صمت

أشرقَت شمس الصباح، فإذا المدرسة كأنها خلية نحل، كل جماعةٍ تقف في ناحية وتتحدث في موضوع السرقة والاعتداء على محمد والقبض على نلسون بمساعدة مارك، وراح كل فردٍ يتكهَّن بما سيحدُث بعد إبلاغ الشرطة بالأمر، وما سيُسفِر عنه التحقيق. وتشعَّبَت الآراء حول زميلهم نلسون. كان بعضهم يؤمن تمام الإيمان بأنه مذنب، بينما أخذ البعض الآخر يدافع عنه ويؤكِّد براءته من السرقة براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وبعضٌ ثالث يرى أن السارق الحقيقي مجهول، وقد انتهَز فرصة الشجار بين نلسون ومحمد، وزيارة نلسون لعمه بمحض الصدفة، فأوعَز إلى الناظر بأن يتهم نلسون. وهكذا كان كل فريقٍ يُحلِّل الموقف كما يتخيَّله، ويعلِّق عليه بما يتراءى له. أما مارك فوقف على الحياد لا يتهم زميله ولا يُبرِّئه، وإنما ظل صامتًا يُصغي بانتباه إلى كل ما يُقال. وأدهشَه أن آثار الأقدام وقطعة المنسوج المنزوعة من القميص تتفق تمامًا والأدلة ضد زميله. وفي هذه الأثناء كان الناظر والأستاذ جون يحقِّقان مع نلسون، فجلس الناظر في مقعده الكبير منقبض الأسارير صارم النظرات، وجلس الأستاذ جون إلى جانبه، بينما وقف المتهم مطأطَأ الرأس خزيًا وخجلًا، وقد ثبَّت ناظرَيه إلى الأرض لا يُجيب بكلمةٍ واحدة عن السؤال الذي وُجِّه إليه عدة مراتٍ عن دوره في السرقات، وأخيرًا التفَت إلى الناظر، وقال: «يجب أن تثبت التهمة ضدي، يا سيدي! لن أقول شيئًا.»

جلس الناظر صامتًا يفكِّر، ثم سأله في النهاية: «أتعترف بأنك ضربتَ محمدًا؟»

ساد السكون لحظة، قطَعه نلسون بقوله: «نعم، أعترف بهذا، ولا أكثر منه.»

فقال الناظر: «لم أعهَد فيك مثل هذا السلوك من قبلُ، يا نلسون. لا يُعجِبني هذا المسلك، ولن تُفيد منه شيئًا، بل على العكس سيجعلك مسئولًا عن جميع السرقات التي حدثَت بالمدرسة … وعلى أية حال، لقد اعتديتَ على محمد، وفرَرتَ من المدرسة، وذهبتَ إلى بيت عمك لتُشارِك في ذلك الصخَب. وإنك لتعلم يقينًا أن هذه الأفعال خرقٌ لقوانين المدرسة تستحق عليها العقاب. وسأعاقبك الآن أولًا، سوف أخلع عنك لقب الريادة؛ إذ يجب في الرائد أن يكون مثال الاستقامة والأخلاق الحسنة. وثانيًا لن تُغادِر حجرة المرضى حتى ينجلي موضوع السرقات تمامًا. وثالثًا أنذِرك، إذا لم تُخبرني بالدور الذي قُمتَ به في مسألة السرقات، بأن أطلب الشرطة وأسلِّمك إليهم ليُحقِّقوا معك على ضوء هذه الأحداث الأخيرة. ألديك ما تقوله الآن؟»

– «كلا، يا سيدي!» قال هذا ورأسُه ما زال مُطَأطَأً.

– «حسن! إذن، خُذه إلى حجرة المرضى، يا أستاذ جون!»

دق ناقوس فسحة الصباح فنزل التلاميذ إلى الفِناء، فإذا بإعلانٍ مثبَّت على اللوحة يُخطِرهم بأن نلسون لم يعُد رائدًا لفصله، فتجمَّع حوله حشدٌ من التلاميذ، وأخذوا يتناقشون في هذا الموضوع. وجرَّهم الحديث إلى السرقات، وحبس نلسون، وزاد بعضُهم أن الناظر قد طلب الشرطة، وقال بعضٌ آخر إن رجال الشرطة قد حضَروا بالفعل وحقَّقوا مع زميلهم وأثبَتوا إدانته. وهكذا كثُرت الأقاويل والإشاعات حتى تضاربَت. وجاهر بعضُهم بكراهيته لنلسون خاصةً ولرُوَّاد الفصول عامة، وظلوا كذلك حتى جاء عليٌّ ففرَّق شملَهم، ودقَّ جرس الحصة، فتوجَّه كل تلميذٍ إلى فصله. وبينما كان عليٌّ في طريقه إلى الفصل، أبصَر السائق ينظِّف سيارة المدرسة.

عندما دخل عليٌّ حجرة الدراسة أبدى ملاحظته لمارك، قائلًا: «لا بد أن السائق قد عاد من إجازته هذا الصباح! إن لديه عملًا شاقًّا في إصلاح السيارة وإعادتها إلى حالتها الأولى، بعد الطريقة التي قادها بها نلسون.»

وافق مارك عليًّا وهما جالسان يحلَّان تمرينات الجبر.

بعد انتهاء الدراسة، ذهب مارك إلى الحظيرة، وألقى نظرةً على السيارة على الرغم من عدم وجود السائق هناك. وعندما ذهب ليلعب الكرة، لم يكُن فكره مركزًا في اللعب، وإنما كان مشتَّت الفكر، مشغول البال بأ مورٍ أخرى. ولمَّا انتهى اللعب، أخبره عليٌّ بأن هناك اجتماعًا لرُوَّاد الفصول في مكتب ناظر المدرسة؛ حيث يستأنف التحقيق مع نلسون في الساعة السادسة مساء. ثم سأله علي: «ما رأيك في هذا الموضوع، يا مارك؟ أأنتَ في جانب نلسون أو ضده؟»

فقال مارك، دون اتهام: «لا يُعجِبني موقفُه، ولن أقوم بدَوره ولو أعطيتُ كنوز الدنيا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤