباقات المشي.

لقد سمعت أنه كان يأخذ نظارة الأوبرا ويجلس في مقعده الخاص في هذا المكان كما لو كان أميرًا أصيلًا وواعيًا بكَوْنه كذلك.

لم يكن ثَمة أي هراء فيما يتعلق به. كان يفعل كل شيء بطريقةٍ مهذَّبة ورائعة. لقد كان دائمًا شديد اللطف ومهذَّبًا وجذَّابًا، ولم يتجاوز أبدًا حدود الكلام المهذَّب، بينما كان يتحمل بكثير من الصبر واللطف تعبيرات الآخرين السوقية.

من كان يتخيل أن ينتهي الحال بكل هذه الصفات الاجتماعية الجيدة في منشور الأوصاف المطبوع على جميع جدران لندن؛ طوله، ولون شعره وعينيه، وأخيرًا عبارة تصف ملامحه بأنها تُشبِه ملامح اليهود بعض الشيء (وهو ما كان غير صحيح على الإطلاق).

كان قد استولى على الأموال التي أخذها على ثلاث مراحل؛ الأولى: قبل شهر من هروبه. والثانية: قبل أسبوعين من ذلك. والثالثة: صباح يوم الجمعة المشئوم ذاك.

كانت عملية الاستيلاء الأخيرة هي الأكثر جرأة، وقد غطَّى على هذا الأمر بطلبه بوداعة الحصول على راتبه الشهري لأنه كان ذاهبًا إلى الريف.

في يوم الخميس، كان التراخي واضحًا في الطريقة التي أديرت بها شئون المكتب، حيث تُرك مبلغ بالعملات الذهبية لا يقل عن ٧٥ جنيهًا استرلينيًّا في خِزانة المكتب ولم يُودَع في البنك (كان جورجي واعيًا للغاية في كل الأوقات بألا يأخذ أي شيء سوى الذهب، وهذا على الرغم من أنه كان واضحًا أنه كان وغدًا مترفًا للغاية لدرجة أن وزن العملات المعدنية ضايَقه؛ فقد اكتُشف أنه قد استبدل عملاته الذهبية بأوراقٍ نقدية في العديد من المناسبات).

كان جورجي آخر من بقي في المكتب، بعد أن غادر الآخرون، ولقد أرى هذا الذهب لصديق — أحد أولئك الذين لم تتعاون معهم الشرطة بشكلٍ خاص بعد الكارثة — مُعلقًا على سوء الإدارة الذي سمح لمثل هذا المبلغ بالبقاء في المكتب.

وقد اختفى هذا المبلغ في الصباح التالي.

أينما كان المكان الذي أمضى فيه تلك الأمسية، فمن الواضح جدًّا أنه خطَّط لما كان سيفعله في تلك الأيام التالية، وهو ما انتهى بنجاحٍ كبير فيما يخصه. من المحتمل أنه رأى أن اللعبة لا يمكن أن تستمرَّ لفترةٍ أطول، وأن الفرق بين النقود ودفاتر البنوك لا بد أن ينتهي به الأمر إلى أن يُكتشَف، وستكون نتيجة ذلك هي سقوطه في قبضة الشرطة. لذلك، لا شك في أنه قال لنفسه إنها كانت فرصةً جيدة للهرب — نظرًا لوجود كمية جيدة من العملات الذهبية بقيمة ٧٥ جنيهًا استرلينيًّا — فقد كان اليوم التالي هو الجمعة.

لذلك قام بهذا الترتيب الصغير الذي فرَّ عن طريقه، وحظي بثلاثة أيام كاملة قبل أن يبحث عنه أحد. في صباح يوم الجمعة، كما توقَّع، أُرسلَ إلى البنك وبحوزته اﻟ ٧٥ جنيهًا استرلينيًّا. زوَّر الكمبيالة، وأودع المال هذه المرة دون أي إشارة لطيفة إلى الأرقام، وترك دفتر الشيكات كي تُدفَع، وعاد إلى المكتب (وهو يحمل العملات الذهبية في جيبه على الأرجح)، وطلب إذنًا بالتغيب حتى الساعة الثانية ظهرًا من اليوم التالي لأنه كان ذاهبًا إلى الريف. بعد ذلك اقترح الحصول على شيك براتبه الشهري. ويمكن افتراض أنه فكَّر أنه بذلك سيحصل على كل ما يمكنه الحصول عليه من مال، ثم تمنَّى لمديره يومًا سعيدًا وذهب.

أعتقد أنه كان من الصعب على المدير تقبُّل واستساغة مسألة هذا الشيك، الذي كانت قيمته أربعة جنيهات لأجر الشهر، أكثر من أي شيء آخر في القضية. «لقد كان الأمر عاديًّا.» هكذا قال المدير.

لكن جورجي، بعدما أصبح آمنًا حينئذٍ لمدة ثلاثة أيام؛ إذ كان دفتر البنك محل التهمة في البنك، وإذ كان قد وضع خُططه الصغيرة بذكاءٍ شديد، لم يكن في عجلةٍ من أمره لمغادرة المدينة. والأدهى من ذلك حقًّا أنه ذهب إلى مكانه المُعتاد لتناول الطعام، وتناول غداءً احتفاليًّا صغيرًا، اختتمه بفنجان من القهوة السوداء على الطريقة الفرنسية.

لم يكن في عجلة من أمر الذهاب.

في هذا الوقت كان مرحًا ورائعًا وساحرًا للغاية وهو يقول إنه كان ذاهبًا إلى الريف لتناول العشاء مع المُلازم دَن. كان مرحًا للغاية مع النادلة إيميليا، وأعطاها شلنين بقشيشًا.

تجاذَب أطراف الحديث مع كل من كان يعرفهم، واتفق على عدة ارتباطات صغيرة للأسبوع التالي، وارتباط في يوم الأحد لسماع واعظه المفضَّل، السيد ميلو.

ثم ترك المكان وهو مرح حتى آخر لحظة، مُشيرًا برأسه عبر النافذة الزجاجية، ومُبتسمًا مُظهرًا واحدةً من أجمل الأسنان في المدينة.

لقد خدع الجميع.

كان قد قال لي ولآخرين إن والدته تركت له ماله ليُنفقه كيفما شاء، وعلى العكس من ذلك كانت فقيرة، وكانت تأخذ ثلاثة أرباعه.

أخبر والدته أن المال الذي كان ينفقه كان نتيجة عمل إضافي، ولكنه لم يحصل أبدًا على أجرٍ مقابل عمل إضافي.

كان يُوحي لأصدقائه بأنه يكسب ثمانية جنيهات استرلينية في الشهر، ولكنه كان يتقاضى أربعة.

وكان ينفق المال باعتدالٍ أمام أصدقائه القدامى. عندما يكون بمفرده كان يدفع جنيهًا مقابل مقعد في الأوبرا، ومبلغًا مُماثلًا لتناول العشاء قبل حجز هذا المقعد.

لكن أحطَّ سمة في شخصيته كانت الاستيلاء على الخاتم الألماس.

عندما شرع المحققون في إجراء التحقيقات، ذُكِر اسم المُلازم دَن على أنه السيد الذي كان قد أعطى جورجي خاتمًا من الألماس. عثر المحققون على المُلازم، وعندئذٍ اكتشف إلى من آل خاتم الألماس الخاص به.

كان جورجي المرح قد ترك جلسة لعب الورق التي أُشير إليها من قبل، وذهب إلى غرفة للنوم، وبعدما أخذ الخاتم بهدوء من عُلبته الزجاجية عاد إلى طاولة لعب الورق، ولعب بمرحٍ أكثر من أي وقت مضى.

قال لي شقيق المُلازم، إذ كنت قد أجريت بعض التحقيقات من أجل الأم: «أؤكد لكِ، أؤكد لكِ أنه تناول عشاءً رائعًا (وهو يحمل الألماس في جيبه طوال الوقت)، ولا بد أنه كان على راحته تمامًا؛ لأنني أتذكَّر أنه كان يُناقش بإنصافٍ شديدٍ مزايا نوعَي الكريمة المستخدمين في طبق السوفليه الذي تناولناه.»

فكروا في الأمر. لقد كان فاسدًا جدًّا لدرجة أنه تمكَّن من سرقة خاتم، ومع ذلك لا بد أنه كان يهتمُّ كثيرًا برأي الناس، وإلا ما كان سيتكبَّد هذه المشاق كي يفتنهم.

لقد فرَّ دون أن يُقبَض عليه.

لقد سردت هذه القصة كمثال على خطأ الاعتقاد السخيف القائل بأنه عندما يكون الشباب مُذنِبين لا يكونون ماكرين ولا مرحين، وأنهم دائمًا ما يشعرون بالذنب، وعلى الخطأ الأكبر الذي يكمن في الاعتقاد بأن المحقق لا يُخدَع أبدًا.

وصلت شرطة المدينة إلى «جريفسيند» بعد ثلاث ساعات من مغادرة جورجي لتلك البلدة. لم يكن لديَّ أي شك في أن هذا الشخص هو جورج بعدما سمعت ما قاله المراكبي عندما وصف الشاب. أضاف قائلًا: «لقد كان سيدًا شابًّا رائعًا بحق، وكان ساحرًا للغاية ومُبتسمًا، وكان يضع في إصبعه خاتمًا من الألماس، وبينما كنت أجدِّف لأوصله إلى وجهته أشار بيده نحو لندن، وقال إنه يوجد الكثيرون هناك ممن يودُّون رؤيته.»

حسنًا، لقد فرَّ بعيدًا. يؤسفني أن أقول إنه لن يكون شخصية ذات شأن في العالم، ولكن ما أنا متأكدة منه تمامًا هو أنه سيكون سعيدًا بما يكفي أينما ذهب، وأن ضميره لن يُزعجه كثيرًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤