الفصل الخامس

اجعلِ العلاقة متبادَلة

أيهما تعتقد أن تكون علاقةً أمامَها فرصةٌ أفضل للنجاح على المدى الطويل: علاقة يلتقي فيها طرفان عشوائيًّا في حانة، أم علاقة يتمُّ فيها تقديم الطرفين أحدهما للآخَر من قِبَل طرف ثالث يعرف كلَيْهما جيدًا بما يكفي للاعتقاد بأنهما قد ينسجمان معًا؟ في اللقاءات العشوائية، تعتمد على نفسك وقدرتك على تحديد ما إذا كان الشخص مناسبًا لك أم لا، من فورك. وفي اللقاء الأول مع شخصٍ ما، تضع ثقتك في الصديق الذي يرتَّب لهذا اللقاء بينك وبين هذا الشخص؛ فهذا الصديق علاوةً على معرفته بك فإن لديه حسًّا (أو بصيرةً بدرجةٍ ما أو بأخرى) حول ما تريده في شريك حياتك، ولكن ربما تبذل مزيدًا من الجهد لمنح «اللقاء المرتَّب له» فرصةً؛ لأن هذا الصديق بذل جهدًا فيه. والآن، فكِّر في هذا النوع من الديناميات في سياقِ صلتِه بالعلامات التجارية والمستهلكين.

يرى ستيوارت شيلدون أن «اللقاء المرتَّب له» أو الترشيح من مصدرٍ له احترامه، يتمتع بفرصة نجاح أكبر بكثير على المدى الطويل من «اللقاء» العشوائي بالعلامة التجارية. الهدف المهني بالنسبة إلى ستيوارت هو توعيةُ الآخرين بقوةِ تأثيرِ التسويق الشفهي، ومساعدةُ عملائه على تبنِّي التسويق الشفهي كاستراتيجية وأسلوب عمل.

يمتلك شيلدون خبرةً عريضة في هذا الصدد. جاء أول استخدام له لأسلوب الترويج والتسويق الشفهيين في عام ٢٠٠٣، بينما كان يشغل منصب كبير مديري العلامة التجارية في شركة كوكاكولا في الولايات المتحدة، حيث أطلق أول برنامج تسويق شفهي خالص في تاريخ شركة كوكاكولا. يتذكر شيلدون قائلًا: «كانت نتائجنا قوية وإيجابية جدًّا بحيث اضطرَّ فريقُ التحليل إلى إعادة اختبارها ثلاث مرات للتأكُّد من دقتها.» وبعد عامين، عيَّنَتْه كوكاكولا رئيسًا لفريق متعدِّد الوظائف لاستكشاف الكيفية التي ينبغي لكوكاكولا بها دمج الترويج والتسويق الشفهيين في أعمالها.

سوف يقنعك شيلدون — الذي يشغل حاليًّا منصبَ رئيس شركة اسكاليت، وهي وكالة تجريبية للتسويق الشفهي — أنه لا توجد طريقة أخرى أكثر فعاليةً من هذه الطريقة، في زيادة فرص نجاح العلاقة بين العلامة التجارية والمستهلكين. بطبيعة الحال، التسويق الشفهي ليس شيئًا جديدًا؛ إنه قائم على فكرة الاستفادة من شبكة الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل الخاصة بالشخص المؤثر، وذلك لتبادُل الرسالة مع الأعضاء المناسبين في تلك الشبكة، ثم ينقل هؤلاء الأشخاص الرسالةَ عبر شبكاتهم الموسعة. إذا كانت للشخص المؤثر تجربةٌ إيجابية مع العلامة التجارية، فإنه سينقلها إلى الأصدقاء أو أفراد الأسرة أو المعارف الذين سينظرون بجديةٍ إلى هذه التوصية بسبب علاقتهم بالمستهلك الأصلي. وبينما تنتقل الرسالة تصبح أضعف تأثيرًا؛ ومن ثَمَّ يجب تعزيزها باستمرار من خلال التواصل التقليدي للعلامة التجارية كي يتأتى الحفاظ على هذا التأثير الخاص بالشبكة. وعندما ينجح هذا المسعى، يكون أشبه بسلسلةٍ من اللقاءات المرتَّب لها، التي تسير على ما يرام وتتمخض عن الكثير من العلاقات القوية التي تنشأ بين العلامة التجارية والمستهلكين.

ويعتقد شيلدون أن المسوِّقين عادةً ما يُسِيئون استغلالَ هذه الفرصة الذهبية، للمشاركة والاستفادة من المحادثات التي تدور حول علاماتهم التجارية أو ربما يتجاهلونها. ويؤكِّد على أن التسويق الشفهي ينطوي على محادثة في اتجاهين بين العلامة التجارية والمستهلك. «التسويق الشفهي يشبه دخول المرء في علاقةٍ؛ فعندما تفعل ذلك، تثبت لشريك حياتك أنك تنصت له وتسمعه وتحترم رأيه. ربما لا تفعل بالضبط ما يطلبه في كل مرة، ولكن يجب عليك أن تُظهِر له على الدوام أنك تقدِّر ما يقول.»1

ما يشير إليه شيلدون هو أن العلامات التجارية والمستهلكين يجب أن يتواصلوا في نهاية المطاف كما يتواصَل شخصان في علاقةٍ أحدهما مع الآخر. وتحاول علامات تجارية عدة (في الواقع، المسوقون لها) التظاهُر بأنها وحدها المسيطرة على العلاقة؛ وهو الأمر الذي ينجح بالقدر نفسه في العلاقة بين شخصين. في هذا النموذج، إذا أعلنَتِ العلامة التجارية عن نفسها بوضوح وبما فيه الكفاية (فكِّرْ في كميات كبيرة من الإعلانات المدفوعة، أو حتى ملايين الأشخاص الذين ينقرون على «أعجَبَني» في فيسبوك)، فربما يعتقد فريق التسويق أنه بمقدورهم جعل المستهلكين يفكِّرون في خطة التسويق، ويقولون ويفعلون بالضبط ما تُمْلِيه عليهم. ولكن في الواقع، سوف يشكِّل المستهلكون آراءَهم المباشرة الخاصة حول العلامة التجارية على أساس عددٍ من العوامل، التي من بينها (وعلى نحوٍ رئيسي) تجاربُهم الخاصة. وكذلك لن يخجلوا من مشاركة تلك الآراء مع الآخرين؛ وفي كل عامٍ سيوجد المزيد من المنافذ القوية لهذه المشاركات. ما يقوله المستهلكون شيءٌ خارج عن نطاق سيطرة المسوِّق، ولكنه شيء لا يخرج عن نطاق تأثيره. يقول شيلدون: «لا تنقطع المحادثات بين المستهلكين؛ يتحدَّث الأشخاص عن علامَتِي التجارية مليارات المرات في الولايات المتحدة وحدها. والأسئلة التي يجب أن أطرحها على نفسي هي: (١) هل أريد أن أعرف ما يقوله المستهلكون حول علامتي التجارية؟ (٢) إذا كانت الإجابة بنعم، فما المحادثات التي أريد أن أشارك فيها أو أبدأها؟ (٣) وأخيرًا: كيف أفعل ذلك؟»

سوف نفترض أن الإجابة على السؤال ١ هي نعم. وكما يقول شيلدون، تُجرَى المحادثات بالفعل. ويشير موضحًا: «مع وجود مئات من دراسات الحالة والأبحاث والكتب التي توثِّق الترويج الشفهي باعتباره المحرك الأساسي للإدراك والشراء، وربما حتى الأداء المستقبلي للشركات المتداولة علنًا، فإن مدير العلامة التجارية الذي يهتم بجدوى وفعالية مهمته على المدى الطويل يجيب بالتأكيد على السؤال ١ بنعم.»

ستُحدِّد إجابتا السؤالين ٢ و٣ نجاحَ استراتيجية التسويق الشفهي. إذا كان الهدف النهائي للعلامة التجارية هو كسب مستهلكين يؤيدونها ويتحمسون لها مدى حياتهم — مع وجود ارتباط قوي بالعلامة التجارية، يرغب المستهلكين في التسويق الشفهي لها في كل مكان — يجب أن يُختار هؤلاء المؤيدون بعناية، من بين مستهلكي العلامة التجارية. هذه هي استراتيجيةُ الشخص المؤثر الكلاسيكيةُ التي كنَّا نناقشها: يجب أن يكون الشخص المؤثر تجسيدًا للعلامة التجارية، ويكون شخصًا ينال إعجاب الآخرين ويرغبون في اتِّباعه. ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك؛ ففي العالم المثالي، سيعرف هؤلاء الأشخاص المؤثرون أنفسهم الأشخاصَ المناسبين لممارسة تأثيرهم عليهم.

يقول شيلدون: «إذا كان الشخص المؤثر يتحدث إلى أشخاص غير مناسبين بشأن العلامة التجارية، فإن الرسالة تصل إلى المستهلك غير المناسب، لكن الأهم من ذلك أن الشخص المؤثر يبدأ في فقدان المصداقية. فالعلامة التجارية القوية تمتلك جيشًا من المؤيدين الذين لديهم قدرٌ من الوعي بعلاقاتهم بالآخرين، يكفي لمعرفة الأشخاص الذين ينبغي أن يشاركوهم رسالةَ العلامة التجارية. هذا هو الفرق بين برامج التسويق الشفهي الناجحة وغير الناجحة.»

وفقًا لجمعية التسويق الشفهي، يتلقَّى الشخص البالغ في المتوسط ثلاثةَ آلاف رسالة تسويقية في اليوم. ويشير ثلاثة أرباع هؤلاء المستهلكين إلى أنهم يشكُّون في نزاهة تلك العلامات التجارية، التي تدفع مقابل عرْضِ تلك الرسائل على شاشات التليفزيون ومحطات الإذاعة واللوحات الإعلانية واللافتات الإعلانية الرقمية، وما إلى ذلك. وفي الوقت نفسه، وفقًا لمجموعة كيلر فاي — وهي شركة لتقييم التسويق الشفهي — يشير ما يقرب من ٨٠ بالمائة من المستهلكين إلى أن التسويق الشفهي يلعب دورًا في مشترياتهم، مع إشارةِ نحوِ ٢٠ بالمائة إلى أن كل قراراتهم المتعلقة بالشراء تُتَّخَذ من خلال التسويق الشفهي؛ لذلك كيف يمكن لفريق التسويق تصميم برنامج يولِّد حديثًا شفهيًّا إيجابيًّا؟ دَعْنا نُلْقِ نظرةً على برنامج حقَّقَ نجاحًا مذهلًا، ساعَدَ ستيوارد شيلدون في تصميمه بالصدفة البحتة.

(١) مذاق حقيقي للكولا دون سعرات حرارية

في عام ٢٠٠٥، شرعت شركة كوكاكولا في أضخم عملية إطلاق لمشروب كولا غازي منذ تقديم نيو كوك عام ١٩٨٥. كانت الشركة تأمل بالتأكيد أن يحقِّق هذا المشروب نتائجَ أفضل. وفي محاولة للحفاظ على المستهلكين الذكور الذين يهتمون بكَمِّ السعرات الحرارية ضمن مستهلكي منتجات شركة كوكاكولا، كانت كوكاكولا على وشك إطلاق منتجِ كولا جديدٍ خالٍ من السعرات الحرارية. على الرغم من أن الشركة كان لديها منتجُ كولا للحِمْية ناجحٌ للغاية هو دايت كوك، فإنها كانت تفتقر إلى نسخة خالية من السعرات الحرارية لها مذاق مماثل لنسخة كوكاكولا المحلَّاة.

أظهرت أبحاث السوق أن بعض المستهلكين — أغلبهم من الذكور — لن يتحولوا من مشروب كوكاكولا إلى مشروب دايت كوك، عندما يتقدَّمون في العُمْر ويهتمون أكثر بحساب السعرات الحرارية. أرادت هذه المجموعة من المستهلكين مذاقَ العلامة التجارية كوكاكولا، ولكنْ دونَ سكرٍ وسعرات حرارية. اعتقدت كوكاكولا أنها اكتشفَتْ سرَّ إبقاء هؤلاء الرجال ضمن مستهلكيها قبل عامٍ من ذلك، من خلال مشروب كولا يحتوي سبعين سعرًا حراريًّا اسمه كوكاكولا سي تو، ولكن لم يكن سي تو هو ما يتطلَّع إليه المستهلكون.2 كان عليهم أن يختاروا إما التضحية بالمذاق لصالح الخلو من السعرات الحرارية، وإما الاستمتاع بالمذاق دون الاهتمام بالسعرات الحرارية. لم يكونوا ليرضوا بأنصاف الحلول، فيضحوا بنصف المذاق ونصف السعرات الحرارية. من الواضح أن المنتج المثالي سيقدِّم لهم كلتا الميزتين: مذاق رائع ومشروب خالٍ من السعرات الحرارية؛ لذا عادت كوكاكولا إلى المختبر لتطوير منتج خالٍ تمامًا من السعرات الحرارية يكون أقرب إلى نسخة كوكاكولا المحلَّاة من أي شيء آخَر طُرِح سابقًا في السوق، وسيُطلَق على العلامة التجارية اسم «كوكاكولا زيرو». سيركِّز المنتج على الشباب الباحثين عن مذاق الكولا الحقيقي دون أي سعرات حرارية، وهدف كوكاكولا منه أن يصبح هذا المنتج علامةً تجارية ضخمة.
أُطلِقت العلامة التجارية بإعلانٍ عنوانه من كلمة واحدة هي «استرخِ». هذا الإعلان كان نسخة حديثة من إعلان كوكاكولا الكلاسيكي لعام ١٩٧٢ بعنوان «أودُّ أن أُعلِّم العالَم الغناء». على الرغم من أن الإعلان أثارَ ضجةً كبيرة، فإنه أكَّدَ على الانتعاش ولم يتحدَّث عن المذاق، إلا أن كارين باسكوال سيكلر — المديرة الجديدة للمجموعة — كانت على وشك تغيير ذلك؛ إذ كان هدفها هو التركيز الشديد على تشابُه المذاق مع مذاق كوكاكولا كلاسيك التابع للعلامة التجارية، فكانت تقول: «كل شيء نقوم به يتمحور حول توصيل رسالة المذاق تلك.»3

أطلقت كوكاكولا زيرو حملةً ساخرة جديدة ظهر فيها ممثِّلَيْن يؤدِّيان دورَ «مديري علامة التجارية» لدى كوكاكولا كلاسيك، ويُجرِيان لقاءات مع محامين فعليين (بما في ذلك محامون متخصصون في مجالَي العقارات والهجرة). وسُجِّلَت اللقاءات باستخدام كاميرا خفية؛ فلم يكن المحامون يعلمون أنه يتم تصويرهم. صوَّرَتِ الإعلاناتُ مديري العلامة التجارية وهما يريدان رفع دعوى قضائية ضد فريق العلامة التجارية كوكاكولا زيرو بسبب «انتهاك حقوق المذاق»؛ فمذاقُ كوكاكولا زيرو يشبه كثيرًا مذاق كوكاكولا. جلس المحامون — الذين لم يكونوا يدركون أنهم يتعرَّضون لخدعة ساخرة — مندهشين، ولكن بذلوا قصارى جهدهم للرد. كانت الحملة الإعلانية مضحكةً ولا تُنسَى، وأرسَتْ توقُّعات عالية على المنتج.

رسَّخَتِ الحملة سمعةً جعلت المستخدمين المحتملين يريدون التعرُّف على هذه العلامة التجارية الجديدة. احتاج فريق التسويق إلى إيصال المنتج لأيدي المستهلكين بطريقةٍ لا تُنسَى؛ لذا نشر الفريق مذكرةً طلبَتْ من وكالات معينة إعداد برنامج تجريبي. وكجزء من إسهاماته، أوصى شيلدون ووكالته — اسكاليت — أن يكون الترويجُ الشفهي ركيزةً أساسية في البرنامج. ولعِلْم فريق كوكاكولا زيرو أن من الضروري للعلاقة مع المستهلك أن يتجاوز زخمُها اللقاءَ إلى حدٍّ بعيدٍ، اختار الفريق اسكاليت لتكون وكيلةَ هذا البرنامج.

(١-١) تناقُل الحديث

تشير حكمة التسويق التقليدية إلى أن الشركة يجب أن تكون الداعم الأول للعلامة التجارية، فتضع أكبر قدر ممكن من العينات في أيدي المستهلكين، وتجذب الانتباه من خلال الإعلانات، ورعاية الفعاليات المهمة، وغير ذلك من جهود الشركة. كان نموذج اسكاليت مختلفًا تمامًا؛ فقد خطَّطَتْ لإثارة اهتمام المستهلكين من خلال الدعم والتوصيات المقدَّمة من الآخرين؛ أو بعبارة أخرى أقرانهم. صاغ شيلدون ذلك بلغة العلاقات العاطفية: «التسويق التقليدي يتمحور حول تقبيل أكبر عدد ممكن من الفتيات، وبأسرع ما يمكن. نحن نعتقد أن العلامة التجارية يجب أن تمضي وقتًا في التعرف على الشخص أولًا، بحيث إذا ما قبَّلَتْه، تزداد احتمالات أن تؤدِّي هذه القبلة إلى ما هو أكثر من ذلك كثيرًا.»

لم يكن سمت هذا البرنامج «تقبيل أكبر عدد ممكن» من المستهلكين، بلغة العلاقات العاطفية، ولم يكن ليُصَمَّم في جلسةِ عصفٍ ذهني تقليدية تُطرَح فيها الآراء حول العلامة التجارية. بدلًا من ذلك، طُوِّر البرنامج ونُفِّذ من خلال إفساح المجال أمام ما أُطلِق عليه «رابطة كوكاكولا زيرو» ليلعب دورًا حيويًّا في العملية. شُكِّل فريق رابطة كوكاكولا زيرو من أكبر المُعجَبين الأوائل بكوكاكولا زيرو؛ الأشخاص المؤثرين المنتمين لكوكاكولا زيرو، وهم الذكور من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والرابعة والعشرين، الذين كانوا يبحثون عن مذاق الكولا الحقيقي ولكن دون السعرات الحرارية. سوف يُدْعَون من أجل الإدلاء بأفضل أفكارهم عن برنامجٍ سيجعل الأهلَ والأصدقاءَ مهتمين ومنخرطين في علاقةٍ مع العلامة التجارية.

تتمثَّل الخطوة الأولى في تشكيل هذه المجموعة من المعجبين المتحمسين لكوكاكولا زيرو. محاولةُ تحديدِ أكثر المُعجَبين المتحمسين لهذه العلامة التجارية الجديدة نسبيًّا لربما كانت تمثِّل تحدِّيًا، ولكن فريق اسكاليت كان مستعدًّا لها. تمتلك كوكاكولا برنامجَ ولاءٍ خاصًّا بجميع علاماتها التجارية يُطلَق عليه «مكافآت كوكاكولا»، يُكافَأ فيه المستهلِكون بنقاطٍ لشراء «أشياء» في أي وقت يشترون فيه أيَّ منتج من منتجات كوكاكولا؛ ما داموا يُدخِلون الرمزَ الموجود على الجزء السفلي من الغطاء في حساباتهم الإلكترونية. يمنح هذا البرنامج كوكاكولا ميزةَ التعرُّف على كلِّ عضوٍ وماهية العلامة التجارية التي يشتريها؛ ومن ثَمَّ فإن الفريق كان قادرًا بسهولة على تحديد مجموعة الأشخاص الذين يكثر شراؤهم لمنتج كوكاكولا زيرو.

للانضمام إلى فريق رابطة كوكاكولا زيرو، كان عليك أيضًا أن تُظهِر سلوكًا يبيِّن أنك قادر على التأثير على الآخرين، وكان عليك أن تُظهِر أنك من أشد المُعجَبين بالعلامة التجارية. طُوِّرت عمليةٌ للمتابعة المباشِرة لأولئك المستهلكين الذين اعتُبِروا مبدئيًّا من الأشخاص المؤثرين المحتملين. وعلى أساسِ عددٍ من العوامل، مثل السن والمكان وعدد عمليات شراء كوكاكولا زيرو والاستعداد للانخراط في أنشطة التسويق، دُعِي نحو ألف ومائتا معجبٍ بكوكاكولا زيرو هم الأكثر نشاطًا والتزامًا وحماسًا للانضمام إلى الفريق.4

على مدى الأَشْهُر الثمانية التالية، شارَكَ أفراد مجموعة رابطة كوكاكولا زيرو في محادثات — إلكترونية وشخصية — وورش عمل مع فريق العلامة التجارية كوكاكولا زيرو والوكالات التابعة له. تركَّزَتِ المناقشات حول الأمور التي تهمهم، ونقاط شغفهم، والرياضات والألعاب التي يستمتعون بها، وما يفعلونه في أوقات فراغهم، وطُلِب منهم أيضًا تحديد أفضل مكانٍ لعقد الفعاليات التجريبية في أسواقهم المحلية. أُدخِلت كل هذه المعلومات إلى تصميم البرنامج بما في ذلك الاسم النهائي، «كوكاكولا زيرو، إنها ممكنة»، الذي ابتكَرَه أيضًا فريقُ رابطة كوكاكولا زيرو. بعد ذلك صقلت الوكالة البرنامج ونفَّذَتْه، بمشاركةٍ متواصلةٍ من فريق رابطة كوكاكولا زيرو، من خلال استمارات التقييم ومقابلات المتابعة.

بينما كانت مجموعة رابطة كوكاكولا زيرو تصمِّم برنامج «كوكاكولا زيرو، إنها ممكنة»، بدأ يحدث شيء مثير للاهتمام؛ بدأ أفرادُ مجموعة رابطة كوكاكولا زيرو التحدث عن هذا المشروب. أشار ما يقرب من ٧٠ بالمائة منهم أن احتمال تبادُل المعلومات حول كوكاكولا زيرو مع الآخرين زاد. في الواقع، كانت تُجرَى عشرات الآلاف من المحادثات حول كوكاكولا زيرو — محادثات شخصية وهاتفية وإلكترونية — لم تكن لتُجرَى لولا الاستعانة بمجموعة رابطة كوكاكولا زيرو. وعلاوةً على ذلك، أشار ما يقرب من ٤٥ بالمائة من أعضاء رابطة كوكاكولا زيرو، إلى أنهم جعلوا أصدقاءهم يجرِّبون كوكاكولا زيرو للمرة الأولى. حدث كل هذا قبل حتى بدء الجزء التجريبي من البرنامج!

(١-٢) توجيه دفة الحديث

تحوَّلَتْ تجربة كوكاكولا زيرو إلى حدث تفاعلي متنقل وُجِد في أحداث حية مختلفة، من الحفلات الموسيقية حتى الفعاليات الرياضية. كان الهدف يتمثل في توزيع نحو خمسة عشر مليون عينة من كوكاكولا زيرو. وأُطلِق المشروب في اليوم الأول من عام ٢٠٠٩ في روز بول في لوس أنجلوس، وعلى مدى الأشهر الاثني عشر التالية وصلت كوكاكولا زيرو إلى ألفَيْ حَدَث في أربعين سوقًا. وكجزء من نتيجة ترشيحات فريق رابطة كوكاكولا زيرو، شمل شركاءُ تفعيل العلامة التجارية الجديدة الرابطةَ الوطنية لرياضة الجامعات، وشركةَ إيه إم سي ثيترز، وديزني، وسيكس فلاجز، وبابا جونز، وآخرين. وتضمَّنت العناصر صالةَ ألعابٍ إلكترونية تتيح ألعاب إي إيه سبورتس وإكس بوكس، وكذلك ألعابًا من نوع ألعاب الفيديو التقليدية (مثل ألعاب تصويب كرة السلة). وكان إجراء التسويق الشفهي بالغَ الأهمية ليُتابَع؛ حيث طُلِب من الضيوف المشاركة في مشروع بحثي مخصوص يمكِّنهم من إخبار العلامة التجارية بالمحادثات التي أجروها حول كوكاكولا زيرو؛ ومن خلال هذا الإجراء، اكتشف فريق كوكاكولا زيرو أنه من بين أولئك الذين جرَّبوا كوكاكولا زيرو للمرة الأولى في هذا الحدث، ذكَرَ نحو ٧٨ بالمائة أنهم رشَّحوها لآخرين بمتوسط أحد عشر شخصًا آخَر. لكن الأمر الأكثر قوةً هو أن العلامة التجارية شهدت زيادة كبيرة في عدد المستهلكين الذين «التقوا» العلامة التجارية بالفعل من قبلُ، وكانوا ينخرطون معها مرة أخرى في علاقة. وعزم أكثر من ثلثَي الأشخاص، الذين جرَّبوا بالفعل المنتجَ وشاركوا في التجربة، على ترشيح العلامة التجارية لآخرين.

لكن الرائع في البرنامج حقًّا هو ما كان يُقال عن العلامة التجارية. أظهرت الأبحاث أن القيمة تخطَّتْ بكثير الخبراتِ نفسها، فتَمَّ قياس بندين؛ كان أولهما هو العدد المباشِر للأفراد المتأثرين، وقد قُسِّموا إلى ثلاث مجموعات: الجيل صفر (أولئك الأشخاص الذين يكونون على اتصالٍ مباشِرٍ مع كوكاكولا زيرو في حدثٍ ما)، والجيل ١ (الأصدقاء والمعارف الذين أخبرهم الجيلُ صفر بشيءٍ عن هذا الحدث)، والجيل ٢ (أصدقاء ومعارف الجيل ١، الذين يمثِّلون الفئةَ التي نُقِلت إليها المعلوماتُ على المستوى الثاني). أما القياس الثاني، فكان لنوعية المحادثات. بعبارة أخرى، لم يلحظ الباحثون إذا كانت المحادثة جرَتْ أم لا فحسب، لكنهم رصدوا أيضًا ما كان يقال، وما وجدوه كان لافتًا للانتباه.

دَعْنا نبدأ مع نوعية المحادثات. من بين المحادثات التي جرت بين أولئك الذين ذهبوا إلى الحدث وأصدقائهم وأُسَرهم (الجيل صفر والجيل ١)، دار ٥٨ بالمائة حول مذاق كوكاكولا زيرو، ودار ٢٣ بالمائة حول خلوِّ العلامة التجارية من السعرات الحرارية. بعبارة أخرى، كان أكثر من ٨٠ بالمائة من المحادثات التي قيست، والتي كانت تدور حول كوكاكولا زيرو؛ يمثِّل بالضبط الرسالةَ التي أراد فريقُ العلامة التجارية توصيلَها. وكان هذا أمرًا عظيمًا!

من بين أولئك الذين شهدوا الحدث (الجيل صفر)، أشار نحو ٨٠ بالمائة منهم إلى أنهم أخبروا شخصًا واحدًا آخَر على الأقل عنه؛ وعند حساب المجموع بأكمله، نجد أن الجيل صفر أخبر ما يقرب من أربعين مليون شخص (الجيل ١)؛ وعندما سمع الأربعون مليون شخص هؤلاء بهذا الحدث، أخبروا آخَرين أيضًا في شبكتهم (الجيل ٢). على الرغم من أن آثار التسويق الشفهي لم تكن قويةً مثلما كانت مع الجيل صفر، فإن عددًا من أعضاء الجيل ١ شاركوا الرسالةَ مع شخصٍ واحد على الأقل. ووفقًا لتقديرات فريق كوكاكولا زيرو، تجاوَزَ عدد أفراد الجيل ٢ سبعةَ ملايين شخص. وبحساب العدد كله نجد أن العدد الإجمالي للأشخاص الذين سمعوا عن هذا الحدث تجاوَزَ ١١٠ ملايين شخص!

كان الجانب الذي يستحق التأمُّل في البرنامج هو أن التجربة الحية المباشِرة في الموقع لم تُنتِج معدلَ تمريرٍ أقوى للرسالة فحسب، بل أوصلَتْ كذلك الرسالة الصحيحة تكرارًا بمعدلٍ فاقَ محادثات وسائل التواصل الاجتماعي (أحيانًا يُشار إليها باسم «التسويق الشفهي الرقمي») حول كوكاكولا زيرو. ما مدى تكرار انتقال رسالة كوكاكولا زيرو الصحيحة (مذاق كوكاكولا الحقيقي الخالي من السعرات الحرارية) عن طريق أولئك الذين خاضوا الحدث فعليًّا، مقابل الذين سمعوا عن كوكاكولا زيرو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؟ بناءً على ما ناقشناه، ما هي تخميناتك؟ ربما يمكنك أن تفترض أن المستهلكين الذين شهدوا الحدث الفعلي فهموا الرسالة على نحوٍ أكثر وضوحًا، وزادت احتمالات إخبارهم الآخرين بها. ولكن ما مدى زيادة دقة نقلهم للرسالة الصحيحة؟ هل كانت ٢٠ بالمائة؟ ٥٠ بالمائة؟ ١٠٠ بالمائة؟ خمِّنْ مرةً أخرى. كان معدل نقل الرسالة الصحيحة أعلى «بخمسة عشر ضِعْفًا» إذا حضر المستهلك حَدَثًا حيًّا ممَّا لو تفاعَلَ عبر وسائل التواصل الاجتماعي فحسب. بعبارة أخرى، ثبت أنه من الأصعب توصيل رسالة العلامة التجارية بدقة للآخرين إذا كان الشخص قد شارَكَ إلكترونيًّا فقط، ولم يشارك فعليًّا في التجربة.

ربما تقول: تمهَّلْ لحظة. كل ما سمعناه خلال السنوات القليلة الماضية هو كيف أن وسائل التواصل الاجتماعي تغيِّر الطريقةَ التي نحتاج بها إلى التسويق. أَلَا يتمحور الأمر حول نشر رسالة رقمية والانخراط في علاقة مع المستهلك عبر وسيلة إلكترونية؟ حسنًا، بالتأكيد، ولكن ذلك لا يكون إلا بدرجة ما. وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تحل — ولن تحل — أبدًا محلَّ التجربة الفعلية للعلامة التجارية. ولأن هذه نقطة ربما ينساها العديدُ من المسوِّقين الآن (أو أنهم لا يفهمونها)، دَعْنا نَقْضِ بعضَ الوقت في الحديث عنها.

(٢) وسائل التواصل الاجتماعي في المخطَّط العام للأشياء

تمتلك شركةُ قياس التسويق الشفهي كيلر فاي خدمةً مرخَّصةً باسم «توك تراك» TalkTrack، تقيس التسويق الشفهي النَّشِط. فكِّرْ في هذه الخدمة باعتبارها معادلًا لنظام تقييم نيلسن لجماهير التليفزيون، باستثناء أنها تُجرِي تقييمًا لمناقشات العلامة التجارية بين الأفراد بغضِّ النظر عن اختلاف الطريقة التي جرَتْ بها. وتشمل هذه الطرقُ المحادثاتِ عبر الإنترنت، والمشاركاتِ في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك المحادثات التقليدية بين الأشخاص مثل المحادثات الهاتفية والمناقشات وجهًا لوجه. تُجرِي خدمةُ توك تراك مقابلاتٍ مع عينة وطنية كبيرة ومعبِّرة (تُجرِيها كلَّ سنة على عددٍ يبلغ ستة وثلاثين ألفَ أمريكيٍّ في عمر الثالثة عشرة ويزيد)، ويُقيَّم نحو ٣٥٠ ألفَ محادثةٍ حول العلامات التجارية سنويًّا، مع تحديث المعلومات كلَّ أربعٍ وعشرين ساعة.

وفقًا لخدمة توك تراك، مقدار المشاركات الاجتماعية التي تُجرَى خارج نطاق الإنترنت، وذلك بنحو أساسي في سياق المحادثات الشخصية أو الهاتفية (تحدُّثًا، وليس عبر الرسائل النصية)، يفوق كثيرًا أيَّ شيء على الإنترنت. وعلى الرغم من تصوُّرنا أننا مجتمعٌ أدمَنَ استخدامَ هواتفه الذكية وأجهزة آي باد، فإن الحقيقة هي أن معظم محادثاتنا حول العلامات التجارية تحدث أثناء الوجود الفعلي لشخصٍ آخَر. ووفقًا لخدمة توك تراك، يُعَدُّ التسويق الشفهي خارج الإنترنت مسئولًا عن ٩٠ بالمائة من إجمالي التسويق الشفهي المرتبط بالعلامات التجارية، في حين تمثِّل وسائل التواصل الاجتماعي ٢ بالمائة.

حتى في نطاق الفضاء الإلكتروني، لا تهيمن وسائلُ التواصل الاجتماعي على المحادثات. يقول إد كيلر رئيس مجموعة كيلر فاي: «فيما يتعلَّق بالترويج الإلكتروني للعلامات التجارية، تتحمَّل الرسائلُ الفورية أو الرسائل النصية النصيبَ الأكبر من المسئولية؛ وهو ما يقرب من نصف المحادثات. وتبلغ حصة البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي نحو نصف هذا المستوى؛ لذلك فالرسائل الفورية/الرسائل النصية والبريد الإلكتروني جميعها مسئولة عن أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي المحادثات الإلكترونية حول العلامات التجارية، في حين أن وسائل التواصل الاجتماعي مسئولةٌ عن الرُّبْع.»5
تتوافق هذه النتيجة مع النتائج التي توصَّلَ إليها ألكسيس مادريجال، الذي كشف في مقالٍ في مجلة «ذي أتلانتيك» في أكتوبر ٢٠١٢ تحليلًا أشار إلى أن المستخدمين حين يُوَجَّهون إلى مواقع إلكترونية أخرى، فإن معظم التسويق الشفهي لا يكون عبر قناة وسائل التواصل الاجتماعي. في الواقع، ذكر مادريجال أن نحو ٦٩ بالمائة من نسبة استخدام الشبكة جاءت عبر «طرق غير خاضعة للقياس»، عادةً في شكل بريد إلكتروني ونصوص، مقارَنةً بنسبة ٢٠ بالمائة فقط قادمة من فيسبوك، و٦ بالمائة قادمة من تويتر.6

ثمة قول مأثور شائع في عالم الأعمال: «يمكنك تحريك ما يمكنك قياسه.» ونحن كمسوِّقين نميل إلى الاهتمام بشدة بأحدث الصيحات أو الاتجاهات — سواء أكان فيسبوك أم بينتريست؛ موقع التواصل الاجتماعي الجديد والمثير — ونرغب بطبيعة الحال في ضمان أن تتواجد علاماتنا التجارية على هذه المواقع. يحاول الأكاديميون وشركاتُ التحليلات بنشاطٍ تطويرَ أجهزة قياسٍ مناسبة لهذه التكنولوجيا الجديدة. بالطبع، ستستمر التكنولوجيات الحديثة والمبتكرة في التطور؛ إننا فقط شرعنا لتوِّنا في إدراك قوتها؛ على الرغم من أنها الآن — في ظل المخطَّط العام للأشياء — ضئيلةٌ.

لا يزال وجود علاقة فعَّالة مع إنسانٍ آخَر يتطلَّب تفاعلًا مباشِرًا أو وجهًا لوجه، ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن العلامات التجارية. عندما يقول إد كيلر: «ليس لمجرد كون الترويج الشفهي صعبَ القياس نقول إنه ليس حقيقيًّا، أو إنه ينبغي للمسوِّقين تجاهُله.»7

في الواقع، تُظهر بيانات كيلر أننا ينبغي أن نولي مزيدًا من الاهتمام للتفاعل الفعلي بين العلامة التجارية والمستهلك. والمسوِّقون الذين يتجاهلون الواقع، ويركِّزون فقط على التفاعلات الرقمية على حساب خبرات المستهلك الواقعية؛ يخاطرون ببناء علاقة مصطنعة مع المستهلك؛ فالناس يعيشون حياة حقيقية. ونحن كمسوِّقين، يجب علينا أن نجد وسائلَ للاستفادة من تلك الحياة الحقيقية، واكتشاف كيف يمكننا إقامة علاقة رومانسية مع العلامة التجارية من خلال تبادُل الخبرات. والنظرُ من خلال الدعاية المفرطة في وسائل التواصل الاجتماعي يمنحنا توقُّفًا لفترة وجيزة، من أجل تحديد ما إذا كنَّا في الواقع نفعل الأشياء الصحيحة لإقامة علاقة أشمل بالمستهلك، وضمان أن ترتقي علاقتنا به إلى المستوى التالي.

(٣) صُنع التجربة المثالية

كيف يمكننا أن نكتسب خبرة تمكننا من إشراك المستهلكين استباقًا في محادثات مع آخرين؟ يجب أن تكون علاقتنا بالمستهلكين في مرحلةٍ يرغبون فيها في إخبار الآخرين عن علاقتهم العاطفية مع العلامة التجارية. وبناءً على ما ناقشناه حتى الآن في هذا الفصل، ثمة ثلاثة مبادئ ينبغي وضعها في الاعتبار: الاستفادة من الأشخاص المؤثرين، والتركيز على التفاعل، وفهم الدور الصحيح لوسائل التواصل الاجتماعي.

(٣-١) تحفيز الأشخاص المؤثرين

كل قصة نجاح لعلامة تجارية حلَّلناها حتى الآن حدَّدت مجموعةً أساسية من المستهلكين يمثِّلون أشد المستخدمين تحمُّسًا ودعمًا لتلك العلامة التجارية؛ فكبار الرياضيين بالمدارس الثانوية في حالة باوريد، والشابات الرائدات في مجال الموضة في حالة سمارت ووتر، والأشخاص المثيرون للاهتمام في العشرينيات من العمر في حالة دوس إكيس؛ كانوا جميعًا أشخاصًا مؤثرين لعبوا دورًا حاسمًا بأن تبنَّوْا في البداية العلامةَ التجارية ونشروا رسالتها. ولكن ما رأيناه مع كوكاكولا زيرو هو أن فريق التسويق لم يعتمد فقط على التواصل السلبي للشخص المؤثر؛ وإنما شجَّعوا الأشخاص المؤثرين استباقًا على أن يصبحوا دعاةً للعلامة التجارية من خلال برنامج التسويق الشفوي.

منح فريق كوكاكولا زيرو دعاةَ العلامة التجارية المسئوليةَ المطلقة؛ فجعلوهم يلعبون دورًا رئيسيًّا في تصميم برنامج تسويق ضخم ومؤثر للعلامة التجارية. ولم يُشعِر هذا دعاةَ العلامة التجارية بأن لهم الفضل في نجاحها فحسب، بل منحهم أيضًا منبرًا للتحدث عن هذه العلامة التجارية الجديدة مع أصدقائهم. ولأن أعضاء فريق رابطة كوكاكولا زيرو كانوا مجموعةً جذَّابة ومؤثرة، فإن مناقشتَهم البرنامجَ حتى قبل إطلاقه منَحَ كوكاكولا زيرو الاهتمامَ المناسب بين الأشخاص المناسبين؛ فكان البرنامج ناجحًا حتى قبل أن يُطلَق. كيف يمكنك تحفيز أبرز مؤيدي علامتك التجارية، بحيث يتجاوز تأييدُهم لها الحديثَ عنها إلى لعب دورٍ نَشِط في تجنيد أشخاص آخرين من أجل الترويج لها؟

(٣-٢) التركيز على التفاعل

في المخطط العام لسلوك المستهلك، من السهل نسبيًّا زيادة الوعي بشأن منتجك وتحفيز المستهلك على تجريبه؛ فقط ادعمْ جهودَك بما يكفي من الموارد والمال. الأمر الأكثر صعوبةً هو دفع شخص إلى العودة إلى علامتك التجارية. وكما ناقشنا سابقًا، فإن بناءَ سمعتك المبدئية، وضمانَ أن يكون أول لقاء يجمع بين المستهلك وعلامتك التجارية رائعًا؛ سيدفعانك بقوةٍ نحوَ النجاح.

في شركة كوكاكولا، دائمًا ما كنا ننظر عن كثب إلى رقم التكرار؛ المقياس الذي يشير إلى ما إذا كان المستهلك قد عاد لهذه العلامة التجارية فعليًّا مرةً ثانية وثالثة ورابعة أم لا. حينَها تعلم أن هذه العلاقة الناشئة يمكن أن تتحول إلى علاقة رومانسية، وتعلم ما إذا كان هناك احتمال لتجنيد ما يكفي من دعاة أوليين للعلامة التجارية لبدء تحريكها. على الرغم من أن الإعلانات التليفزيونية والإذاعية ومقاطع الفيديو ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا، فإن الأمر برمته لا بد أن يبدأ بتلك التجربة «الشخصية» مع العلامة التجارية.

التجارب القليلة الأولى التي يمر بها المستهلك مع العلامة التجارية، كما أوضح العديد من أمثلتنا، تلعب دورًا بالغَ الأهمية في تحديد الكيفية التي تعبِّر بها العلاقة بين العلامة التجارية والمستهلك عن نفسها. تذكَّرْ ماما شيا وكوكاكولا زيرو وباوريد. العلاماتُ التجارية التي تستثمر في التجارب الأولى وتعمل على التأكد من ارتباطها باحتياجات المستهلك ورغباته، هي العلامات التجارية التي تحقِّق نجاحًا في أغلب الأحيان. هذه التجارب الأولى تحدد أمرين: (١) الأثر الذي سوف تُحدِثه العلامة التجارية بعد مرحلة التجربة والتكرار الأولية، (٢) هل كان ثمة شعور قوي بهذا الأثر يكفي لجعل المستهلكين يرغبون في نشر الرسالة للأشخاص المقرَّبين منهم والأعزاء عليهم. في هذه المرحلة، نكون في وضعٍ يمكِّننا من أن نطلب من المستهلكين المخاطرةَ والترويج للعلامة التجارية. إذا كانت التجارب الأولية و«اللقاءات» القليلة الأولى هادفةً بدرجة كافية، فسوف يُكِنُّ المستهلكون مشاعرَ قوية للعلامة التجارية بدرجةٍ كافيةٍ لعدم اكتفائهم بمجرد الدخول في علاقةٍ معها، وإنما مشاركة مشاعرهم تلك مع آخرين أيضًا.

ومن ثَمَّ فإن جودة التجربة التي تجمع بين العلامة التجارية والمستهلك أهمُّ بكثير من كَمِّ التجارب. وثمة مبدأ أساسي للتسويق الشفهي الفعال هو أنك تكون أفضل حالًا مع عددٍ أقل من المستهلكين الذين يمرون بتجربةٍ أفضل مع العلامة التجارية؛ والسببُ، كما رأينا، هو أن معدل تمرير الرسالة سيكون أعلى؛ فمن الأفضل بالنسبة إليَّ أنْ يكون لديَّ نصف عدد المستهلكين الذين يشاركون في تجربة رائعة (في مقابل تجربة عادية)، إذا كان معدلُ تمرير الرسالة لديهم أعلى ثلاث مرات من المستهلكين المشاركين في تجربة أقل جودةً. هذا لا يعكس حتى النسبة المئوية الأعلى لتمرير الرسالة «الصحيحة». يمكننا أنْ نبتكر أفضلَ الإعلانات ورسائل وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو المتناقَلة إلكترونيًّا (والتي تنتشر بسرعةٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي)، ولكنْ في نهاية المطاف، المستهلكُ يكون أكثر ميلًا إلى مشاركة تجربة واقعية إيجابية.

(٣-٣) فهم دور وسائل التواصل الاجتماعي

على الرغم من أن دور وسائل التواصل الاجتماعي — كما رأينا — يتضاءل مقارَنةً بتجربة المنتَج الفعلية فيما يتعلَّق بمدى إسهامها في تنمية العلاقة مع المستهلك، فإن هذا لا يعني أنها ليست مهمة. في الواقع، في الفصلين السادس والسابع، سوف أعرض برامج انتشرت بسرعة عبر الإنترنت، لعبت وسائلُ التواصل الاجتماعي فيها دورًا مهمًّا من خلال تفعيل مبادراتٍ تسويقيةٍ أخرى، من أجل المساعدة في توصيل الرسالة الأولى للعلامة التجارية. ولكن علينا أن نفهم الطريقة المثلى لاستخدام مثل هذه البرامج.

تأمَّلْ مثال كوكاكولا زيرو الذي استعرضناه للتو. لا يملك معظمُ العلامات التجارية قاعدةَ بيانات محدَّثة لمعدلات ولاء المستهلكين لمعرفة أشد المستهلكين إعجابًا بها، مثلما استطاعت كوكاكولا زيرو تحقيقَ ذلك من خلال برنامج «مكافآت كوكاكولا». ولكن يستطيع المسوِّقون استخدامَ وسائل التواصل الاجتماعي كطريقة جديدة للوصول إلى المستهلكين؛ فنحن كمستهلكين نعرض كثيرًا من المعلومات الشخصية عن أنفسنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبطاقات المتسوِّق الدائم وبطاقات المكافآت، وطلبات الشراء عبر الإنترنت. عندما نعرض تلك المعلومات، فإنها لا تغيِّر طبيعةَ علاقتنا مع الأشخاص الآخرين فحسب، ولكنْ تغيِّر أيضًا علاقتنا مع العلامات التجارية؛ وهنا يأتي دور «البيانات الضخمة»، التي يمكن تعريفها — بما يتوافق مع أهداف هذا الكتاب — بأنها مجموعةٌ من المعلومات الرئيسية للمستهلكين يتم تجميعها معًا من أجل تصميم بنية ضخمة من البيانات. إنها تغيِّر الطريقةَ التي يشكِّل بها المسوِّقون معرفتَهم بالمستهلكين.

يعمل جون «جيه دي» دوني مستشارًا للعملاء في فيسبوك، فيتباحَثُ مع بعض أكبر العلامات التجارية في العالَم، لضمان أنهم يحقِّقون أكمل استفادة من فيسبوك على نحوٍ يُمكِّنهم من زيادة تأثير شركاتهم. سوف يخبرك بأن المعلومات التي نقدِّمها نحن كمستهلكين طوعًا للمسوِّقين يمكن أن تحدِّد إنْ كنَّا مناسبين لظروف العلاقة أم لا.8 ويمكن أن تساعدنا هذه المعلومات نفسها أيضًا كمسوِّقين في تحديد المروِّجين المحتمَلين لعلامتنا التجارية، وكيف يمكننا التواصُل معهم على أفضل نحوٍ. أفعال المستهلكين في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي تحكي الكثير عنهم وعن اهتماماتهم وما قد يكون مشتركًا بينهم وبين العلامة التجارية؛ على سبيل المثال: «يُعجَبون» بأشياء، ويصبحون «معجَبين» بصفحات، ويعلِّقون على أمورٍ، بل يشاركون أشياء مع أصدقائهم أيضًا. يمكن للمنصَّات الاجتماعية أن تمنح المسوِّقين رؤًى حول كيفية رؤية المستهلك المحتمل للعالم. ولكن كما كان واضحًا وضوحَ الشمس في مثال دوس إكيس، يتطلَّب فهمُ المستهلك على نحوٍ «أعمق» بلا شك أكثرَ من مجرد وسائل التواصل الاجتماعي. خلاصةُ القول أن وسائل التواصل الاجتماعي ما هي سوى أداة واحدة (وإنْ كانت أداة قوية) ينبغي أن تكون جزءًا من استراتيجية أكبر.

يقول دوني: «يجب أن يصمِّم المسوِّقون برامجَ تتمحور حول الناس، وليس حول التكنولوجيا؛ فالعلامات التجارية لا تحتاج أن تمتلك استراتيجيةً قائمة على فيسبوك، أو استراتيجيةً قائمة على تويتر؛ وإنما تحتاج إلى استراتيجيةِ تسويقٍ تتوافق مع أهداف الشركة.»

هذا يعيدنا إلى تشبيهي السابق بلاعبي الكرة اللينة البالغين من العمر ستَّ سنوات (الجميع يطاردون الكرةَ ولا أحد يغطي القاعدة الأولى)؛ ففي خضم اندفاعنا لنكون «خبراء في التكنولوجيا»، نفقد الصورة الاستراتيجية الكبرى، فننسى أمر المستهلك، معتقدين أننا قد أَجَدْنا وضْعَ خطة وسائل التواصل الاجتماعي المناسبة؛ ومن ثَمَّ يكون النجاح مضمونًا. ويضيف دوني: «خطة وسائل التواصل الاجتماعي «إضافة» وليست «بديلًا».» إننا كمسوِّقين، يتعيَّن علينا التفكير في الأمر كوسيلةٍ للمشاركة في المزيد من المحادثات المتواصِلة مع المستهلكين.» سوف يخبرك أيضًا أنه عندما يعتقد المسوِّقون أن حملتين أو ثلاثًا للتواصُل مع المستهلك على مدار السنة ستكون كافيةً، فإن هذا يشبه شراء المرء هديةَ ذكرى الزواج وهدية عيد الميلاد وهدية عيد الحب لشريك حياته وتجاهُله بقية العام. إن التفاعلات اليومية البسيطة هي التي تساعد على نمو العلاقات وتجعلها أقوى في أغلب علاقاتنا. يجب أن يفكِّر المسوِّقون في الكيفية التي يمكنهم بها تصميم حملات أكبر، استنادًا إلى تفاعلات أبسط تحدث بمعدلات تكرارية أعلى. يضيف دوني: «يكون هذا فعَّالًا مع المنصَّات الاجتماعية مثل فيسبوك؛ لأنها مكان آخَر يتواصل فيه الناس بعضهم مع بعض. وبالمثل، يمكن للعلامات التجارية التواصُل بمزيدٍ من الدقة في الفضاء الاجتماعي.»

هذا هو المكان الذي ستلعب فيه وسائل التواصل الاجتماعي دورًا. وعلى الرغم من أنني أعتقد أن قيمتها المزعومة سوف تتضاءل أمام أكثر التفاعُلات حميميةً بين العلامة التجارية والمستهلك، فإن أهمية وسائل التواصل الاجتماعي ليست مقصورةً على الحفاظ على الحوار، وإنما تمتد أيضًا إلى توليد محادثات مستمرة حول القواسم المشتركة التي ربما تجمع بين المستهلك والعلامة التجارية؛ كما يمكن أن تكون جزءًا مهمًّا في المزيج التسويقي الذي يهدف إلى تعزيز تجارب العلامة التجارية تلك، عن طريق التواصل مع أكثر الأشخاص أهميةً للعلامة التجارية، أو مُعجَبيها كما يصفون أنفسهم.

يقول دوني: «تمكننا وسائل التواصل الاجتماعي من تخصيص رسائلنا بحيث يشعر المستهلك فعليًّا بأنها مُرسَلة له بالاسم.» ويشير إلى أن المسوِّقين دأبوا على النظر للرسائل دون أن تكون لديهم أي فكرة حول ما وصلَتْ إليه علاقتُهم بالمستهلك، أو أين كانت في الماضي. ويضيف قائلًا: «بدلًا من أن تقول لعميلك شيئًا من قبيل: «مرحبًا! لقد سعدنا بلقائك! دَعْنا نسافر معًا لقضاء عطلة في أوروبا!» ربما تساعد وسائلُ التواصل الاجتماعي فريقَ التسويق على معرفةِ أيٌّ من المستهلكين على استعدادٍ لاتخاذ مثل هذه الخطوة الكبيرة.»

إنه محق؛ فعادةً لا ترتبط الرسالة التي يوصلها المسوِّقون إلى المستهلكين بما وصلا إليه في علاقتهما. بمقدور وسائل التواصل الاجتماعي السماحُ للعلامة التجارية بالتواصل مع المستهلك على نحوٍ شخصي أكثر ملاءَمةً للمرحلة التي وصلَتْ إليها علاقته بالعلامة التجارية. بعبارة أخرى، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي في أغلب الأحيان أن تمكِّن المسوِّقين من مواءَمة تواصُل العلامة التجارية مع المستهلكين وفقًا لقوة علاقة كلٍّ منهم بها.

•••

ها نحن قد تواصلنا مع قاعدة المستهلكين خاصتنا على النحو الأمثل، حتى إنهم يتحدثون الآن عنَّا مع آخرين، وتُواصِل العلاقة الرومانسية تقدُّمَها. وفي مرحلةٍ ما، يتعيَّن على كلا الطرفين أن يسألا نفسيهما: «هل حان وقت الارتباط؟» فكيف سنعرف ذلك؟ في الفصل التالي، سوف نجد الإجابة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤