من هو «محمد»؟

كان اليوم التالي يومًا حافلًا بالأحداث والمفاجآت. فعندما استيقظ «جلال» من نومه، كان الشاويش قد غادر البيت وذهب إلى عمله. فأسرع «جلال» إلى كومة الخطابات وقرأ الخطاب الذي وصل أخيرًا. كان مكتوبًا بنفس الطريقة، ولكن اسمًا جديدًا ظهر فيه، لقد كتب الرجل المجهول هذه المرة إلى الشاويش قائلًا: اذهب إلى القصر الأخضر، وابحث عن «محمد».

وقرَّر «جلال» أن ينتهز فرصة وجود عمه في القسم، ويذهب إلى الأصدقاء بالخطابات ليطلعوا عليها، وفعلًا ربطها في حزمة صغيرة، ثم انطلق جريًا على دراجته إلى «تختخ». وكان الأصدقاء جميعًا قد وصلوا إلى غرفة العمليات، وكان «تختخ» في انتظارهم بفكرةٍ جديدة عن الخطابات المجهولة والقصر الأخضر.

قال «تختخ»: لقد قضيت ليلة أمسِ وهذا الصباح أبحث عن القصر الأخضر في دليل التليفونات، وفي خريطة المعادي، فلم أجد أي قصرٍ في المنطقة يُدعى القصر الأخضر، ثم خطرَت لي فكرة جديدة، قد يكون كاتب الخطابات المجهولة يقصد أن القصرَ الأخضر قصرٌ لونه أخضر، أو مغطًّى بالنباتات الخضراء … فإذا لم يوجد قصرٌ باسم القصر الأخضر، فقد نجد قصرًا لونه أخضر، أو مغطًّى بالنباتات الخضراء …

قالت «لوزة» مندهشة: هذه فكرة ممتازة يا «تختخ»، لا أدري كيف لم نفكر فيها قبل الآن!

تختخ: إن جزءًا كبيرًا من النجاح يعود إلى استمرارِ البحث وإمعان التفكير، وقد ظَلِلتُ أفكر في القصر الأخضر ساعات طويلة حتى خطرت لي هذه الفكرة.

محب: ولكن لا أذكر أن في المعادي قصرًا لونه أخضر مطلقًا.

عاطف: عادةً لا يتذكر الإنسان ألوان البيوت إلا إذا كان يقصد البحث عن منزلٍ معين، وكثيرًا ما يُقابل الإنسان شخصًا يلبس بدلة، وبعد انصرافه لا يستطيع تذكر لونها.

تختخ: هذا صحيح.

نوسة: إنني أتصوَّر أن القصر المقصود قصر قديم مغطى باللبلاب الأخضر أو غيره من النباتات المتسلقة، ولا بد أن يكون القصر قديمًا؛ لأن هذه النباتات تستغرق زمنًا طويلًا حتى تنمو بهذه الدرجة من الطول والكثافة.

تختخ: وجهة نظر معقولة جدًّا، وسوف ننقسم إلى مجموعتَيْن، تمامًا كلعب «الشطرنج»، وعلى كل مجموعةٍ أن تبحث عن القصر الأخضر سواء إذا كان لونه أخضر، أو مغطًّى بالنباتات الخضراء.

وفي هذه اللحظة وصل «جلال» وهو يلهث من الجري بالدراجة، فبادل الأصدقاء التحية، ثم قال: هذه هي الخطابات، وهناك شيء جديد فيها، لقد ظهر اسم شخص في الخطابات يُدعى «محمد».

تناول «تختخ» رزمة الخطابات، ففتحها بسرعة، وقرأ الخطاب الأخير بصوت مرتفع: اذهب إلى القصر الأخضر، وابحث عن «محمد».

وسكت «تختخ» قليلًا ثم قال: لقد أصبح بحثنا أكثر تحديدًا؛ فنحن لن نبحث عن قصرٍ أخضر فقط، ولكن عن قصرٍ به شخص يُدعى «محمد».

وأمسك «تختخ» بأحد الخطابات وأخذ يفحصه بدقة ثم قال: علينا أن نقارن هذه الكلمات بما هو مكتوب في الجرائد اليومية، عندنا الأهرام والأخبار والجمهورية، وأنا أعتقد أن هذه الأحرف لا تُستعمل في الجرائد المصرية ولكن دعونا نرى.

وأسرع «تختخ» بإحضار الجرائد الثلاث، وأخذوا جميعًا يقارنون الكلمات المكتوبة في الخطابات بالأحرف الموجودة في الجرائد الثلاث، ثم قال تختخ: هذا ما تصورته بالضبط، فهذه الكلمات مقطوعة من جرائد تصدر خارج مصر … ولعلها من جرائد بيروت عاصمة لبنان، وهذا جزء هام من الأدلة سينفعنا في المستقبل.

وقام «تختخ» بنزع بعض الكلمات من الخطابات، ونظر في الوجه الآخر لها، ولكنه لم يستطع أن يرى شيئًا ذا قيمة؛ فقد كانت الحروف مطموسة بسبب الصمغ الذي استخدم في لصق الكلمات.

قال «جلال»: سوف أعود مسرعًا إلى البيت؛ فقد يعود عمي في أي لحظة، وسوف أعيد الخطابات إلى مكانها …

فرد «تختخ» قائلًا: شكرًا يا «جلال»، وأرجو أن تشترك معنا في حل اللغز كما اشتركت معنا من قبل.

وأخذ «جلال» الخطابات، ثم انطلق عائدًا إلى البيت، وفي الوقت نفسه انقسم الأصدقاء إلى مجموعتين، للبحث عن القصر الأخضر.

اتجه «تختخ» و«لوزة» إلى الكورنيش ومعهما الكلب «زنجر» فقد كان عليهما البحث في المنطقة المجاورة للكورنيش، في حين اتجهت المجموعة الثانية المكونة من «محب» و«نوسة» و«عاطف» إلى داخل المعادي للبحث هناك.

ظل «تختخ» و«لوزة» يسيران على الدراجتَيْن في هدوء عبر شوارع المعادي الهادئة، ينظران هنا وهناك للبحث عن قصر أخضر، وبعد ساعتَيْن تقريبًا، عثرا على قصر مدهون أغلبه باللون الأخضر، فخفق قلب «نوسة» وقالت: هذا هو القصر يا «تختخ».

قال «تختخ» بهدوء: قد يكون هذا القصر أخضر، ولكنه قد لا يكون القصر المقصود على كل حال، فالمهم أن يكون به شخص يدعى «محمد»، وطبعًا اسم «محمد» منتشر جدًّا، وقد يكون «المحمد» هذا غير «محمد» الذي يقصده كاتب الخطابات، ولكن يجب أن نجرب على كل حال.

اقترب الصديقان من القصر، وكانت بوابته الحديدية الصغيرة مغلقة، فوقفا أمامها لحظات دون أن يعرفا ماذا يفعلان، ولكن «زنجر» حلَّ المشكلة؛ فقد ظهر كلب بُني ضخم في حديقة القصر، وأخذ يقترب من الباب في هدوء، وهو ينظر إليهما في شراسة. وفجأة انطلق نباح «زنجر» متحديًا الكلب البني الذي قبِل التحدي، وأطلق نباحًا قويًّا وعميقًا، واشتبك الكلبان في مناقشةٍ حامية بالنباح، وقد أفادت المناقشة فورًا؛ فقد ظهر أحد سكان القصر في الشرفة ثم نزل مسرعًا إلى الحديقة، وأخذ يهدئ من ثائرة الكلب البني، ثم اقترب من الباب وسأل «تختخ» عما يريد فقال «تختخ»: إننا نبحث عن الأستاذ «محمد»؟

الرجل: «محمد»؟ أي «محمد»؟

ارتبك «تختخ» قليلًا ثم قال: «محمد حسن».

الرجل: ليس في هذا القصر أي شخص اسمه «محمد حسن».

تختخ: أو «محمد» فقط؟

الرجل: أنا «محمد»، ولكن ليس «محمد حسن».

تختخ: آسف جدًّا للإزعاج يا سيدي، ولكننا نبحث عن «محمد حسن»، فهل هناك أحد بهذا الاسم في هذا الشارع؟

قال الرجل متضايقًا: إنني لا أشتغل بوابًا أو مخبرًا حتى تسألني، اذهب واسأل بعيدًا عني.

ثم أمسك بطوق الكلب البني، وجره بعيدًا، على حين استمر «زنجر» ينبح بشدة فقال «تختخ»: هذا يكفي يا «زنجر»، لقد قمت بالواجب. ثم التفت إلى «لوزة» قائلًا: ضربة حظ موفقة، فهذا مقر أخضر، ويسكنه «محمد»، فلنكتب هذا في دفتر المذكرات، ونكتب عنوان القصر؛ فقد نعود إليه مرة أخرى.

وأخرج دفتر مذكراته ودوَّن المعلومات ثم نظر في ساعته وقال: ياه، لقد ضيعنا نحو ساعتَيْن في البحث، ويجب أن نعود إلى المنزل؛ لنقوم بترتيب الغرفة العلوية، والجراج كما وعدت والدتي وقد يكون بقية الأصدقاء قد صادفوا حظًّا أفضل.

وانطلق «تختخ» و«لوزة» عائدَيْن سالكَيْن طريقًا مختلفًا؛ فقد يعثران على مقر آخر، وهذا ما حدث فعلًا، لقد عثرا على فيلا كبيرة يمكن أن تكون قصرًا، وكانت مدهونة باللون الأخضر أيضًا، ولدهشتهما الشديدة وجدا فيها ساكنًا يدعى «محمد كمال»، كما قال لهما البواب.

عندما وصل «تختخ» و«لوزة» إلى منزل «تختخ» وجدا المجموعة الثانية في انتظارهما، واجتمعوا في غرفة العمليات فقال «تختخ»: هل عثرتم على قصور خضراء وبها ساكن يُدعى «محمد»؟

قال «محب» وهو يُخرج دفتر مذكراته: لقد عثرنا على ثلاثة قصور كلها خضراء، وفي الأول والثاني ساكن يُدعى «محمد»، وأما القصر الثالث فهو قصر قديم جدًّا مهجور، تغطيه أشجار اللبلاب المتسلقة، ولكن ليس فيه ساكن يدعى «محمد»، فليس به إلا البواب وزوجته، وهو يدعى «عطية» وهذه هي كل المعلومات التي حصلنا عليها.

تختخ: إن علينا الآن أن نقوم بتنظيف الغرفة العلوية والجراج كما وعدت والدتي، وسنكتفي بالبحث الذي قمنا به عن هذه القصور، وغدًا نبدأ جولتنا حولها لعلنا نصل إلى سر كاتب هذه الخطابات.

محب: من المدهش حقًّا أن نجد كل هذه القصور والفيلات الخضراء، ثم نجد في كلٍّ منها شخصًا يدعى «محمد»، ومعنى هذا أن أمامنا أربعة أشخاص يجب أن نجمع عنهم المعلومات اللازمة حتى نعرف أي «محمد» فيهم هو الذي أرسل الخطاب وماذا يقصد بها.

تختخ: إن اسم «محمد» منتشر جدًّا في بلادنا، ومن الممكن أن نجد في كل منزل شخصًا يدعى «محمد»، وسوف نسمي القصور بالأرقام ونجمع المعلومات عنها، ثم نرجِّح أي «محمد» في الأربعة يحتمل أن يرسل هذه الخطابات ثم نتابعه.

أنهى المغامرون الخمسة الاجتماع، ثم صعدوا إلى غرفة السطح لترتيبها كما وعد «تختخ» والدته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤