الفصل الرابع عشر

معادلة الإقناع

التهيئة + العرض التقديمي × التأثير = الإقناع.

ديف لاكاني

قد يكون هذا الفصل هو الأهم في الكتاب بأكمله لأنه يعرض خريطة الإقناع من البداية إلى النهاية. لقد أُلِّف عديدٌ من الكتب التي تغطي كافة عناصر عملية الإقناع، كما وُضِعَت نماذجُ علمية شديدة التفصيل تستعرض طريقةَ حدوث الإقناع والعمليات الواجب توافُرها من أجل التأثير في الناس أو تغيير آرائهم. هذه الأعمالُ بالغةُ الأهمية، لكن الشخص العادي (مثلي ومثلك) لا يملك الوقتَ لتطبيق نماذج علمية تفصيلية في مواقفه الفردية؛ فنحن في حاجةٍ إلى مجموعةٍ من الأدوات وخطة لاستخدامها.

من بين كل النصوص العلمية التي كُتِبت حتى وقتنا هذا، لم يُؤلِّف أحدٌ الكِتابَ الذي يقول فيه ما عليك فعله، والوقت المناسب لفعله، وسبب نجاحه. أنا لا أعلم السبب، لكنْ بعد تأليفي هذا الكتابَ يمكنني تخمين الإجابة؛ إذ يبدو الأمر إلى حدٍّ كبير كما لو أنك تُعلِّم الناس التلاعُب. فإذا كان هدفهم هو التلاعب، فإن هذا الكتاب والمبادئ الأخرى التي شرحها مؤلِّفون آخَرون ستجعلهم بالتأكيد أكثر مهارةً في هذه العملية. مرةً أخرى يرجع الأمر إلى النية؛ فإذا كانت نيتك حقًّا مساعدة شخصٍ ما أخلاقيًّا ومعنويًّا، فإنك ستتمكَّن من فعل هذا على نحوٍ أفضل من أي وقتٍ مضى؛ ويصحُّ الأمر نفسه إذا كان قصدك هو الحصول على ما تريد بأي ثمن، وسيكون الفرقُ الوحيد الذي ستراه في النتيجة الطويلة المدى. ففي النهاية يُكتشَف المتلاعِبون ويكرههم الناس، بل يُقاضَون أيضًا في كثير من الأحيان، أما المُقنِعون المتميزون، فيحظَوْن باحترام الناس ومحبتهم؛ ذلك لأنهم يستطيعون التأثير فيمَن حولهم ودفعهم إلى الحصول على نتائج رائعة.

استعرضتُ في فصول سابقة أهم الأدوات الفردية في الإقناع، وقدَّمت لك أفكارًا عن مواضع استخدامها، أما الآن فسأوضِّح لك كيف تشنُّ هجومًا منظَّمًا باستخدام كل المهارات التي تعلَّمْتَها حتى الآن بطريقة رمزية ستسمح لك بإقناع أي شخص. هذا هو المفتاح السري للحصول على أي شيء تريده.

هذه العملية بسيطة للغاية وتشتمل على ثلاث خطوات فقط: التهيئة والعرض والتأثير. في الواقع، يمكن تقسيمها إلى خطوتين فقط: التهيئة والعرض؛ نظرًا لأن التأثير يجب أن يحدث — أو هو يحدث بالفعل — خلال الخطوتين الأولى والثانية.

(١) الإقناع الفعَّال في ثلاث خطوات

(١-١) التهيئة

يتمثَّل الجزء الأول من معادلة الإقناع في تهيئة نفسك وجمهورك. تتكوَّن التهيئة من ثلاثة عناصر:
  • (١)

    «الشخصية»: قبل بدء العملية، تأكَّدْ من بناء شخصيتك على نحو مناسب. وأهم النقاط التي عليك التأكد منها: القِصة التي سترويها، والملابس التي ترتديها، وأناقة مظهرك، والتمتع بالخبرة، والعرض. اسمحْ لشخصيتك أن تظهر بدايةً من اللقاء الأول؛ فقبلَ أن تتفوَّهَ بكلمة، يجب أن تجذب شخصيتُك الناسَ بأسلوب إيجابي ينُمُّ عن الثقة. لا بد أن يعرفوك على حقيقتك بوصفك منقِذَهم؛ الشخص الذي بإمكانه مساعدتهم في حلِّ المشكلة التي حَلَّتْ بهم.

  • (٢)

    «تهيئة الجمهور»: تأكَّدْ من أن جمهورك يناسِب قدرتك؛ فكثيرًا ما تفشل عمليةُ الإقناع في هذه المرحلة لأن متخصِّصي الإقناع يختارون الجمهورَ الخطأ لرسالتهم، أو لأنهم لا يُجْرُون أبحاثًا كافية أو يُعِدُّون جمهورهم جيدًا؛ فمن الضروري أن تفهم طبيعة الذين تخاطبهم إذا كنتَ تريد أن تتمكَّن من استخدام كل أدواتك المكتشَفة حديثًا. بإمكانك فعليًّا التأثير في أي شخص، لكنْ إذا لم تكن لديهم سلطةُ اتخاذ القرار الذي تريد منهم اتخاذه، أو على الأقل التأثير في الشخص القادر على اتخاذ هذا القرار؛ إذن فإنك تضيِّع مجهودًا طائلًا.

    جميع البائعين غير الناجحين الذين التقيتُ بهم يقضون تقريبًا وقتَهم في هذه الغلطة؛ فهم يحاولون التأثيرَ وإقناعَ الأشخاص الذين يَسهُل التأثير فيهم أو إقناعهم، هؤلاء الذين ليس لديهم ما يخافون عليه ولا يتمتعون بسلطة الفعل. وتكون النتيجة متوقَّعةً؛ لا شيءَ يحدث على الإطلاق.

    عند تهيئة جمهورك، لا بد أن تكون واثقًا من أن التوقيت صحيحٌ، وأن جمهورك — سواء أكان شخصًا واحدًا أم كثيرين — في حالةٍ تمكنه من استقبال رسالتك. لا يمكنني حصر عدد المرات التي أتلقَّى فيها مكالماتٍ من مندوبي المبيعات (حقًّا، أردُّ على كل مكالمات مندوبي المبيعات حتى أعرف فقط مدى براعتهم في أداء عملهم)، وأقول لهم فيها إن اختيارهم للتوقيت غير موفَّق، إلا أنهم يتجاهلون ذلك ويستمرون في محاولة الترويج لمنتجهم. تحقِّق العمليات من هذا النوع شيئًا واحدًا لا غير، أَلَا وهو نفورُ العميل تمامًا. فأنت تريد أن يكون جمهورك متقبِّلًا ومتفهِّمًا سببَ قضائكم الوقت معًا. حتى إذا كان جمهورك عدوانيًّا، فإن القاعدة المشتركة التي عليك إيجادها هي الرغبة في التوصُّل إلى حلٍّ؛ فالأشخاص العدائيون الذين يريدون حلًّا يكونون مستعِدِّين لتقبُّلٍ واحدٍ.

    إذا كنتَ تعرض قصتك عبر نظام توصيل من طرف ثالث، كخدمات العلاقات العامة أو وكالات الإعلان، فتأكَّدْ من أن رسالتك تُوجَّه للأشخاص المناسبين. بالتأكيد يوجد أشخاصٌ ممَّن يقرءون مجلة «هاي تايمز» مستعِدُّون لشراء كتابك عن السماد، لكن توجد أعداد أكبر بكثير تقرأ مجلة «البستنة العضوية» و«أخبار الأرض الأم»؛ فابعثْ برسالتك إلى مَن يرجح اقتناعهم واتخاذهم إجراءً بشأن ذلك.

  • (٣)

    «إعداد القصة»: الآن يجب إعداد القصص في أجزاء أو قطع، حتى تستطيع ملاءمتها للجمهور، بالإضافة إلى أمثلةٍ محددةٍ ومواد دعائيةٍ متصلة بما يرونه مناسبًا أو مهمًّا لهم. أعد التحقق من جمهورك وقصتك قبل عرضها لكي تثق أن لديك المعلومات التي تحتاج إليها لعرض قصة مقنعة.

(١-٢) العرض

الجزء الثاني من معادلة الإقناع هو أن تعرض قصتك على نحو فعَّال إلى جمهورك المحدد بوضوح. وحتى تعرض قصتك بفاعلية عليك أن تحقِّق شيئَيْن.

في البداية، يجب أن تُوجِد صلةً وأهميةً مباشرة وتكوِّن نوعًا من الألفة. إن عرضك التقديمي يتكوَّن من قصتك وشخصيتك؛ لذا عليك التأكد — منذ لحظة ظهورك — أنَّ شخصيتك ترسل رسالةً مؤثِّرة؛ فأنت تريد أن تجذب الانتباه.

إن هذا وقتٌ مناسبٌ للغاية لتنمية الألفة. إذا كنتَ تتحدَّث إلى مجموعة، فرتِّبْ أن يُقدِّمك أحدُ أعضاء المجموعة من أهل الثقة الذي يستطيع مشارَكةَ سلطته معك. احرصْ على كتابة المقدمة بحيث تستفيد إلى أقصى حدٍّ من هذا الحديث. في الحالة المثالية، تربطك بالشخص الذي يقدِّمك علاقةٌ وطيدة، ويمكنه الحديث عن بعض التجارب الشخصية التي مرَّ بها معك. إذا لم يمر هذا الشخصُ بأية تجارب شخصية معك، فاكتبْ هذا ببساطة في نقل السلطة. بالنسبة إليَّ، قد أُضِيفُ سطرًا مثل هذا في المقدمة التي يقرؤها هذا الشخص، على النحو التالي: «أعرف أن ديف خبيرٌ في الإقناع، ولهذا السبب أنا متحمِّس للغاية لأني حظيتُ بهذه الفرصة لتقديمه لكم. أنا أعلم أننا، أنا وأنتم، سنتعلَّم كثيرًا من الأفكار الجديدة. فرحِّبوا معي بصديقنا ديف لاكاني.» لك أن ترى مدى الدقة التي صِيغ بها هذا الكلام، ومع هذا فإن عملية التصديق قد اكتملَتْ وكذا عملية مشاركة السلطة. لم أذكر أي شيء غير صحيح، وإنما خلقتُ موقفًا يستمع فيه الناس إلى شخصٍ يثقون به وهو يقدِّم شخصًا آخَر يثق به ويحترمه.

إذا كنتَ تقابل شخصًا ما لأول مرة وتقنعه وجهًا لوجه، يكون هذا هو الوقت المناسب لطرح الأسئلة وتنمية الألفة بينكما من خلال اكتشاف خبرات مشتركة، ودفع هذا الشخص إلى الحديث عن نفسه بصراحة. إذا كنتَ تكتب كلماتِ إعلانٍ لأية وسيلة إعلامية، فعليك أن تعرض فيها مشكلة شائعة سيتعرَّض لها جمهورك وسيساعدهم مُنتَجُك أو خدمتُك في حلها. وادعمْ هذا الكلامَ بشهادات شخصية من أشخاص آخَرين جرَّبوا الحلَّ الذي تطرحه بالفعل.

هنا أيضًا تسنح لك فرصة استعراضِ قصصك بسرعة في ذهنك وتعديلِها؛ فيجب أن تؤلِّف قصتك بحيث تستخدِم كلًّا من «تأثير الصدارة» و«تأثير الحداثة». فعند عرض قائمة من المعلومات على الناس، يزيد احتمال تذكُّرهم أولَ وآخِرَ أشياء سمعوها أكثر من الأشياء التي تُذكَر في المنتصف؛ لذا تأكَّدْ من استخدام التأثيرَيْن كليهما عند عرض قصتك على فرد أو مجموعة. وأسهل طريقةٍ لتذكُّرِ هذا تتجسَّد في القول المأثور القديم الخاص بمجال التدريب: «أخبِرْهم بما ستقوله لهم، ثم قُلْه لهم، ثم أخبِرْهم بما قلتَه لهم للتوِّ.»

راجِعْ أجزاءَ قصتك وتأكَّدْ من أنها تناسب المجموعة التي تخاطبها. أضِفْ أيةَ معلومات إضافية لا بد من احتواء القصة عليها لتصبح مكتملةً ومؤثرةً. تدرَّبْ على عرضك التقديمي باستمرارٍ قبل وقته الفعلي حتى تُصقِله وتستطيع تأديته باسترسال سلس ومنظم. وإن لم تكن تعرف كيف يبدو ذلك، فما عليك إلا أن تأخذ أحد كتب الأطفال وتقرأه بصوت عالٍ؛ ستشعر على الفور بالشكل الذي يجب أن تصبح عليه قصتُك؛ ستجد أن لقصتك وتيرةً وإيقاعًا، هنالك تثق أن قصتك أصبحت جاهزةً.

حدِّدْ أوجهَ الاعتراض والنقاط الشائكة المحتملة وردَّ عليها وتغلَّبْ عليها في عرضك التقديمي؛ فعليك أن تُحوِّل نقاط المعارضة إلى فرصٍ، واستعِدَّ لاستباق المنتقدين المحتملين. وإذا وجدتَ مشكلات معينة في المكان الذي ستقنع الناس فيه، فعليك أن تُصلِحها قبل أن تبدأ؛ فقد تُفسِد عواملُ التشتيت إيقاعَك، وتسمح للشخص الذي تقنعه بتركيز انتباهِه على شيءٍ آخَر غيرك.

الأمرُ الآخَر الذي عليك إنجازه في هذه المرحلة يتمثَّل في تقديم عرض تقديمي مؤثر. ابدأْ بقصة أو فكرة مؤثرة وادعمْها بقصة يستطيع جمهورُك التماهي معها.

استخدِمْ قانونَ التغايُر لصالحك؛ فاطلبْ أكثرَ ممَّا تريد في البداية، ثم اعرضْ ما تريده فعليًّا. فعندما يواجِه المرء قرارًا مهمًّا ويُطلَب منه اتخاذ قرار أبسط، فإن كثيرًا منَّا سيتخذون إجراءً بِنَاءً على القرار الأبسط.

اشغلْ جمهورَك بفعل أشياء أثناءَ استمرارك في عملية الإقناع؛ فاجعلهم يلتزمون بفعل أشياء صغيرة غير مترابِطة طوال عرضك التقديمي. اجعلهم يأخذون صفَّك ويلتزمون أمامك ويتعاطفون معك من خلال إعدادِ مواقف وسيناريوهات بإمكانهم الاتفاق عليها، وسَرْدِ أجزاءٍ من قصتك يستطيعون التعاطف معها. اجعلهم يحبونك واجعل مشكلاتك مألوفةً وشبيهة بمشكلاتهم.

استخدِمْ رسومات الجرافيك أو الكتيبات أو المواد الصوتية أو أيًّا من سُبُل الدعم الأخرى التي تحتاج إليها في عرض فكرتك وليس أكثر من ذلك. حافِظْ على تركيز أكبر عدد ممكن من الجمهور عليك وعلى رسالتك، وهذا يصحُّ سواء أكنتَ تقنع شخصًا واحدًا أم جيشًا من البشر.

ركِّزْ على اللغة غير اللفظية؛ فعند التواصُل مع الناس، يأتي أكثر من ٥٠ في المائة من الإشارات التي يستخدمها الناس في تحديد الصدق والأمانة من النظر في الوجه. يلجأ متخصِّصو الإقناع المؤثِّرون عادةً إلى تصوير أنفسهم بكاميرات الفيديو حتى يَرَوْا ماهيةَ الرسالة التي يبعثها أسلوبُ تواصُلهم غير اللفظي لجمهورهم.

استخدِمْ تعبيراتِ وجهٍ جيدةً؛ ابتسِمْ في أكثر الأحيان؛ فالابتسام يجعل وجهك مُشرِقًا، ويسمح بتدفُّق التعابير الأخرى بسهولة، وينمُّ عن ثقة وسعادة وحماس. كما أن التبسُّم يجعل منك شخصًا يسهل التقرُّب إليه ويُظهِر إنسانيتك. يبلغ طولي نحو مترين، ووزني ٢٥٠ رطلًا، بالإضافة إلى أن صدري العريض وخصري الصغير يجعلاني أبدو مخيفًا لبعض الناس؛ المشكلة هي أنني لم يسبق لي أن نظرت في المرآة وشعرت بالخوف من شكلي. عندما بدأت الحديث عن الإقناع لأول مرةٍ، كنتُ متحمِّسًا للموضوع كثيرًا لدرجة أني نسيت أن أبتسم وأنا أتحدَّث، فشعر الناس بأني إنسان متحفِّظ وغليظ وعدواني، وهذه ليست على الإطلاق النتيجةَ التي أردتُها. وعندما ذكرتُ نفسي ببساطة أن أبتسم على الأقل مرةً واحدة كلَّ دقيقة، تمكَّنْتُ من تغيير آراء جمهوري بالكامل، والآن تأتي حشودٌ من الأشخاص المتحمسين لتتحدَّث معي بعد انتهاء خطبي.

إن الأشخاص الذين تقنعهم لا يقرءون الأفكار، وبعضهم لا يجيد فَهْم الإشارات الخفية التي تتركها وراءك؛ لذا عليك أن تطلب منهم فعْلَ شيءٍ ما، أو تخبرهم بما تريد منهم فعله في المرحلة التالية. اعرضْ طلبَك بطريقة تتناسب مع توقُّعاتهم وتتناسب مع عرضك التقديمي؛ أبرزِ الثقةَ وتوقَّعِ الإذعانَ عند عرض طلبك.

استخدِمِ التنشيطَ الشبكي، وهو أداة تسمح لك بوصف ما يراه الناس فعليًّا أو يشعرون به بعد الحديث إليك وتذكرهم بحديثك أو عرضك التقديمي. فيساعدك التنشيط الشبكي ببساطة في ربط أجزاء قصتك بعضها ببعض، ممَّا يجعل الناسَ تتذكَّر وتستعيد الأفكار والشعور الذي أثارته قصتك في وقت لاحق. كذلك يؤيِّد ما قلتَه بشأن حدث معين؛ فإليك مثالًا على التنشيط الشبكي لشخصٍ يجمع تبرعات من أجل جمعية أولمبياد المعاقين: «في كل مرة ترى شخصًا يجلس على كرسي متحرك من الآن فصاعدًا، عليك أن تسأل نفسك: ما الذي يمكنني فِعْله الآن لمساعدة شخصٍ في ظروف صعبة على تحقيق فرص استثنائية؟»

اعرضْ صورةً مستقبليةً لما تريد منهم فعله أو الشعور به؛ فعندما يكون الناس في ذروة تأثُّرهم العاطفي، سواء أكان وجهًا لوجه أم كتابةً، اجعلهم ينتقلون إلى المستقبل ويفكرون في الكيفية التي ستكون عليها حياتهم وشعورهم ووجودهم، بعدما ينفِّذون ما تقترحه عليهم أيًّا كان لفترة معينة من الوقت؛ أو اجعلهم يتخيَّلون الإحساسَ الذي سيشعرون به من جرَّاء اتخاذهم قرارًا صحيحًا أو حصولهم على المساعدة. ثمة سؤالٌ رائع عليك طرحه أثناء ممارستك الإقناع، أَلَا وهو: «عندما تنظر إلى القرار الذي اتخذتَه اليومَ بعد خمس سنوات من الآن (أو أي فترة زمنية مناسبة)، ما الذي سيكون مختلفًا؟ وما الشعور الذي سينتابك نتيجةَ هذا القرار الذي تتخذه الآن؟» سيحدث أحد أمرين؛ سيرون إما نتيجة عدم اتخاذ القرار وإما نتيجة اتخاذه، وسيعطيك الأمران كلاهما النتيجةَ التي تحتاج إليها. فإذا اتخذوا القرارَ وكانوا سعداء بالأمر، فإنك في سبيلك إلى تحقيق هدفك. أما إذا لم يتخذوا القرار، فعليك أن تعرف ما الذي يعتقدون أنه سيحدث إذا لم يفعلوا، وأَرِهم كيفيةَ تجنُّب هذه النتيجة الحتمية التي وضعوها لأنفسهم.

إذا كنتَ بصدد إقناع مجموعة كبيرة وتريد أن تقنع كلَّ شخصٍ على حدة بعد حديثك، فإنك إذن تريد جَذْب مجموعة كبيرة من الناس إليك بعد حديثك. احكِ قصةً جذَّابة ومؤثرة للغاية، وتوقَّفْ تمامًا قبل الانتهاء منها. قُلْ لهم إن وقتك قد انتهى؛ لذا ينبغي لأي شخص يريد أن يسمع باقي القصة أن يأتي لمقابلتك في مؤخرة القاعة. تحقِّق هذه النتيجة أيضًا نتائجَ استثنائيةً في حالة البريد الصوتي. ابدأ ببساطة في سرد القصة ثم قُلْ: «أخشى أن الوقت قد انتهى، يمكنكم الاتصال بي على هذا الرقم، وسأنهي لكم القصة إذا وجدتم أنفسكم مهتمين للغاية.»

(١-٣) التأثير

التأثير في جمهورك هو الخطوة الأخيرة في معادلة الإقناع. يكمن مفتاح تعزيز تأثيرك في تطبيق كل أداة تعلَّمْتَها في الفصول السابقة بقدر المستطاع. يعمل التطبيق المتأني لهذه الأدوات على وضعك في مكانة شديدة التميُّز، وسيجعل الأمور تسير في صالحك. توجد عناصرُ الخطوة النهائية في عملية الإقناع فعليًّا في كلٍّ من الخطوات السابقة. على مدار تفاعُلك مع الجمهور الذي تحاوِل إقناعه، لا بد أن تطبِّق جميع المبادئ المناسبة القادرة على التأثير في كل خطوة على الطريق، من أجل خلْقِ قوةِ تأثيرٍ هائلة وفرصةٍ للإقناع.

ابدأْ في تطبيق مبدأ العطاء من أجل الأخذ حيثما استطعتَ ذلك. من الممكن أن يكون إمدادُ جمهورك بمعلوماتٍ سرية (بالطبع على نحوٍ أخلاقي وقانوني) مُثمِرًا للغاية، وربما يكون أيضًا إطلاعُهم على معلومات الاتصال الموجودة لديك، أو على شبكة علاقاتك، بطريقة مبتكرة؛ إحدى الطرق الفعالة للغاية. إذا كان بإمكانك إعطاء الجمهور الذي تعتزم التأثير فيه شيئًا أولًا، فاستغلَّ هذه الفرصة. ومن المثير للاهتمام أن تكلفة هذا الشيء يجب ألا تكون مرتفعة (على الرغم من أن السعر، أو القيمة الضمنية، قد يكون مرتفعًا للغاية)، فقط يجب أن يكون مناسبًا لجمهورك، حتى يكون فعَّالًا.

استخدِمْ نقْلَ السلطة متى كان هذا ممكنًا، سواء أكان ضمنيًّا أم واضحًا. عيِّنْ أو التقِ بأشخاصٍ لديهم بالفعل تأثيرٌ وسلطةٌ على مَن تريد إقناعهم، واجعلهم يؤيدونك بشكل من الأشكال، إما بوضوح عن طريق الحصول على تأييدهم لك شخصيًّا أو كتابيًّا، وإما ضمنيًّا عن طريق مرافقتك لهم، أو الحصول على صورة معهم، أو الاستشهاد بهم في عرضك التقديمي.

كوِّن معتقدات جمهورك ورغبتهم في الإيمان بشيءٍ ما. ادعمِ المعتقدات الحالية أو الراسخة منذ وقت طويل؛ واربطْ معتقداتك بمعتقداتهم؛ فعندما تُعِيد إلقاءَ الضوء على معتقداتهم وتجعلهم يتحمَّسون لتكوين معتقدات جديدة، فإن هذا يعطيك ميزةً، خاصةً عندما يتعلَّق الأمرُ بجهود الإقناع الأكبر مثل إنشاء علامة تجارية.

ادعمْ سلطتك أو مكانتك كخبير باستخدام سُبُلِ التفاعُل المناسِبة، وبطريقةٍ تفيد أكثر مَن تريد التأثيرَ فيهم؛ فهذا هو وقت عرض الشهادات الشخصية، والمقالات التي كتبتَها، والأمثلة على وسائل الإعلام التي تحدَّثَتْ عنك. وفي هذه المرحلة أيضًا عليك أن تُدلِي بتصريحات حاسمة عمَّا يجب فعله؛ فلا بد أن تكون واثقًا ومحددًا في عرضك التقديمي، وتقدِّم إجابات على الأسئلة والحلول المقترحة. لا مجالَ للضعف أو نقْصِ الثقة بالنفس في هذه المرحلة؛ إن لم تكن واثقًا في نفسك، فاقترحْ أخْذَ استراحةٍ حتى تستطيع جمع المعلومات التي تحتاج إليها بسرعة.

حاوِلْ إثارةَ فضول جمهورك، وادفعْهم إلى إدخالك في حوار وأسئلة أكثر تفصيلًا. اطرحْ سيناريوهات أو أسئلةً صعبةً أو آراءً مفاجئةً. اعرضْ عليهم طرقًا غير تقليدية في التفكير حقَّقَتْ إنجازاتٍ أو قدَّمَتْ حلولًا، واجعلهم يشاركون بفاعلية في التوصل إلى طرق جديدة في التفكير، عن طريق طرح أسئلة أفضل وأكثر تفصيلًا. تحدَّ أسئلتهم واطرحْ عليهم أسئلةً تقتضي أن يكونوا أكثر تحديدًا في ردودهم. اجعلهم يصلون إلى النتائج التي وصلتَ إليها بالفعل، وإلى النتائج التي تريد منهم الوصولَ إليها، وذلك من خلال أسئلتك.

استخدِمِ الإتاحةَ للتأكيد على سبب ضرورة اتخاذ إجراء على الفور. في أثناء تأليفي لهذا الكتاب تلقَّيْتُ إعلانًا إلكترونيًّا من شريك تجاري يبيع برنامجَ تدريبٍ عاليَ الجودة بسعر ١٤٩٧ دولارًا، وقد ذكرَتِ الرسالةُ الإلكترونية الإعلانية أنه لا يوجد سوى ٧٠٠ نسخة فقط من هذا البرنامج، وكل منها لها رقمٌ متسلسل، وبمجرد بيع هذا العدد لن يُنتَج مزيدٌ من النُّسَخ، ثم انتهى الإعلان عند هذا الحد. وبعد نحو أربع ساعات تلقَّيْتُ رسالةً إلكترونية أخرى تُعلِمُني بأنه قد باع بالفعل ٣٩٢ نسخة من البرنامج، والوقت ينفد أمامي لأحصل على نسختي، وأخبرني أيضًا بأنني إذا طلبتُ الآن وكان طلبي رقم ٧٠١، فإنه سيضطر إلى إعادة المال إليَّ. عليَّ الاعتراف أنه بسبب الرسالة الثانية، اضطررتُ إلى إلقاء نظرة مطولة على الموقع الإلكتروني، ومعرفة الأشياء التي يبيعها حتى أتأكَّد من أنني لا أضيع ما قد أندم عليه فيما بعدُ. إن هذا مثالٌ رائع على الحدِّ من توافُر المنتج وزيادة الرغبة من خلال ضغط الوقت.

أحد السبل الأخرى لاستخدام الإتاحة بفاعلية هو زيادة ضغط الوقت كما في المثال السابق. يمكن قياس الوقت بعدة طرق، لكن الأمر في النهاية يتعلَّق بضرورة فعل شيءٍ معين من أجل الحصول على فائدةٍ ما بسرعةٍ وإلا ستصبح غيرَ متاحة أو أغلى، ولهذا السبب يوجد تاريخ صلاحية لقسائم الشراء. ويمكن أن يصبح الوقت محدودًا أيضًا فيما يتعلق بمشروع بعينه؛ فإذا لم يُتَّخذ قرارٌ ما في وقت معين، فلن يتوافر الوقت الكافي لبدء المشروع أو إنهائه في خلال الإطار الزمني المحدد. كذلك قد تزيد التكاليف مع الوقت؛ إذ إنك تحصل على صفقةٍ أفضل إذا اشتريتَ الآن مقارَنةً بالسعر الذي تحصل عليه إذا انتظرتَ، أو تحصل على حوافز لن تكون متاحةً فيما بعدُ.

استخدِمْ مفهومَ الأفعال الصغيرة غير المترابطة حتى تدفع جمهورَك إلى اتخاذ إجراءات صغيرة تؤدِّي إلى إجراءات أكبر. عندما انضمَّتْ والدتي للطائفة، لم يطلبوا منها التخلِّي عن مدخرات عمرها، وأن تصبح تابعةً تمامًا للرجال، وتتخلَّى عن أصدقائها، وإنما قدَّموا لها ببساطةٍ دعوةً على العشاء حتى تلتقي ببعض الأشخاص؛ فلا ضيرَ في ذلك. دعاها هؤلاء الأشخاص إلى حضور خدمة في الكنيسة، ولا ضيرَ في هذا أيضًا. ثم دعاها الكاهن إلى الحضور مرةً أخرى؛ لا يبدو هذا التزامًا إلى حد كبير، لذلك ذهبَتْ. وفي الخدمة التالية، دعاها الكاهن إلى المذبح لتُقِرَّ بأن السيد المسيح هو مخلصها الشخصي. كانت هذه خطوة كبيرة للغاية، لكنها كانت منطقيةً في ظل تطوُّر الأحداث؛ فأدَّتْ كلُّ خطوة صغيرة إلى خطوة أخرى. وبإمكانك تطبيق الأمر نفسه مع عملائك؛ فدَفْعُهم إلى الموافَقة على سلسلة من الخطوات التالية التي تتخذونها معًا أمرٌ غير لافت. بعد ذلك، أنجِزِ الجزءَ المطلوب منك بالانتهاء من خطواتك بأقصى سرعة ممكنة وأعلِنْ عن هذا. حمِّلْهم المسئوليةَ بأن تطلب منهم تنفيذَ الخطوات التي اتفقتم عليها؛ فعندما يعلمون أنك ستؤدِّي الجزء الخاص بك، وستتابع معهم للتأكُّد من انتهائهم من الجزء الخاص بهم، يزيد احتمال إنجازهم العمل لأنهم لا يريدون أن يخذلوك، خاصةً عند وجود أُلْفة ومَحَبَّة بينكم.

توجد صلة وثيقة بين تحمُّل المسئولية والأفعال البسيطة غير المترابطة؛ لأن الناس يكونون أكثر استعدادًا لتحمُّل المسئولية عن النتائج الصغيرة منها لتحمُّل مسئولية النتائج الكبيرة.

أصبح الآن بإمكانك أن ترى مدى أهمية استخدام الأدوات المختلفة من أجل تحقيق مستويات أعلى من الإقناع. في هذه المرحلة، قد تستمر عملية الإقناع التي تقوم بها بضع دقائق أو أيام بناءً على النتيجة المطلوبة ومستويات الإقناع المطلوبة. وفي الفصول القادمة، سنطبق معادلة الإقناع على عملية البيع، وعلى إعداد حملة إعلانية قوية، وكتابة نُسَخ وخطابات مُقنِعة، وعلى عملية التفاوض. خطوة بخطوة، سنهيِّئ قصصَنا وجمهورنا، ونعرض رسالتنا على نحو مؤثر على جمهورنا المختار بعنايةٍ، ونضيف أساليب الإقناع الواحد تلو الآخر من أجل التكسير المنهجي للرفض الفطري، وتعزيز الشعور بالقبول والرغبة، ولدفع القرار نحو النتيجة التي اخترناها في النهاية.

عليك أن تنتبه إلى أن معادلة الإقناع يمكن تطبيقها وجهًا لوجه، أو كتابةً، أو عبر شبكة الإنترنت، أو عبر التليفزيون أو الراديو، أو في أي مجال آخَر تُتاح لك فيه فرصةُ التأثير في شخصٍ آخَر.

على الرغم من أن التلاعُب يتَّسِم بأنه أقلُّ تعقيدًا إلى حد كبير، فإنه أمر سلبي وتأثيره سريع الزوال. ربما تبدو معادلة الإقناع معقدة للوهلة الأولى، لكنها في الواقع ليست كذلك؛ فإنها تصبح — بقليل من الممارسة — جزءًا من شخصيتك وطريقة تعامُلك، تمامًا مثل الأكل والتنفُّس، وستصبح مهارةً تجيد استخدامها دون أن تَعِي ذلك، وستصبح مُدرِكًا تمامًا لنتائجها. يمكن تطبيق معادلة الإقناع في كافة المجالات، علاوةً على أنها تتيح لك فرصةَ الإقناع بكفاءة لا يمكن تصوُّرها؛ إنها مهارةٌ ستميِّزك وتفيدك كثيرًا طوال ما بقي من حياتك.

ملخص الفصل

  • تذكَّرِ المعادلة: التهيئة + العرض × التأثير = الإقناع.

  • حدِّدْ بوضوحٍ الرسالةَ التي ستبعثها والنتيجة التي ترغب فيها.

  • حدِّدْ جمهورك بوضوح قبل تقديم العرض.

  • اعرضْ عناصر الإقناع بحسب الحاجة طوال عرض الرسالة من أجل تقوية التأثير.

  • تدرَّبْ على معادَلة الإقناع حتى تصبح جزءًا من شخصيتك، وحتى تطبِّقها في كل موقف دون تفكير. إن هذه القدرة هي جوهر محترفي الإقناع.

أسئلة النجاح

  • ما المواقف الحالية التي يمكن دعمها بتطبيق معادلة الإقناع؟

  • من الجمهور الذي يمكن إضاعة وقتي معه ومَن الذين بإمكاني الحديث معهم بدلًا من ذلك؟

  • عندما أُقيِّم فُرَصي الحالية، ما عناصر الإقناع التي يجب عليَّ أن أقوم بها ضمن عملية الإقناع الحالية؟

  • مَن مِن الأشخاص الذين أعرفهم يطبِّق هذه العملية جيدًا؟ وكيف أجعله، أو أجعلها، يرشدني طوال عملية الإقناع؟

  • بإعادة النظر في الصفقات التي خسرتها، ما الذي كان بإمكاني تغييره حتى أقنعهم بفعل ما أريده؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤