ملاحظات وآراء

قضى «تختخ» بعض الوقت يُعيد قراءة المعلومات التي حصل عليها من الجريدة ويرتبها، ثم نام. وفي صباح اليوم التالي التقى بالأصدقاء في حديقة منزل «عاطف»، وجلس «تختخ» وتحت قدمَيه «زنجر»، وأخرج من جيبه دفتر مذكراته الصغير، ثم قال: لقد حصلتُ على القصة الكاملة كما نشرتْها الجرائد … استنادًا إلى محاضر تحقيق الشرطة والنيابة، وحُكم المحكمة.

نوسة: قضية «الدهل»؟

تختخ: طبعًا.

نوسة: ولكن ما دخل كل هذا بمكان الحقيبة التي بها الأوراق والنقود.

تختخ: في اعتقادي إن حصولنا على صورة كاملة لعملية السرقة، وما تمَّ حولها من تحقيقات، تُعطينا فرصة البحث عن الحقيبة بطريقة أفضل من مجرَّد مراقبة «الدهل».

عاطف: هل تتصوَّر أن أحداثًا جرت منذ ثلاث سنوات، يمكن أن تدل على مكان الحقيبة الآن؟

قال «تختخ» في ضيق: نعم … هذا ما أتصوَّره … هل هناك أسئلة أخرى قبل أن أبدأ؟

سكت الأصدقاء، فقال «تختخ»: سنتصوَّر ما حدث: «فتحي الدهشان» — وشهرته «فتحي الدهل» — منادي سيارات، اعتاد الوقوف أمام إحدى السفارات لتنظيم دخول السيارات وخروجها مقابل «البقشيش». وذات ليلة أقامت السفارة حفلةً كبرى فازدحمت أمامها السيارات … وقرب الساعة التاسعة ليلًا، وبالتحديد في الساعة الثامنة وأربعين دقيقة كما قال موظَّف السفارة … حضرت سيارة دبلوماسية من طراز مرسيدس «٢٨٠ إس» تحمل رقم «٥٤٤٨» ويركبها المستر «ماكس»، ووجد المستر «ماکس» المكان المخصَّص للسيارات مزدحمًا … فتوقَّف وطلب من المنادي وهو يعرفه أن يضع السيارة بعيدًا عن الزحام؛ لأنه سيذهب لمقابلة السفير ويعود فورًا … وطلب منه أن يُراقب السيارة لأن بها أشياء على جانب كبير من الأهمية.

وقلب «تختخ» صفحةً من دفتر مذكراته، ثم مضى يقول: وركب المنادي السيارة وأدارها لإبعادها … وفي هذه اللحظة فُتح بابا السيارة الخلفيان وركب شخصان، وعندما نظر «الدهل» إليهما وجد مسدَّسًا مصوَّبًا إليه من أحدهما، الذي طلب منه أن ينطلق بالسيارة فورًا دون كلمة واحدة.

سأل «محب»: هل تأكَّد رجال الشرطة من هذه المعلومات؟

تختخ: لا … إن هذه المعلومات بناءً على أقوال «الدهل».

لوزة: هذا يعني أن مستر «ماك» …

تختخ: «ماكس».

لوزة: إن مستر «ماكس»، ترك مفاتيح السيارة بها!

تختخ: بالضبط … وهكذا تحت تهديد المسدَّس انطلق «الدهل» بالسيارة، وخرج مستر «ماكس» بعد مقابلته للسفير يبحث عن سيارته فلم يجدها … وظنَّ أن المنادي أوقفها في مكان أبعد ممَّا ينتظر، فأخذ يبحث هنا وهناك، فلمَّا تأكَّد من عدم وجودها أسرع بإبلاغ جهات الأمن المختصة، وبدأت مطاردة السيارة حتى سقطت في النهر وتمَّ انتشالها، واتضح أنها هي فعلًا السيارة المسروقة، ولكن بعد استبدال أرقامها السياسية بأرقام أخرى عادية.

محب: ولكن قصة «الدهل» يمكن تصديقها … فلماذا حوكم وأُدين وسجن؟

تختخ: سؤال معقول … لولا عدة شواهد تُؤيِّد علاقته باللصَّين الآخرَين؛ أولًا: أنه لم يكن هناك شهود يُؤيِّدون قصته مطلقًا … ثانيًا: وُجد في جيبه عندما خرج من النهر مبلغ ٥٠٠ جنيه لم يستطِع تعليل مصدرها … كما وُجد في جيبٍ آخر ورقة صغيرة عليها الأرقام الشفرية الخاصة بفتح الحقيبة … لأن «الحقيبة الدبلوماسية» عادةً تُغلق بأرقام شفرية لا يعرفها سوى حامل الحقيبة والسفارة، أو الدولة المسافرة إليها.

لوزة: كانت حقيبةً دبلوماسيةً إذن؟

تختخ: نعم.

لوزة: يا له من شيء مثير!

نوسة: هل كان المستر «ماکس» مسافرًا بها أو كان سيُسلِّمها إلى شخص آخر؟

تختخ: كان مسافرًا في العاشرة على الطائرة المتجهة إلى «أثينا»، ثم تذكَّر شيئًا مهمًّا لا بد من مناقشته مع السفير، فمرَّ بالسفارة أولًا، ولم يكن يتوقَّع أن يحدث ما حدث؛ فقد كان يثق في «الدهل» جدًّا … وكثيرًا ما كان يترك له سيارته ليضعها في مكانٍ خالٍ حتى لا يُضيع وقتًا في ذلك.

عاطف: وهل اعترف «الدهل» بذلك؟

تختخ: نعم … وقال إنه كان يتولَّى دائمًا أمر سيارة مستر «ماکس»، وبخاصةٍ في الأسابيع الأخيرة التي كان «ماکس» يُسافر فيها كثيرًا، وكان دائمًا على عجلة من أمره …

نوسة: وهل كان «الدهل» يقود السيارة في أثناء وقوع السيارة في النهر؟

تختخ: حسب روايته كان مغمًى عليه، وكان أحد اللصَّين الآخرَين هو الذي يقود السيارة. وصمت الأصدقاء قليلًا، وقال «تختخ»: هل هناك أسئلة أخرى؟

وقبل أن يُجيب أحدٌ خرجت الشغَّالة تحمل جهاز التليفون وقالت: تليفون للأستاذ «توفيق».

كان المتحدِّث هو المفتش «سامي» الذي قال ﻟ «تختخ»: هل تُتابعون قضية «الدهل»؟

تختخ: نعم … وقد ذهبت إلى صديقي الصحفي «علاء» وحصلت منه على كل ما يتعلَّق بالقضية … والحقيقة أن هناك أسئلةً كثيرةً تدور في ذهني … ربما استطعنا من خلال الإجابة عنها أن نُحدِّد مكان الحقيبة.

قال المفتش ضاحكًا: بدلًا من الأسئلة والأجوبة أعتقد أن مراقبة «الدهل» أفضل؛ فهو إن عاجلًا أو آجلًا سوف يذهب إلى المكان الذي أخفى فيه الحقيبة وسوف يجدنا خلفه.

تختخ: هذا هو رأي الأصدقاء هنا.

المفتش: لقد طلبتَ أن تعرف بعض المعلومات عن عادات «الدهل»، العادات الغريبة أو الملفتة للنظر … وقاد قرأتُ الملف ووجدتُ بعض الأشياء الخاصة التي تُهمك …

تختخ: إن هذا يُسعدني جدًّا.

المفتش: اسمع … أولًا: إنه يُحب حياة البساطة بشكل غريب … فهو كثيرًا ما يُغادر شقته الفاخرة في «الزمالك» في ثياب بسيطة ويذهب إلى الأماكن الشعبية مثل؛ باب الشعرية، السيدة زينب، الحسين، حيث يقضي الوقت على المقاهي الصغيرة يشرب الشاي، ويلعب الطاولة.

وضحك المفتش وهو يُضيف: شيء آخر … أو هواية أخرى ﻟ «الدهل»؛ إنه اشترى قاربًا صغيرًا في النيل، وأصبح يصطاد السمك بسنارة.

سأل «تختخ»: وأين القارب؟

المفتش: سيُسعدك طبعًا أن تعلم أنه في «المعادي».

تختخ: ألَا يوحي هذا لكَ بشيءٍ يا سيادة المفتش؟

المفتش: طبعًا … إن القارب قريب جدًّا من مكان الحادث، والأهم من هذا أنه يذهب إلى مكان الحادث كثيرًا.

تختخ: يبدو أنه سيقع في المصيدة قريبًا.

المفتش: هذا ما يعتقده النقيب «مجدي»؛ فهو صاحب هذه التحريات كلها.

تختخ: متى أرى سيادتك لأناقش معك بعض الأسئلة التي خطرت لي وأنا أُراجع المعلومات الخاصة بالقضية.

المفتش: الحقيقة أنك لن تراني قريبًا … فسوف أُسافر إلى «بيروت» بعد ساعتَين، ولا أدري متى أعود … ربما بعد أسبوع.

قال «تختخ»: آسف … أسبوع كامل! … إنه وقت طويل!

المفتش: على كل حال يمكنكم الاتصال بالضابط «مجدي».

تختخ: وما هو رقم القارب؟

المفتش: رقمه «١٤١»، وقد سمَّاه «الدهل» اسمًا غريبًا … سمَّاه «مظلوم».

تختخ: لعله يُشير إلى نفسه.

المفتش: فعلًا … فأغلب اللصوص يعتقدون أنهم مظلومون، وأنهم ضحايا الظروف، وربما ضحايا العدالة.

تختخ: شكرًا لك يا سيدي وإلى اللقاء.

المفتش: إلى اللقاء … وبالتوفيق يا «توفيق» أنت وبقية المغامرين.

ووضع «تختخ» السماعة، ثم التفت إلى الأصدقاء قائلًا: لقد وصلَت الحكاية إلى حافة أبوابنا.

لوزة: كيف؟

تختخ: اشترى «الدهل» قاربًا سمَّاه «مظلوم»، وهو يتجوَّل به عند شاطئ «المعادي»، وبخاصةٍ في مكان الحادث.

صفَّقت «لوزة» بيدَيها قائلة: عظيم هايل! … لقد وصلنا للغز، هيا بنا.

عاطف: إلى أين؟

لوزة: إلى الشاطئ طبعًا للمراقبة … إنها فرصة.

تختخ: لحظة واحدة يا «لوزة» … لا بد أن يكون عملنا حسب خطة.

نوسة: وما هي الخطة؟

تختخ: لم أضَع تفاصيلها بعد … سأروي لكم أولًا ما قاله لي المفتش «سامي» عن نتائج مراقبة «الدهل».

واستمع الأصدقاء إلى حديث «تختخ» … ثم بدءوا يُناقشون الخطة التي يجب وضعها لمراقبة «الدهل».

وقال «محب» معلِّقًا: يجب أن نكون على حذر … فالمفتش «سامي» يُريد مراقبة الرجل دون أن يحس … ولو كشَفْنا عن أنفسنا فقد يأخذ «الدهل» حذره، وتضيع جهود رجال الشرطة هباءً.

تختخ: فعلًا يجب أن نكون على حذر … ويبدو أني سأعود إلى غرفة العمليات التي لم أدخلها منذ فترة طويلة.

نوسة: غرفة التنكُّر؟

تختخ: نعم … إن المراقبة تحتاج إلى تنكُّر محكم.

صاحت «لوزة»: اسمع يا «تختخ» إنني لم أتنكَّر أبدًا … أرجوك أن أتنكَّر في هذه المغامرة.

تختخ: ولكن يا «لوزة» …

لوزة: أرجوك … أرجوك يا «تختخ» وإلا تضايقتُ وتركتُ «المغامرين الخمسة».

ضحك «تختخ» قائلًا: تتركين «المغامرين الخمسة»! … هل هذا معقول؟ إنهم بدونك يا عزيزتي لا يساوون شيئًا.

قال «عاطف»: إنك «تنفخها» بهذا الكلام يا «توفيق».

تختخ: تذكَّر القضايا الكثيرة التي استطاعت بذكائها وإلحاحها أن تدلنا على أشياء لم نكن نعرفها … إني أثق فيها جدًّا.

لوزة: هل تجعلني أتنكَّر؟

فكَّر «تختخ» قليلًا، ثم قال: أحضري فستانًا قديمًا، وسآخذه معي لأُعِده للتنكُّر، ومؤقتًا سوف نخرج للتنزُّه على كورنيش النيل … إننا نُريد أن نعرف مكان «مظلوم» بالضبط … ونرى كيف حال «الدهل».

أسرعت «لوزة» إلى داخل منزلها وعادت بعد قليل ومعها لفة أعطتها ﻟ «تختخ» الذي أخذها معه، ثم غادروا الحديقة وقفزوا إلى دراجاتهم وانطلقوا وخلفهم «زنجر» إلى الكورنيش. عندما وصلوا إلى هناك تركوا دراجاتهم عند مدخل «الكازينو» حيث اعتادوا الجلوس، ثم ساروا على الأقدام وأخذوا يفحصون القوارب … واقتربوا من مكان يُرابِط فيه قاربان وحدهما، وقال «تختخ»: لاحظوا أننا يجب ألَّا يبدو علينا أننا نبحث عن شيء … وإلا اشتبه «الدهل» فينا.

قالت «نوسة» وهي تُشير بأصبعها: انظروا هناك!

ونظروا إلى حيث أشارت «لوزة»، وكان هناك رجل يجلس وبيده سنارة يصطاد بها السمك.

كان الرجل يوليهم ظهره، وكان يجلس على الشاطئ قرب القاربَين، وقالت «نوسة»: هل يكون هو «الدهل»؟

ردَّ «تختخ»: ليس مستبعدًا أن يكون «الدهل»، وسوف نتأكَّد بعد قليل، ولكن أيًّا كان هذا الشخص فهو بالتأكيد لا يصطاد السمك مطلقًا.

لوزة: كيف؟ إن معه سنارة!

تختخ: هل إذا كان معكِ سنارة ووضعتِها في مياه «بانيو» الحمَّام فمعنى ذلك أنكِ تصطادين السمك؟

لوزة: لا طبعًا.

تختخ: إن هذا الرجل يضع سنارته في «البانيو».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤