«عاطف» يُثير عاصفة

كان «تختخ» يعبث بسلسلة المفاتيح في جيبه وهو يستمع إلى الشاويش … وكان يفكِّر هل يسلِّم السلسلة للشاويش! إن واجبه أن يسلِّمها له بغضِّ النظر عن أهميتها بالنسبة للمغامرين الخمسة وهم يُحاولون حلَّ هذا اللغز، وبغضِّ النظر عن أن الشاويش قد لا يجد فيها ما يستحق البحث.

وقال «تختخ»: إنني و«لوزة» على استعداد طبعًا للإدلاء بشهادتنا إن كانت لها قيمة …

قالت «لوزة»: بالمناسبة يا شاويش … هل أبلَغ أحد عن سرقة شيء في الليلة الماضية في المنطقة التي وقع بها الحادث؟

رد «الشاويش»: لحسن الحظ لم يبلِّغ أحد … ويبدو أن اللص لم يجد وقتًا للسرقة بعد أن أحسَّت به السيدة وصاحت مُستنجدةً؛ لهذا لن يكون هرب اللص قضيةً هامَّة عند رؤسائي.

تختخ: خاصَّةً وأنه من الممكن ألا يكون الرجل لصًّا على الإطلاق، وربما يكون فقط قد أخطأ الطريق إلى مسكن يسأل عنه أو شيء من هذا القبيل.

ابتسم «الشاويش» لأول مرة وقال: هذا ما فكَّرت فيه … فلم يكُن يبدو عليه أنه لصٌّ مُطلَقًا؛ فقد كان يرتدي ثيابًا في غاية الأناقة، وكان مهذَّبًا ولم يُقاومني، بل استسلم من اللحظة الأولى التي رآني فيها … بل إنني شعرت أنه كان مُحتاجًا لأن أخلِّصه من المأزق الذي وقع فيه.

كان عند «تختخ» ملاحظةٌ هامَّة على حديث الشاويش … ولكنه تركها جانبًا؛ فقد كان يحتاج إلى معلومات … فسأل الشاويش: وما هو شكل الرجل بالضبط؟

الشاويش: واضح تمامًا أنه أجنبي … أشقر … مُتوسط الطول … يلبس ملابس من الصوف الثقيل … وكوفيه حريرية تغطِّي رقبته …

نوسة: ألم تسأله عن اسمه وسبب وجوده في هذا المكان؟

الشاويش: لم يتَّسع الوقت … وكنت قد قرَّرت أن أستجوبه في القسم.

ووقف الشاويش بعد أن انتهى من شرب كوب الشاي الذي أحضرته له الشغَّالة …

وكانت أصابع «تختخ» تقبض على السلسلة بشدَّة … وقد استقرَّ رأيه على تأجيل تسليم السلسلة إلى الشاويش فترةً أخرى …

وبعد انصراف الشاويش تَناقَش «عاطف» و«تختخ» و«نوسة» لبضع دقائق، واتَّفقوا على اللقاء بعد عودة «لوزة» و«محب» من مدينة الصحفيين … على أن يذهب «عاطف» لمعاينة الفيلَّا التي أشار إليها الشاويش في حديثه.

•••

عندما عاد «محب» و«لوزة» من لقاء «راندا» و«داليا» كان عندهما أخبار ومعلوماتٌ هامَّة … وانعقد اجتماع المغامرين الخمسة بعد الغداء مباشرةً في حديقة منزل «عاطف» كالعادة.

وقالت «لوزة» مُتحمسةً: إن الفتاتَين في غاية اللُّطف والذكاء، وهما قارئتان مُمتازتان، وقد رحَّبتا بنا ترحيبًا حارًّا …

عاطف: دعك من المقدِّمات وحدِّثينا عن المعلومات!

نظرت إليه «لوزة» في ضِيق وقالت: سأقول كل شيء في موعده!

ثم تنهَّدت وقالت: قالت لي «راندا» إنها كانت بالصدفة تقف في النافذة تنتظر أختها عندما سمِعت أول نداء استغاثة من السيدة التي تسكُن الفيلَّا، وشاهَدت الرجل وهو يقفز فوق السور والبوَّاب يجري خلفه … ثم شاهَدته وهو يدخل العمارة ليختفيَ فيها، وقالت إنها رأت من بعيدٍ سيَّارةً تقِف في الظلام.

تختخ: أي نوع من السيَّارات؟

لوزة: لم تكُن «راندا» تستطيع أن تعرفها على البعد … ولكن شقيقتها «داليا» التي كانت في الشارع في ذلك الوقت رأت ما يهمُّنا … فقد شاهدت نفس السيارة، وهي ترجِّح أنها ماركة «جاجوار».

صاح «تختخ» بحماس: «جاجوار». إن المِفتاح الذي في السلسلة لسيَّارة من هذا النوع.

لوزة: وعندما سمِعت «داليا» صرخة السيدة … لاحظت أن باب السيارة الواقفة قد فُتح ونزل منه رجلٌ طويل القامة، يلبس نظَّارةً سوداء … ويحمل عصًا بَيضاء، ونزل معه من السيارة كلبٌ ضخم.

حبس المغامرون أنفاسهم وهم يستمعون إلى حديث «لوزة» عن معلومات «داليا»، وصفَّر «تختخ» قائلًا: إنها معلومات على أكبر جانب من الأهمية.

لوزة: وقد اتَّجه الرجل والكلب إلى ناحية الصرخة … ولكن عندما تَكاثَر الناس وارتفعت أصواتهم وهم يُطاردون اللص، عاد الرجل إلى السيارة ووقف بجِوارها.

نوسة: وماذا حدَث بعد ذلك؟

محب: لا شيء … فقد أسرعت «داليا» إلى الصعود، وانضمَّت إلى الناس في مشاهدة اللص وهو مُحاصَر في منور المنزل … وﻟ «راندا» ملحوظةٌ هامَّة … فقد سمِعت أثناء ذلك صوت نُباح كلب عميق وحزين.

ضغط «تختخ» على شفته السُّفلى بأسنانه … وبدا واضحًا على وجهه أن ذهنه يعمل بسرعة … وأنه مِثل كلب الصيد الذي كاد يُدرك فريسته … فقد بدأت القصة الغامضة تتكامل بعد مشاهدات وملاحظات الفتاتَين الذكيَّتَين «راندا» و«داليا»، وبعد صمتٍ قصير قال «تختخ»: إن أمامنا قصةً شِبه مُتكاملة لما حدَث ليلة أمس … وفي إمكاني أن أقدِّم لكم فصول هذه القصة.

وبدا الاهتمام على وجوه المغامرين، ومضى «تختخ» يقول: قد لا تكون المواعيد دقيقة، ولكن بقدر الإمكان سأحسبها حسب المدة التي استغرقها كل حدث … ففي الساعة العاشرة والنصف ليلًا … والجو باردٌ يُنذِر بالمطر … نزل رجل من سيَّارة «جاجوار»، ودخل فيلَّا السيدة العجوز خلف العمارة الزرقاء … ولنقُل إن اسم هذا الرجل هو «س»، ولا ندري ماذا كان هدف «س» من دخول الفيلَّا … هل كان بغرض السرقة … أو لغرضٍ آخَر!

وسكت «تختخ» لحظةً ثم قال: وفي السيَّارة «الجاجوار» كان هناك في الانتظار رجلٌ أعمى وكلب.

صاحب «لوزة»: أعمى … كيف عرفت أنه أعمى؟

تختخ: المسألة بسيطة … تخيَّلي رجلًا يلبس نظَّارةً سوداء ليلًا، ويحمل عصًا بَيضاء … ويُمسك بكلب … إن هذه مواصفات رجل أعمى بلا أدنى شك … فالعصا البيضاء هي دليل المكفوفين في أوروبا … بل هناك دليلٌ آخَر … إن هذا الرجل لم يشترك في دخول الفيلَّا، وفضَّل الانتظار في السيارة … ولو كان سليم النظر لانضم إلى «س» في دخول الفيلَّا.

قالت «نوسة» معلِّقةً: معقول!

ومضى «تختخ» يقول: وأحسَّت السيدة العجوز بالسيد «س» وهو يدخل الفيلَّا، فصرخت مُستنجدةً … وأسرع الرجل بالفِرار … فلما طارَده البوَّاب، وكاد يُمسِك به، لم يجد أمامه بدًّا من القفز إلى منور العمارة الزرقاء حيث حاصَره السكان.

وسكت «تختخ» لحظات ثم مضى يقول: واتَّصل شخص بالشاويش الذي حضر مُسرعًا واستطاع القبض على الرجل … وفي هذا الوقت بدأت السماء تُمطر … وتفرَّق الناس … ومضى الشاويش مع «س» إلى قسم الشرطة … وكان الأعمى قد سمِع الضجَّة، واستطاع بواسطة الكلب أن يتبع الشاويش، وتمكَّن من ضربه بالعصا على رأسه وإنقاذ زميله … وفي هذه الأثناء سقطت من أحد الرجلين — وفي الأغلب من «س» — سلسلة المفاتيح التي عثرنا عليها.

قالت «نوسة»: وقد وجدنا مع سلسلة المفاتيح شعار قلعة أوروبية قديمة، وقد قمتُ بمساعدة والدتي في البحث عن هذه القلعة في دائرة المعارف البريطانية، وعرفنا أنها قلعة «كورنويل».

قال «تختخ»: عظيم يا «نوسة» … إنك لم تُخبريني بما فعلت!

نوسة: عندما انفضَّ اجتماعنا هذا الصباح عدتُ إلى المنزل فورًا، وقمت بهذه المهمَّة.

تختخ: ومعلوماتك صحيحة … فعلى السلسلة حرفان بالإنجليزية هما «د. ك»، والحرف الثاني هو أول حرف من كلمة «كورنويل» … فما دلالة الحرف الأول؟

محب: أعتقد أنه لقب … مثل «دوق» مثلًا!

تختخ: معقول … معقول جدًّا … فالسلسلة تخص «دوق كورنويل» أو أحد أقاربه … أو هي حتى مسروقة منه!

عاطف: بقي تقريرٌ بسيط مطلوب مني، وهو خاصٌّ بالفيلَّا التي حاوَل «س» دخولها … فقد ذهبت أنا أيضًا بعد اجتماع الصباح، وعايَنت الفيلَّا، وحصلت على بعض المعلومات عنها … وكلمة فيلَّا لا تصدُق بالضبط على هذا المبنى الضخم؛ فهو في الحقيقة قصرٌ قديم تُحيط به حديقةٌ واسعة، وقد بُنِي القصر عام ١٩٢٥ أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر، وبناه أحد أثرياء الإنجليز …

وسكت «عاطف» لحظات … وأخذ ينظر إلى وجوه المغامرين، ثم ألقى قنبلة قائلًا: والذي بناه يُدعى «جيمس كورنويل»!

وارتفعت صيحات الدهشة من المغامرين جميعًا … حتى «زنجر» اضطرَّ إلى هزِّ ذيله أمام هذا الحماس المُفاجئ من المغامرين … وقال «تختخ»: ومن أين حصلت على هذه المعلومات الهامة؟

عاطف: إنني كمُغامر …!

قاطَعه «محب» قائلًا: دعك من الادِّعاء … كيف حصلت على المعلومات؟!

عاطف: بسيطة جدًّا … عثرت تحت الشُّجَيرات التي تغطِّي المدخل على لوحةٍ رخامية عليها هذه المعلومات!

وضحِك المغامرون، ومضى «عاطف» يقول: وقد اشترى القصرَ ثريٌّ من عائلة «فلتس»، ثم وُضعت عليه الحراسة … وعندما رُفعت عنه الحراسة عاد إلى العائلة … وكان من نصيب سيدة تُدعى «مريم»، وهي تُقِيم فيه وحدها بعد وفاة زوجها وسفر أبنائها للعمل أو الدراسة في الخارج!

لوزة: وهل وجدت هذه المعلومات مكتوبة على لوحةٍ رخامية أيضًا؟

رد «عاطف» باسمًا: بل وجدتها مكتوبة على لسان البوَّاب الذي يحرس القصر منذ عام ١٩٥٠، وقد قال لي إنها ليست المحاولة الأولى لدخول القصر … فقد سبق أن حاوَل شخصٌ دخوله ليلًا في نفس هذا الموعد تقريبًا منذ عام.

تختخ: هل هذا كل شيء؟

عاطف: شيءٌ واحد … على اللوحة الرخامية … يوجد نفس الشعار الذي على السلسلة؛ أعني شعار قلعة «كورنويل».

ومرةً أخرى ارتفعت صيحات الدهشة من المغامرين، وابتسم «عاطف» وهو راضٍ عن نفسه تمام الرضا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤