كنز قصر «كورنويل» …

قالت «نوسة»: إن عندنا الآن قصةً كاملة التفاصيل … ومعلومات لم تتوافر في لغز من قبل، والمهم الآن من أين نبدأ.

رد «محب»: أعتقد أن البداية واضحة … فيجب أن نعرف ما الذي يريده «س» والأعمى من قصر «كورنويل» القديم … إنهما إذا كانا يُريدان شيئًا من حقِّهما الحصول عليه، فقد كان يجب عليهما أن يطلبا بشكلٍ واضح من مالكة القصر الحالية … أما محاولة اقتحام القصر ليلًا، فهذا معناه أنهما يريدان الحصول على شيء ليس من حقِّهما الحصول عليه … فما هو هذا الشيء؟

قال «تختخ» معلِّقًا: هذا كلامٌ معقول … ولكني أقترح أن نقوم بالبحث في اتجاهَين؛ اتجاه معرفة الشيء الذي يبحث عنه «س» والأعمى … والبحث عنهما شخصيًّا في نفس الوقت، وأيٌّ من الاتجاهين يؤدي إلى الآخَر.

لوزة: فلننقسم إذن إلى مجموعتَين … ومن البداية أنا في مجموعة «تختخ»!

ابتسم المغامرون … فهذه هي عادة «لوزة» باستمرار؛ أن تعمل مع «تختخ».

قال «تختخ»: هناك شيء لا بد أن نتحدث عنه … هو سلسلة المفاتيح … إن هذه السلسلة كان يجب تسليمها إلى الشاويش «علي» منذ العثور عليها … ولكنِّي أبقيتها معي … وإنني أشعر بتأنيب الضمير، فما رأيكم؟

ردَّت «نوسة»: إننا مِثل الشاويش نعمل من أجل الحقيقة والعدل … وأعتقد أننا نستطيع الاستفادة من السلسلة في حلِّ هذا اللغز أكثر مما يستطيع الشاويش أن يفعل، وكل ما علينا أنه عندما ننتهي من حل اللغز أن نضع كل الحقائق أمام الشاويش بحيث يتصرف هو كممثِّل للقانون.

لوزة: بهذه المناسبة … هناك سؤالٌ غريب … هل يستطيع الأعمى أن يوجِّه ضربة بهذه الدقة؟ أعني ضرب الأعمى للشاويش.

ردَّ «محب»: هذا ممكن جدًّا … إن العُميان تنمو عندهم حواسهم لتعويض فقد البصر، ونحن نسمع عن عُميانٍ يؤدُّون أعمالًا في غاية الدقة وبمهارةٍ فائقة!

ونظر «تختخ» إلى ساعته وقال: إن ساعتي تُعلن الثانية … وبطني تُعلن أن ساعة الغداء قد حانت … سنفترق الآن على أن نلتقيَ في الخامسة … وسنفكِّر جميعًا في خطتَي البحث عن الشيء المجهول الذي يبحث عنه «س» والأعمى … وعن الرجلين شخصيًّا.

وغادَر «تختخ» مكانه مُسرعًا وخلفه «زنجر»، ولكن لم يكَد يصِل إلى باب الحديقة حتى ظهر الشاويش «علي» بالرباط على رأسه … ولكن وجهه كان أقل شحوبًا، ولهجته أكثر استفزازًا.

قال «الشاويش»: لقد قلتُ عشرات المرَّات ألا تتدخَّلوا في عملي … ولكنكم لا تسمعون الكلام … وسأكون مضطرًّا لاتخاذ إجراء ضدكم!

التفَّ المغامرون حول الشاويش، وقال «تختخ»: ماذا حدث يا شاويش؟

الشاويش: لقد جئت حالًا من فيلَّا السيدة العجوز … وقد علِمت من البوَّاب أن أحدكم كان هناك يسأل عن الفيلَّا وساكنتها … فما هذا الكلام؟

رد «عاطف»: إنني أنا الذي ذهبت يا شاويش … هل هناك شيءٌ مُخالف للقانون في السؤال عن تاريخ أحد المنازل … خاصةً وأنني أنوي شراءه!

احمرَّ وجه «الشاويش» وقال بعنف: هل تسخَر مني … أنت تشتري هذه الفيلَّا؟

عاطف: نعم يا شاويش … هل هناك مانع! إنني سأفتح حصَّالتي وأشتري الفيلَّا!

انفجر «الشاويش» غاضبًا وقال: لا بد من اتخاذ إجراء ضدكم … بالأمس تتدخلون، واليوم تسألون … هذا ما لن أسكت عليه …

تضايق «تختخ» من لهجة الشاويش وقال: كيف تدخَّلنا أمس يا شاويش «علي»؟!

كان «تختخ» يُشير إلى أنه و«لوزة» هما اللذان أنقذا الشاويش وهو مُصاب ومُلقًى تحت المطر في الظلام … وأدرك الشاويش ما يعنيه «تختخ»، فقال بضِيق: إنني لم أطلب من أحدٍ إنقاذي … وكنت سأتمكَّن من السير وحدي إلى المنزل!

قال «تختخ»: إذن نحن آسفون … وفي المرة القادمة سنتركك لتسير وحدك إلى المنزل.

صاح «الشاويش» مُنفجرًا: ماذا تقصد في المرة القادمة … إنني لم يهرب مني لصٌّ واحدٌ طول حياتي … وما حدث أمس لن يتكرر مرةً أخرى … وإنني أُطالبكم الآن، بل آمركم بصفتي ممثِّلًا للقانون، ألا تتدخلوا في عملي … وإلا!

قفز «تختخ» إلى درَّاجته وقال: آسف يا شاويش «علي»، ولكني جائع … ولست أصلُح للمناقشة وبطني تصرخ من الجوع … وعلى كل حال فهناك مفاجآت في انتظارك!

فتح الشاويش فمه ليتكلم … ولكن «تختخ» ابتعد سريعًا، وخلفه «زنجر» الذي كان آسفًا لأنه لم ينتهز الفرصة ويُداعب قدمَي الشاويش كالمُعتاد.

•••

في المساء تم الاتفاق على أن تتكون مجموعة العمل الأولى من «محب» و«عاطف»، ومهمَّتُهما البحث عن السيارة «الجاجوار»، وكيف تم تشغيلها بعد العثور على سلسلة المفاتيح. ومجموعة أخرى مكوَّنة من «تختخ» و«لوزة» و«زنجر»، مهمَّتُهما محاولة معرفة الشيء الذي يبحث عنه «س» والأعمى … على أن تبقى «نوسة» في مركز العمليات للاتصال بها في وقت اللزوم.

وجلست كل مجموعة تبحث عن أفضل الطُّرق للوصول إلى هدفها … واتَّفق «تختخ» و«لوزة» على أن يقوما في الصباح بمحاولة لمقابلة السيدة «مريم»، وسؤالها عن الأشياء الثمينة التي يحتمل أن يبحث عنها «س» والأعمى … في حين اتَّفق «عاطف» و«محب» على أن يقوما بجولة في جراجات المعادي للسؤال عن السيارة «الجاجوار». وقال «محب» معلِّقًا: من حسن الحظ أن السيارات «الجاجوار» ليست من الأنواع المنتشرة في مصر … وسنعثر عليها سريعًا إن كانت في المعادي.

وانفضَّ الاجتماع … وفي الصباح الْتَقى «تختخ» و«لوزة» واتَّجها إلى القصر القديم لمقابلة السيدة «مريم»، واستقبلهما البوَّاب مُستريبًا، وقال إن الشاويش قد مرَّ عليه ونبَّهه إلى عدم الإدلاء بأية معلومات للأولاد … فقال «تختخ»: إننا لم نطلب منك أية معلومات … وكل ما نريده هو مقابلة السيدة «مريم».

ردَّ «البواب»: سأُخبرها!

ودخل «البواب». ولدهشة «لوزة» وجدت «تختخ» يدخل خلفه من باب الحديقة الكبيرة، ويتجوَّل حول السور، ويفحص الأرض، ثم عاد فرفع الشُّجَيرات، وقرأ اللوحة الرخامية … وعندما سمِع أقدام البواب وقف مكانه وكأنه لم يفعل شيئًا.

وقال «البواب» بلهجةٍ مُتعالية: إن السيدة «مريم» تعتذر عن مقابلتكما … فقد نبَّهها الشاويش أيضًا!

لم يُجادله «تختخ»، وانصرف هو و«لوزة» … التي كانت تشعر بخيبة أمل بالغة؛ فقد كانت ترجو أن تُثمر هذه المقابلة في حل اللغز … ولكن «تختخ» أخذ يصفِّر وهو يقود درَّاجته، ودعا «لوزة» إلى كوب من «القِرفة» في الكازينو.

وعندما جلسا في الشمس تمدَّد «تختخ» في كرسيه واستغرق في التفكير، فقالت «لوزة»: إنك لا تبدو حزينًا لهذا الفشل!

ابتسم «تختخ» وقال: وماذا نفعل … لقد حاولنا وفشلنا … وعلى كل حال ليس هذا نهاية كل شيء!

وسكت لحظةً وقال: فقد يعثُر «محب» و«عاطف» على السيارة، وقد نعرف من الرجلين ماذا يريدان من القصر القديم … وإن كنت قد بدأت أتصوَّر ماذا يريدان!

اهتمَّت «لوزة» بالجملة الأخيرة، وقالت: وعن أي شيء يبحثان يا «تختخ»؟

قال «تختخ» ببساطة: عن الكلب ذي الرأسَين!

لوزة: الكلب ذو الرأسَين! وهل تتصور أنه موجودٌ داخل القصر؟

تختخ: هذا ما أتوقَّعه!

لوزة: إنه استنتاجٌ جريء جدًّا يا «تختخ»!

ابتسم «تختخ» ابتسامةً غامضة وقال: إن القِرفة ستبرُد … اشربي!

وأدركت «لوزة» أنه لا يريد الإدلاء بمعلوماتٍ أكثر … فأخذت ترشف كوب القِرفة الدافئ وهي تفكِّر في الكلب ذي الرأسين … ماذا يعني؟ وكيف استنتج «تختخ» أنه الشيء الذي يبحث عنه الرجلان؟

ودفع «تختخ» الحساب، وعادا إلى حديقة منزل «عاطف»، ووجدا «نوسة» وحدها وبجوارها التليفون، وهي مُستغرقة في قراءة كتاب.

جلست «لوزة»، ولكن «تختخ» لم يجلس، واستأذن في العودة إلى منزله، وطلب الاتصال به إذا عاد «محب» بأيَّة أخبار.

وانطلق «تختخ» على درَّاجته … وعندما وصل إلى غُرفته أغلق الباب عليه، ثم بدأ يبحث في دولاب ملابسه عن أدوات التنكُّر … وأخرج مجموعة من الملابس أخذ يستعرضها أمامه … واستقرَّ رأيه على قميصٍ أسود وبنطلونٍ أسود، وحذاء من المطَّاط الأسود … واختار مجموعة من المفاتيح، ووضع كل هذا جانبًا، ثم أعاد بقيَّة الملابس إلى مكانها، وتمدَّد على فِراشه، وأخذ ينظر إلى السماء من النافذة … وقد غابت الشمس خلف السُّحب الثقيلة … وأدرك أن الليلة ستكون باردةً مُمطرة، وابتسم؛ فقد كان هذا ما يرجوه.

وحان مَوعِد الغداء … وبعده أوى «تختخ» إلى فِراشه، واستمتع بدِفء الفِراش وبساعتَين من النوم العميق … وفي المساء اتَّصل ﺑ «عاطف» تليفونيًّا، وعرف منه أن السيارة «الجاجوار» ليست في أي جراج في المعادي … وهكذا استقرَّ رأيه نهائيًّا على مغامرة الليلة.

وكما توقَّع «تختخ» هبط الظلام مبكِّرًا على «المعادي» … ولم تكَد الساعة تبلُغ الثامنة حتى بدأ مطرٌ غزير يَهطل مِدرارًا … وانتظر «تختخ» بجوار النافذة يفكِّر وينظر إلى ساعته بين فترة وأخرى، حتى إذا حان مَوعد العشاء نزل حيث جلس مع والده ووالدته، وخطر له أن يسأل والده عن القصر القديم، فقال: هل تعرف يا أبي القصرَ القديم الذي يقع خلف العمارة الزرقاء شارع رقم ١٣٣؟

فكَّر والده لحظاتٍ ثم قال: نعم … إنه من أقدم المباني في المعادي … وأظنُّ أنه بُنِي أثناء الحرب العالمية الثانية.

تختخ: ألم تسمع شيئًا عن أصحاب هذا القصر القُدامى؟

رد «والده»: ونحن صِغار سمِعنا عن وجود كَنز في هذا القصر، وكنَّا نُسميه لهذا السبب قصر الكنز!

دقَّ قلب «تختخ» سريعًا وقال: وهل عرفتم ما هو الكنز؟

قال «والده» باسمًا: مُطلَقًا، وفي الأغلب أنها كانت إشاعة؛ لأن صاحبه الأول مات في الحرب، وثارت مشاكل كثيرة، ثم اشترته أسرة «فلتس»، وتلاشت قصة الكنز. هل ثَمَّة شيء يهمُّك في هذه المعلومات؟

ابتسم «تختخ» قائلًا: إنني أعتقد في وجود هذا الكنز!

ونظر إليه والداه في دهشة، ولكنه قام مُسرعًا قبل أن يسألاه عن أسباب هذا الاعتقاد، وصعِد إلى غرفته، فخلع ملابسه العاديَّة، وبدأ في ارتداء الملابس السوداء التي أعدَّها في هذا الصباح … وانتظر ساعةً أخرى … ثم فتح النافذة وبدأ نزوله على الشجرة التي تقع تحت نافذته، وتصل أفرُعها إلى حافة النافذة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤