رئيس الوزراء الياباني شينزو آبه يُوصف بأنه من الصقورِ المحافظين في الحزبِ المؤيدينَ للولايات المتحدة والمتشددينَ تجاه كوريا الشمالية

أُجريت يوم ٢٠ / ٩ انتخابات رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان التي سيكون الفائز فيها تلقائيًّا رئيسًا للوزراء في الحكومة الائتلافية اليابانية. تقدَّم للترشيح للمنصب الهام ثلاثةُ مرشَّحين هم شينزو آبه وزير شئون مجلس الوزراء والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، وتارو آسو وزير الخارجية، وساداكازو تانيغاكي وزير المالية.

وكانت النتيجة هي فوز الأول شينزو آبه بنسبة تفوق ٦٦ في المائة من الأصوات؛ وبالتالي سيتولى في الأسبوع القادم منصب رئيس الوزراء رقم تسعين في تاريخ اليابان.

في يوم ٢١ / ٩ يبلغ شينزو آبه عامه الثاني والخمسين، فهو من مواليد عام ١٩٥٤م، وبذلك سيُصبِح أول رئيس وزراءٍ لليابان يُولَد بعد الحرب العالمية الثانية. في عدد اليوم من إحدى الجرائد الصباحية اليابانية كاريكاتير يصف حيرة آبه من طلب تورتة الاحتفال، هل يطلب اثنتَين؛ واحدةً لعيد الميلاد والأخرى لتنصيبه رئيسًا للوزراء، أم لا؟

إن كلَّ التوقُّعات كانت تُشير إلى فوز آبه بمنصب رئيس الحزب الحاكم وبالتالي رئيس الحكومة. جريدة الواشنطن بوست الأمريكية في عددها الصادر يوم ١٩ / ٩ تُحلِّل ذلك بأن الخوف الياباني من السلاح النووي الكوري الشمالي مع الخوف من التقدُّم الصناعي الرهيب للصين هو الذي ساعَد في الدفع بمتشدِّدٍ مثل آبه إلى سُدة الحكم. وتصفُه الجريدة بأنه من الواضح نرجسيَّتُه الشديدة.

من آبه إذن؟

شينزو آبه (٥٢ عامًا) يشغل حتى هذه اللحظة منصب وزير شئون مجلس الوزراء والمتحدث الرسمي باسم الحكومة. في حين أنه شغل منصب الأمين العام السابق للحزب الحاكم، ونائب وزير شئون مجلس الوزراء وأيضًا نائب السكرتير العام للحزب الحاكم. وهو ابن شينتارو آبه السياسي المحنَّك والوزير السابق الذي كان قاب قوسَين أو أدنى من منصب رئيس الوزراء. وهو أيضًا حفيد نوبوسكيه كيشي، رئيس الوزراء الياباني الشهير في نهاية الخمسينيات. ويُقال إن شينزو آبه ورث من جده هذا اتجاهاته السياسية؛ فهو يُصنَّف من كبار الصقور اليمينية في الحزب الحاكم. دخل آبه عالم السياسة بعد وفاة والده المفاجئة وكان عمره ٣٨ عامًا؛ حيث انتُخب عضوًا في مجلس النواب ليخلُف والده وكان آبه يعمل سكرتيرًا لوالده حتى وفاته.

لم يظهر شينزو آبه على السطح السياسي إلا في أواخر عام ٢٠٠٠م، حين عُين نائبًا لوزير شئون مجلس الوزراء في وزارة يوشيرو موري. وبدأ يلمع أكثر في عهد رئيس الوزراء الحالي كويزومي. وبدأت شعبيَّتُه تتزايد مع تطوُّرات علاقة اليابان بكوريا الشمالية، مع حديثه لوسائل الإعلام بشكلٍ مستمرٍّ مطالبًا بالضغط على كوريا الشمالية لحملها على إيقاف تطويرها للسلاح النووي، وحل مشكلة اليابانيين المختطَفين لديها.

ويُقال إن له علاقاتٍ طيبة بالولايات المتحدة، ويتخذ موقفًا شديد الصرامة ضد كوريا الشمالية، ولا يُمانع من فرض حصارٍ اقتصاديٍّ عليها لكي تستجيب لما يُطلَب منها، خاصةً فيما يتعلق بقضية اليابانيين المختطَفين لديها وترفض إرجاعهم لذويهم. وكذلك قضية تطوير السلاح النووي.

و«آبه» أيضًا من الساعين إلى إحداث تغييراتٍ جوهريةٍ على الدستور الياباني لكي تتمكَّن اليابان من أن تلعب دورًا عسكريًّا وسياسيًّا في الساحة الدولية.

وأيضًا هو من الزائرين سنويًّا لمعبد ياسوكوني الشنتوي الذي يضُم رُفات الجنود اليابانيين الذي قضَوا في الحرب العالمية، مع رُفات القادة الذين حُكم عليهم بالإعدام بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وهو ما تعترض عليه الدول التي ارتُكب بحقها هذه الجرائم مثل الصين والكوريتَين. وقد لاقَى مجرَّد ورود اسمه ضمن المرشَّحين لرئاسة الوزراء في اليابان امتعاضًا وقلقًا من دول الجوار وخاصةً الصين، التي تُعاني الأمرَّين من أفعال كويزومي، فما بالك بشينزو آبه الذي يُقال إنه أكثر تطرفًا منه فيما يتعلق بالعلاقات مع دول المنطقة؟

لكن آبه منذ أن بدء يفكر في الدخول في انتخابات رئاسة الحزب الحاكم هو يُلزِم نفسه بإبداء آراءٍ أكثر اعتدالًا من آرائه السابقة. ويعمل على الظهور بمظهر الساعي إلى إقامة علاقاتٍ قويةٍ ووطيدةٍ مع الجيران. حتى إنه قال إنه سيعمل على إنجاز لقاء قمةٍ بأسرع وقتٍ ممكن مع الزعيم الصيني، الذي رفض لمدة خمسة أعوامٍ كاملة مقابلةَ كويزومي بسبب زياراته السنوية لمعبد ياسوكوني. وفي موضوع كوريا الشمالية يُؤكِّد على سَيْره على نفس النهج الذي سار عليه كويزومي باستخدام سياسية «الضغط والحوار» أو ما يمكن تسميتُه سياسة «العصا والجزرة» لحثِّها على الاعتدال.

الخبراء يقولون إن التغيُّر الذي طرأ على تصريحات آبه لا يعني أن آراءه تغيَّرت ولكن يعني أن الرجل الذي على وشك الوصول إلى مقعد رئيس الوزراء يجب ألا يُصرِّح بما في قلبه؛ أولًا لأن ذلك سيُصعِّب من مَهمته القادمة. وثانيًا لأنه بعد وصوله إلى منصب رئيس الوزراء لن يُمثِّل نفسه فقط كما في السابق، ولكنه سيمثِّل الدولة ككل.

من الواضح أن شينزو آبه أكثر تشدُّدًا في آرائه من كويزومي، إلا أنه لا ولن يتمتَّع بالشعبية التي حصل عليها الأخير أثناء تولِّيه منصب رئيس الوزراء لفترةٍ تُقارب الخمسة أعوامٍ ونصف العام. ومن المتوقَّع أن يقع في العديد من المشاكل والأزمات بسبب صغر سنه النسبي وقلَّة خبرته السياسية، بالإضافة إلى تشدُّده في آرائه وإلى نرجسيته وعناده الواضحَين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤