السجين ٧١٧

تم القبض على «عثمان» في تمام الساعة العاشرة من صباح اليوم الثالث لوصول الشياطين الأربعة إلى القاهرة …

كان الأربعة يسيرون في شارع السد العالي بالدقي، عندما توقفت سيارة شرطة من طراز «بيجو ستيشن» ونزل منها ضابطان وثلاثة جنود مسلحين بالمسدسات والمدافع الرشاشة … وتجمَّع الناس حول المشهد المثير، والضابط يقول ﻟ «عثمان»: لا تحاول المقاومة!

واستسلم «عثمان»، وسمع الضابط يقول له: أنت «نظام برهان» السيلاني … ولك ملف في إدارة تهريب المخدِّرات!

عثمان: ولكنني لم أقم بأي تهريب!

الضابط: قل هذا الكلام في النيابة!

وشاهد «أحمد» و«زبيدة» و«إلهام»، «عثمان» وهو يدخل سيارة الشرطة التي انطلقت به إلى قسم الدقي. تم كتابة محضر بواقعة القبض على «عثمان» … ثم أُودع في غرفة الحبس … وقد كانت مفاجأة كاملة ﻟ «عثمان» أن يجد نفسه بين مجموعة من اللصوص والنشالين، الذين استقبلوه بقولهم: ما هي تهمتك؟

عثمان: تهريب مخدرات.

ضحك شاب رفيع شاحب، وهو يقول: مخدرات! أي نوع؟

عثمان: يقولون إنَّه «هيروين».

الشاب: إنَّها موضة هذه الأيام … فالأرباح كثيرة.

عثمان: والثمن غالٍ جدًّا!

الشاب: الشنق … لا أكثر ولا أقل!

عثمان: وهل هناك أكثر من الشنق؟

ضحك السجناء، وقال رجل عجوز يسعل باستمرار: هل معك سيجارة؟

عثمان: إنني لا أدخن.

فجأة، فُتح باب الحجز، وصاح الشاويش: «نظام برهان»!

لم يردَّ «عثمان» لنصف دقيقة؛ فقد نسيَ اسمه الجديد، فصاح الشاويش بعنف: «نظام برهان»!

قفز «عثمان» قائلًا: نعم!

الشاويش: تعالَ معي!

سار «عثمان» مع الشاويش إلى غرفة أخرى، كان بها بعض الضباط، الذين تهامسوا عندما شاهدوه، وقال أحدهم: ستُرحَّل الآن إلى سجن «طرة».

عثمان: إنني لم أُسأل أمام النيابة.

الضابط: ستُسأل فيما بعد.

واقتاده أحد الضبَّاط الشبَّان ومعه جندي يحمل مدفعًا رشاشًا إلى سيارة سجن صغيرة، انطلقت بهم إلى سجن «طرة».

تمت إجراءات السجن بسرعة … خلع «عثمان» ثيابه، وسلَّم ما يملك من نقود في أمانات السجن … ثم تسلَّم ثياب السجن، وكانت تحمل رقم ٧١٧ … ثم اقتاده أحد الحُرَّاس إلى داخل السجن، وسار مسافة في الطرقات الباردة، قبل أن يُسلِّمه إلى حارس آخر، وقال له: ضعه مع الولد السيريلانكي!

وهكذا، خلال ساعتين فقط، وجد «عثمان» نفسه داخل السجن، ومع المهرِّب السيريلانكي المخيف «يوجاراجا». كان المهرِّب يجلس في طرَف الزنزانة، وركز عينيه السوداوين القويتين على «عثمان» عندما دخل …

وقف «عثمان» لحظات حتى تتعود عيناه الظلام … وسمع «يوجاراجا» وهو يتنهد بعمق، دون أن ينطق بكلمة واحدة …

عندما اعتادت عيناه الظلام … شاهد «عثمان» ما في الزنزانة … فراشين من الحصير … وبطانيتين … ووعاء لاستخدامه في التبول … ولم يكن هناك شيء آخر.

وكان «يوجاراجا» يجلس على أحد الفراشين، في طرف الغرفة، وقد شبَّك ذراعيه على ساقيه … وأخذ يركز بصره الحاد على «عثمان» …

استلقى «عثمان» على الفراش الآخر، وقد أحسَّ بنظرات «يوجاراجا» تخترقه كالخنجر … استمر الصمت بينهما لحظات، ثم قال «يوجاراجا»: من أنت؟

لم يردَّ «عثمان» على الفور … كان يريد أن يُبديَ للمهرِّب الدولي أنَّه لا يهابه … وبعد أن صمت لحظات، قال: وماذا يهمك أن تعرف؟

ردَّ «يوجاراجا» بعنف: إنَّك جاسوس للشرطة!

استلقى «عثمان» على الفراش في لامبالاة … كان يعرف أنَّ المعركة بينه وبين «يوجاراجا» تحتاج إلى أعصاب هادئة، وأدهشه أن يكتشف المهرِّب السيريلانكي حقيقته … وكان عليه أن يمثل دوره إلى النهاية …

ساد الصمت الزنزانة … وبدا «يوجاراجا» متحفزًا، وهو يقول ﻟ «عثمان»: لماذا لا ترد؟

عثمان: خذ حذرك من الجاسوس!

يوجاراجا: إنني أسألك من أنت؟

عثمان: ولماذا تسألني وقد عرفت حقيقتي.

يوجاراجا: إنني أريد أن أسمعها منك.

عثمان: سأقول لك مرة واحدة … صدِّق أو لا تصدِّق، فإنَّ هذا لا يهمني!

يوجاراجا: من أنت؟

عثمان: اسمي «نظام برهان» من «كولومبو».

اتسعت عينا «يوجاراجا» دهشة، وهو يقول: أنت أيضًا من «سيلان»؟

عثمان: نعم … ولكني منذ فترة طويلة جدًّا … كنت أعمل في السعودية فترة، ثم تركت العمل وعدت إلى «كولومبو»، ولكني لم أجد عملًا، فسافرت إلى «بومباي».

يوجاراجا: «بومباي»!

عثمان: نعم … وتعرفت هناك ﺑ …

ثم سكت «عثمان» فجأة، كأنَّه تحدث أكثر مما ينبغي … فصاح «يوجاراجا»: بمن؟

عثمان: لقد عرَّفتكَ وهذا يكفي.

يوجاراجا: هل تعلم من أنا؟

عثمان: لا … ولا يهمني أن أعرف … لقد قبضوا عليَّ بتهمة التهريب رغم أنني …

وعاد «عثمان» إلى الصمت … وصاح «يوجاراجا» مرة أخرى: تهريب ماذا؟

عثمان: ليست هذه مشكلتك!

يوجاراجا: أنت لا تعرفني … ألم تسمع في «بومباي» باسم «مامو»؟

عثمان: هل تعرف «مامو»؟

يوجاراجا: هل تعرفه أنت؟

عثمان: طبعًا!

يوجاراجا: عظيم … ولكن!

وعاد «يوجاراجا» … إلى الصمت مرة أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤