الفصل الخامس

نانتكت

إن مدينة نانتكت فريدة، لم أر مثيلًا لها من قبل، إنها موطن البحارة، أنا موقن من أنه لا يقطنها إلا البحارة أو أزواجهم أو أراملهم. عندما تسكن مدينة نانتكت، فأنت تسكن البحر.

وصلنا إلى المدينة في وقت متأخر هذه الليلة. أوصانا السيد بيتر كوفين صاحب نزل سباوتر إن بالإقامة في فندق يملكه ابن عمه يدعى تراي بوتس، وهو اسم يعني غلايات الشاي التي تستخدم في سفن صيد الحيتان لإعداد زيت الحوت. كان هذا الفندق في حال أفضل من فندق السيد كوفين. تناولنا هناك عشاءً طيبًا من حساء البطلينوس وسمك القد ثم اتجهنا إلى غرفتنا.

وأخذنا نخطط لليوم التالي. صمم كويكيج على أن أختار السفينة التي سنعمل عليها وقال إن هذا هو ما أخبرته به آلهته.

لكنني لم أر أن تلك فكرة جيدة، إذ لم أعمل من قبل على متن سفن صيد الحيتان، فكيف سأعلم أنني قد عثرت على السفينة المناسبة؟

فقلت له: «كويكيج، خبرتك تفوق خبرتي في هذا المضمار. علينا أن نبحث معًا عن السفينة. أنا أثق برأيك.»

لكنه هز رأسه نفيًا وقال: «عليك القيام بهذا بنفسك.»

أدركت أنه لا جدوى من جداله، من ثم قررت الخروج اليوم التالي كي أجد أفضل سفينة يمكن العثور عليها.

وبعد أن نمت نومًا هانئا لليلة أخرى، اتجهت إلى ميناء المدينة واطلعت على قائمة السفن التي ستبحر منه. لم أدر كيف أختار أفضل سفينة، لذا قررت أن أتفقد سفينة بيكود إذ كنت أعرف هذا الاسم، إنه اسم إحدى قبائل الهنود الحمر.

قصدت السفينة لأبحث عن ربانها، فإن بدا أنه الرجل المناسب، فسأنضم أنا وكويكيج إلى طاقمه.

لكنني لم أجد الربان على ظهر السفينة، وإنما عثرت بدلًا منه على رجل يدعى بيليج، مسئول عن تعيين الطاقم وشراء معدات الإبحار، فأخبرته أنني أبحث عن عمل.

فسألني: «لست من نانتكت. أليس كذلك؟» لست واثقًا كيف علم هذا، لكن لا شك أن حدسه أخبره بذلك.

فأجبته بلا، وأضفت: «هذه أول مرة أكون فيها على متن سفينة صيد حيتان، لكنني أبحرت كثيرًا من قبل.»

فقال لي وقد تقطب وجهه: «العمل على متن سفن صيد الحيتان يختلف عن أي عمل آخر. لا يهم إن كنت قد أبحرت من قبل. هل رأيت القبطان آهاب من قبل؟»

فقلت له: «لا، من هو؟»

أجابني: «إنه قبطان هذه السفينة، قبطان سفينة بيكود، إن رأيته فستفهم ما الذي يجعل العمل على سفن صيد الحيتان مختلفًا. القبطان آهاب عاش حياة صائد الحيتان الصعبة وعانى جراء هذا عناءً كبيرًا. إنه لا يملك إلا ساقًا واحدة.»

فقلت ذاهلًا: «ساق واحدة. كيف؟»

فأجاب: «لقد ظفر حوت بساقه الأخرى.»

في الواقع كاد بيليج وهو ينطق بهذه العبارة الأخيرة أن يصرخ بها. عجبت بعض الشيء من حماسته؛ كانت بالغة.

استطرد قائلًا: «هذه مهنة خطيرة. هل أنت على استعداد للاقتراب من الحيتان، لأن تكون على مسافة قصيرة جدًّا منها لترمي جانبيها بالحراب؟ هل ستتحلى بالشجاعة الكافية في مواجهة الموج والماء عندما يضرب الحوت سفينتك وهو يحاول أن يغوص عائدًا إلى قاع المحيط؟ كي تعمل على متن سفينة صيد الحيتان عليك أن تتأهب للموت أو لاحتمال أن تخسر ساقك.»

«أدركت أن بيليج يحاول إخافتي، لكنه لم يفلح في هذا؛ فليس من السهل إخافتي. لم أنظر إلى الأمر إلا على أنه تحدٍّ.»

فأجبته: «أنا مستعد لكل هذا.»

فقال: «حسنًا». وقيد اسمي على الفور.

قلت له: «لدي صديق يود أن يبحر معي. إنه صائد بالحراب ذو خبرة كبيرة، وعلى دراية بالاحتمالات الممكن مواجهتها.»

فأخبرني بيليج أن علي أن أعود به معي.

في وقت لاحق من هذا اليوم، وقعت أنا وكويكيج أوراق عملنا. أذهلت خبرة كويكيج بيليج حتى إنه قال إنه سعيد بتوظيفه صائد حيتان.

على كلٍ سرنا على مرفأ الميناء، فجاءنا رجل قذر الملبس أشعث الشعر، لم أره من قبل.

سألنا: «هل ستبحرون على متن هذه السفينة؟ على متن سفينة بيكود؟»

فأجبته: بنعم، فبدأ يضحك.

ثم قال: «وهل رأيتما رعدًا المسن؟»

فسألت: «رعدًا المسن؟ من هذا؟»

فأجاب: «إنه القبطان آهاب»، ثم ضحك مجددًا وقال: «هل حدثوكما عن قبطان سفينتكما الجديد؟»

فسألته: «عم يحدثوننا؟» أزعجني هذا الرجل. لا أحب الكلام الملتوي، أحب أن يقول المرء ما يعنيه، وهذا الرجل تحدث بكلام غامض.

فضحك بصوت مجلجل وقال: «عليهم أن يحدثوكما عن الكثير، ثمة الكثير مما يجب عليكم معرفته.»

فقلت: «نحن نعلم بساقه. نعلم أن حوتًا قد ظفر بها.»

فقال الرجل: «آه. إذن أنتم تعلمون بهذا»؛ فضحك مجددًا وهم بالانصراف عنا قائلًا: «إذن سأترككما لسفينتكما وقبطانكما الجديد.»

فصحت من خلفه: «إن كان لديك ما تود قوله، فقله.»

فصاح الرجل: «كلا، لقد وقعتما ورق الانضمام إلى الطاقم. لا رجعة الآن، سأترككما لمصيركما، أسعد الحظ لكما.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤