مجموعة من الألغاز

ساد الصمت بعد هذا الاستعراض السريع للأحداث التي وقعت في فيلا المهندس «سامح»، وقبل أن يتحدَّث أحد … دقَّ جرس التليفون الموضوع في الكشك الصيفي بجوار الأصدقاء، وأسرعت «لوزة» ترد … ثم قالت: «توفيق» … إن والدتك تريد الحديث إليك …

قام «تختخ» إلى الكشك الصيفي فتحدَّث إلى والدته … ثم عاد للأصدقاء قائلًا: سأُضطر للانصراف الآن … هل نلتقي هذا المساء؟

ردَّ «محب»: للأسف لن أستطيع أنا و«نوسة» الحضور؛ سنخرج مع والدَينا لزيارة بعض الأصدقاء، وسنعود بعد العشاء …

تختخ: إذن نلتقي غدًا صباحًا …

وأشار لهم بيده محييًا … ثم انطلق إلى منزله وخلفه «زنجر» الذي ظلَّ طول وقت الحديث تحت كرسي «تختخ»، فلم يكن في الحديث ما يثيره … ووصل «تختخ» إلى منزله … وهو يفكِّر في كل ما سمع … كانت هناك تساؤلات كثيرة حول هذه الأحداث … وتمنَّى لو كان في إمكانه أن يَشهد غرفة المكتب والحديقة … ويلتقي بأبطال هذه القصة الغامضة … خاصةً «روجر كولي» … فهل هذا ممكن؟

وجد والدته في انتظاره ومعها سيدة من صديقاتها … يتذكَّر أنه رآها من قبل … وقدَّمت والدته له صديقتها قائلة: مدام «هدى» … صديقتي … وقد جاءت تطلب منك خدمة …

اندهش «تختخ» عندما سمع هذا … فأي خدمة يمكن أن تطلبها منه السيدة «هدى»؟ ولكن والدته لم تتركه لدهشته طويلًا وقالت: إن السيدة «هدى» قد سمعت عن نشاطك أنت وبقية أصدقائك في حل الألغاز الغامضة … وقد جاءت تطلب منكم أن تساعدوها في حل لغز معقَّد …

أحسَّ «تختخ» أولًا بالسعادة لأنه والمغامرين قد أصبحوا على هذا القدر من الشهرة … ولكن في نفس الوقت أحسَّ بقدر من الرهبة … فهل هم حقًّا قادرون على حل لغز السيدة «هدى»؟ …

قال «تختخ»: يسعدني طبعًا أن أقدِّم أية خدمة للسيدة «هدى» … ولكن لماذا لم تلجأ إلى الشرطة؟ … إنهم المسئولون أولًا عن حلِّ الألغاز وحفظ الأمن …

قالت السيدة «هدى» على الفور: للأسف إن رجال الشرطة لم يستطيعوا حل اللغز، وأقصد برجال الشرطة الشاويش «علي»، ولعله لم يُبدِ الاهتمام الكافي بموضوع اللغز؛ لأنه مشغول بما هو أهم …

قال «تختخ»: ما هو اللغز يا سيدتي؟

قالت السيدة «هدى»: إنه لغز خاص بكلبي «مودي» … تنهَّد «تختخ» بعد أن سمع هذه الجملة … فلا بد أن الحكاية لن تزيد عن اختفاء الكلب المحبوب «مودي» … وقد صدق ظنه … فقد قالت السيدة: لقد اختفى «مودي» …

وقد ألقت السيدة بهذه الجملة كما يذاع خبر في الراديو عن إعلان الحرب … كأن «مودي» هذا هو أهم شخصية في العالم … ولكن لأن «تختخ» يحب الكلاب … فقد قدَّر موقف السيدة وأحزانها وقال: شيء مؤسف يا سيدتي …

قالت السيدة «هدى»: وقد أبلغتُ الشاويش «علي»، وبالطبع فإنني أعتقد أنه فعل ما يمكنه … ولكني أظن أنه لا يحب الكلاب …

وابتسم «تختخ» وهو يتذكَّر ما يفعله «زنجر» بالشاويش «علي» كلما قابله … فمن المؤكَّد أن الشاويش «علي» لا يحب الكلاب … ومضت السيدة فقالت: ولأنه لا يحب الكلاب … فإني أعتقد أنه لن يواصل البحث … وأنني قد أفقد «مودي» إلى الأبد.

وأضافت والدة «تختخ»: أن السيدة «هدى» تعيش وحدها … وليس معها من يؤنس وحشتها إلا الكلب «مودي»، ولعل هذا يا «توفيق» يدلُّك على أهمية ما ستبحث عنه …

وتذكَّر «تختخ» عِقد اللؤلؤ الأحمر النادر … وبقية المجوهرات التي سُرقت من المهندس «سامح صديق»، وعاد للابتسام، فقالت والدته: لماذا تبتسم؟ …

فوجئ «تختخ» بالسؤال … واضطُر أن يقول: إنها مُهمَّة سهلة … وأعتقد أن المغامرين الخمسة سوف يعثرون على «مودي» …

ابتسمت السيدة «هدى»، وبدت سمات الفخر على وجه والدة «توفيق» عند سماع هذه الجملة، وقالت السيدة «هدى»: إنني على استعداد أن أدفع أي مبلغ مقابل العثور على «مودي» …

قال «تختخ» بتواضع: شكرًا لكِ يا سيدتي … إن المغامرين الخمسة لا يتقاضَون أية مبالغ مقابل الخدمات التي يقومون بها … خاصةً وأنتِ صديقة لوالدتي … وأن أية كلمة منها هي بمثابة أمر يجب إطاعته …

ولدهشة «تختخ» الشديدة … وضعت السيدة «هدى» يدها في حقيبتها، ثم أخرجت مجموعةً من الصور للكلب المفقود العزيز «مودي»، ومدَّت يدها بها إليه …

وأمسك «تختخ» مجموعة صور الكلب … وأخذ يتأمَّلها مُبديًا اهتمامه … وعرف على الفور أنه كلب من نوع «الطانين»، وسألها «تختخ» عن لونه … فقالت إنه أسود اللون وفي رقبته طوق به الرخصة ورقمها «٦١٣» …

وحتى يُبدي «تختخ» مزيدًا من الاهتمام بالموضوع فقد سألها عن ظروف اختفاء «مودي» …

فقالت السيدة … وهي تجفِّف دموعها: منذ ثلاثة أيام … وحوالي الساعة السادسة مساءً خرجت معه إلى كورنيش النيل حيث نقوم بنزهة يوميًّا معًا … وبعد أن سرنا قليلًا على النيل … جلستُ في كازينو «الجود شوط» حوالي نصف ساعة … ثم عدنا إلى البيت … وفي طريق العودة تخلَّف «مودي» قليلًا … ولم أهتمَّ فهو يعرف المنزل جيدًا … وكثيرًا ما كان يجري هنا وهناك، ثم يعود من تلقاء نفسه … ولكن في هذه المرة ابتعد «مودي» عني كثيرًا دون أن أدري … ثم سمعت صوت كلاب تتشاجر في مكان ما … وخُيل إليَّ أنني أسمع صوت «مودي» بينها … وتنبَّهتُ في هذه اللحظة، وكنت أقترب من المنزل، إن «مودي» قد تأخَّر أكثر من اللازم … وقبل أن أتحرَّك في اتجاه نباح الكلاب … التقيتُ بإحدى صديقاتي … واضطُررت إلى أن أقف معها نتحدَّث قليلًا … وعندما انتهيتُ من الحديث … كان نباح الكلاب قد تلاشى … ولكني كنت أتذكَّر الاتجاه الذي جاء منه، فأسرعتُ عائدة … وأخذتُ أنظر هنا وهناك …

وسكتت السيدة «هدى» لحظات وهي تلتقط أنفاسها، ثم عادت تقول: وكان الظلام قد هبط في هذه الأثناء، وكما قلت لك إن «مودي» أسود اللون … وهكذا أصبح من الصعب العثور عليه … ولم يكن في إمكاني بالطبع أن أرفع صوتي لأنادي عليه … فلو كان قريبًا مني لما احتاج للنداء … وقلت في نفسي ربما عاد إلى البيت قبلي … وهكذا أسرعت إلى البيت … ولكني لم أجده في الحديقة … وفتحت الباب ودخلت، وسألت الشغَّالة عنه، فقالت لي إنها لم ترَه … فخرجتُ مرةً أخرى إلى الشارع أبحث عنه … ولكن بلا جدوى … لقد اختفى «مودي»، وحتى هذه اللحظة لم يعُد …

وأحسَّ «تختخ» بشيء ما … شيء ما في قصة السيدة «هدى» يستحق الانتباه، فقال لها: أين تسكنين؟

ردَّت السيدة «هدى»: في رقم ٣٦ بشارع ١٩ …

وزاد اهتمام «تختخ» بعد هذه الجملة … وأدرك بحاسته السادسة التي طالما نبَّهته إلى الأشياء الصغيرة والهامة أنه أمام شيء مثير، فقال: نحن الآن يوم الثلاثاء فمتى حدث هذا كله … وفي أية ساعة بالتحديد؟

ردَّت السيدة «هدى»: حدث يوم السبت الماضي بين الساعة السابعة والنصف والثامنة مساءً … ربما يجعلني أتذكَّر الموعد بالضبط أنني قابلت أحد البوابين الذين يعملون في أحد المنازل المجاورة، وسألني عن الساعة وكانت السابعة و٤٥ دقيقة …

زاد انتباه «تختخ» وسألها: هل هو بواب المهندس «سامح صديق»؟

فتحت السيدة «هدى» عينَيها دهشةً وقالت: كيف عرفت؟

ابتسم «تختخ» في تواضع وقال: هل كان هو؟

ردَّت السيدة: نعم … كان هو فعلًا … إنك شخص مدهش.

ثم نظرت إلى والدة «تختخ» التي هزَّت رأسها وسألت «تختخ»: ولكن كيف عرفت هذا البواب يا «توفيق»، وهذه أول مرة تسمع فيها هذه القصة؟

قال «تختخ» متظاهرًا بالغموض: لن أقول لكما الآن … فحل الألغاز يحتاج إلى قدر من الكتمان … ولكني أعدكما بحل لغز اختفاء «مودي» …

قالت السيدة «هدى»: وإعادته؟

هزَّ «تختخ» رأسه قائلًا: ربما …

بدا الحزن على وجه السيدة وقالت: لماذا ربما؟

تختخ: لأنني لا أستطيع الجزم بشيء سيحدث في المستقبل … وسأطلب منك خدمةً بسيطة …

قالت السيدة: ما هي؟ إنني على استعداد لمساعدتك …

تختخ: باعتبارك جارة المهندس «سامح صديق» هل تعرفين زوجته؟

السيدة «هدى»: طبعًا … إنها صديقة عزيزة لي … ولكن ماذا تريد منها؟

تختخ: أرجو أن تطلبي منها السماح لي بدخول حديقتهم …

هزت السيدة «هدى» رأسها وقالت: ولكن لماذا؟

تختخ: أرجو يا سيدتي أن تُبقي أسئلتك لحين الانتهاء من حل اللغز …

السيدة «هدى»: اللغز … إنه لم يعد لغزًا … إنه مجموعة ألغاز …

ابتسم «تختخ» وهو يقول: معك حق … إنه مجموعة ألغاز … ولكن ليس بسبب الأسئلة التي لم أُجب عنها … بل لسبب آخر لا يخطر به بالك …

هزَّت السيدة «هدى» رأسها وقالت: أمري إلى الله … متى تريد زيارة حديقة منزل المهندس «سامح»؟

قال «تختخ»: هذا المساء …

وقام واقفًا وهو يقول: وإذا سمحتِ لي … فسوف أحتفظ بصورة من صور العزيز «مودي» لأنني سأحتاج إليها في التعرُّف عليه …

السيدة «هدى»: بالطبع يمكنك أن تأخذها …

ثم قامت ومدَّت يدها إلى «تختخ» قائلة: لقد سمعت الكثير عنك … وأتمنَّى أن تحقِّق أملي فيك وتعيد إليَّ «مودي» …

وترقرقت الدموع في عينَيها عندما تذكَّرت كلبها العزيز … وأحسَّ «تختخ» أنها حزينة حقًّا … فقال لها وهو يشد على يدها: أرجو أن نكون عند حسن ظنك بنا …

ومضت السيدتان إلى الباب الخارجي … وأحسَّ «تختخ» أنه في حاجة إلى الانفراد بنفسه؛ فقد كانت هناك مجموعة ضخمة من المعلومات تستحق التنسيق … وقد قادت الصدفة الحسنة إليه هذه السيدة التي فقدت كلبها لتضيف إلى معلوماته بعض الرتوش عن سرقة مجوهرات المهندس «سامح صديق». لقد كانت أمامه الآن إضافة جديدة لمعلوماته أحسَّ بها منذ قالت له السيدة «هدى» على تاريخ اختفاء كلبها العزيز «مودي»، ورقم الشارع الذي تسكن فيه … والساعة التي اختفى فيها الكلب … إن سرقة المجوهرات واختفاء الكلب يشتركان في الشارع والمنزل والساعة؛ أي في المكان والتوقيت … فهل هناك علاقة بين الاثنَين؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤