مشاكل الترجمة الأدبية

في الصفحة ٥٥٩ من النسخة العربية لرواية «كافكا على الشاطئ» للروائي الياباني هاروكي موراكامي، ترجمة إيمان حرز الله، ومراجعة سامر أبو هواش، يقول بطل الرواية:

«هذا أيضًا واحد من الأفلام القليلة التي شاهدتُها في طفولتي. كنتُ في الصف الخامس حينها، ولفَت نظري عنوانُ الفيلم، فأخذتُ القطار بمفردي حتى إيكيبوكورو، وشاهدتُ الفيلم وعُدت.»

فتسأل نفسك: ما الذي لفَت نظَر طفلٍ في العاشرة من عُمره يجعلُه يذهب من بيته لمسافةٍ بعيدةٍ حتى إيكيبوكورو، وهي مسافةٌ لا يسمَح بها الأهل عادةً للأطفال في ذلك العمر، والأدهى لمشاهدة فيلم؟ خاصة وأن ما لديكَ من معلومات عن اسم الفيلم هو «الأربعمائة ضربة» ولا يمكن أن يكون سببًا معقولًا للَفتِ انتباه طفل.

فتبحث عن الفيلم في الإنترنت تجده فيلمًا فرنسيًّا، وأن عنوانه Les Quatre Cents Coups وترجمته الحرفية فعلًا الأربعمائة ضربة، إلا أنه مُصطلَح يطلَق بمعنى «عِش حياتك طولًا وعرضًا» (حتى وإن تلقَّيتَ أربعمائة ضربة)، فتظن أن هذا سببٌ معقولٌ للَفتِ نظرِ طفلٍ صغير، ولكنه غيرُ كافٍ مائةً بالمائة لكي يُريح بالك.

فتبحثُ عن العنوان الذي عُرض به الفيلم في اليابان؛ لأنه هو المتهم الرئيسي الذي لفَت نظر الطفل، فتجد أن اليابان كما تفعل عادةً قد غيَّرَت اسم الفيلم تمامًا، وأنه عُرض في اليابان تحت اسم «الكبار لا يفهمونني» على لسانِ طفل.

وعندها تَهدَأ رغبةُ البحث لديك، وتعرفُ أن ذلك العنوان هو الذي لفَت انتباه الطفل وليس اسم «الأربعمائة ضربة» أو «عِشْ حياتك»؛ لأن هذه هي مشكلة البطل منذ طفولته؛ أي عدم تفاهُمه مع والده.

وتظل المشكلة هي كيفية المواءَمة بين اسم الفيلم الذي يعرفه العالم ومن ثَم العرب وبين الاسم الذي تغيَّر في اليابان، واستُخدم في الرواية ليُشير إلى الموضوع الأهم والأكبر في نفسية البطل منذ صغره، وهي مشكلة عدم التفاهُم والتواصُل مع والده إلى الحد الذي يصل به إلى قتله، سواء كان قتله في الواقع أو في الخيال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤