«ماهاويلي»

في تلك الليلة، اتفق «يوجاراجا» و«عثمان» على كل التفاصيل الخاصة بخطة الهرب … ولم يبقَ سوى التمويل، الذي وعد «عثمان» بأن يقوم به بواسطة صديقه القادم لزيارته في الصباح …

كانت خطة «يوجاراجا» غاية في الذكاء والدقة … فزملاؤه الثلاثة سيرتدون ثياب رجال البوليس الدولي … ويركبون سيارة تحمل إشارة البوليس الدولي … وشيء عادي أن يكونوا مسلحين …

وسيقوم الثلاثة بافتعال حادثة لتعطيل السيارة التي ستُقِلُّ «يوجاراجا» إلى المحكمة … أو عند عودته منها، حسب الظروف، وسيتولى أحد الثلاثة مهاجمةَ سائق سيارة السجن ثم يقودها بعيدًا …

وفي الصباح، تقابل «أحمد» و«عثمان» في السجن … روى «عثمان» ﻟ «أحمد» تفاصيل اتفاقيته مع «يوجاراجا» … وقال «أحمد»: من الممكن طبعًا تدبير المبلغ المطلوب. سأتصل برقم «صفر»!

عثمان: ويجب الاتفاق أيضًا مع رجال الأمن حتى تنجحَ خطة «يوجاراجا» في الهرب!

أحمد: طبعًا … إنَّهم سيتظاهرون بأنَّهم لا يعرفون الخطة، وسيعملون على إنجاحها.

عثمان: وكيف يتم الاتصال بك؟

أحمد: ستصلك رسائل مني في صينية الطعام. إنَّ هذا يعطي «يوجاراجا» إحساسًا بأنَّك قوي … وأنَّ خلفك تنظيمًا كبيرًا!

وعاد «عثمان» إلى الزنزانة … وابتسم وهو يقول ﻟ «يوجاراجا» إنَّ كل شيء سيكون على ما يرام …

يوجاراجا: هل أنت متأكد؟

عثمان: ستأتيني رسالة هذا المساء!

يوجاراجا: كيف؟

عثمان: لا أدري … ولكن أصدقائي قالوا لي إنَّ الرسالة ستصلني بطريقة ما.

يوجاراجا: وهل من الممكن لأصدقائك الاتصال بزملائي؟

عثمان: ممكن جدًّا … أعطني العنوان.

يوجاراجا: ليس الآن … بعد أن تصلك الرسالة!

مضى النهار في الزنزانة في أحاديث متقطعة … وخرج الاثنان لنزهة قصيرة … وعندما هبط المساء، واقترب موعد العشاء، تظاهر «عثمان» بالقلق … ثم جاء الحارس يحمل أطباق الطعام …

أخذ «عثمان» يتأمل قطع الجبن والحلاوة … ثم أمسك برغيف العيش وأخذ يتحسسه … وأحس على الفور أنَّ ثمة شيئًا ملفوفًا داخله …

كان «يوجاراجا» يتأمله، عندما أخرج «عثمان» قطعة صغيرة من الورق، ملفوفة على شكل سيجارة. قبض «عثمان» على الورقة بشدة، ولكن «يوجاراجا» قال: لقد رأيتُها.

عثمان: إنَّها رسالة من أصدقائي في الخارج.

وفتح «عثمان» الورقة الصغيرة … كانت مكتوبة بالقلم الرصاص وبخط رفيع، ولكن واضح:

«الأخبار طيبة، بعد غدٍ المحكمة … ستبقيان هناك حتى حلول الظلام. أين زملاء «يوجاراجا»؟ … يجب أن نعرف أين هم صباحًا حتى يتم ترتيب الأمور … سنتصل بك مرة أخرى … النقود جاهزة …»

ابتسم «يوجاراجا» ابتسامة عريضة، وقال: إنَّ الحظ يخدمنا … إنَّ الظلام يساعد جدًّا على تنفيذ الخطة.

عثمان: كيف يمكن الاتصال بزملائك؟

يوجاراجا: إنَّهم ينزلون في ثلاثة أماكن متفرقة حتى لا يعرف أحد مكانهم.

عثمان: لكن الاتصال سيتم بواحد منهم … وليتصل هو بالباقين!

يوجاراجا: واحد منهم ينزل في فندق «القبة الخضراء» في شارع الأزهر، تحت اسم «لوبي بيجا»!

عثمان: أليست هناك كلمة سر؟

يوجاراجا: نعم … إنَّها «ماهاويلي».

عثمان: إنَّه اسم غريب!

يوجاراجا: إنَّه اسم أعلى قمة جبل في «سيريلانكا».

عثمان: إنَّه اسم له رنين الموسيقى.

يوجاراجا: هذا صحيح.

تمَّ كل شيء كما ينبغي … فعندما تسلَّم «أحمد» معلومات «عثمان»، أسرع هو و«إلهام» إلى شارع الأزهر … كان الوقت مساءً عندما وصلوا إلى الشارع القديم المزدحم، وبقيت «إلهام» في السيارة، بينما ذهب «أحمد» إلى موظف الاستقبال في فندق «العتبة الخضراء».

قال الرجل: نعم. عندنا نزيل بهذا الاسم … ولكنَّه ليس موجودًا الآن.

أحمد: ومتى يعود؟

الرجل: لا أعرف … إنَّ مواعيده غير منتظمة … كما أنَّه لم يدفع أجرة الفندق منذ ثلاثة أيام!

أحمد: لقد جئتُ لأعطيَه نقودًا وصلته من الخارج.

اهتم الرجل بهذه المعلومات، وقال: تستطيع أن تجده على قهوة «الفيشاوي» … فهو يقضي أغلب أوقاته هناك.

أحمد: وما هو شكله؟

الرجل: إنَّه قصير القامة، قوي العضلات … يلبس قميصًا لا يغيِّره «كاروهات»، ويضع في رقبته عِقدًا من الخشب الأسود، وشعره أسود أيضًا.

أحمد: هذا يكفي!

وانطلق «أحمد» إلى نهاية شارع الأزهر، حيث ركن سيارته، ونزلت «إلهام» معه، وأخذا طريقهما إلى قهوة «الفيشاوي»، وكان المكان مزدحمًا برُوَّاد المقهى من المصريين وغيرهم من مختلف الأجناس، الذين يحبون زيارة الحي العتيق. أخذا يبحثان في المقهى … ولكن «لوبي بيجا» لم يكن هناك … وسارا حول مسجد الحسين … ثم انحرفا يسارًا في أحد الأزقة التي تؤدي إلى الميدان مرة أخرى، وشاهدا رجلًا يسير على مَبْعَدة، وهو يرتدي قميصًا «كاروهات»، وأسرعا إليه … ولكنَّه لم يكن «لوبي» …

قالت «إلهام»: دعنا نعود إلى الفندق، لعله قد عاد!

أحمد: هيَّا بنا!

ولكنهما في هذه اللحظة بالذات شاهدا شخصًا يقف أمام أحد المطاعم الصغيرة، وهو يحملق في الطعام بشراهة …

عرف «أحمد» على الفور أنَّه «لوبي»، فأسرع إليه، ثم وقف بجواره هادئًا، وقال: هل تريد وجبة ساخنة؟

نظر إليه الشاب في ضيق، وقال: هل تسخر مني؟

أحمد: مطلقًا، جئت إليك من «يوجاراجا» …

قفز الشاب، كأنما لدغه ثعبان، وقال: «يوجاراجا» … هذا الكلب … إنني لا أعرفه!

أحمد: ولكنَّه يرسل لك تحيات «ماهاويلي»!

تنهَّد «لوبي»، وقال: «ماهاويلي»!

أحمد: نعم … إنَّه يدعوك لوجبة ساخنة.

كان واضحًا أنَّ «لوبي» في حالة يُرثَى لها من الجوع، فأمسك بذراع «أحمد» وجذَبَه إلى داخل المطعم … وجلس الثلاثة … وبدأ الكلام … والطعام …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤