ثورة الشاويش

اجتمع الأصدقاء في صباح اليوم التالي في حديقة منزل «عاطف»، وتناقشوا في أحداث الأمس، وقال «محب»: ولكن ماذا تُريد من صداقتك مع «الدهل» يا «تختخ»؟

تختخ: الوصول إلى مكان الحقيبة طبعًا.

محب: ولكن من الواضح أن «الدهل» قد أخرج الحقيبة من حيث أخفاها، ولعله أعدم الحقيبة وما بها من أوراق، واكتفى بالمبلغ الضخم الذي يُنفق منه الآن … وهكذا تختفي الحقيبة إلى الأبد … ولن تصل إلى شيء.

فكَّر «تختخ» لحظات، ثم قال: معك حق … ولكن إذا لم يكن عندنا شيء نفعله فلماذا لا نُحاول … لعل «الدهل» في أحاديثه معنا أنا و«لوزة»، يقول لنا الحقيقة.

محب: غير معقول طبعًا … إنه ليس «دهل» … إنه داهية، ويكفي أنه استطاع الاحتفاظ بالسر ثلاث سنوات كاملة، ثم خرج ليستمتع بالنقود.

تختخ: لا أدري لماذا أشعر أن وراء هذه الحقيبة أسرارًا أخرى … ولو كان المفتش موجودًا لناقشنا معه بعض التفاصيل الخاصة بهذه القضية … ولكن ليس أمامنا الآن إلا ما نفعله.

عاطف: وحكاية الشاويش … هل نتركها تمرُّ هكذا … إنها فرصة للهزار، هيا بنا نُقابله.

تختخ: لا داعي لهذا يا «عاطف».

عاطف: على العكس … إنها فرصة لا تُعوَّض … وليس أمامنا ما نفعله حتى موعدكم مع «الدهل»، وقد نحصل على معلومات إضافية من الشاويش.

وهكذا انطلق «المغامرون الخمسة» ومعهم «زنجر» لمقابلة الشاويش … ووجدوه يجلس وحيدًا وقد وضع رأسه بين كفَّيه مستغرقًا في تفكير عميق … فصاح «عاطف»: يا شاويش «علي»!

فزع الشاويش ورفع رأسه، وأخذ ينظر إلى «المغامرين الخمسة» كأنهم هبطوا من القمر … وتقدَّم «تختخ» قائلًا: لقد جئتُ للاطلاع على الشكوى المقدَّمة ضدي.

ارتبك الشاويش وأخذ ينظر حوله كأنه يبحث عن منفذ.

ثم قال: إنها ليست مقدَّمةً ضدك.

تختخ: لقد قلتَ لي أمس إن هناك شكوى مقدَّمة …

صرخ الشاويش: قلت لكَ ليست ضدك!

تقدَّم «عاطف» قائلًا: تقصد إذن أنها ضد «زنجر».

الشاويش: وما دخلك أنت؟

عاطف: إن «زنجر» كلبنا جميعًا، وليس كلب «تختخ» وحده … والشكوى ضده، شكوى ضدنا كلنا.

كان الشاويش يُفكِّر بسرعة محاولًا كسب بعض الوقت للخروج من هذا المأزق السخيف، ووجد الحل المناسب، فقال: لقد كانت شكوى ضد كلب أسود … وليس کلبكم هو الكلب الأسود الوحيد في «المعادي»!

وأعجبته الفكرة التي وصل إليها فوقف صائحًا: انتهى الكلام … هيا فرقعوا من هنا وإلا …

ابتسم «تختخ» قائلًا: عظيم يا شاويش … لقد حصلتَ على حلٍّ معقول.

ارتفع صوت الشاويش أكثر قائلًا: هيا فرقعوا من هنا … وسوف تدفعون ثمن تجرُّئكم على ممثِّل القانون. سوف تقعون في يدي … بأسرع ممَّا تتصوَّرون …

وخرج الأصدقاء وقال «محب»: لم نستطِع إحراج الشاويش كما كنا نرجو … ولم نحصل منه على أية معلومات.

تختخ: وأكثر من هذا أثرناه ضدنا.

لوزة: الحق على «عاطف» إنه الذي دفعنا إلى هذا الموقف السخيف.

عاطف: لا تغضبوا … وتعالَوا أدعوكم إلى «جيلاتي» في «الكازينو».

ورحَّب الأصدقاء بالدعوة، وانطلقوا إلى الكورنيش … واتفقوا على أن يقوم «محب» و«نوسة» و«عاطف» بالمراقبة على الشاطئ عندما يأتي «الدهل» لمقابلة «تختخ» و«لوزة». بعد الظهر كان «تختخ» و«لوزة» في ثيابهما التنكُّرية يسيران إلى الكورنيش، واتجها فورًا إلى القارب «مظلوم» وقفزا إليه … لقد أصبحا صديقَين لصاحبه ومن حقهما استعماله في أي وقت … وكان قد بقي على موعدهما مع «الدهل» نحو ساعة، فجلسا يصطادان السمك ويتحدَّثان، ونسيا أن الشاويش «فرقع» كان يتبعهما في ثيابه الرسمية. فلمَّا استقرَّا على ظهر القارب ظهر الشاويش واتجه إليهما رأسًا، ووقف على الشاطئ وصاح: ماذا تفعلان في القارب؟!

ردَّ «تختخ»: لا نفعل شيئًا يا حضرة الشاويش، إننا نصطاد.

الشاويش: وهل هذا القارب ملك لكما؟

تختخ: لا … ولكن صاحبه صديقنا.

الشاويش: هل معكما ورقة منه بالسماح باستخدامه؟

تختخ: لا …

الشاويش: إذن فأنتما تعتديان على أموال الغير، وإنني أقبض عليكما بهذه التهمة.

تختخ: إننا مسكينان يا شاويش … نُنفق على والدنا المشلول وأُمِّنا المسكينة فاتركنا لوجه الله.

كان الشاويش مُصمِّمًا على أن يكشف حقيقة هذَين المتشرِّدَين … فلم يستجِب لاستعطاف «تختخ» وصاح: تعاليا هنا فورًا!

أدرك «تختخ» أن الشاويش يرتاب فيهما بشدة، وأنه لو قبض عليهما فمن السهل عليه اكتشاف تنكُّرهما … ويضيع كل شيء … كان ذهنه يعمل بسرعة … إمَّا أن يستسلما وينكشف أمرهما، وإمَّا أن يهربا. واختار الحل الثاني … وببساطة مدَّ «تختخ» يده، وفكَّ الحبل الذي يربط القارب بالشاطئ … ولا حظ الشاویش ما يفعله «تختخ»، فأخذ يصيح: ارجعا إلى هنا … إلى أين تذهبان؟ سأطلق عليكما النار. ولكن «تختخ» لم يلتفت إليه، وأعمل المجدافين في الماء.

تردَّد الشاويش لحظات، ثم نزل إلى الماء بحذائه وثيابه … وأسرع إلى القارب الآخر … وفكَّ رباطه وأمسك بالمجدافَين وبدأت المطاردة … كان «تختخ» قد سبقه بمسافة فأخذ الشاويش يُجدِّف بشدة محاولًا اللحاق بهما.

قالت «لوزة»: إنه سيلحق بنا … فهو يُجدِّف بشدة.

تختخ: لا تخافي … سوف يتعب بعد قليل وبخاصةٍ أنه يلبس ملابسه الرسمية الثقيلة.

ولكن الشاويش خيَّب ظن «تختخ» وأخذت المسافة تضيق بينهما … وكان الشاويش موليًا ظهره إليهما، وكان عليه أن يلتفت بين فترة وأخرى ليراهما، واستخدم «تختخ» هذا الموقف بذكاء فكان يُغيِّر اتجاهه باستمرار … وكلما اقترب الشاويش ونظر، وجد قارب «تختخ» قد انحرف إلى جهة أخرى.

وقال «تختخ»: إننا نقترب من «جزيرة الذهب».

لوزة: وماذا نفعل هناك؟

تختخ: سنتخلَّص من الشاويش.

لوزة: كيف؟

تختخ: سترين الآن.

واستجمع «تختخ» كل قوته وأخذ يبتعد قليلًا قليلًا عن الشاويش، ويقترب في الوقت نفسه من الجزيرة الكبيرة … وسرعان ما وصل إليها، وقال ﻟ «لوزة»: استعدي للقفز بسرعة! وترك «تختخ» القارب يصطدم بالشاطئ الطيني، ثم قفز هو و«لوزة» وأسرعا يجريان، وفعل الشاويش مثلهما … ترك قاربه يصطدم بالشاطئ، ثم قفز هو الآخر، وأسرع خلفهما.

قالت «لوزة»: هل نختفي في المزروعات؟

تختخ: لا … سنعود إلى القارب … ولكن بعد أن نُتعبه في الجري.

أخذا يجريان والشاويش خلفهما وقد تقطَّعت أنفاسه، وسال العرق من جميع أنحاء جسمه، وبين لحظة وأخرى كان يصيح: قفا … قلت لكما قفا!

ولكن «تختخ» و«لوزة» ظلَّا يجريان، ثم دارا دورةً واسعةً في الجزيرة، وعادا مرةً أخرى إلى حيث كان القاربان.

كانت المسافة بينهما وبين الشاويش نحو ثلاثين مترًا … وقفز «تختخ» إلى قاربهما، وصاح ﺑ «لوزة»: اقفزي إلى القارب الآخر واربطيه بقاربنا!

فعلت «لوزة» ما طلبه «تختخ»، وسرعان ما كان القاربان يبتعدان والشاويش يجري في اتجاه الشاطئ محاولًا اللحاق بهما، ولكنه عندما وصل إلى حافة الماء كان القاربان قد ابتعدا أكثر من عشرة أمتار … ووقف الشاويش يصيح ويُشير بيدَيه، ولكن «تختخ» مضى بهدوء دون أن يلتفت …

قالت «لوزة»: ولكن كيف يعود الشاويش إلى الشاطئ؟

تختخ: ستمر بعض القوارب وسيعود … المهم الآن أن نُسرع لنلحق ﺑ «الدهل» … كان «تختخ» متعبًا، ولكنه أخذ يُجدِّف بقوة، وشيئًا فشيئًا كان الشاطئ يقترب، ووصلا في النهاية … ولكن لم يكن هناك أثر للسيارة ولا ﻟ «الدهل».

قال «تختخ»: يبدو أنه حضر وانصرف.

لوزة: إن بقية الأصدقاء يقومون بالمراقبة وسنعرف منهم ما حدث.

وأسرعا إلى الشاطئ، ووجدا الأصدقاء يقفون بعيدًا … وحسب الخطة لم يقترب الأصدقاء منهما، ولكن تبعوهما من بعيد … وعندما دخل «تختخ» و«لوزة» إلى الكشك الخشبي الذي في حديقة «عاطف» لحق بهما الأصدقاء و«زنجر»، وقال «محب»: حدثت تطوُّرات غريبة على الكورنيش في أثناء المطاردة بينكما وبين الشاويش «فرقع».

تختخ: ماذا حدث؟

محب: وصل «الدهل» يقود سيارته … ونزل منها ووقف أمام الكورنيش، وأخذ ينظر في النهر … وبعد لحظات وصلت سيارة أخرى نزل منها شخصان واتجها إليه. ودارت مناقشة حامية بين الثلاثة … إننا لم نسمعها فقد كنا بعيدين حسب الاتفاق … ولكن من المؤكَّد أنهم كانوا يتبادلون حديثًا غاضبًا … فقد كانوا يُشيرون بأيديهم ويهزون رءوسهم.

تختخ: وبعدها؟

عاطف: اقتربتُ منهم وحاولتُ أن أسمع ما يقولون … كان أحد الرجلَين يقول ﻟ «الدهل» … سنقتلك … إنك يجب أن تفي بما وعدت … وردَّ «الدهل» عليه قائلًا: إنني ما زلتُ عند وعدي … ولكن … فقال الثالث: لقد مضى أكثر من شهر وأنت تعدنا … لقد رأيناك أمس وأنتَ تركب القارب … إنك لم تكن تصطاد طبعًا …

كان «تختخ» يستمع باهتمام بالغ، ومضى عاطف في سرد ما سمعه: وتدخَّل الرجل الآخر وقال ﻟ «الدهل»: ماذا تنتظر منا؟ … إننا أعطيناك أكثر منهم … وصمت «عاطف» لحظات، ثم قال: ولاحظ أحد الرجلَين أني أسترق السمع، فأشار لزميله وركب السيارة بعد أن أمَرَا «الدهل» أن يركب سيارته ويمضي خلفهما.

تختخ: وهل أطاعهما «الدهل»؟

عاطف: نعم … وابتعدت السيارتان.

تختخ: إنها معلومات على جانب كبير من الأهمية … ولكن علينا الآن أن نُغيِّر ثيابنا؛ فقد يصل الشاويش في أية لحظة.

عاطف: خُذ بعض ثيابي.

تختخ: ستكون ضيقة.

وفي تلك اللحظة شهقت «نوسة» شهقةً قويةً وقالت وهي تُشير بأصبعها نحو نافذة الكوخ: إنه قادم!

لوزة: من؟ «الدهل»؟

نوسة: لا … الشاويش!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤