كل شيء يتبع أوامر أحمد

مرَّت دقائقُ صامتة؛ فلم يكن هناك صوت. كان كل شيء هادئًا، حتى الرياح توقَّف هبوبها والمطر قد توقَّف منذ ساعات. وأما الجزيرة التي لم تكن كبيرة تمامًا فقد بدت موحشة؛ فالظلام يغطِّي جوانبها. وليس سوى قصر «کوماکي» هو الذي يبدو لامعًا مضيئًا.

فكر «أحمد»: لو أن حركةً ما تحدُث الآن، لتحدَّد كل شيء. إننا — كما يقولون — في لحظة السكون الذي يَسبق العاصفة.

ظلُّوا في أماكنهم ينتظرون. فكَّر «أحمد» مرةً أخرى: هل يصلُح جهاز التشويش الذي يحمله «فهد» في مهاجمة «الروبوت»؟ تمنى لو أن الجهاز يصلُح … نظر إلى «خالد» وقال بالإشارة: هل تُفكِّر في جهاز التشويش؟

ابتسم «خالد» وقال يجيب بالإشارة: فعلًا. كنت أفكِّر فيه.

صمت لحظة ثم أضاف: مَن يدري؟ فقد ينفعنا!

وبسرعةٍ تحرَّك «أحمد» إلى حيث تقف المجموعة الخلفية. وأخذ الجهاز من «فهد»، ثم عاد مسرعًا. وعندما أصبح قريبًا من «خالد» قال عن طريق الإشارة: يجب أن نزحف؛ فإن وقوفنا هكذا، سوف يكشف وجودنا.

انبطح «خالد» و«أحمد» على الأرض. كانت باردة تمامًا، حتى إنهما ارتجفا. أشار «أحمد»: عندما نتحرَّك، سوف تدبُّ فينا الحرارة.

بدأ الاثنان يزحفان، حتى أصبح القصر على بعد مائة متر فقط. أشار «خالد»: إنَّ القصر لا يبدو له باب!

أشار «أحمد»: لا بد أنَّه بابٌ سحري؛ فقد يتحرك الجدار عند اللزوم.

مرةً أخرى قال «خالد» وهو يشير بيدَيه: إنَّ السور يبدو مرتفعًا تمامًا، حتى إن اجتيازه سوف يكون مسألةً شاقةً.

ردَّ «أحمد» بالإشارة: سوف نستخدم الحبال للصعود.

صمَت لحظة ثم أضاف: سوف نتحرك الآن، فكن على حذر؛ فربما تكون الأرض حول القصر ملغومة بشيءٍ ما.

تحرَّك الاثنان زحفًا، نقصَت المسافة حتى أصبحت عشرين مترًا، توقَّفا؛ فلم يظهر أي شيء بعدُ. قال «خالد»: هل يمكن أن يكون القصر خاليًا؟

لم يُجب «أحمد» مباشرةً، لكنه أشار بعد قليل بقوله: لا أظن أن الحركة كلها سوف تكون داخل القصر، ونحن لا نرى سوى الجزء المرتفع منه، والذي يظهر من فوق السور.

مرةً أخرى تحرَّكا، اقتربَت المسافة أكثر، حتى أصبحَت عشرة أمتار، ثم كانت المفاجأة. لقد انفتح أكثر من باب في جدار القصر، وخرج من كل بابٍ «روبوت»، تجمَّد «أحمد» و«خالد» من المفاجأة! كان «الروبوت» يتقدَّم وكأنه يعرف ما سوف يفعل. أسرع «أحمد» وضغط على جهاز التشويش، لكنَّ «الروبوت» ظلَّ يتقدم. قال «أحمد» في نفسه: إنَّ الجهاز غير مؤثِّر.

نظر إلى «خالد»، كان عدد «الروبوت» الذي خرج من سور القصر خمسة. كان اثنان منها يتجهان في شكل نصف دائرة، بما يعني أنهما سوف يحاصران «أحمد» و«خالد» في نفس الوقت. كان اثنان آخران يتجهان إلى «أحمد» و«خالد». أما الخامس فقد كان يتقدم في خطِّ مستقيم وكأنه يمشي إلى الخلاء. اقترب «الروبوت» من «أحمد»، تراجع «أحمد» قليلًا كان يفكِّر: ماذا يستطيع أن يفعل الآن؟ ظل «الروبوت» يتقدم، نظر «أحمد» في اتجاه «خالد» ثم تجمَّدتْ ملامحه. لقد أمسك «الروبوت» بخالد في الوقت الذي يحاول «خالد» أن يفعل شيئًا.

أشار «أحمد» إلى بقية الشياطين فتقدَّموا.

الآن، ظهر أن الحراسة ﻟ «الروبوت» فقط … تقدَّم «مصباح» و«قيس» و«فهد» بسرعة. فكر «أحمد»: إنه يستطيع عن طريق الشفرة أن يؤثِّر على برنامج «الروبوت». وهو يملك لغة الشفرة التي يبرمج بها «شون کوماكي» هذه المخلوقات الحديدية.

فجأةً … انزلقَت قدم «أحمد» وسقط على الأرض. وقبل أن يستطيع الوقوف كان «الروبوت» قد أصبح فوقه تمامًا. تدحرج بسرعة ومع دحرجته شاهد الشياطين يلقَوْن نفس المصير. انزلقوا وسقطوا على الأرض بسرعة.

ربط «أحمد» بين ظهور «الروبوت» وسقوط الشياطين، كان «الروبوت» الأول لا يزال يتابعه.

فكَّر «أحمد»: إنهم فعلًا يتحركون تبعًا لحرارة الجسم، أسرع يُخرج جهاز الشفرة … وبسرعةٍ أصدر أوامره إلى «الروبوت» الأول، كان يأمره بالتوقُّف، وكانت دهشته أنَّه توقَّف فعلًا. قال في نفسه: إذن نحن نستطيع أن نستخدم «الروبوت» ضد «شون کوماكي»، ما دامت الشفرة لعبَت دورها.

ألقى نظرة على الشياطين، وكانت المفاجأة. كان الشياطين قد وقعوا في يد «الروبوت». وكان كل واحدٍ منهم يحمل أحد الشياطين، ثم يستدير ليعود إلى القصر في حين كان الروبوت «الأول» لا يزال واقفًا في مكانه. أسرع بإصدار الأمر ﻟ «الروبوت» بالتوقُّف فنفَّذوا الأمر ووقفوا جميعًا. اتجه إليهم وأصدر أمرًا بأن يتركوا الشياطين فاستجابوا للأمر. فتح كلٌّ منهم ذراعَيه، فسقط الشياطين على الأرض، كان «أحمد» يصرخ من الفرح. إنَّهم بذلك يستطيعون السيطرة على القصر تمامًا …

انضم الشياطين إلى «أحمد» وهم يشعرون بالدهشة. سأل «فهد»: ماذا حدث؟

ردَّ «أحمد»: لقد استَخدمتُ شفرة «شون کوماكي» وأصدرتُ إلى «الروبوت» أوامري فنفَّذها.

قال «مصباح»: هذه فرصتنا لكي نهاجم القصر ﺑ «الروبوت»، ما دمنا نستطيع أن نستخدمه.

وأضاف «قيس»: يجب ألا نُضيع وقتًا؛ فقد انقضى معظم الليل. وأعتقد أن هذه فرصتنا الأخيرة.

أصدر «أحمد» أمرًا ﻟ «الروبوت» بالتحرُّك. تحرَّكتِ «الروبوتات» الخمسة في اتجاه القصر. قال «أحمد» بسرعة: كونوا على حذَر؛ فالمسألة ليست بهذه البساطة.

تقدَّم الشياطين خلف «الروبوت». كان كل واحدٍ منهم يمشي خلف «الروبوت». انفتحَت أبواب القصر فدخلَت «الروبوت» ودخل خلفها الشياطين. فجأةً أُغلقت الأبواب، فجأةً دوت صَفَّارات الإنذار! نظر الشياطين إلى بعضهم؛ فهذا يعني أنَّ المعركة قد بدأَت.

أصدر «أحمد» أوامره ﻟ «الروبوت» بمهاجمة حجرة «شون کوماكي». تحرَّكتْ «الروبوت» في اتجاه القصر. كان الشياطين لا يزالون يختفون خلف «الروبوت» وهي تتقدَّم. وقبل أن تصل إلى أبواب القصر حدث ما لم يفكِّروا فيه أو يتوقعوه. تَصاعَد الدخان من «الروبوت» ثم تهاوى على الأرض. وبسرعةٍ كان الشياطين يقفزون إلى حائط القصر ليحتموا به.

فكَّر «أحمد»: لقد انكشفنا، ونحن لا ندري، وخسرنا «الروبوت» الذي كان يمكن أن يُنهي المغامرة. فجأةً انسحب الضوء من المكان، وغرق كل شيء في الظلام.

همس «أحمد»: توقَّعوا هجومًا الآن. ولم يكد ينتهي من جملته حتى كانت أقدامٌ تقترب. ركَّز «أحمد» سَمْعَه جيدًا، وقال في نفسه: إنَّها ليست خطواتٍ بشرية، هذه كلابُ حراسة ضخمة.

همس للشياطين: إنَّ الهجوم الأول للكلاب.

استعَد الشياطين، أخرجوا كرات الدخان وانتظروا، اقترب صوت الأقدام أكثر، ثم ظهَرتِ الكلاب الضخمة. لم يكن الشياطين يَرونها، لكن صوت تنفُّسها كان يكشف حجمها. وفي لحظةٍ واحدة ألقى الشياطين كُرات الدخان. كانت الكلاب قد اقتربت. لم تكن تعوي، كانت تتقدم فقط لتهاجم وعندما اقتربَت من الشياطين، نبحَت نُباحًا حادًّا وكأنه إعلان عن اكتشافهم للشياطين، لكن نباحها لم يستمر؛ فقد كان الدخان قد بدأ ينتشر، وبدأَت الكلاب تعوي بشدة، فعرف «أحمد» أن الدخان قد أثَّر على جهازها التنفسي. ولم تمضِ دقائقُ حتى كانت الكلاب قد تهاوت على الأرض.

وشمل المكانَ صمتٌ ثقيل. فجأةً أُضيء المكان إضاءةً شديدةً، حتى إن الشياطين أخفَوا أعينهم بسرعة. ومع الضوء الشديد تردَّد صوتُ الطلقات حولهم. وبسرعة، كان «خالد» قد قذف بمجموعة كراتٍ سريعة الانفجار. غطَّت المكان بالدخان الأخضر الداكن، وبسرعةٍ انسحبوا وسط الدخان إلى طرف جدار المكان من جديد. وظهرت حديقةٌ واسعة خلف القصر، كانت هي فرصتهم؛ فقد قفزوا في براعةٍ وسط الأشجار. وفي رشاقةٍ تسلَّق كلٌّ منهم شجرة، واختفى بين أغصانها.

فجأةً ظهر عددٌ من الرجال يحملون أسلحةً غربية الشكل … وتقدَّموا بسرعة بين الأشجار.

قال أحدهم: إنَّهم بين أغصان الأشجار فأمطروها بالطلقات.

وكزقزقة العصافير تحدَّث «أحمد» وفهم الشياطين: إن علينا أن نشتبك، بدلًا من أن ننتهي.

كان عددٌ من الرجال قد تقدَّموا. أحصى «أحمد» عددهم من مخبئه، وكانوا ثمانية. في حين كان يقف أربعةٌ آخرون بعيدًا قليلًا، مرةً أخرى تحدَّث «أحمد» كزقزقة العصافير: الإبر المُخدِّرة.

بسرعةٍ أخرج الشياطين مسدَّساتهم، وثبَّتوا الإبَر المخدِّرة. وجاء أمر «أحمد» في صوت زقزقة العصافير: الهدف البعيد!

انطلقَت الإبر المخدرة على الأربعة الآخرين، فتهاووا في مكانهم. في نفس اللحظة كان الشياطين يقفزون من بين أغصان الأشجار فوق الرجال الثمانية. ضرب «أحمد» اثنَين وهو يهبط فوقهما، فطار كلٌّ منهما في اتجاه، وسقط سلاحاهما. في نفس الوقت كان «فهد» قد ضرب أحدَهم فسقط بلا حركة.

أما «مصباح» و«خالد» و«قيس» فقد نزَلُوا كالصاعقة على الآخرين. ولم تستغرق المعركة وقتًا. وسقطَت أسلحةُ رجال «شون کوماكي» الغريبة في أيدي الشياطين.

قال «أحمد» بسرعة: المهم هو «شون کوماكي» نفسه!

انطلق الشياطين إلى القصر، لكن أبوابه كانت مغلقةً جميعها.

قال «أحمد»: فلنستخدم أسلحتهم!

وبسرعة، وقفوا أمام أبواب القصر، وصوَّبوا الأسلحة، وكانت مفاجأةً جديدةً. إنَّها أسلحة أشعة! لقد خرجَت حزم الأشعة الضخمة إلى الأبواب فاخترقَتْها بسهولة. نظر الشياطين إلى بعضهم في دهشة. وقال «فهد» مبتسمًا: إنها مثل أسلحة السينما!

وبسرعةٍ كان الشياطين يقفزون داخل القصر، لكن «أحمد» هتف بسرعة: تراجعوا، لقد وقعنا في كمينٍ جديد!

قفز الشياطين إلى خارج القصر بسرعة، وما هي إلا دقيقةٌ حتى انفجر القصر بكامله. قال «مصباح»: ما هذا الذي يحدث؟

ردَّ «أحمد»: إنَّ «شون کوماكي» لا يهمُّه أن ينفجر القصر، إنَّ ما يهمُّه أن يفلت.

وعلى ضوء القصر المشتعل رأى الشياطين سيارةً تنطلق إلى الشاطئ، وبالقرب منها كانت تقف طائرةٌ برمائية.

قال «أحمد» بسرعة: إنَّ «شون کوماكي»، يحاول الهرب. ولو وصل إلى الشاطئ يكون قد أفلت منَّا.

ارتكز «مصباح» على ركبته، وصوَّب سلاح الأشعة الغريب في اتجاه السيارة التي كانت تنطلق بأقصى سرعتها، ثم ضغط الزناد، فخرجَت حزمة الأشعة إلى كاوتش السيارة فانفجر. وفي لمح البصر كان الشياطين يقطعون المسافة جريًا وكأنهم شياطين حقيقيون. كانت السيارة قد أخذَت تتدحرج، حتى استقرَّت على ظهرها، دون أن تنفجر.

وعندما وصلوا عندها كان رجلٌ قصير القامة، مصفرَّ الوجه، يخرج من بين أبوابها … وقف ينظر إليهم في ذهول.

فابتسم «أحمد» قائلًا: أهلًا بالسيد «کوماكي»!

ولم يرُدَّ الرجل؛ فقد كان لا يقوى على الكلام. وبهدوءٍ مشى بين الشياطين إلى الشاطئ حيث الطائرة التي كانت تقف على الماء. أرسل «أحمد» رسالةً إلى رقم «صفر» فردَّ عليه: أُهنئكم. لقد كانت مغامرةً شاقةً، لكنَّ الشياطين قادرون دائمًا.

وفي دقائقَ ركبوا الطائرة، وجلس «خالد» إلى مقعد القيادة، ثم انطلَق بها وهي تحملهم وتحمل معهم أخطر رجل «شون کوماكي»، بينما كانت الجزيرة لا تزال مُضاءةً بسبب الحريق الذي كان يلتهم كل شيءٍ في القصر الخالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤