سر المظروف المغلق

ساد الصمت لحظات، ثم قال «تختخ»: ويمكن أن نُضيف إلى الثلاثة المتهمين متهمًا رابعًا … التفت الأصدقاء والمفتش إلى «تختخ» الذي مضى يقول: يمكن إضافة البواب «حسنين» أيضًا …

نوسة: ولكنه كان خارج القصر …

تختخ: هذا من حيث أقوال المهندس «سامح»؛ فقد طلب المهندس من البواب أن يدور حول القصر لعله يجد مستر «روجر» يبحث عن العنوان … ولكن لنتصوَّر أن البواب دار حول القصر ولم يجد مستر «روجر»، فعاد إلى الفيلا ليُخطر المهندس … في نفس الوقت الذي كان فيه الضيف قد خرج … وخرج أيضًا السفرجي «فتحي» ليبحث عن المهندس «سامح» في الحديقة … ونحن نعرف أن السفرجي قضى وقتًا طويلًا في البحث عن المهندس … وهي فترة لم نُحدِّدها بعد … ولكن لنقل إنها ربع ساعة مثلًا … إنها مدةٌ كافية لعودة البواب من الخارج، وفتح الخزينة وسرقة ما فيها …

قال المفتش: إنني أُوافقك … وبهذا تصبح قائمة الاتهام تضم أربعة متهمين … كل منهم يمكن أن يقوم بفتح الخزانة وسرقة المجوهرات دون أن يراه الآخر …

قال «محب»: وهؤلاء الأربعة منهم ثلاثة نعرفهم: هم الإنجليزي «روجر كولي»، والسفرجي «فتحي»، والبواب «حسنين»، والرابع شخص مجهول تواجد في منطقة السرقة ساعة حدوثها …

تختخ: المهم الآن هو إثبات براءة كل واحد من الثلاثة الذين نعرفهم لينصَبَّ الاتهام على الرجل الرابع …

قال المفتش: لقد أنكر «فتحي» و«حسنين» الاتهام الموجَّه إليهما … وقد شهد لهما المهندس «سامح» وزوجته السيدة «عواطف» بالأمانة …

لوزة: و«روجر كولي»؟

التفت إليها المفتش مبتسمًا وقال: نعم … هذا هو السؤال الهام في المسألة كلها … ما هي أقوال «روجر كولي» المتهم الأول؟

وبدا على الأصدقاء الإعجاب بسؤال «لوزة» والاهتمام بما سيقوله المفتش ردًّا على سؤالها …

قال «المفتش»: لقد عرفنا مكان مستر «روجر كولي»؛ كان ينزل في فندق «شيراتون»، وعندما سألناه أنكر أنه اتصل بمكتب أو منزل المهندس «سامح» …

ساد الصمت بعد هذه الجملة … فقد دخل اللغز في غموض زائد … فالمتهم الأول على حسب ترتيب الأحداث ينكر وجوده في مكان الحادث … بل ينفي أنه اتصل بمنزل المهندس أو مكتبه … وأخذ المغامرون الخمسة يعاودون ترتيب المعلومات في أذهانهم بعد أن زاد تعقيدها وغموضها …

قال «تختخ»: وهل استطاع «روجر كولي» أن يُثبت بُعده عن مكان السرقة وقت وقوعها؟

المفتش: لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال بلا أو نعم … فهناك عدة نقاطٍ تحيط بموقف المستر «روجر كولي» لا بد من توضيحها … النقطة الأولى: أنه كان موجودًا في المعادي في نفس وقت وقوع جريمة السرقة …

صاحت «نوسة»: إذن كان في إمكانه أن يقوم بالسرقة …

المفتش: وفي نفس الوقت شهد رجل الأعمال «كمال مروان» أن «روجر كولي» كان عنده في المنزل مع مجموعة من الأصدقاء بين الساعة السادسة والتاسعة، ولم يغادر مكانه مطلقًا …

محب: إن هذا يذكِّرني بلغز الرجل «ذو الألف وجه» … لعلكم تذكرون — وأنت يا سيادة المفتش — أن شخصَين اتفقا على أن يوجد أحدهما في مكان الآخر … في حين كان الآخر يرتكب جريمة سرقة …

المفتش: تقصد أن شبيهًا ﻟ «روجر كولي» هو الذي قام بالسرقة؟

محب: أو يكون «روجر» هو الذي قام بالسرقة، في حين كان شبيهه في الحفل الذي أقامه «كمال مروان» …

المفتش: هذا ممكن … ولكن كيف يمكن إثباته؟

عاطف: إن النقطة التي أفكِّر فيها هي … من الذي اتصل بمكتب ومنزل المهندس «سامح» لتحديد موعد زيارة «روجر كولي»؟ إنه بالتأكيد شخص يعرف الكثير … فهو يعرف «روجر»، ويعرف «سامح»، ويعرف مكان الخزانة، ويعرف أن بها مجموعةً من المجوهرات الثمينة … ويعرف أن «روجر» سيكون موجودًا بين ضيوف «كمال مروان» ساعة وقوع الجريمة … إن هذا الشخص الذي يعرف كل هذه المعلومات … هو الرجل الذي نبحث عنه …

المفتش: هذا إذا كانت الجريمة مدبَّرةً ولم تحدث بالصدفة …

وعاد الصمت من جديد … وقال «تختخ»: بالمناسبة يا سيادة المفتش … ألم توجد بصمات على مفاتيح الخزانة؟

المفتش: نعم … بصمات السيدة «عواطف» زوجة المهندس «سامح» … وكذلك على الخزانة … ثم وقف المفتش قائلًا: إننا ما زلنا نبحث … وأترك لكم حرية البحث … إنها جريمة من النوع الذي يمكن حله دون أن تتحرَّكوا من أماكنكم … أو تتعرَّضوا لأية مخاطر … وسنرى ماذا يمكن أن يفعله المغامرون الخمسة …

ووقف المفتش، ووقف الأصدقاء وساروا معه … عدا «لوزة» التي وقفت وحدها ترقب الجميع، وقد بدت عليها علامات التفكير العميق … ثم أسرعت إلى داخل المنزل واختفت لحظات … فقال المفتش للأصدقاء: ماذا جرى ﻟ «لوزة»؟ إنها لم تأتِ لوداعي كما اعتادت أن تفعل …

وكان بقية المغامرين قد لاحظوا ما فعلته «لوزة»، ولم يعلِّقوا عدا «عاطف» الذي قال: ربما ذهبت لإحضار اللص …

وضحك الجميع … وقبل أن يركب المفتش سيارته، وجدوا «لوزة» قد أقبلت مسرعةً وهي تمسك بيدها مظروفًا من مظاريف الخطابات مغلقًا … وأسرعت إلى المفتش، وكان قد فتح باب السيارة وجلس، فأدخلت رأسها من النافذة، وتحدَّثت إليه حديثًا هامسًا لم يسمعه الأصدقاء … ثم وضعت المظروف في يده، ولاحظ المغامرون أن علامات الدهشة قد بدت واضحةً على وجه المفتش، الذي همس هو الآخر في أذن «لوزة» بكلمات، ثم تبادلا التحية باليدَين، ووضع المفتش المظروف في جيبه، وانطلقت السيارة …

قال «محب»: ما هذه الرسالة يا «لوزة»؟

ردَّت «لوزة»: لن أقول لكم …

عاطف: كيف لا تقولين لنا؟ إن المغامرين الخمسة لا يُخفون شيئًا عن بعضهم البعض …

لوزة: لو قلت لكم لتعرَّضت لسخريتكم جميعًا …

قال «عاطف» ضاحكًا: لا بد أنه خطاب غرامي أرسلتِه إلى المفتش …

ضحك الأصدقاء وانتظروا أن تثور «لوزة» ضد شقيقها كالمعتاد، ولكنها بدلًا من ذلك ابتسمت وقالت بغموض: إنه خطاب غرامي … ولكنه يحوي سرًّا خطيرًا …

وحاول الأصدقاء أن يحصلوا على أية معلومات منها، ولكنهم فشلوا، وظلَّت «لوزة» مُصرَّةً على إخفاء سر المظروف المغلق …

وعندما عادوا إلى جِلستهم قالت «نوسة»: إنني أتصوَّر أنه من الضروري إعادة ترتيب الحوادث مرةً أخرى … فالحوار مع المفتش لم يكن متسلسلًا حتى تتبلور الحقائق أمامنا … لهذا فإنني أرجو أن يقوم «تختخ» بإعادة تصوير الحادث لنا بطريقة منتظمة لعلنا نكشف من خلال التلخيص معلومات هامة …

عقد «تختخ» يدَيه تحت ذقنه وأخذ ينظر إلى «زنجر» الذي استلقى في شمس مايو نصف الحامية وقال: نعم؛ فهناك عدد كبير من المشتبه فيهم … وهناك مواعيد ومسافات يجب أن تُحسب بدقة … إن هذا اللغز يشبه قطعة «الدانتلا» … كل شيء فيه قد خيط بمهارة … وهذا لص من نوع جديد …

وصمت «تختخ» لحظات، ثم قال: أرجو أن تُحضري لنا يا «لوزة» بعض الأوراق والأقلام؛ فنحن في حاجة إلى تدوين المعلومات بالترتيب …

وعندما وقفت «لوزة» … قال «عاطف» ساخرًا: ولا تنسَي بعض المظاريف؛ فقد نحتاج إلى كتابة بعض الخطابات الغرامية …

هذه المرة ثارت «لوزة» وقالت: لقد أصبح دمك ثقيلًا … وأعتقد أن إصابتك بالبرد قد غيرت دمك …

ابتسم «تختخ» قائلًا: يكفي هذا يا «عاطف» …

ومضت «لوزة» لإحضار الورق والأقلام … فقال «عاطف»: إنني غير موافق على أن يقوم أحد المغامرين بإخفاء معلومات عنا …

نوسة: من المؤكَّد أنها ليست معلومات … ربما كتبت «لوزة» بعض الأسئلة وطلبت من المفتش الإجابة عنها …

عادت «لوزة» بعد لحظات … وأمسك كلٌّ من المغامرين بقطعة من الورق وقلم من الرصاص، وبدءوا يستعدون لتدوين المعلومات …

قال «تختخ»: أمامنا كما اتفقنا أربعة متهمين … أولًا: «روجر كولي» … ثانيًا: السفرجي «فتحي» … ثالثًا: البواب «حسنين» … رابعًا: رجل مجهول … مثل شخصية «روجر كولي»، ولنسمِّه مؤقتًا «روجر الثاني» …

وتنهَّد «تختخ» وقال: هؤلاء الأربعة يمكن أن يكون أي واحد منهم قد ارتكب الجريمة؛ لأنهم جميعًا كانوا قريبين من مكان الحادث عند وقوعه … والآن ما هي الوقائع؟

ونظر الأصدقاء جميعًا إليه فقال: تعرَّف المهندس «سامح صديق» بالمستر «روجر كولي» في أحد أسفاره بالخارج … ودعاه إلى زيارته عندما يحضر إلى القاهرة … حضر «روجر كولي» إلى القاهرة لحضور مؤتمر لرجال الأعمال … واتصل بمكتب المهندس «سامح» ليطلب موعدًا لمقابلته …

قال «محب» مقاطعًا: ولكن «روجر كولي» نفى أنه اتصل …

تختخ: سنصل إلى هذه النقطة فيما بعد … ولنقل مؤقتًا إن «كولي» اتصل بمكتب المهندس «سامح» الذي لم يكن موجودًا … ثم اتصل بمنزله ولم يكن «سامح» موجودًا … وردَّت زوجته حسب تعليمات زوجها، وحدَّدت للضيف موعدًا في السابعة … وفي السادسة غادرت زوجة «سامح» المنزل، وبقي وحده مع بعض الشغَّالين … وأعد حفل شاي صغيرًا للضيف … ولكن الضيف لم يحضر في موعده، فخرج «سامح» يتمشَّى في الحديقة … وحضر الضيف في أثناء غيبته … وحسب تعليمات «سامح» كان البواب «حسنين» يطوف حول الفيلا … وكان السفرجي «فتحي» ينتظر الضيف في غرفة المكتب … وعندما حضر … أسرع يستدعي المهندس «سامح» من الحديقة، ولكنه لم يعثر عليه سريعًا … ففي هذه الأثناء كان المهندس قد أصيب بضربة قوية من غصن شجرة وسقط على الأرض … وعندما عُثر عليه … وعادا معًا إلى الفيلا، لم يجدا الضيف … وعادت السيدة حرم المهندس «سامح» إلى الفيلا واكتشفت سرقة مجموعة ثمينة من اللآلئ، كانت موضوعةً في خزانة زوجها الذي نسي المفتاح على مكتبه …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤