السر الخفي

ردَّت «لوزة» بصوت مرتجف: أنا «لوزة» … صديقة «توفيق» الذي كان عندك أمس …

كان «نسيم» يتحدَّث من مكان خفي لا أحد يراه … فقال: إنني لا أعرف أحدًا بهذا الاسم …

وتذكَّرت «لوزة» أنه أبله وكما قال «تختخ» … إنه قد ينسى كل ما حدث … فعادت تقول: إنه الولد الذي تحدَّثتَ معه عن العِقد الأحمر …

نسيم: لا أعرف شيئًا اسمه العِقد الأحمر … اذهبي بعيدًا من هنا وإلا أطلقتُ عليكِ الرصاص …

كان «محب» قريبًا من «لوزة» وسمع الحوار، فأسرع إلى «تختخ» قائلًا: إن «لوزة» تتحدَّث إلى «نسيم» ولكنه ينكر أنه يعرفك …

أسرع «تختخ» إلى حيث كانت تقف «لوزة» في مكان مهجور من السور … وسمع «لوزة» وهي تُحدِّث «نسيم» محاوِلَةً كسب الوقت قائلة: إننا نريد أن نساعدك … نحن نعرف أنك مظلوم …

كانت هذه الجملة رميةً أصابت الهدف … فقد صاح «نسيم» بصوت جريح: إنني مظلوم … مظلوم … إنني تعس …

لوزة: لهذا نريد أن نساعدك … تذكَّر الولد الذي كان عندك أمس …

وأضاف «تختخ» على الفور: إنني صديقك يا «نسيم». تذكَّر الحديث الذي دار بيننا … لقد كان والدك يقول: «ليس مهمًّا ما يقوله الناس … المهم أن يكون ضميرك مرتاحًا» … وأنا أظن أن ضميرك يعذبك …

نسيم: ولكن … ولكن …

تختخ: لا تخشَ شيئًا … إننا جميعًا أصدقاؤك …

نسيم: إن «سامح» سيعاقبني … إنه لا يريد أن يدخل أحد إلى الحديقة … ولكن … الحديقة … الحديقة …

تختخ: ماذا بشأن الحديقة؟

نسيم: لا أستطيع … اذهبوا بعيدًا وانسَوا كل شيء …

تختخ: والكلب الأسود الصغير … لقد دخل عندكم … والشرطة تبحث عنه … وقد يقبضون عليك …

صاح «نسيم» بجنون: الكلاب هي التي فتكت به … ولكني أحاول إنقاذه …

تختخ: إذن دعني أدخل وأراه … لا تخشَ شيئًا …

ساد الصمت لحظات، ثم قال «نسيم»: امشِ بجوار السور حتى الجانب المهجور في الشارع الخلفي … وهناك باب سري لا يعرفه أحد … سأذهب لإحضار المفتاح …

وسار «تختخ» سريعًا ومعه «محب»، وقالت «نوسة»: هل ننتظر في الخارج؟

تختخ: سأدخل أنا و«محب»، وعودوا أنتم إلى منازلكم … فإذا لم نعُد بعد ساعتَين فاتصلوا بالمفتش «سامي» وأخطروه بكل ما حدث …

نوسة: ولماذا لا نتصل به الآن؟

تختخ: من المؤكَّد أن أي تدخُّل من جانب الشرطة سوف يفسد الأمور … ولن يتحدَّث «نسيم» بكلمة واحدة …

ولم يكد «تختخ» ينتهي من جملته حتى شاهدوا الشاويش «علي» يقترب من السور وهو يسير بخطوات سريعة … فقال «تختخ»: «عاطف» … عليك بإبعاده فورًا وإلا أفسد كل شيء …

وأسرع «عاطف» ناحية الشاويش … في حين استمرَّ «تختخ» و«محب» في سيرهما … ووقفت «نوسة» و«لوزة» تحت شجرة حتى لا يراهما الشاويش … أسرع «عاطف» لأداء مُهمَّته وهو يفكِّر فيما سيقوله للشاويش … وخطرت له فكرة … اعترض طريق الشاويش الذي صاح: ماذا تفعل هنا في هذه الساعة؟! …

تظاهر «عاطف» بالإسراع في مِشيته وهو يقول: لا تعطِّلني يا شاويش عن أداء مُهمَّتي، لقد شاهدت الكلب الآن …

الشاويش: الكلب الأسود؟!

عاطف: نعم … وإن كنت لست متأكِّدًا … لقد شاهدت شخصًا يحمله بين يدَيه ويسرع به هذه الناحية …

وأسرع «عاطف» يجري … دون تردُّد أسرع الشاويش خلفه وهو يصيح … انتظر يا «عاطف» … إنها ليست مُهمَّتك … إنها مُهمَّتي أنا …

ولكن «عاطف» أسرع في جريه … واضطُر الشاويش إلى الإسراع خلفه … وهنا ظهرت «نوسة» و«لوزة»، وقالت «نوسة»: يجب أن نساعد «عاطف» فإن الشاويش إذا اكتشف أنه يضحك عليه فسوف يعاقبه …

لوزة: سنلف من الشارع … ونواجههما … وسوف نقول إننا أيضًا قد شاهدنا الرجل الذي يحمل الكلب …

وأسرعت الفتاتان في الطريق المتقاطع … وبعد لحظات شاهدا الشاويش وهو يجري خلف «عاطف» فأسرعتا إليه … وسرعان ما اشتبكا معه في حوار حول الرجل الذي يحمل الكلب …

•••

وفي هذه الأثناء كان «تختخ» و«محب» قد دارا حول الحديقة … ووقفا في الجانب الخلفي الذي يطل على أرض فضاء مهجورة … ووقفا يحدِّقان في الظلام … ومضت فترة طويلة دون أن يظهر «نسيم»، وقال «محب» هامسًا: لقد تأخَّر «نسيم» طويلًا …

قال «تختخ»: فعلًا … لعله نسي كل شيء عن وجودنا … على كل حال سننتظر فترةً أخرى …

ومضى وقت طويل … ونظر «تختخ» إلى ساعته … كانت قد تجاوزت التاسعة والنصف، وأحسَّ بضيق عنيف … فبعد ما أحسَّ أنه اقترب من حل لغز المجوهرات المسروقة … وكشف سر اختفاء الكلب الأسود الصغير؛ تلاشى كل شيء …

قال «تختخ» ﻟ «محب»: ما رأيك يا «محب»؟ … سأدخل الحديقة …

محب: في هذه الحالة لا بد أن أدخل معك … ولكن المهم … ماذا تتوقَّع أن تجد؟

تختخ: لا أدري … ولكني لا أستطيع العودة خاوي الوفاض عن هذه المغامرة … هيَّا بنا …

وتسلَّقا السور ببراعة حتى وصلا إلى أطراف الأشجار العالية فتعلَّقا بها … كان «محب» أرشق وأسرع … فانتظر «تختخ» حتى وصل، ثم قال: لقد نسينا الكلاب … من المؤكَّد أنها ستسرع خلفنا فور الإحساس بوجودنا …

تختخ: هذا صحيح … ولكن ثمَّة شيء هام … إنها لم تنبح حتى الآن منذ دخلنا … ولعل «نسيم» عندما قرَّر دعوتي للدخول أدخلها إلى حظائرها …

وصمت «تختخ» قليلًا، ثم قال: في جميع الأحوال … إذا أحسسنا باقتراب الكلاب فعليك أن تتسلَّق أقرب شجرة إليك … صحيح أن أمر دخولنا سينفضح … ولكن من الأفضل أن يحدث هذا بدلًا من أن تمزِّقنا الكلاب … ونزلا إلى أرض الحديقة فقال «محب»: هل سنذهب إلى الكوخ؟

ردَّ «تختخ»: بالطبع … هذا هو المكان الوحيد الذي يمكن أن نعثر فيه على «نسيم»، وأظن أنه في اتجاه اليمين … اتبعني ولكن قريبًا مني … ففي هذه الحديقة من الممكن أن يتوه الإنسان كما يتوه في الغابة …

سارا بهدوء في الاتجاه الذي أشار إليه «تختخ»، وظلَّ الصمت يلف المكان … فلا صوت هناك لكلاب … ولا لأي شيء آخر … كأنما سقط جدار من الصمت على الحديقة الضخمة … وبعد فترة مدَّ «تختخ» ذراعه ليمنع «محب» من التقدُّم وقال: اسمع …

وأصاخ «محب» السمع … وخُيل إليه أنه يسمع صوت رجلَين يتصايحان … وهمس «تختخ»: أعتقد أننا قريبان من الكوخ …

وسارا بخطوات بطيئة في اتجاه الصوت … وبعد لحظات شاهد خيطًا من الضوء الرفيع يمتد من نافذة مغلقة … فقال «تختخ» بصوت خفيض: هذا هو الكوخ …

كان صوت الرجلَين قد أصبح واضحًا … وهمس «تختخ»: إنهما «نسيم» و«سامح» … وتقدَّما خطوتَين حتى التصقا بجدار الكوخ، وسمعا أحد الرجلَين يقول صارخًا: لم يبقَ لك مقام هنا! … إنك تخونني! …

قال «تختخ» ﻟ «محب»: هذا صوت «سامح» …

ردَّ «نسيم»: إنني لن أغادر هذا المكان … فهذه أرضي …

ضحك «سامح» وقال: أرضك! … لم يعُد لك أرض … والشيء الوحيد الباقي لك عندي قد سُرق وانتهى الأمر …

نسيم: سوف يسترده رجال الشرطة …

سامح: أنت أبله … لن يسترد رجال الشرطة شيئًا … لقد مضت خمسة أيام … ولم يتقدَّموا خطوةً واحدة … وبصراحة … أنا أشك فيك …

نسيم: أنا! … كيف أسرق ما هو حق لي؟! …

سامح: قلت لك ألف مرة لم يعُد لك أية حقوق … لقد أنفقت على علاجك أُلوف الجنيهات … وسمحت لك بالإقامة في هذا الكوخ … ولكنك تعصي أوامري … قلت لك اذهب وألقِ بالكلب الأسود الصغير بعيدًا … وها أنا ذا أجده ما زال موجودًا هنا … لقد احتفظتَ به برغم تعليماتي …

نسيم: لقد كاد يموت … فتكَت به الكلاب الكبيرة … كيف أترك كلبًا مسكينًا يموت؟!

سامح: ما دمت قد قلتُ لك شيئًا لا بد أن تنفِّذه … ثم ها أنت ذا تخونني وتطلب مقابلة هذا الولد السمين. لقد سمعت حديثك معه خلال السور … كنت أتبعك دون أن تدري … وقد جئتَ لتأخذ المفاتيح وتفتح له الباب القديم …

نسيم: كنت أريد أن أعطيه الكلب المسكين وينتهي الأمر …

سامح: تعطيه الكلب الصغير وينتهي الأمر … ألم أقل لك إنك أبله … إن هذا الولد معه مجموعة من الأولاد يدسُّون أنوفهم في كل شيء … ولو سلَّمته الكلب فسوف يسأل لماذا احتفظنا به كل هذه المدة عندنا … لماذا أنكرنا وجوده … وماذا يقول الناس عني؟ …

نسيم: كان أبي يقول ليس مهمًّا ما يقوله الناس … المهم هو الضمير …

سامح: دَعك من هذا الهراء … والآن اجمع حاجيَاتك وانصرف … ولا تعُد لهذا المكان ثانية … وسوف أرسل لك مبلغًا من المال شهريًّا …

نسيم: لن أغادر هذا المكان حتى أحصل على حقي …

سامح: في هذه الحالة سوف أعيدك إلى مستشفى المجاذيب … لقد دخلتَها بضع مرات … وسأجد وسيلةً لإعادتك إليها …

نسيم: في هذه الحالة سوف أقول كل شيء عن الكلب …

ضحك «سامح» ضحكةً عاليةً وقال: ومن يصدِّق مجنونًا مثلك؟ … من يصدِّق أنني أخفي كلبًا صغيرًا عندي؟ …

نسيم: إذن لماذا أخفيته؟ … لماذا لم تُعِده لصاحبته؟ …

سامح: ليس هذا من شأنك … هيا غادر هذا المكان …

نسيم: وإلى أين أذهب في هذا الليل؟ …

سامح: إذن تبقى للصباح … ثم تغادر المكان … هل فهمت؟!

لم يردَّ «نسيم». وفتح «سامح» باب الكوخ … وشاهد الصديقان شبحه … وانكمشا في مكانهما لا يتحرَّكان … وبعد لحظات تحرَّك «سامح» مبتعدًا … ووقف «تختخ» و«محب» صامتَين … لقد سمعا حوارًا لم يتصوَّرا حدوثه مطلقًا بين صاحب البيت وبستاني يعمل عنده … كان واضحًا أن ثمَّة رابطةً تربط «نسيم» و«سامح» أقوى من رابطة بستاني بصاحب البيت … ولم يطُل تفكيرهما … ففي هذه اللحظة سمعا نباح الكلاب ينطلق من مكان ما من الحديقة … ثم سمعا صوت الأقدام القوية وهي تدق الأرض في اتجاههما … وأيقنا أنهما وقعا في مصيدة … ووقفا مذهولَين لا يعرفان ماذا يجب أن يفعلاه … في هذه اللحظات الخطيرة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤