الفصل الثاني

طبيعة الإشعاع الشمسي

تأتي الطاقة الشمسية إلى الأرض في شكل إشعاع، أو ضوء شمسي يتألَّف طيفه من الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء القريبة والأشعة فوق البنفسجية القريبة. ولدراسة خواص ضوء الشمس، نحتاج إلى تأمله وفهمه من منظورَيْن: باعتباره موجة كهرومغناطيسية وباعتباره تدفُّقًا من الفوتونات. المنظور الأول مهم بالنسبة لكل التطبيقات الحرارية الشمسية والطلاءات المضادة للانعكاس الخاصة بالخلايا الشمسية. والمنظور الثاني مهم فيما يتعلَّق بالخلايا الشمسية والكيمياء الضوئية الشمسية. يُجمَع بين المنظورين في الديناميكا الكهربية الكمية، وهو واحد من أكثر المجالات خصوبة ونضجًا في الفيزياء الحديثة. وهنا، وبغرض التبسيط، سنقدِّم معالجة مبدئية لكلٍّ من هذين المنظورين على حدة.

(١) الضوء باعتباره موجات كهرومغناطيسية

حتى منتصف القرن التاسع عشر، كان الضوء والظواهر الكهرومغناطيسية يُعدان كيانَيْن مستقلَّيْن تمامًا. وفي عام 1865، وفي ورقة بحثية بارزة بعنوان «نظرية ديناميكية للمجال الكهرومغناطيسي»، افترض جيمس كلارك ماكسويل (انظر الشكل ٢-١) أن الضوء موجة كهرومغناطيسية [58]. وفي تلك الورقة البحثية، طور مجموعة كاملة من المعادلات التي تفسِّر الظواهر الكهرومغناطيسية، والمعروفة الآن ﺑ «معادلات ماكسويل». واعتمادًا على تلك المعادلات، تنبَّأ بوجود الموجات الكهروضوئية التي تنتشر في الفضاء الحُر بسرعةٍ مساويةٍ تمامًا لسرعة الضوء، التي كان قد تَثبَّت منها تجريبيًّا حينها هاينريش هيرتز. وقد أصبح افتراض ماكسويل الجريء بأن الضوء موجة كهرومغناطيسية منذ ذلك الحين واحدًا من أسس الفيزياء.
fig38
شكل ٢-١: جيمس كلارك ماكسويل. هو فيزيائي اسكتلندي (1831–1879) ويُعد واحدًا من أكثر الفيزيائيين تأثيرًا إلى جانب إسحاق نيوتن وألبرت أينشتاين. وقد طوَّر مجموعة من المعادلات تصف الظواهر الكهرومغناطيسية، التي يُطلق عليها «معادلات ماكسويل». وفي عام 1865، اعتمادًا على تلك المعادلات، تنبَّأ بوجود موجات كهرومغناطيسية وافترض أن الضوء إحداها [58]. ووضع أيضًا النظرية الحركية للغازات وابتكر شخصية في مجال الخيال العلمي تسمى «شيطان ماكسويل». البورتريه معروض بإذن من متحف سميثسونيان.

(١-١) معادلات ماكسويل

في الفراغ، أو الفضاء الحر، تكون معادلات ماكسويل كما يلي:

(2-1)
(2-2)
(2-3)
(2-4)
لا يمكن أن يوجد التيار الكهربي في الفضاء الحر. وبالنسبة للمواد الخطية والمنتظمة والموحدة الخواص، تتحدَّد كثافة التيار من خلال شدة المجال الكهربي عن طريق قانون أوم:
(2-5)
الأسماء والمعاني والوحدات الخاصة بالكميات الفيزيائية الموجودة في تلك المعادلات معروضة في الجدول ٢-١. على سبيل المثال، الثابت الكهربي له معنى بديهي كما يلي. إن المكثف المكوَّن من لوحَيْن موصلين متوازيين بمساحة ومسافة له تكثيف بوحدة الفاراد. بالمثل، الثابت الكهربي له معنى بديهي كما يلي. إن المِحثَّ المصنوع من ملف لولبي طويل بعدد معين من اللفات بمساحة مقطع عرضي وطول له محاثة بوحدة هنري.
جدول ٢-١: الكميات في معادلات ماكسويل.
الرمز الاسم الوحدة المعنى أو القيمة
شدة المجال الكهربي V/m
شدة المجال المغناطيسي T (تسلا)
كثافة الشحنة الكهربية C/m3
كثافة التيار الكهربي A/m2
الثابت الكهربي (سماحية الفضاء الحر) F/m
الثابت المغناطيسي (نفاذية الفضاء الحر) H/m
التوصيل

(١-٢) الجهد المتجهي

للتعرف على المجال الكهرومغناطيسي في الفراغ، هناك طريقة مناسبة تتمثَّل في استخدام «الجهد المتجهي». من المعادلة 2-2، من الممكن إنشاء مجال متجهي A يحقِّق ما يلي:
(2-6)
ومن ثَم، تتحقَّق تلقائيًّا معادلة 2-2. وبتعويض المعادلة 2-6 في المعادلة 2-3، نحصل على ما يلي:
(2-7)
لأي دالة و ، من الممكن إنشاء الجهد المتجهي كما يلي:
(2-8)
بحيث يكون هو الجهد الكهروستاتيكي الناتج عن الشِّحْنات. واختيار الجهد المتجهي ليس فريدًا. وبإضافة تدرُّج دالة اختيارية له، لا تتغيَّر قيمتا المجال الكهربي والمجال المغناطيسي. ويُطلق على هذا «ثبات قياس» الجهد المتجهي. ومن الممكن تعريف جهد متجهي يحقق الشرط التالي:
(2-9)
تُسمى معادلة 2-9 «مقياس كولوم»، وهو أكثر مقياس مناسب للتعامل مع المسائل غير النسبية لأي نظام ذري أو موجة كهرومغناطيسية مستقلة. في واقع الأمر، باستخدام المعادلة 2-9 والمعادلة ماكسويل الأول، معادلة 2-1، نحصل على ما يلي:
()
يعني هذا أن الجهد العددي يُولَّد من الشِّحْنات الاستاتيكية فقط؛ ومن ثَم من الملائم استخدامه عند التعامل مع مسائل التفاعلات بين المجال الإشعاعي والنظم الذرية. لمزيد من التفاصيل عن مشكلة القياس، انظر، على سبيل المثال، كتاب «النظرية الكمية للإشعاع» لفالتر هايتلر [37].

(١-٣) الموجات الكهرومغناطيسية

في هذا القسم، سندرس الموجات الكهرومغناطيسية في الفضاء الحر؛ أي عندما تكون قيمة الشحنة الكهربية والتيار صفرًا. وبتعويض المعادلتين 2-6 و2-8 في المعادلة 2-4، نحصل على ما يلي:
(2-11)

باستخدام المطابقة

(2-12)
والمعادلة 2-9، تصبح المعادلة 2-11 كما يلي:
(2-13)

وبإدخال:

(2-14)
تصبح المعادلة 2-13:
(2-15)
وهي معادلة موجية بسرعة متجهة . وبسبب المعادلتين 2-6 و2-8، تحقق أيضًا شدة المجال الكهربي وشدة المجال المغناطيسي نفس المعادلة المَوْجية:
(2-16)

و

(2-17)
وطبقًا لقيمتَيْ و الناتجتَيْن من قياسات كهرومغناطيسية تمت في ستينيات القرن التاسع عشر، فإن السرعة المتجهة للموجات الكهرومغناطيسية يجب أن تكون 3.1 × 108m/s. على الجانب الآخر، فإن القيمة التجريبية لسرعة الضوء في ذلك الوقت كانت . وكان هذا الفارق مقبولًا في إطار الخطأ التجريبي. وهكذا افترض ماكسويل ما يلي [58]:

يبدو أن اتفاق النتائج يثبت أن الضوء والمغناطيسية شكلان لنفس المادة وأن الضوء اضطراب كهرومغناطيسي منتشر عبر المجال وفقًا لقوانين كهرومغناطيسية.

تَثبَّتَ هاينريش هيرتز في عام 1865 تجريبيًّا من نظرية ماكسويل الخاصة بالموجات الكهرومغناطيسية. ومن خلال القياسات الكهربية الحديثة، نجد أن تساوي 2.998 × 108m/s، التي هي بالضبط سرعة الضوء في فراغ .

(١-٤) الموجات المستوية

تُعرَّف أي موجة كهرومغناطيسية ذات تردد دائري ω في الفراغ كما يلي:
(2-18)
لدراسة خواص الموجات الكهرومغناطيسية، دعنا نتأمَّل الحالة التي تنتشر فيها الموجة في اتجاه واحد، لنقل . في تلك الحالة، تعتمد شدات المجال فقط على . وتصبح المعادلة 2-15 كما يلي:
(2-19)

والحل العام يكون:

(2-20)
بحيث يكون ثابتًا وتُعرف مركِّبة الخاصة بالمتجه الموجي كما يلي:
(2-21)

(١-٥) استقطاب الضوء

على الرغم من أنه بوجه عام يمكن أن يكون للجهد المتجهي مركِّبات و و بسبب المعادلة 2-9، فإن مركِّبة الخاصة بالجهد المتجهي يجب أن تكون صفرًا:
(2-22)
هذا يعني أن يجب أن يكون ثابتًا عبر الفضاء بالكامل. ولأننا نركز هنا على الموجات الكهرومغناطيسية أو تغير المجالات المغناطيسية، فيمكننا ببساطة جعل تساوي صفرًا. فالموجات «عرضية». بعبارة أخرى، تكون متجهات الشدة عمودية على اتجاه الانتشار.
ويمكن أن يكون اتجاه الجهد المتجهي أو أو أي مزيج خطي من مركِّبتي و . وبالنسبة لمركِّبة الخاصة ﺑ ، لدينا:
(2-23)
وتكون شدة المجال الكهربي، تبعًا للمعادلة 2-8:
(2-24)
وشدة المجال المغناطيسي، تبعًا للمعادلة 2-6:
(2-25)
لذا فإن مركِّبتي شدة المجال الكهربي وشدة المجال المغناطيسي الوحيدتين اللتين لا تكونان صفرًا هما و . وطبقًا للمعادلة 2-21، هما متفقتان في الطور ومتناسبتان:
(2-26)
باختصار، وطبقًا للنظرية الكهرومغناطيسية للضوء، متجه شدة المجال الكهربي عمودي على اتجاه انتشار الضوء. إن شدة المجال المغناطيسي عمودية على كل من اتجاه متجه شدة المجال الكهربي واتجاه انتشار الضوء، كما أن مقدارها متناسب مع شدة المجال الكهربي. انظر الشكل ٢-٢.
fig39
شكل ٢-٢: الموجة الكهرومغناطيسية. الموجة الكهرومغناطيسية «عرضية»، بحيث يكون متجها الشدة و عموديَّيْن على اتجاه الانتشار. كما أن شدة المجال الكهربي عمودية على شدة المجال المغناطيسي . ويتكوَّن متجه فيض الطاقة الذي يساوي من و عن طريق قاعدة اليد اليمنى.

(١-٦) حركة إلكترون في المجالَيْن الكهربي والمغناطيسي

في هذا القسم، يُدْرَس تفاعل المجال الإشعاعي — مع تغيُّر المجالَيْن الكهربي والمغناطيسي مع تغير الوقت — مع الإلكترونات ضمن الميكانيكا الكلاسيكية كتحضير لتناول ميكانيكي كمي.

والطريقة القياسية لعرض الميكانيكا الكمية لأي نظام ديناميكي هي أولًا بعرض المعادلة الكلاسيكية للحركة بصيغة هاملتونية. إن المؤثر الهاملتوني لأي نظام ديناميكي هو دالة لإحداثية والزخم المقابل ، مما يمثل الطاقة الإجمالية. على سبيل المثال، لإلكترون بشحنة في مجال كهربي بجهد ، يكون المؤثر الهاملتوني:
(2-27)

معادلات الحركة بالصيغة الهاملتونية هما زوج من المعادلات التفاضلية العادية من الدرجة الأولى:

(2-28)
(2-29)
هناك معادلات مماثلة ﻟ و . وباستخدام المعادلتين 2-29 و2-27، يكون التعبير عن الزخم مطابقًا للتعريف المعتاد:
(2-30)
بحيث تعني النقطة أخذ مشتق متعلق بالوقت . وبتطبيق المعادلتَيْن 2-28 و2-29، نجد:
(2-31)
التي هي معادلة نيوتن للحركة، بحيث هي شدة المجال الكهربي.
وبالنسبة لحركة أي إلكترون في المجالَيْن الكهربي والمغناطيسي، فإن الطريقة القياسية هي إدراج الجهد المتجهي في التعبير عن الزخم ببساطة باستبدال في المؤثر الهاملتوني:
(2-32)

أو

(2-33)
وبتطبيق معادلة 2-29 على المعادلة 2-32، نحصل على ما يلي:
(2-34)

وهكذا. وبالشكل المتجهي، تكون: