العثور على طفل ميت: هل هي جريمة قتل أم غير ذلك؟

كان لديَّ الكثير من الشكوك فيما إذا كان من الصواب طباعة القصة التالية، ولكنني أفعل؛ لأنني أظن أنها تستحقُّ التسجيل. بعبارةٍ دقيقة، هي ليست تجربةً تخصُّني بأي حال من الأحوال. كان من قدَّمها لي مكتوبةً بخط اليد هو الطبيب الذي حثَّني على متابعة قضية لغز الجسر. وربما يكون قد عاد لزيارتي مرةً ثانية لأنه شعر بالإطراء بسبب الاحترام الذي أبديته له خلال أول تعامل لي معه. سأنقل القصة كما سلَّمها لي بالضبط؛ لأنني أعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة المقبولة لتقديمها إلى الجمهور. إليكم ما كتبه الطبيب: (سيجد العديد من الناس تشابهًا مُدهشًا بين هذه الحكاية وتفاصيل موت الصغير فرانسيس سافيل كينت، وهو ضحية مأساة «رود هيل»، ولكنْ ثَمة فرق جذري بين الواقعتين، حيث سيتبيَّن في هذه الورقة أن مُرتكب الفعل الشنيع لم يكن شخصًا يمكن تحديد هُويته على أنه واحد من سكان منزل السيد كينت في ليلة وقوع الحادثة، بل على العكس من ذلك؛ فالشخصية الرئيسة هي زائر للمنزل الذي تقع فيه الأحداث، بينما، في الحادثة الحقيقية الرهيبة التي وقعت بالقرب من «فروم»، لم يكن يوجد أي زائر في ذلك المنزل وقت وقوع المأساة. ومع ذلك، إذا كان القُرَّاء مُصممين على أن يروا في هذه الورقة محاولةً لتوضيح وقائع حكاية «لغز الطريق»، فأنا لا أُؤاخَذ على عدم قدرتي على خداعهم في هذه النقطة. يمكنني أن أضيف أنه حتى يُحَل لغز هذه القضية الشديدة الغرابة، إن كان ذلك ممكنًا، فلا بد أن يقع جميع شاغلي ذلك المنزل تحت طائلة الشك نوعًا ما؛ ومن ثَم فأي محاولة لحصر دائرة الشك في فرد بعينه عن طريق إثبات ارتكابه لهذه المصيبة، ستشكِّل تصرفًا بالغ اللطف والإنصاف، مهما يكن من صعوبة ذلك على من سينحصر فيه الشك.)

•••

كنت جالسًا، ربما حزينًا قليلًا، أنظر إلى الشارع من نافذة حانة كئيبة، وأفكر في بيت ضائع، عندما سمعت الكلمات الآتية بصوتٍ خفيض وناعم:

«لا يوجد منطق في المسألة برمَّتها من بدايتها إلى نهايتها.»

عرفت نبرة الصوت بعد لحظة، أو ظننت ذلك، وهو الأمر نفسه إلى حدٍّ كبير؛ لأن الشك غالبًا ما يكون يقينًا حذرًا، وبدايةً نظرت عبر الحاجز الذي كان يفصل مائدة عشائي الكئيبة عن المائدة المُجاورة.

كان هاردال دون أدنى شك. هاردال نفسه، وكان يبدو أكثر ضعفًا وجموحًا وجاذبية من أي وقت مضى. لم يكن رجلًا وسيمًا ولا أنيقًا، ومع ذلك فقد كان ممن يجعلون المارَّة الأذكياء والمُنتبهين يتطلعون إليه بتساؤل وحيرة.

إن هاردال رجلٌ نحيفٌ قصيرٌ شاحب الوجه، وله عينان حزينتان ولكنهما ثاقبتان، ولديه عادة النظر إلى الناس، وهو ما يُثير غضب البعض وخوف البعض الآخر.

لقد لاحظت خصوصيته هذه في مدرستنا، وقد أُتيحت لي فرصٌ كثيرة، خلال العام الماضي أو نحو ذلك، لملاحظة الصفات الغريبة لصديق دراستي القديم؛ فأنا لست بحاجة إلى قول إنني، بعدما تعرَّفت عليه، قدَّمت نفسي له على الفور. دائمًا ما يوجد الكثير من الصدق المتبادَل والود والزمالة الجيدة بين من ذهبوا إلى نفس المدرسة وتعرَّضوا للضرب معًا.

كان هاردال معروفًا في المدرسة بأنه الأكثر غرابة، وهو معروف الآن في نقابة المُحامين العامة بأنه المُحامي الأغرب بين أي من أقرانه ممن ارتدَوا عباءة المحاماة والشعر المستعار. كان مثارًا للشك في المدرسة بسبب غرابته، أما الآن فهو محل تساؤل بسبب غرابة أطواره. لم يتفق قط مع زملائه في المدرسة، والآن لا ينسجم مع زملائه في المهنة. إنه تمامًا كما كان في طفولته، وهو يُواجه الآن نفس التحامل الذي كان يُواجهه في صغره؛ فهم يتَّبعون فحسب قانون الانتقال الوراثي. إن شقاء العبقري المجهول أن يتعرَّض للتشكيك، مثلما أن فخر العبقري المعروف أن يشعر الناس نحوه بالهيبة. كان هاردال ولا يزال عبقريًّا غير معروف. عندما كان صبيًّا كانوا يعتقدون أنه مجنون، وهذه إحدى مزايا العبقرية، وحاليًّا كَوْنه رجلًا أشك فيما إذا كان زملاؤه متأكدين تمامًا من أنه عاقل. إنه يعرف مكانته مثل أي رجل آخر، ويقول: «لن أصعد من العدم أبدًا (لأنني لست رجلًا عاديًّا)، ما لم أُحَط بظروفٍ غير عادية، عندئذٍ لن يُعيق صعودي شيء. أنا رجل لا يستطيع أن يصنع فرصة، ولكن إذا أتيحت لي واحدة فسأستخدمها خير استخدام، ما لم يثبِّط عزمي الحمقى من الجهلاء أو المغرورين، أو كليهما.»

في المدرسة، لم يكن أي شيء يجعل هاردال يحيد عما يراه صوابًا. أتذكَّر الحادثة الخاصة التي جعلته يُوصَف بالواشي، والتي كانت السبب الحقيقي وراء تركه للأكاديمية التي التقينا فيها.

وصل إلى المدرسة معلم لغة لاتينية صغير ولطيف ومُتواضع للغاية، ولأن الأولاد كانوا جُبناء بما يكفي لأن يغفروا الوداعة واللطف، فقد تحوَّل المعلم الجديد إلى أضحوكة. طرحوا عليه أكثر الأسئلة فظاعةً، ووضعوا على مكتبه خلسةً أشد الرسائل بذاءةً من خلال الشق الموجود أعلاه. تعامَل مع كل هذه التصرفات بهدوءٍ شديد، مع أنه كان يُتناقَل همسًا أنه سُمِع وهو يبكي في غرفته الخاصة، ولكن ما حدث مع قبعته في نهاية أسبوعه الأول كان كفيلًا بإغضاب حتى هذا الرجل الوديع.

أخذ الرجل المسكين قبَّعته بهدوء من فوق الشماعة ووضعها على رأسه، استعدادًا للخروج وهو يحمل نسخته المحبَّبة من كتاب «بيرسيوس» تحت ذراعه، وعندئذٍ وقع هيكل القبعة وتاجها على الأرض، ولم يبقَ سوى حافَّتها فوق الوجه المُتفاجئ لمعلم اللاتينية الشاب، فبدا إطار القبعة مثل تاج غريب مرفوع من عند الحافة المُقابلة للرأس وبه البطانة الجلدية للقبعة نفسها.

لا يبخل الأولاد بالسخرية أبدًا، وقد أثار هذا المشهد عاصفةً من الضحك، حتى إن بارجي — وهو الاسم الذي أطلقناه على الطبيب الضخم الذي كان يشغل منصب ناظر مدرستنا والذي دائمًا ما كان يحمل عصًا لمعاقبة الأطفال — خرج يمشي بخُطًى ثقيلة من غرفته الخاصة، التي اعتدنا الذهاب إليها لتلقِّي العقاب، وهو يبدو كأنه فيلٌ غاضب.

وقف معلم اللاتينية الشاب وهو لا يزال مُتوجًا! بالطبع هاجَم بارجي المعلم الصغير على الفور وضايَقه كثيرًا؛ وهذا لأنه كان من أكثر الرجال ظلمًا، وأدَّى هذا إلى شرحٍ عام لتصرفات التلاميذ، فأصدر بارجي فرمانًا يمنع أي صبي من دخول الملعب حتى العثور على الجاني، ورصد مكافأةً من خمسة شلنات لمن يقدِّم له أي دليل، على ألا يكون الشاهد شريكًا فعليًّا في الجُرم.

لكل مجتمع جبناؤه، وفي غضون خمس دقائق كان آلين باكنهام اتَّهم سيث كوندل، أغبى الأولاد وأكثرهم تعرضًا للضرب، بارتكاب الجريمة.

لم يكن لدى سيث أي شيء يقوله؛ فقد كان يؤمن بأنه قد وُلد لتلقِّي الضربات والظلم، وسرعان ما ورَّط نفسه في دوامة من التناقضات، حتى إن ذلك الجاهل العجوز بارجي حكم عليه في الحال بأنه كان مُذنِبًا، وتلقَّى أول ضربة بعدما رفعوه بالحبال.

هزَّت هذه الضربة مكتب بارجي الحكومي، حيث كانت تُنفذ عملية العقاب، وسقط إطار القبعة، الذي قُدِّم دليل اتهام ضده، على المكتب بفعل الصدمة وبالقرب من بارجي. كنت أنا وهاردال نتشارك هذا المكتب. كنا نجلس عليه جنبًا إلى جنب.

رأيت هاردال يلتقطه ويقلِّبه بين يديه مرارًا وتَكرارًا، ثم شمَّ الجلد.

لاحظت أنه كان غير مُرتاح طوال ذلك الصباح. قال لي: «انظر يا رودي، هل تعلم أن إطار القبعة كان مُلتصقًا بجسمها بالصمغ؟ أنت تعلم أن كوندل ليس مُتأنقًا، وأنه ليس لديه أي صمغ. وبالإضافة إلى ذلك، لو كان لديه صمغ فما كان سيفكر في لصقه بإطار القبعة. أتعرف، يا رودي؟! لم يكن كوندل هو من فعلها، وأنا أنوي معرفة الفاعل الحقيقي.»

أريد من القارئ أن يُلاحظ نفاذ البصيرة هذا، وأن يتنبَّأ بما طبَّقه من نفاذ بصيرة مُشابه في الكشف عن حادثة قتل غامضة لأحد الأطفال. كان هاردال يعلم أن عددًا من زملائنا من الصِّبيان يستخدمون ماء الصمغ المعطر بعطورٍ مختلفة، لتجعيد شعرهم وتثبيته على جباههم. كان هؤلاء الصِّبيان هم من أطلقنا عليهم اسم المُختالين. لم يكن كوندل واحدًا منهم بكل تأكيد؛ فقد كان شعره خشنًا وكأنه سجادة لها شعرٌ طويل. كان هاردال متأكدًا تمامًا، بعدما اشتمَّ الصمغ الملصوق على الجزء الداخلي من إطار القبعة، من أن كوندل لم يكن هو المُذنِب، ولكن من كان؟ كنت متأكدًا من معرفتي الجيدة به أنه لن يكشف الجانيَ أيُّ شخص غيره، وقد فعل.

كان ذلك في فترة ما بعد الظهر، وكان سيث المسكين على وشك أن يُرفَع مرةً ثالثة للعقاب، عندما اندفع هاردال، كما لو كان غير قادر على كَبْح جِماح نفسه، وقال: «سيدي الطبيب، إن كوندل لم يفعلها.» عمَّ المدرسةَ صمتٌ كصمت القبور في الحال.

شرع هاردال في دعواه فورًا، ودخل في صلب الموضوع في الحال. أظهر علامات الصمغ على إطار القبعة، وأشار إلى أن قلة من الأولاد فقط هم من لديهم زجاجات ماء الصمغ، ثم أخبر الناظر أن الصمغ الموجود على القبعة، إن تعرَّض للبلل، فستفوح منه رائحة ورد قوية. بالطبع يفهم القارئ حجته. أمر بارجي العجوز، كما لو كان هو من اكتشف كل شيء بنفسه، بتفتيش كل درج، ولكن لم يُعثَر إلا على زجاجةٍ واحدة من ماء الصمغ برائحة الورد في صندوق باكينهام المُختال، الذي اعترف بذنبه على الفور من هول الرعب، وقال إنه هو من فعلها.

قال لي هاردال: «كنت متأكدًا؛ وقد اتَّهم سيث لأنه أحمق.» رأيت الدموع في عيون زميلي وهو يتحدث، ومع ذلك شنَّ الأولاد حربًا عليه بسبب تلك الأمارة على حبه للحق ومُناصرته للعدل، لدرجةٍ دفعته بالفعل لترك المدرسة التي يُديرها الطبيب. لم أسمع عنه أي شيء، ولم أرَه منذ ذلك الحين، حتى التقينا بالصدفة عندما تعرَّفت على صوته في غرفة الطعام الكئيبة تلك بحانة ستراند.

سأتغاضى عن سرد ما حدث في لقائنا. كنت أعلم دائمًا أن هاردال ليس رجلًا عاديًّا؛ ولذا لم أنزعج من العاطفة الشديدة التي أبداها عند رؤيتي. قال: «تُشبِه هذه المصادفة رحلة إلى الماضي، والماضي عندي دائمًا ما يكون أفضل من الحاضر.»

بالطبع سرعان ما قادنا حديثنا إلى الجملة التي كان هاردال قد قالها والتي تعرَّفت منها على صوته: «لا يوجد منطق في المسألة برمَّتها من بدايتها إلى نهايتها.»

قلت، بالإشارة إلى الجملة التي قالها: «أظن أنك تُمارس لعبتك القديمة مرةً أخرى، أليس كذلك؟»

قال: «أجل، إنني أحاول اكتشاف سر جريمة القتل تلك التي وقعت في منزل السيد كمبرلاند في شمال إنجلترا، هذا إن كانت جريمة قتل. إنها أكثر مسألة مُتناقضة صادَفتها على الإطلاق.»

أجبت: «صحيح، ولكن لمَ قلت «إن كانت جريمة قتل»؟ بالتأكيد لا يمكن أن يكون ثَمة أي شك في ذلك، أليس كذلك؟»

رد هاردال قائلًا: «بالتأكيد؟ إنك تظنُّ أنه لا يمكن أن يكون ثَمة أي شك في أنها جريمة قتل لأنك تفكر بالطريقة العادية. لقد سمعتَ عن العثور على جثة في ظل الظروف المعتادة لأي شخص مقتول؛ ومن ثَم قفزت إلى استنتاج أن جريمة قتل قد ارتُكبت، ولكن عندما تؤخذ الحقائق الكاملة للقضية بعين الاعتبار يكون هذا استنتاجًا سخيفًا، ولكن يا رودي، كما اعتدتُ أن أدعوك دومًا، لقد لاحظت الآن أنك جفَلت مجددًا عندما ذكرتُ اسم كمبرلاند، لماذا؟»

أجبت قائلًا: «أعرف آل كمبرلاند، وأُشفق عليهم كثيرًا. إنهم أُناسٌ طيبون، ويُعانون بشدة، حسبما أعلم.»

«هل تعرفهم؟»

«حسنًا، أعرفهم عن قرب.»

تابع هاردال بشغف قائلًا: «أخبرني، هل يرغبون في التحرِّي في أمر فقدان الطفل، أم أنهم مُحجِمون عن الشروع في المزيد من التحقيقات، بعد التحقيقات المريعة التي جرت؟»

أجبت: «على العكس، لا يوجد من هو أكثر تَوقًا من والد الطفل المتوفَّى لمعرفة سبب وفاته.»

«إذن هل يمكنك أن تقدِّمني إلى السيد كمبرلاند هذا، إذا أكَّدت لك أنني أظن أن لديَّ المفتاح لحل لغز هذه الكارثة؟»

«سأصطحبك إلى منزله، وسأضع نفسي في خدمتك، ولكن أولًا لا بد أن تُقنعني حقًّا بأن لديك أساسًا جيدًا ستبني عليه مساعيك.»

لأنه كما ترون، حتى أنا من أعرف هاردال جيدًا، كنت أشك فيه. إنني أعتقد اعتقادًا راسخًا أن التعرض للشك هو أحد اللعنات المتأصِّلة التي تُلازم العباقرة.

قال هاردال: «هذا منطقي تمامًا، ولكن لا تلعبي دور القاضي وإلا فستتشكَّك. إن جريمة القتل هذه، هكذا سأسمِّيها اختصارًا، لم تكن جريمةً عادية، ولا يجب تفسيرها بأي منطق عادي. عندما توصَّل نيوتن إلى اكتشافه العظيم للجاذبية لم يستند إلى جهودٍ عادية؛ فلو كان فعل ذلك فربما كان سيموت دون أن يعرفه أحد. والآن اسمع. يوجد شرطان لجريمة قتل أكيدة، ولا بد أن يكون كلا الشرطين موجودين للدلالة على أنها جريمة قتل أكيدة، ولا يمكن أن يكون الشرط الأول غير موجود. الشرط الأول هو الدافع، والثاني هو إخفاء الجثة. إذا قتل رجل رجلًا آخر دون دافع فالفعل ليس قتلًا؛ لأن القتل هو سلب حياة شخص آخر عمدًا، أما إذا قتل رجل رجلًا آخر في وجود دافع القتل، ولكن دون أخذ الحيطة، سواء بإخفاء الجثة أو بصرف الشبهات عن نفسه؛ عندئذٍ تكون الحبكة معيبة، وتُشير إما إلى جنون لدى الجاني، أو إلى علة لديه قد ندعوها جنونًا. على سبيل المثال، لو قتلتُ رجلًا في مكتبي في الطابق الثاني بإطلاق النار عليه، أليس هذا الفعل أحمق؟ سألفِت انتباه من حولي بالمسدس الذي أحمله، كما أن ليس لديَّ أي وسيلة لإخفاء الجثة. إذن فقد كنت أتصرف انطلاقًا من حالة جنون دائم أو مؤقت؛ لذا أنا لست قاتلًا حقيقيًّا؛ لأن القاتل الحقيقي لا يُظهر دافعًا فحسب، بل قدرةً منطقية تمامًا على السيطرة على نفسه.

والآن ماذا كان الدافع الحقيقي لقتل الطفل في هذه القضية؟

وماذا تعني السيطرة على النفس التي أظهرها المجرم بإخفاء الجثة؟

دعيني أعرض عليكِ حقائق هذه القصة. خلدت الأسرة إلى النوم في الوقت العادي في إحدى الليالي. يوجد في حجرة نوم الطفل ثلاثة أسرَّة؛ واحدٌ أسفل النافذة ينام فيه طفلٌ يبلغ من العمر أربع سنوات تقريبًا، والثاني ينام فيه طفلٌ أصغر سنًّا، والثالث تنام فيه المربِّية، وحدها عامة عادةً، ولكن وقت حادثة القتل، كما سأستمر في تسميتها، كان أحد أصدقاء المربِّية يشاركها هذا السرير.

يغلب النعاس المربِّية الساعة الحادية عشرة، وتستيقظ في الخامسة صباحًا؛ وهو ما يعني أن الصباح كان قد أشرق منذ ساعتين؛ لأن تلك الكارثة وقعت في نهاية شهر يونيو. كما هو طبيعي، تنظر عبر الغرفة إلى المهد الذي ينام فيه الطفل، ولا تجده فيه، فتخلد للنوم مرةً أخرى مُفترضةً أن الطفل قد ذهب، أو أنه أُخذ إلى غرفة أمه التي توجد عبر الممر مباشرةً، ولا تستيقظ إلا عندما يحين وقت الاستيقاظ. تنهض، وتُلبِس الطفلة الصغيرة التي تنام في المهد القريب منها، ثم تذهب على نحوٍ طبيعي جدًّا إلى باب غرفة الأم، وتسألها عن الطفل، ولكن الطفل ليس موجودًا هناك. مُفترضةً أنه في الطابق العُلوي في غرفة الأخت الكبرى، تصعد إلى هناك وتكرِّر سؤالها، ولكنه ليس موجودًا هناك أيضًا. يتنبَّه أفراد الأسرة، ويُفتشون المنزل بحثًا عنه، دون جدوى عدا العثور على باب غرفة المعيشة وإحدى نوافذها مفتوحتين. ينطلق الأب على الفور في سيارة إلى أقرب رجل شرطة، مُعتقدًا أن الطفل قد اختُطف، ويستمر البحث عن الطفل المفقود. وبينما لا يزال الأب غائبًا عن المنزل، يُعثَر على جثة الطفل مُلقاةً بعيدًا عن الأنظار، دون إخفائها، أسفل كرسي مرحاض الخادم مباشرةً، وملفوفة ببطانية.

هذه هي الخطوط العريضة للقضية، ومع أننا قد وجدنا بالفعل حقيقتين غير مفهومتين إلا أننا لم نُفاجأ بعد. وهذه الحقائق هي كما يلي؛ أولًا: إحدى نوافذ غرفة المعيشة مفتوحة. ثانيًا: تنمُّ طريقة إخفاء الجثة عن حماقة تُضاهي حماقة النعامة، التي تدفن رأسها في الرمال وتظن بهذا أن الصياد لا يراها. أُخفيت الجثة — إذا جاز أن نسمِّي ذلك إخفاءً — في المكان وبالطريقة التي تجعل من اكتشافها على الفور أمرًا لا بد منه، وقد أُلقيت في ظروف لم يكن من الممكن أن تظل فيها غير مرئية. في الواقع، طريقة الإخفاء هذه ضعيفة جدًّا بدرجةٍ تُوحي بالحماقة.

ولكن عندما نأتي إلى استقصاء الحقائق الغريبة والعديدة لهذا الفعل، فستدلُّ كل واحدة منها على أن هذه الجريمة بعيدةٌ كل البعد عن جرائم القتل عن سبق إصرار وترصد؛ لذا لا بد أن نشعر أن تطبيق القواعد العادية للعلاقة بين المسبِّبات والنتائج على هذه القضية، لن يقودنا إلى أي شيء سوى خيبة الأمل.

في المقام الأول، من غير الطبيعي أن يتمكن أي إنسان من دخول الغرفة دون إيقاظ بعض مَن فيها. ومع ذلك دعنا من هذا، ولنتحدث عن عملية أخذ الطفل. لقد أُخذ الطفل بحرص واهتمام «نسائي»؛ لأنه كان ملفوفًا في بطانية. وهنا يأتي السؤال، من أين أتت البطانية؟ والإجابة هي، من بين الملاءة وغطاء السرير الذي شكَّل الكسوة العلوية للسرير. حسنًا، يمكننا أن نفهم أنه، عند «اختطاف» طفل، قد يفكِّر الخاطف، حتى وإن كان رجلًا، في وضعه في بطانية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالقتل فاستخدام البطانية هذا لا تفسير له.

لكن الأمر الغريب الآتي المتعلق بهذه الحادثة هو الأكثر عجبًا في القصة كلها. لا بد أن الملاءة وغطاء السرير قد أُزيحا بقدرٍ كبير من مكانهما بسبب سحب البطانية من بينهما. ومع ذلك نجد أنهما لم يُزاحا من مكانهما، بل مرتَّبان وممهَّدان، كما لو أن السرير قد «رُتِّب» بعد القتل وقبل اكتشاف الجريمة، ولكن الأمر ليس كذلك؛ لأن أثر جسد الطفل لا يزال موجودًا على السرير، وتحت الملاءات الممهَّدة.

سواء أُخذ الطفل حيًّا أو ميتًا من السرير، فلا يزال إعادة ترتيب غطاء السرير أمرًا بلا تفسير. هل يمكن أن يبقى قاتلٌ عاقل، أو حتى خاطف طفل عاقل، ليعيد ترتيب ملاءة السرير وغطائه؟ ومرةً أخرى، إذا لم يكن يوجد شريكان مُتواطئان وحاضران معًا، فهذا يعني أنه كان على القاتل وحده أن يضع الطفل على الأرض وهو يرتِّب الملاءة وغطاء السرير. هل كان من الممكن أن يظل الطفل نائمًا، هذا إن كان لا يزال على قيد الحياة وهو يؤخذ من الغرفة، خلال كل هذه التصرفات غير العادية دون أن يستيقظ؟

والآن تأتي مسألة إخراج الجثة من المنزل. لقد وُجدت نافذة غرفة المعيشة مفتوحةً، وهذا هو المخرج الوحيد من المنزل الذي اكتُشف أنه غير مُوصَد. الحقيقة اللافتة للنظر هي أن هذه النافذة هي أبعد سبيل للخروج من المنزل من الموضع الذي عُثر فيه على الجثة.

للوصول إلى ذلك المرحاض، كان على الشخص الذي يحمل الطفل أن يمرَّ حول «مقدمة» المنزل، وبين المنزل والطريق، ثم يمرَّ من بوابات الفناء، التي يقبع خلفها كلبُ حراسة؛ ومن ثَم يصل إلى المرحاض. بعد الوصول إلى المرحاض نجد أن جسد الطفل مشقوق بأبشع الطُّرق، والرأس يكاد أن يكون مفصولًا عن الجسد، كما توجد طعنةٌ مُخيفة نافذة عبر جسده، وبالقرب من القلب.

بعدما لُفَّ جسد الطفل المسكين في البطانية أُلقي أسفل المرحاض على بُعدِ أقدام قليلة، حيث استقرَّ على الحاجز، وعُثر عليه هناك. كما اكتُشفت قطعةٌ صغيرة من قماش الفانيلا.

وهكذا تبقى الأمور محل التحقيق، ومنها جميع الحقائق السالف ذكرها، والآتية أيضًا. تقول المربِّية عن السرير المرتَّب: «لقد وُضعت أغطية السرير على نحوٍ مرتَّب، كما لو كنت أنا أو أُمه من رتَّبها.» عُثر على الكلب في حالةٍ صحية عادية في صباح اليوم التالي للقتل. يلي ذلك الدليل الخاص بالرجل الذي اكتشف الجثة، الذي يذكر أنه عثر على نحو ملعقتين من الدماء «الغامقة اللون» على أرضية المرحاض. أما خارج المرحاض، فعُثر على قطعة من جريدةٍ ملطَّخة بالدماء، ولم يُحدَّد مطلقًا إن كانت هذه الجريدة جزءًا من أي جريدة في المنزل. أما دليل الجرَّاح فهو في غاية الأهمية؛ إذ يُلقي الضوء على العديد من الملابسات التي لا يمكن تفسيرها في القضية. لقد ذكر أن الفم قد تغيَّر لونه، وأن الكمية الصغيرة من الدماء على أرضية المرحاض لا تمثِّل أي شيء يُشبِه الدماء التي كانت تجري في عروق الطفل، وأن عدم وجود دماء على أرضية المرحاض يُثبِت أن الجروح قد حدثت بعد الوفاة، أو بمجرد حدوثها وتوقُّف عمل القلب. في الواقع، تُشير أدلة الطبيب إلى أن الطفل قد تعرَّض للخنق قبل إحداث الجروح عبر الحلق وفي الصدر. وصف الجرَّاح الجروح بأنها جروحٌ بالغة الوحشية؛ فقد شُقَّ الحلق وصولًا إلى العظم، ويُظهِر الجرح في الصدر قوةً كبيرة. عندما رأى الطبيب الجثة في التاسعة صباحًا، أعلن أن الوفاة حدثت قبل خمس ساعات؛ وهذا يعني أن الساعة الرابعة كانت هي الموعد الأقصى لارتكاب جريمة القتل (أي بعد مرور ساعة واحدة من أول ضوء للصباح، ومن وجود الكثير من العمال الصيفيين بالخارج، كما يمكن أن نفترض)، بينما يمكن اعتبار منتصف الليل أبكر وقت يمكن أن يكون قد ارتُكبت فيه الجريمة، بما أن الأسرة خلدت إلى النوم في حوالَي الساعة الحادية عشرة والنصف ليلًا. هذا يحصر الوقت الذي ارتُكبت فيه الجريمة بين منتصف الليل والرابعة صباحًا، أو على الأرجح بين منتصف الليل والساعة الثانية صباحًا. (للقارئ العادي، الذي ربما لا يكون على درايةٍ كاملة بنظام الدورة الدموية للإنسان، تتطلب هذه الجملة بعض الشرح. يمرُّ دم جسم الإنسان كله (بل في الواقع، دم جميع الكائنات الحية في وقت أكثر أو أقل) في جميع أنحاء الجسم في حوالَي ثلاث دقائق، تاركًا القلب عبر سلسلة واحدة من الأوردة، وهي تلك التي تدق أو تنبض، ويعود عبر سلسلة ثانية من الأوردة التي لا تنبض. يُدفَع الدم إلى الأمام عن طريق انقباضات القلب، وعند كل انقباضة تنتفخ أوردة القلب، أو الشرايين، قليلًا. إذا قُطِع أحد هذه الشرايين بينما لا يزال القلب نابضًا بالحياة، فسيندفع الدم خارجها تمامًا مثلما يندفع الماء خارجًا من أنبوب ماء مُنفجر، وسيتطاير في كل مكان، وسيُلطخ القاتل، إن كان يوجد قاتل، بينما إذا قُطِع شريان بعد الوفاة، أو بعد توقُّف عمل القلب، وبينما لا يزال الجسم دافئًا، فسيتسرَّب الدم الساكن ولكنه متجلط جزئيًّا (وهذا لأن الدم يبدأ في التجلط في اللحظة التي تتوقف فيها حركة القلب عن دفعه) تدريجيًّا من الشريان على هيئة تدفُّق دموي داكن اللون؛ ولذلك في حالة هذا الطفل، حيث لا توجد آثار دماء على الحائط أو على كرسي المرحاض، ولا يوجد سوى القليل من الدم الداكن على الأرض، فالاستنتاج المؤكد هو أن الموت قد حدث قبل إحداث الجروح).

باختصار، يضع الطبيب الشرعي، والذي يبدو أنه ليس كفئًا للغاية، معظم التركيز على نافذة غرفة المعيشة التي وُجدت مفتوحةً بمقدار قدم واحدة تقريبًا.

تَبِع استجوابَ الطبيب الشرعي العديدُ من الأحداث. وما يجذب انتباهَ الرأي العام هو ألغاز هذه القضية، وليس فظائعها، وفي النهاية يُجرى تحقيقٌ رائع ولكنه عادي، ويفشل تمامًا، وهو أمرٌ طبيعي. فإذا كنت تأمل في اكتشاف إجابات استثنائية لأسئلة عادية، فهذا منطق لا ينطوي على العقلانية.

أول من يُشتبَه به هو صبيٌّ يبلغ من العمر ستة عشر عامًا، وهو خادمٌ مسئول عن الأعمال الخارجية لدى السيد كمبرلاند؛ وهذا لأنه كان قد سُرِّح من الخدمة في اليوم السابق لجريمة القتل، ولكن تبيَّن أنه كان نائمًا ليلة الجريمة في منزله، الذي يبعُد عن مكان الكارثة بحوالَي ميلين؛ لذا استُبعد من دائرة الشك.

بعد ذلك يُقبَض على ابنة السيد كمبرلاند؛ لأن أحد ثياب نومها كان مفقودًا، وإذ يفشل التحقيق في هذا الأمر تضع المربِّية نفسها في محل الشكوك؛ لأنها على ما يبدو قالت إن الصبي «قُتل بدافع الانتقام»، ولأنه عُثر على قطعة من قماش الفانيلا في الحمام، وتحت جسد الطفل، والتي ربما كانت أو لم تكن موجودة قبل وقوع جريمة القتل. يفشل هذا الاتهام كما فشلت الاتهامات الأخرى، على الرغم من إجرائه على نحوٍ رائع، ولكن على أساس أن جريمة القتل جريمةٌ ذات طابع عادي، ارتُكبت بدافع وفعل عادي، ولكن تحيط بها العديد من الملابسات الاستثنائية. يشير المحامي الذي يدير القضية إلى العديد من الحقائق القيِّمة. إنه يُصرُّ على أنه إذا كان من ارتكب الجريمةَ شخصٌ من خارج المنزل، فلا بد أنه كان لديه شريك بداخله، وهذا لعدم وجود علامات تدل على وجود عنف خارجي بالقرب من المنزل، ثم يُشير إلى أن النافذة وُجدت مفتوحةً بمقدار قدم واحدة فقط؛ وهو ما يعني أنها لم تكن مفتوحة بما يكفي لمرور أي شخص يحمل طفلًا. ويقترح أنه بما أن النافذة تُحدِث ضجيجًا عند رفعها لأعلى، فلا يُثبِت هذا فحسب أن من رفعها كان أحد أفراد الأسرة، بل أنه فعل ذلك بغرض الخداع، ومع ذلك لم يُخبرنا المحامي شيئًا عن طبيعة هذا الخداع. ثم يزعم، بناءً على حالة السرير، بأن شخصين كانا متورِّطين في القتل، ولكن دون أن يتشكك في غرابة هذا الفعل الذي لا مسوِّغ له، أو أن يشكَّ فيما إذا كان الطفل على قيد الحياة عندما أُخذ من الغرفة. في الواقع، حجة هذا الرجل المحترم هي أن أحد سكان المنزل هو من ارتكب جريمة القتل، وأن من المرجَّح أن تكون المربِّية هي التي ارتكبت الجريمة. (من الواضح أن صديق المربية، الذي كان نائمًا معها، لم يكن مُشتبَهًا به، وثَمة أسباب لذلك).

تفشل القضية فشلًا ذريعًا، ويُفرَج عن الفتاة، ويبقى اللغز قائمًا دون تفسير، كما كان في صبيحة أول يوم بعد جريمة القتل.»

•••

«هنا استراح هاردال، الذي ارتسمت على وجهه نظرةٌ جامحة بحلول هذا الوقت لوهلة، ثم تابع قائلًا: «والآن يا رودي، أنصِت لروايتي حول هذه المسألة، ثم ساعدني في إثباتها إن شئت. توجد ثلاثة أسئلة تحتاج للإجابة عليها؛ أولًا: هل كان مُرتكب الجريمة من غير المُقيمين بالمنزل؟ ثانيًا: هل كان مُرتكب الجريمة من أحد المُقيمين بالمنزل؟ ثالثًا: من الذي ارتكب الجريمة، ولماذا ارتكبها؟

  • (١)

    هل كان مرتكب الجريمة من غير المقيمين بالمنزل؟

    إن كان كذلك فسيفعل فعلته بتسترِ شخصٍ ما من داخل المنزل، أو من تلقاء نفسه. أظن أن التحقيق الفظيع الذي خضعت له الأسرة يُثبِت بجِلاءٍ عدم وجود شريك في الجُرم من أحد أفرادها. ومع ذلك لا توجد آثار تدل على دخول المنزل عن طريق السطو؛ ومن ثَم إن كان من دخله شخصًا غريبًا فعلًا، إذن فقد دخله بطريقةٍ غير عادية. الاحتمال الوحيد هو أنه دخل المنزل من نافذة الطابق الأول أو الطابق العُلوي. والآن، هل كان من الممكن فعل ذلك؟ لا توجد كَرْمة أو أي نبات معترش آخر حول المنزل يمكن أن يستعين به أحد الغجر الراغبين في الانتقام، الذي قد يكون السيد كمبرلاند هدَّده مثلًا، للوصول إلى النافذة. بينما إن كان سُلَّم قد استُخدم فيبدو من المستحيل افتراض أن الكلب، ناهيك عن الأسرة بأكملها، ظل نائمًا ولم يسمع ضجيج محاولة تثبيته على النافذة. مرةً أخرى، من الممكن أن يكون أحد الغجر — وهم أكثر مَن يُحتمَل أن ينفِّذوا هذا النوع من الانتقام الذي يتمثل في اختطاف طفل أو قتله — قد أسكت الكلب، وهو فن يُعرَف عن الغجر أنهم بارعون فيه.

    تُثبت سلامة الكلب في صباح اليوم التالي، وصمته أثناء الليل، أولًا أن أحدًا لم يعبث معه، ثانيًا أنه يتعرض للإزعاج من أي غريب. إذن، هل ارتكب الجريمةَ أيُّ شخص من غير المُقيمين بالمنزل، ولكنه في الوقت نفسه معروف للكلب؟ لا توجد على الإطلاق وسيلة دخول المنزل. مرةً أخرى، هل اختبأ أي شخص في المنزل؟ هذا هو الاقتراح الوحيد الذي يؤيد النظرية القائلة بأن من ارتكب جريمة القتل كان من غير المُقيمين بالمنزل، ولكن في مثل هذه الحالة تقف في وجه هذه الحجة مسألةُ غرابة أنه في هذه الحالة جرى خداعٌ واضح لأفراد الأسرة في مغادرة القاتل للمنزل، ليس من الباب، بل من إحدى النوافذ، ثم وارَب تلك النافذة.

  • (٢)

    هل كان مُرتكب الجريمة من المُقيمين بالمنزل؟

    إذا ثبت أنه من غير المحتمل للغاية أن يكون مُرتكب الجريمة من غير المُقيمين بالمنزل، إذن فما يتناسب عكسيًّا مع ذلك هو احتمالية أن من ارتكبها كان بالفعل من المُقيمين بالمنزل.

  • (٣)

    من الذي ارتكب الجريمة، ولماذا ارتكبها؟»

    وهنا، أخذ هاردال نفَسًا عميقًا، وشرب كوبًا كبيرًا من الماء، ومسح جبهته المتعرِّقة، وتابع قائلًا: «سأُلزم نفسي بتسلسلٍ غريب من الكلام، وإن كنتَ مثل غالبية الحمقى الذين يحيطون بي فسترفض كلامي، وستُثبِت تفاهته وعدم صحته.

أولًا: اسمح لي أن أعضد كلامي بهذا الاقتباس الغريب الذي أخذته من أحد المقالات الرئيسة لجريدة «التايمز» بشأن هذه القضية برمَّتها.

«كنتيجة مؤلمة، لم يتبقَّ لنا إذن سوى أضيق دائرة شك على الإطلاق، وإلى جانب الإحراج الإضافي الذي أعقب حالات الفشل المُتتالية للعدالة … يبدو حقًّا أن هذه القضية تحتاج في الأغلب إلى قراءة الغيب، أو إلى فن التنقيب عن المياه القديم الذي كان قائمًا على التنجيم باستخدام عصا استكشاف الماء. لقد فشلت تمامًا الطُّرق العادية في كشف الغموض.»

إنها جريدة «التايمز»! إنه، كما ترى، اعترافٌ كامل بأن التحقيق برمَّته فاشل، ومع ذلك يتمسكون بالاعتقاد بأن الدهاء، وليس الجهل، هو الذي أفشل جهود المحقق؛ إذ تُتابع الجريدة قائلةً: «ولكننا نثق أنه، في أحد جوانب القضية، ستُنفَّذ رؤية القاضي. ويجب عدم التواني ولو للحظةٍ واحدة عن اليقظة والرصد.»

لم يحدث هذا أو ذاك، ولم يُكتشَف أي شيء.»

تابع هاردال قائلًا: «والآن، دعنا نرى أولًا من كان نائمًا في المنزل ليلة وقوع الجريمة.

كان عدد الموجودين بالمنزل ليلةَ ارتكاب جريمة القتل ثلاثة عشر شخصًا؛ عشرة منهم بالغون، وكان نحو ستة منهم قادرين على تبرئة بعضهم بعضًا. كان ثلاثة منهم ينامون في غرفة، وثلاثةٌ آخرون في غرفةٍ ثانية، واثنان في غرفةٍ ثالثة، واثنان آخران في غرفةٍ رابعة. لذا، باستثناء المُقيمين في غرفة الأطفال نفسها، لم يكن موجودًا في المنزل إلا شخصان لم يكن بوسعهما استحضار دليل بعينه يوضِّح سلوكهما طوال الليل. كانت الطاهية وخادمة المنزل تنامان معًا، والشقيقتان الكبريان تنامان معًا، وكان طفلٌ صغير ينام مع السيد والسيدة كمبرلاند في غرفة نومهما، أما السيد ويليام كمبرلاند والآنسة كونستانس كمبرلاند فقد كان لكلٍّ منهما غرفةٌ منفصلة، بينما كان الطفلان الصغيران — الطفل الصغير الذي قُتل، وطفلٌ رضيع يبلغ من العمر عامين — ينامان في غرفة الأطفال مع المربِّية، وأيضًا مع زائر لها من أقاربها، كان معروفًا جيدًا في المنزل وللأطفال، ودائمًا ما كان يعبِّر عن بالغ حبه للطفل الصغير القتيل.»

تابع هاردال: والآن سأتجرَّأ على أن أقول على الفور إنه لا يوجد دليل على جريمة قتل عادية في هذه القضية، وإن حقائق هذه القضية بأكملها تُظهِر قدرًا غير عادي من الغرابة، وإن جريمة القتل ارتُكبت بقدرٍ غير عادي من الغرابة على يد أحد سكان المنزل. وبما أن معظم التصرفات الغريبة والشاذة يكون دليلًا على الاعتلال الذهني، فقد توصَّلت إلى استنتاجٍ مفاده أنه إذا كان القاتل (كما سأسمِّيه أو أسمِّيها) واعيًا بجريمته، فغرابته واعتلاله الذهني لن يمكِّناه من الصمود خلال مثل هذا التحقيق العنيف الذي أُجري. وهكذا أستنتج أن الفعل قد ارتُكب بينما كان القاتل نائمًا وتحت تأثير اضطراب الهوس الأحادي بالقتل.

يبقى الآن التحقق، من خلال وقائع القضية، من هُوية الشخص الأكثر احتمالًا أنه كان تحت هذا التأثير. أما فيما يتعلق بافتراض أنه يمكن ارتكاب جريمة قتل أثناء النوم، وأن الهوس بالتدمير أو بالتصرف بطريقةٍ شاذة، قد يعذِّب الإنسان لسنواتٍ دون أن يعرف أي شخص آخر شيئًا عن هذا الأمر، فإنه يوجد الكثير من الحالات المثبتة جيدًا، والتي تسمح بالتشكك كثيرًا في هذه النقاط.

فيما يتعلق بحالات المشي أثناء النوم سنجد أن حالات إتيان أفعال معيَّنة أثناء حالة المشي أثناء النوم غير مُتكررة، ومع ذلك فهي في الوقت نفسه ليست شديدة الندرة لدرجة أن تكون عديمة القيمة في الدفع بحُجتي. سنجد أن الدكتور ستيوارت يقول في «موسوعة رييس للفنون والعلوم والأدب»: «يوجد العديد من الحالات التي يبدو فيها النوم جزئيًّا؛ وهو ما يعني الحالة التي يفقد فيها العقل تأثيره على بعض القدرات، ويحتفظ به على قدراتٍ أخرى.» يعتبر الدكتور داروين أن حالة السير أثناء النوم لا تُشبِه كثيرًا النوم بقدر ما هي حالة كالصرع تقريبًا. سُجِّلت بعض حالات المشي أثناء النوم التي نُفذت خلالها مجموعة من الأعمال، وكلها تتَّفق مع أفكار اليقظة بقدرٍ ما. في إحدى الحالات لدينا صبي، لكَوْنه شديد الولع بالعنب، يمضي في منتصف الليل إلى كَرْمة للعنب ويجمع الثمار. في حالةٍ أخرى، ينهض صبي أثناء نومه في الظلام، ويطلب إشعال ضوء ليجد ثيابه، وبعدما يُلبَّى طلبه يرتدي ملابسه بسهولة، وعندما يدق جرس ساعة الوقواق، يقول: «يوجد وقواق هنا.» وما يدل على أن الفكرة المسيطرة تنحِّي كل الأفكار الأخرى جانبًا، هو أن هذا الصبي نفسه يكون حسَّاسًا للقرصات أو الضربات الطفيفة، إلا إذا «كان في ذلك الوقت مُنبهرًا بشيءٍ آخر بشدة». طلب مُراقِب هذا الصبي منه أن يكتب فكرة. ويقولون: «رأيناه يُضيء شمعة، ويأخذ القلم والحبر والورقة من درج طاولته، ويشرع في الكتابة، بينما شرع شخص من الموجودين حوله في إملائه.» ها هي سلسلة من الأحداث، ومع ذلك، توضح هذه الحالة تمامًا حجتي بأن الأفعال المرتكبة مختلَّة، أو بالأحرى تنمُّ عن خلل؛ لأنه مع أن المحبرة التي كان قد فتح عينيه ليجدها أُزيحت «عادت يده كالمعتاد إلى المكان الذي كان يعتقد أنها كانت فيه»، لا بد من ملاحظة أن حركة يده كانت سريعة حتى وصلت إلى ارتفاع المحبرة، وبعد ذلك حرَّكها ببطء حتى لمس القلم الطاولة برفق بينما كان يبحث عن الحبر. (للمزيد من المعلومات، انظر أطروحة هوفمان حول المشي أثناء النوم).

يقول الدكتور كوبلاند عن الهوس الأحادي بالقتل (قاموس الطب، المجلد الثاني، مقالة «الجنون»): «يرتكب الأشخاص المجانين جرائم القتل أو محاولات القتل: (١) عندما يكونون مدفوعين بحافزٍ لا إرادي أو رغبةٍ غريزية لا يستطيعون مقاومتها. (٢) عندما يكونون مدفوعين بدوافع يستطيعون التفكير على أساسها، وهم مُدركون للشر الذي اقترفوه. (٣) عندما يكونون تحت تأثير أوهام أو هلوسة أو تصورات خاطئة. (٤) عندما تُثيرهم عاطفة أو معارضة. (٥) عندما يعتقدون أنهم يُقاومون عدوًّا. (٦) عندما يكون الإدراك عاجزًا بحيث لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ، وعندما يتصرفون بدافع التقليد. أولى هذه الحالات هي أكثرها شيوعًا، وهي التي سأوجِّه الانتباه إليها. سيبدو الأشخاص كما لو كانوا يتمتعون بالمنطق، وأنهم مُجبَرون على نحوٍ لا يمكن مقاومته، مع وعيٍ كامل بحالتهم، على ارتكاب الجريمة التي يُبغضونها أشد البغض. والسؤال هو: هل يوجد حقًّا شكل من أشكال الجنون يمكن أن يتمتع فيه الشخص بالمنطق السليم، ومع ذلك يرتكب أفظع الجرائم؟ وأقول: نعم. يستحيل لون وجه أحدهم فجأةً إلى اللون الأحمر، ويتخيل أنه يسمع صوتًا يُخاطبه، ويتصرف وفقًا لأوامره. وفي حالةٍ أخرى، كان أحد الأزواج مُقتنعًا بأن زوجته غير مُخلِصة له، وعلى الرغم من أنه أخذ جميع الظروف بعين الاعتبار، ووجد أنها في صالحها، ومع ذلك قتلها. وفي حالةٍ ثالثة، تعتقد أم لأسرةٍ أنها في محنة، وفي نوبة من اليأس تُحاول قتل أفراد أسرتها، ولكن في هذه اللحظة يعلو صوت غريزة الأم على صوت اليأس وتصيح قائلةً: «احموا أطفالي مني.» وفي حالةٍ أخرى موثَّقة جيدًا، كانت خادمة، تتعهَّد رضيعًا، تعتريها رغبة لا يمكن السيطرة عليها في قتله في كل مرة كانت تُلبِسه فيها. يمكن الإشارة إلى كل هذه الحالات على أنها حالات وهم أو هلوسة مؤقَّتين، يمكن تحت تأثيرهما ارتكاب جرائم أو أفعال مجنونة، وبعد زوال هذه الحالة يشهد المريض فترة من الوعي.

أما قتل الأطفال فهو، كقاعدة عامة، ينمُّ دومًا عن الجنون التام؛ لسببٍ بسيط هو أن الطفل لا يمكنه أن يُثير أي دوافع. أما حالات قتل الأطفال الرُّضَّع التي لا يوجد فيها دليل على الجنون، فهي تلك الحالات التي تقتل فيها الأم طفلها بدافع العار أو العوز. إن هذا الدافع غائب في هذه الحالة. وفي حين أن غالبية جرائم قتل الأطفال ترتكبها النساء، ربما يكون الاستنتاج القائم هو أن، في غياب الدافع، قاتل هذا الطفل امرأة.

تُثبت الأدلة الظرفية للقضية أن المربِّية أو زائرها (الذي كان موجودًا ليلة القتل)، أحدهما هو مَن ارتكب الجريمة تحت تأثير حالة من غياب الوعي (أو النوم)؛ لأنه لا يوجد دليل على ارتكاب الفعل بشكلٍ واعٍ، وأن القاتل كان تحت تأثير حالة الهوس الأحادي، لغياب أي دليل على وجود دافع. يوجد دليلٌ واحدٌ غير مباشر على «التفكير اللاواعي» بشأن الطفل المقتول في الإفادة الآتية:

«ذكرت امرأةٌ شابَّة، عاشت مع الأسرة كمربِّية منذ حوالَي اثنَي عشر شهرًا، أنه في إحدى المرَّات عندما كان فردان فقط من الأسرة موجودَين في المنزل، عُثر على الطفل الصغير المقتول في مهده، وأن أغطية فراشه قد أُعيدت بعناية، وكذا بعض الجوارب الصوفية وبعض أقمشة الفانيلا التي كان يوضع في الفراش وهو يلبسها، والتي كانت قد خُلعت في الليلة السابقة لمقتله لأنه كان مريضًا. عُثر على إحدى فردتَي الجورب في الصباح على المِنضدة في غرفة النوم، وعُثر على الأخرى في اليوم التالي على سرير السيدة كمبرلاند التي عجزت تمامًا عن تفسير وجودها في ذلك المكان.» يقول الكاتب الجاهل الذي اقتبسنا منه الجمل الأخيرة تلك إن «هذه الإفادات، مع ذلك، ليس لها علاقةٌ مباشرة بهذه القضية الغامضة.»

إن لها علاقةً كبيرة؛ لأنها تبيِّن أن شخصًا ما في هذا المنزل يُعاني من حالةٍ عقليةٍ مضطربة وغير طبيعية. إنها تُثبِت صنع شخص يمكنه التصرف أثناء النوم. وبافتراض أن هذا الشخص قد أصابته لعنة مرض الهوس الأحادي بالقتل، وبقبول حقيقة أنه يمكن القيام بسلسلة من الأفعال أثناء النوم، نصل إلى استنتاجٍ مفاده أن واقعة الجورب تُلقي بظلالها على احتمال أن يكون المنزل مسرحًا لسلسلة من الأفعال اللاواعية.»

أردف هاردال قائلًا: «أقول إن الأفعال غير المفهومة المتعلقة بجريمة القتل هذه تُثبِت أنها قد ارتُكبت في حالة من غياب الوعي والجنون، وإن مُرتكبها امرأة.

دعنا نُلقي نظرةً أولًا على تصرُّف لف الطفل ببطانية، هل يمكن لقاتلٍ واعٍ وعاقلٍ أن يفعل هذا؟ ومع ذلك، أليس هذا التصرف هو العادة اليومية لمربِّية الأطفال الصغار؟ مجددًا أذكِّر بأن اللحاف والملاءة أُعيدَ ترتيبهما؛ وهو فعلٌ تقوم به المربِّيات، ولكنهما رُتِّبا فوق سرير غير مرتَّب، وهو ما يُشير إلى وعيٍ غير كامل للفعل. ولقد ذكرت من قبلُ أنه لا بد من وجود شخصين مُتورطين في جريمة القتل هذه؛ بسبب أغطية الفراش المرتَّبة هذه. وهنا نطرح السؤال الآتي: لو كان يوجد قاتلٌ واحد فقط، فأين وُضع الطفل أثناء القيام بهذا العمل؟ لذا، يبدو أنه لا مناص من طرح السؤال الآتي: لماذا قام القاتل بهذا الفعل غير المسوَّغ، وغير الضروري، واللاعقلاني؟

أعتقد أن الطفل قد مات قبل أخذه من السرير؛ أنه قد خُنِق بوسادة، وتُثبِت أدلة الطبيب كلها أن الوفاة حدثت قبل نقل الضحية إلى المرحاض.

كانت الفعلة التالية هي نقل الجثة من المنزل، وكما تعلم، حُمِلت عبر حدود المنزل عند تلك النقطة الأبعد من باقي أجزاء المنزل كلها من الموضع الذي عُثر عليها فيه؛ أعني بذلك إحدى نوافذ غرفة المعيشة، التي اكتُشف أنها كانت مفتوحةً بمقدار قدم في صباح اليوم التالي. لقد قيل إنه، بما أن النافذة لا يمكن فتحها لأعلى من قدم دون إحداث ضجيج من شأنه أن يوقظ المنزل والكلب، وأن مسافة قدم لم تكن عرضًا كافيًا للسماح بمرور شخص يحمل طفلًا؛ لذا فقد كان الغرض من فتح هذه النافذة هو «التضليل». هذا غير صحيح على الإطلاق؛ فعرض قدم سيكون كافيًا تمامًا لأن يدفع شابٌّ نفسه من خلاله ويمرَّ منه، في حين ربما يكون الطفل الميت قد مُرِّر من تلك الفتحة أولًا، ووُضع على العشب، ثم حُمل بعد ذلك.

والآن، يلي هذا أكثر الحقائق جنونًا في القضية: بدلًا من حمل الطفل بعيدًا أو إلقائه في بركة أو بئر أو حتى في سياج، كما كان سيفعل أي قاتل واعٍ، يفضِّل حامل الطفل المرور أمام المنزل والطريق، ثم المرور بالبوابات التي يقبع أسفلها كلبٌ دائمًا ما يُزمجر على المارَّة، ثم إلى المرحاض، الذي لا بد أن أي فرد من أفراد الأسرة الواعين يعلم أنه مزوَّد بحاجزٍ سيمنع أي شيء من الانزلاق في المرحاض.

لم تُثَر حفيظة الكلب؛ مما يدل على أنه إما كان مُستيقظًا ويعرف هذه المرأة، لذا لم ينبح، أو أن المرأة كانت تمشي بخفةٍ شديدة — كشأن الأشخاص الذين يمشون أثناء النوم — بحيث لم يستيقظ الكلب من وَقْع خطواتها.

يوجد تضاربٌ واحد فقط في هذا الجزء من القضية؛ وهو أنه إذا كانت القاتلة تمشي أثناء النوم، وإذا كانت خادمة بالمنزل؛ لذا فقد كانت مُلمَّة بالمطبخ (وهو أقرب طريق عبر الفناء — حيث يوجد الكلب — إلى حمام الخدم، حيث عُثر على الجثة) على نحوٍ أفضل من غرفة المعيشة، فكيف إذن تجنَّبت المطبخ وفناء المطبخ؟ إجابتي هي أنه من المستحيل تقييد حدود الغريزة أو المنطق أو الجنون في حالات المشي أثناء النوم؛ فهذه الصفات تتقاطع، ثم تعود لتتقاطع ثانيةً بعضها مع بعض في عملية تشابُك لا تنتهي.

إنني أقترب الآن من حقيقة في القضية تُثبِت نزعة جنون الهوس الأحادي والتصرف اللاواعي. لقد مات الطفل؛ لذا إذا كان الدافع الواعي فقط هو الموجود، فالعمل الذي سيتعين القيام به في هذه اللحظة هو التخلص من الجثة، ولكن بدلًا من ذلك نجد أن الفعل التالي هو تشويه الجسد بأكثر الطرق وحشيةً. يقول الطبيب إن الرأس كاد أن يكون مفصولًا عن الجسم، وإنه لا بد أن قوةً كبيرة قد بُذلت لدفع السلاح المستخدَم ليخترق الصدر. وهنا ينبغي أن نسأل: ما الحاجة إلى استخدام السكين أصلًا؟ لقد كان الطفل ميتًا، وإن لم يكن ميتًا فقد بدا كذلك، ومع ذلك فقد تعرَّض للتشويه وإراقة دمه. بعد ذلك لُفَّ الجسد في البطانية، وهذا دليلٌ آخر على الرعاية، وأُلقيَ أسفل كرسي المرحاض؛ لكي يُعثَر عليه في اللحظة التي يُرى فيها الدم على الأرض.

بعد ذلك تُترك النافذة مفتوحةً، وهكذا يُعثَر عليها في الصباح.

عند اكتشاف جريمة القتل، لا يُظهر أي شخص في المنزل أدنى قدر من الشعور بالذنب، مع أن جميع الاستنتاجات باستثناء استنتاج واحد تُشير إلى فرضية أن القتل قد ارتُكب في المنزل؛ يكمن هذا الاستثناء في حقيقة أنه عُثِر، بالقرب من المرحاض الذي مُسحت في جدرانه سكينٌ ملطَّخة بالدماء، على قطعة من الورق ملطَّخة بالدماء، يبدو أنها لم تُمزَّق من أي ورق موجود في المنزل.

لقد سُلبت حياة الطفل، ويبدو واضحًا أن شخصًا ما في المنزل قد فعل ذلك بأشد الطرق قذارةً، حيث اكتُشفت جريمة القتل في غضون عشر دقائق بعدما تنبَّه سكان المنزل لغياب الطفل، ومع ذلك يبدون جميعهم أبرياء؛ فكلهم يُدْلون بنفس القصة عن أنها كانت ليلةً هادئة تمامًا ودون أي إزعاج. لا يوجد دافعٌ واضح لقتل الطفل، ولا يوجد دليل ضد أي شخص يثبت أنه القاتل، باستثناء ثوب نوم مفقود وقطعة تافهة من قماش الفانيلا، وبعد كم هائل من التحقيقات يظل الوضع كما هو عليه.

والآن انظر كيف تتناسب نظريتي عن الهوس الأحادي في حالة المشي أثناء النوم تناسبًا باهرًا مع صعوبات القضية. لدى الفتاة ميلٌ إلى قتل الطفل، وهو ميل قد يختبره الكثير من البشر، لكنهم يملكون ما يكفي من ضبط النفس للتغلب عليه، كما أنها تمشي أثناء نومها، ومع مُعاناتها من الهوس الأحادي ووجود الرغبة في القتل أثناء حالة المشي أثناء النوم، تنهض ثم تبدأ في التصرف بطريقةٍ مُتشابكة تجمع بين تصرُّفاتها اليومية العادية وأفعالها النابعة من الهوس الأحادي. في البداية، تخنق الطفل بدافعٍ من هوسها الأحادي، ثم تتصرف كمربِّية وتلفُّه بالبطانية، وترتِّب الفراش غير المرتَّب. بعد ذلك تنزل إلى الطابق السفلي دون أن يسمعها أحد، لسببٍ بسيط هو أن من يمشون أثناء النوم يتحركون ويتصرفون دون إحداث أي ضجيج. يحذِّرها إحساسها الشِّبه اليقظ من الكلب ومن صوت صرير النافذة، فتتوقف عن رفعها مع أول بادرة للضجيج. النافذة مفتوحة الآن بمقدار قدم، ويمكنها أن تضغط نفسها وتمرَّ من خلالها، وتسحب الطفل الميت معها. بعد ذلك تنسى الطريق ومقدمة المنزل بسبب تركيزها الشِّبه الواعي على خوفها من الكلب؛ ومن ثَم تصل إلى المرحاض، إما بعدما تعرَّف عليها الكلب إن كان مُستيقظًا، أو بعدما مشَت بخفةٍ شديدة حتى لا توقظه إن كان نائمًا. عندئذٍ، تتَّقد مرةً أخرى الرغبة في القتل النابعة من الهوس الأحادي، فتأخذ السكين التي كانت مخبَّأة في الحمام وتستخدمها، ولكن لا يمكنني أن أخمِّن أين خبَّأتها بالضبط. لا توجد دماء على ثياب الفتاة تفضح فعلتها؛ لأن الدم، كما يقول لنا الطبيب، لم يندفع إلى الخارج لأن الطفل كان ميتًا، ولكنه سال من جثته فحسب. بعد ذلك تصنع ذلك الجُرح البالغ الوحشية في صدره، ويُثبِت الجُرح غير الواسع أن السكين قد اخترقت اللحم بعد الوفاة، ثم تُلقي بالجسد في المرحاض، ولا تبذل جهدًا في محاولة إخفائه. بعد ذلك تمسح السكين في الورقة المجهولة وتُخفيها، والسبب في عدم العثور عليها هو أنها، على الأرجح، لم تُخبَّأ بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل أُلقيت في مكان لن يفكر أحد في العثور عليها فيه. وبعد ذلك تعود الفتاة إلى المنزل مُتناسيةً في حالة شبه الوعي هذه أن النافذة لا تزال مفتوحةً. تصعد إلى غرفتها دون أي ضجيج، وتخلد إلى الفراش وتنام، ثم تستيقظ وهي لا تعلم شيئًا عن أحلامها أو تصرفاتها. وهي حالةٌ مُتكررة تحدث مع من يمشون أثناء النوم. وما الذي من شأنه أن ينبِّهها إلى الحقيقة عند اكتشاف الجريمة؟ لا شيء، فلا وجود للدماء على ملابسها، ولا علامات من الحصى على قدميها؛ وهذا لأنها ربما تكون قد فركت قدميها على سجادة الباب قبل الدخول كَوْنها تمشي أثناء نومها؛ لا شيء يُنبئها بأنها مُذنبة. إنها «بريئة» في الواقع؛ وبهذا يظل اللغز قائمًا، ويجب أن يظل هكذا ما دام الاعتقاد السائد هو أن جريمة قتل هذا الصبي كانت جريمةً واعية. لو كانت جريمةً واعية، فهل كان وراءها دافع؟ هل نُفِّذت بعقلانية؟ وإن كان أي فرد من المنزل قد نفَّذها عن وعي، فما السبب؟ إنني أزعم أنه يوجد الكثيرون من أولئك الذين يُعانون من الهوس الأحادي، وفي هذه الحالة لم يقتصر الأمر على الهوس الأحادي فقط، بل زاد عليه المشي أثناء النوم.» تابع هاردال قائلًا: «أنت تقول إنك تعرف والد الصبي. قدِّمني إليه، ودعني أحاول، لمصلحة الكثيرين، إثبات ارتكاب هذه الجريمة على مُرتكبتها.»

قلت لهاردال بعدما توقَّف عن الكلام فجأةً: «سأفعل، دعنا نتجه شمالًا من فورنا.»

أمسك بيدي وانطلقنا على الفور في ذلك المساء.

دعوني أخبركم بالنتيجة …

[عند هذه النقطة تنهار الفتاة. إذا حصلتُ على تكملة هذه القصة فسأنشرها على الفور، إن وجدت أنه من المستحسن فعل ذلك. أما عنوان طبيبي المخبر فلم أعرفه أبدًا.]

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤