الشبح ذو القدم المعوجة

كتب النُّقاد المشهورون بازدراءٍ عما يطلقون عليه «التأثير البعيد المدى للمصادفة» في الأدب الروائي. ومن المُفترض أن تكون المصادفة أداة الروائي الذي لا يمتلك البراعة الكافية لتأليف كتابٍ من دونها. ففي فرنسا، لا يهتم كُتَّابنا المنقطعو النظير بهذا الأمر، لأنهم يتمتعون بنظرة ثاقبة تجاه الحياة الواقعية بصورةٍ أكبر مما عليه الحال مع الكتَّاب البريطانيين. ومن المُحتمَل أن يكون الرائع تشارلز ديكنز — الذي ربما يكون معروفًا في فرنسا كما هو معروف أينما تنتشِر قراءة اللغة الإنجليزية، والذي أحبَّ الأراضي الفرنسية والفرنسيين — قد تعمَّق في بحث تعقيدات الشخصية البشرية أكثرَ من أي روائي آخر في العصر الحديث، وإذا كنتَ قد قرأت أعماله، فسترى أنه يستخدِم المصادفة باستمرار. والخبرة التي اكتسبتُها خلال حياتي المهنية الغريبة والمتنوعة تُقنعني بأن المصادفة تحدث في الحياة الواقعية بوتيرةٍ متزايدة، وقد استوعبتُ هذه الحقيقة بشكلٍ خاص عندما شرعتُ في رواية صراعي مع شبح رانتريملي، الذي أحدث تغييراتٍ مذهلةً في حياة شخصين؛ أحدهما رجل بغيض، مُستبد، والآخر امرأة متواضعة منكسرة. بالطبع، كان هناك شخص ثالث، والعواقب التي لحقَت به كانت الأكثر لفتًا للانتباه على الإطلاق، كما ستعلم إذا منحتَني شرف قراءة أحداث هذه الواقعة.

فيما يتعلق بالمصادفة، كان هناك أولًا وصول قصاصةٍ من صحيفة، ثم مجيء صوفيا بروكس، وعند مغادرة تلك المرأة المكلومة شقتي؛ كتبتُ هذه الجملة على إحدى الصفحات:

قبل نهاية الأسبوع، أتوقَّع أن لورد رانتريملي بذاته سيأتي لمُقابلتي.

في اليوم التالي أحضر لي خادمي بطاقة لورد رانتريملي.

يجب أن أبدأ بزيارة صوفيا بروكس؛ لأنه على الرغم من أنها حدثت ثانيًا، إلا أنني لم أهتم بشكل خاص بالقصاصة من الصحيفة حتى أخبرَتني السيدة بقصتها. أحضر لي خادمي ورقةً مكتوبًا عليها، باستخدام الآلة الكاتبة، الكلمات التالية:

صوفيا بروكس، مكتب الطباعة على الآلة الكاتبة والترجمة، الطابق الأول، رقم ٥١ شارع بومونت، ستراند، لندن، المنطقة الغربية المركزية.

قلتُ لخادمي:

«أخبر السيدة، بأكبر قدرٍ ممكن من اللُّطف، أنه ليس لديَّ أعمال طباعة على الآلة الكاتبة، وأنني في الواقع لديَّ كاتب آلة كاتبة وآلة كاتبة في المبنى.»

عاد خادمي بعد لحظاتٍ قليلة وقال إن السيدة ترغب في رؤيتي، ليس بشأن الكتابة على الآلة الكاتبة، ولكن بشأن قضية كانت تأمُل أن تُثير اهتمامي. كنتُ لا أزال مُترددًا في السماح بدخولها؛ لأن معاملاتي قد ارتفعت الآن إلى مستوًى أعلى ممَّا كانت عليه عندما كنتُ جديدًا في لندن. كانت تكاليفي باهظةً للغاية بطبيعة الحال، ولم يكن من الممكن بالنسبة لي — إنصافًا لنفسي — إضاعة الوقت في العمولات القادمة من الفقراء، والتي حتى إذا أسفرت عن نتائج ناجحة فهذا يعني إضافة القليل من المال إلى حسابي المصرفي، وغالبًا لا شيءَ على الإطلاق، لأن العميل يكون غير قادرٍ على الدفع. وكما أشرتُ من قبل، فأنا أمتلك قلبًا رقيقًا، ولذلك يجب، بكل أسًى، منع نفسي من الانجراف مع عواطفي، التي للأسف كثيرًا ما أدت إلى خسارتي المالية. ومع ذلك، في بعض الأحيان يكون الأشخاص الذين يبدو عليهم الفقر متورِّطين في أمورٍ بالغة الأهمية، وإنجلترا بلد غريب الأطوار لدرجة أن المرء قد يجد نفسه مُخطئًا إذا أغلق بابه بقسوةٍ شديدة. وبالفعل، منذ أن طَرد خادمي — بأقصى قدْرٍ من حُسن النية — الرجلَ المتسول اللحوح الرثَّ المظهر، والذي اتضح لاحقًا بكل أسفٍ أنه كان في الواقع سمو الدوق فينتنور؛ فقد نبهت مرءوسي دائمًا إلى عدم التسرُّع في الحكم على الآخرين استنادًا إلى مظهرهم.

قلت: «أدخِل السيدة.» وهنا دخلتِ امرأة في منتصف العمر مُترددة، خجولة، مُرتبكة، ترتدي ملابس بسيطةً بشكلٍ مقلق، بالمقارنة بما يراه المرء من أزياء ساحرة في أيٍّ من شوارع باريس. كان أسلوبها الخانع هو أسلوب شخصٍ عانى من قسوة العالَم عليه. نهضتُ، وانحنيتُ بشدة، ووضعتُ مقعدًا تحت تصرُّفها، بالطريقة نفسها التي كنتُ سأستخدمها إذا كانت زائرتي أميرةً ملكية. لا أنسب أي فضلٍ لنفسي؛ فهذه هي طبيعتي. ها هو يوجين فالمونت عندما تقوم امرأة بزيارته!

قلت بأدب: «سيدتي، كيف يُمكنني أن أحظى بشرف خدمتك؟»

بدت المرأة المسكينة في حيرةٍ من أمرها في هذه اللحظة، وكانت — كما كنتُ أخشى — على وشك البكاء، لكنها في النهاية تكلَّمت وقالت:

«ربما قرأت في الصحف عن مأساة قلعة رانتريملي؟»

«لا يزال الاسم، يا سيدتي، عالقًا في ذاكرتي، ومرتبطًا على نحوٍ غامض ببعض الخطورة. هل تسمحين لي بلحظة؟» ودفعتني فكرة غامضة حول رؤيتي للقلعة مذكورة إما في إحدى الصحف، أو في قُصاصةٍ من واحدة منها، إلى التقاط أحدث مجموعة جاءت من وكيلي. أنا لا أتَّسم بالغرور على الإطلاق، ومع ذلك لا يزال من المُمتع ملاحظة ما تقوله الصحف عن المرء، ولذلك فقد اشتركتُ في وكالة للمراقبة الإعلامية. وفي الواقع، أستمتع باشتراكين؛ واحدٍ شخصي والآخر يدعو إلى أي تصريح يتعلق بالخلافات بين إنجلترا وفرنسا؛ وذلك لعزمي على تأليف كتابٍ عن الخصائص المقارنة بين الشعبين. لديَّ نظرية مفادها أن الشعب الإنجليزي غير مفهوم تمامًا لبقية البشرية، وسيتم توضيح ذلك على نحوٍ مناسب في كتابي القادم.

سرعان ما وجدتُ القصاصة التي كنتُ أبحث عنها. وثبَتَ أنها رسالة إلى صحيفة ذا تايمز، وكان عنوانها: «التدمير المُقترَح لقلعة رانتريملي». واستطردتِ الرسالة لتُبين أن هذا الصرح هو أحد أكثر الأمثلة شهرةً للعمارة النورماندية في شمال إنجلترا، وأن تشارلز الثاني اختبأ هناك لبضعة أيام بعد هزيمته الكارثية في ورسيستر. دُمِّر جزء من القلعة من قبل كرومويل، وبعد ذلك ثبت مرةً أخرى أنها كانت ملجأً لأحد أفراد عائلة ستيوارت عندما جعلها المُطالب بالعرش مخبأً مؤقتًا. ويبدو أن لورد رانتريملي الجديد قرَّر هدْم هذا الحصن القديم، المُثير للاهتمام من الناحية المعمارية والتاريخية، وبناء مسكن حديث بالحجارة. احتج الكاتب بشدَّة على هذا العمل التخريبي، واقترح أنه على إنجلترا اكتساب القوة التي تمارسها فرنسا باستمرار، في اعتبار النصب التاريخي لصرحٍ جزءًا لا يتجزأ من ثروات البلاد.

قلت: «حسنًا، سيدتي، كل ما يُلمح إليه هذا المُقتطف هو الهدْم المُقبل لقلعة رانتريملي. هل هذه هي المأساة التي تتحدثين عنها؟»

صاحت: «أوه لا، أنا أقصد وفاة لورد رانتريملي الحادي عشر منذ حوالي ستة أسابيع. لقد عاش لورد رانتريملي بمُفرده في القلعة لمدة عشر سنوات. كان الخدم لا يستمرون بالعمل هناك لأن المكان كان مسكونًا، وربما يكون كذلك حقًّا، وذلك لمدى بشاعة وقسوة عائلة رانتريملي، كما سأُخبرك. حتى ما يصِل إلى شهرٍ ونصف الشهر، كان يخدم لوردَ رانتريملي كبيرُ خدَم أكبر منه سنًّا، وإن أمكن القول، أكثر شرًّا منه. وفي صباح أحد الأيام، صعد كبير الخدم العجوز هذا السُّلم من المطبخ، حاملًا إفطار لورد رانتريملي على صينيةٍ فضية، كما كانت عادته. كان سيادته دائمًا يتناول الإفطار في غرفته الخاصة. ليس معروفًا كيف وقع الحادث، حيث كان الخادم العجوز يصعد السُّلم بدلًا من النزول، ولكن كانت الدرجات ملساء وزلقةً جدًّا، ومن دون سجادة، على أي حال، يبدو أنه سقط من أعلى إلى أسفل، واستلقى هناك بكسرٍ في عُنقه. ويبدو أن لورد رانتريملي — الذي كان يُعاني من الصمم الشديد — لم يسمع صوت الارتطام، ومن المُفترض أنه بعد دقِّ الجرس لمراتٍ عديدة دون جدوى، والاستشاطة غضبًا، بلا شك — وكان هذا حدثًا متكررًا للغاية للأسف — نهض النبيل العجوز من الفراش، ونزل السُّلم حافيَ القدمَين، ليكتشف في نهاية المطاف جثة خادمه العجوز. وعندئذٍ جاء الرجل الذي كان يأتي كل صباحٍ لإشعال النار، وعثر عليهما؛ الخادم ميت، ولورد رانتريملي لا حول له ولا قوة إزاء تعرُّضه لشللٍ مفاجئ. يقول الأطباء إن عينيه فقط بدتا على قيد الحياة، وقد امتلأتا بخوفٍ شديد، وفي الواقع لا ينبغي أن نتعجَّب من هذا الأمر، بعد حياته الشريرة للغاية. كانت يده اليُمنى مصابةً بعجز جزئي، ومع ذلك حاول أن يشخبط شيئًا لا يمكن فهمه. وبعد ذلك مات، ويقول أولئك الذين كانوا يخدمونه في لحظاته الأخيرة إنه إذا سبق لروحٍ تذوُّق طعم العقاب المُستقبلي قبل أن تُغادر هذه الأرض، فقد كانت روح لورد رانتريملي كما ظهر ذلك من خلال هاتين العينين المذعورتين.»

هنا توقفَّتِ المرأة، وهي تلتقط أنفاسها، كما لو أن الخوف من فراش الموت الكئيب هذا قد انتقل إليها. أضفَيتُ الهدوء على هذا الموقف العاطفي من خلال التعليق بنبرةٍ عادية: «ولورد رانتريملي الحالي هو الذي يعتزم تدمير القلعة، على ما أعتقد؟»

«نعم.»

«هل هو ابن اللورد الراحل؟»

«لا؛ إنه أحد أقاربه من بعيد. ويعمل فرع العائلة الذي ينتمي إليه بالتجارة، وأعتقد أن أفراد هذا الفرع من العائلة أثرياء للغاية.»

«حسنًا سيدتي، لا شكَّ أن هذا كله مثير للاهتمام للغاية، ومُروع إلى حدٍّ ما. ولكن ما سبب اهتمامك بهذه الأحداث؟»

«قبل عشر سنوات استجبتُ لإعلان، كان هناك حاجة إلى شخصٍ يعرف الكتابة بالاختزال، ويمتلك آلةً كاتبة، وعلى دراية باللغة الفرنسية، للعمل بصفته سكرتيرًا لأحد النبلاء. كنت في ذلك الوقت في الثالثة والعشرين من عمري، ولمدة عامين كنتُ أحاول كسب رزقي في لندن من خلال كتابة المخطوطات. لكنني كنتُ أواجه صعوبةً كبيرة في ذلك؛ لذا تقدَّمت لهذه الوظيفة وحصلتُ عليها. يُوجَد في مكتبة قلعة رانتريملي العديد من الوثائق المتعلقة بمنفى عائلة ستيوارت في فرنسا. وكان سيادته يرغب في فرز هذه الوثائق وفهرستها، وكذلك صُنع نسخٍ من كلٍّ منها. كُتب العديد من الرسائل باللغة الفرنسية، وقد طُلب مِني ترجمتها وكتابتها بالآلة الكاتبة. كان المنزل كئيبًا، ولكن الراتب كان جيدًا، وكان ورائي عمل يكفي لإبقائي مشغولةً لسنوات. إلى جانب ذلك، كانت المهمة مناسبةً لطبيعتي إلى حدٍّ كبير، وانغمستُ فيها؛ كَوني شابةً ذات نزعةٍ رومانسية. وبدا لي أنني أعيش وسط هذه المؤامرات الرائعة منذ زمنٍ بعيد. مرَّت بين يديَّ الوثائق التي كانت حيازتها في وقتٍ ما تعني خطرًا كبيرًا، وتجلب حتى الآن رؤًى لحجرٍ وفأسٍ وجلَّادٍ مُلثم. بدا غريبًا بالنسبة لي أن رجلًا فاسدًا مثل لورد رانتريملي — الذي سمعتُ عنه أنه لم يهتم بشيء سوى الشراب والمقامرة — كان يرغب في تعزيز هذا البحث التاريخي، وبالفعل، سُرعان ما وجدت أنه لم يشعر بشيءٍ تجاهه سوى بالاحتقار. ومع ذلك، فقد تولَّى هذا الأمر تلبيةً لرغبة ابنه الوحيد، الذي كان آنذاك شابًّا من عمري، في جامعة أكسفورد.»

«كان لورد رانتريملي في ذلك الوقت يبلغ من العمر خمسةً وستين عامًا. وكانت ملامح وجهه قاتمةً وقاسيةً ومُستبدةً، وطريقة حديثه قاسية. وكان ينغمس في نوبات غضبٍ مُخيفة، ولكنه كان يدفع جيدًا مقابل خدمةٍ كانت ستستمر لفترةٍ طويلة، لولا ظهور الشبح قبل بضع سنوات. كان طويل القامة، وله مظهر قوي، ولكنه كان مُصابًا باعوجاج القدم، وكان يسير بخطًى مُتعثرة مثل هؤلاء الذين يُعانون من ذلك. كان هناك الكثير من الخدم في ذلك الوقت في القلعة؛ لأنه على الرغم من وجود مُعتقَدٍ مفاده أن شبح مؤسس المنزل كان يتجوَّل في غُرفٍ مُعينة، إلا أن هذا الشبح — كما قيل — لم يثبُت وجوده أبدًا عندما كان المُمثل الحي للعائلة رجلًا مُصابًا باعوجاج القدم. وأكد المُعتقَد أيضًا أنه إذا سمح هذا الشبح ذو القدم المُعوجة بسماع خُطاه المُتعثرة إذا كان اللورد الحاكم يُعاني من تشوُّهٍ مماثل؛ فإن هذا التزامن يُنذر بنقل اللقب والمُمتلكات إلى شخصٍ غريب. لم يسكن الشبح القلعة إلا عندما كان يشغلها سليل بقدمَين طبيعيَّتَين. ويبدو أن مؤسِّس المنزل كان رجلًا بقدمٍ مُعوجة، وغالبًا ما غابت هذه السِّمة البغيضة عن جيلٍ واحد، وأحيانًا جيلَين، بينما في أحيانٍ أخرى كان كلٌّ من الأب والابن يُعانيان من قدمٍ مُعوجة، كما كان الحال مع لورد رانتريملي الراحل وابنه الشاب في جامعة أكسفورد. بالطبع، أنا لستُ مؤمنةً بالظواهر الخارقة للطبيعة، لكن مع ذلك من الغريب أنه خلال السنوات القليلة الماضية سمع كل شخصٍ مُقيم في القلعة الشبحَ ذا القدم المُعوجة، والآن ينتقل اللقب والمُمتلكات إلى عائلةٍ كانت غريبةً تمامًا عن عائلة رانتريملي.»

«حسنًا سيدتي، هذا أيضًا يبدو في غاية التشويق، وإذا لم أكن مشغولًا بشئونٍ تتميز بكونها أكثر ماديةً ممَّا تُلمحين إليه؛ لسعدتُ بالاستماع إليك طَوال اليوم، ولكن كما ترين.» مددتُ يدي وهززتُ كتفي.

قالت المرأة وهي تتنهَّد بعُمق:

«أنا آسفة لأنني استغرقتُ وقتًا طويلًا، لكنني تمنيتُ أن تفهم الموقف، والآن سأعود مباشرةً إلى قلب القضية. عملتُ بمفردي في المكتبة، كما أخبرتك، وكنتُ مهتمةً كثيرًا بما أفعله. ساعدني القس — وهو صديق حميم لابن لورد رانتريملي، وفي الواقع، مُدرس سابق له — في الوثائق التي كانت مكتوبةً باللغة اللاتينية، ونشأَت صداقة بيننا. لقد كان رجلًا مُسنًّا وغير دنيوي للغاية. لم يُخفِ لورد رانتريملي أبدًا ازدراءه لرجل الدين هذا، لكنه لم يتعارَض معه بسبب ابنه.

استمرَّ عملي بسرورٍ شديد حتى وقت مجيء ريجينالد، وريث سيادته، من أكسفورد. ثم بدأَت أسعد أيام حياتي التي كانت فيما مضى مليئةً بالمصاعب والمشاق. كان ريجينالد مختلفًا عن والده في كل شيءٍ تقريبًا. فهو لم يُشبه ذلك الرجل العجوز الرهيب إلا في شيءٍ واحد فقط هو اعوجاج القدم، وهو تشوُّه سرعان ما ينساه المرء عندما يعرف طبيعة الشاب اللطيفة السامية. وكما قلت، كان لورد رانتريملي قد أشركني في ترتيب تلك الأوراق التاريخية تلبيةً لرغبة ابنه. وأصبح ريجينالد مُتحمسًا للتقدُّم الذي أحرزته، وهكذا واصلتُ مع الشاب النبيل والقس عملَنا معًا بحماس دائم التزايُد.

لاختصار القصة التي بالتأكيد تختبر صبرَك، ولكنها ضرورية إذا كنتَ تريد أن تفهم الموقف، يُمكنني القول إن رفقتنا نتجَ عنها عرضٌ للزواج مِني، الأمر الذي قبلتُه، ربما بحماقة، وربما بأنانية. عرف ريجينالد أن والده لن يوافق أبدًا، لكننا استعنَّا بتعاطُف القس، وقام هذا الرجل المُتسامِح غير الدنيوي بتزويجنا يومًا ما في الكنيسة المُكرَّسة للقلعة.

كما أخبرتك، كان المنزل في ذلك الوقت يحتوي على العديد من الخدم، وأعتقد — دون أن أكون متأكدة — أن كبير الخدم — الذي كنتُ أخافه أكثر من لورد رانتريملي نفسه — قد لاحظ ما يجري. ولكن، أيًّا كان الأمر، فقد دخل هو وسيادته إلى الكنيسة فور انتهاء المراسم، وتبع ذلك مشهد مؤلِم. أطاح سيادته بالقس الهرم من مكانه، وعندما حاول ريجينالد التدخُّل، ضرب النبيل المجنون ابنه في وجهه بقبضته المضمومة، وطرح زوجي على الأرض الحجرية للكنيسة. في هذا الوقت، أقفل كبير الخدم الأبواب، ومزَّق بوقاحةٍ رداء رجل الدين العجوز، الفاقد للوعي بشكلٍ جزئي، وربط يدَيه وقدمَيه به. حدث كل هذا في دقائق قليلة، ووقفتُ هناك كواحدةٍ مشلولة، غير قادرة على التحدُّث أو الصراخ، وكأن الصراخ كان سيفيدني في ذلك المكان الرهيب ذي الجدران السميكة. أخرج كبير الخدم مفتاحًا، وفتح بابًا خاصًّا صغيرًا في جانب الكنيسة كان يصِل بين حجرات سيادته ومقصورة العائلة، ثم حمل لورد رانتريملي وكبير الخدم زوجي من قدمَيه وكتفَيه للخارج، وأغلقوا الباب، وتركوني أنا ورجل الدين سجناء في الكنيسة. لم ينتبه القس العجوز لوجودي. فقد بدا فاقدًا للوعي، وعندما تمالكتُ نفسي أخيرًا وخاطبته؛ تمتم فقط مرارًا وتكرارًا بنصوص الكتاب المقدس المتعلقة بخدمة الزواج.

بعد وقتٍ قصير، سمعت المفتاح يدور مرةً أخرى في قفل الباب الخاص، ودخل كبير الخدم بمفرده. وفك الأربطة حول ركبتَي رجل الدين، ورافقه للخارج، وأغلق الباب خلفَه مرةً أخرى. في المرة الثالثة، عاد ذلك الخادم الرهيب، وأمسكني بقوةٍ من معصمي، ودون أن ينبس ببنت شفةٍ جرَّني معه، على طول ممرٍّ ضيق، وصعدْنا السُّلم، وأخيرًا إلى القاعة الرئيسية، وصولًا إلى مكتب اللورد الخاص، المُلحق بغرفة نَومه، وهناك وجدت على منضدةٍ الآلةَ الكاتبة الخاصة بي التي كانت في المكتبة.

ليس لديَّ سوى أكثر الذكريات تشويشًا لِما حدث. أنا لستُ امرأةً شُجاعة، وكنت في حالةٍ من الرعب الشديد من كلٍّ من لورد رانتريملي وخادمه. كان سيادته يمشي ذهابًا وإيابًا في الغرفة، وعندما دخلت، وجَّه إليَّ أسوأ الألفاظ البذيئة، ثم أمرَني بكتابة ما يُمليه عليَّ، وأقسم أنه إذا لم أفعل بالضبط ما يأمُرني به؛ فسوف يقضي على ابنه، على حدِّ تعبيره. جلستُ على الآلة الكاتبة، وأملى عليَّ رسالةً إليه نفسه أطالب فيها بدفع ألفَي جنيه لي، وإلا سأدَّعي أنني تزوَّجتُ ابنه سرًّا. حينئذٍ وضع القلَم والحبر أمامي، وأجبرني على التوقيع، وعندما فعلت ذلك، توسَّلتُ إليه للسماح لي برؤية زوجي، ولو للحظة، وظننتُ أنه سيضربني، لأنه هز قبضته أمام وجهي، واستخدم كلماتٍ كان من المروع سماعها. كان هذا آخر ما رأيته من لورد رانتريملي، أو زوجي، أو رجل الدين، أو كبير الخدم. وتمَّ إرسالي في الحال إلى لندن مع مُتعلقاتي، واشترى كبير الخدم بنفسه تذكرتي، وألقى عليَّ حفنةً من القطع الذهبية حينما كان القطار يُغادر.»

هنا تَوقفَت المرأة ودفنَت وجهها بين يدَيها وبدأَت تبكي.

«ألم تفعلي شيئًا حيال هذا الأمر خلال السنوات العشر الماضية؟»

هزَّت رأسها.

قالت بألم: «ماذا يُمكنني أن أفعل؟ كان لديَّ القليل من المال وليس لديَّ أصدقاء. من سيصدق قصتي؟ إلى جانب ذلك، احتفظ لورد رانتريملي برسالةٍ وقَّعتُ عليها بنفسي، من شأنها إدانتي بمحاولة ابتزازه، بينما يمكن أن يُقسِم كبير الخدم على أي شيءٍ ضدي.»

«ليس لديك وثيقة زواج بالطبع؟»

«كلَّا.»

«ماذا حدث لرجل الدين؟»

«لا أعلم.»

«وماذا عن ابن لورد رانتريملي؟»

«أُعلن أنه ذهب في رحلةٍ بحرية إلى أستراليا من أجل صحته في سفينةٍ شراعية، وتحطَّمت هذه السفينة على الساحل الأفريقي، وفُقد كل من كان على متنها.»

«ما نظريتك الخاصة؟»

«أوه، قُتل زوجي إثر الضربة التي وُجِّهت له في الكنيسة.»

«سيدتي، هذا لا يبدو ذا مِصداقية. نادرًا ما تتسبَّب ضربة بقبضة اليد في وفاة شخص.»

«لكنه سقط إلى الوراء، وخبط رأسه بالدرجات الحجرية الحادَّة عند قاعدة المذبح. أعلم أن زوجي كان ميتًا عندما حمله كبير الخدم ووالده للخارج.»

«هل تعتقدين أن رجل الدين قُتل أيضًا؟»

«أنا متأكدة من ذلك. كان كلٌّ من السيد والخادم قادرَين على ارتكاب أي جريمةٍ أو عمل وحشي.»

«ألم تتلقَّي أي رسائل من الشاب؟»

«كلَّا. كما ترى، خلال صداقتنا القصيرة، كنَّا معًا باستمرار، ولم تكن هناك حاجة للمراسلات.»

«حسنًا، سيدتي، ماذا تتوقعين مني؟»

«كنتُ آمُل أن تقوم بالتحقيق، وربما تجد مكان دفن ريجينالد ورجل الدين. أُدرِك أنه ليس لديَّ دليل، ولكن بهذه الطريقة سيتم تأكيد قصتي الغريبة.»

أرحتُ ظهري على مقعدي ونظرتُ إليها. لأقول الحقيقة، لم أُصدِّق قصتها بصورةٍ كلية، ومع ذلك كنت متأكدًا من أنها صدَقَت في كل كلمةٍ فيها. لقد مزجت عشر سنواتٍ من التفكير في ظلمٍ تتوهَّمه امرأة تعيش بمُفردها، في فقرٍ مُدقع بلا شك في كثيرٍ من الأحيان، بين ما هو واقعي وما هو خيالي، فما كان من المُحتمَل أن يكون مغازلةً بلا هدف من جانب الشاب، اكتشفها الأب بشكلٍ غير مُتوقع، قد تحوَّل إلى المأساة التي حكَت لي عنها.

قلتُ مقترحًا: «ألن يكون من الجيد عرض الحقائق أمام لورد رانتريملي الحالي؟»

أجابت ببساطة: «لقد فعلتُ ذلك.»

«وماذا كانت النتيجة؟»

«قال سيادته إن قصتي غير معقولة. وبعد فحص الأوراق الخاصة باللورد الراحل؛ اكتشف الرسالة التي كتبتُها ووقعتها. وقال، ببرودٍ شديد، إن حقيقة أنني انتظرتُ حتى يموت كلُّ من يستطيع تأكيد قصتي أو إنكارها، بالإضافة إلى عدم احتمالية القصة نفسها، من المُرجَّح جدًّا أن تُودِعني السجن إذا أصدرتُ على الملأ بيانًا لا يُصدَّق مثل هذا.»

«حسنًا، كما تعلمين، سيدتي، أعتقد أن سيادته على حق.»

«وعرض عليَّ دخلًا سنويًّا قدره خمسون جنيهًا، لكنني رفضته.»

«أعتقد أنكِ مُخطئة في هذا الرفض يا سيدتي. إذا أخذتِ بنصيحتي، فستقبلين الدخل السنوي.»

نهضتِ المرأة ببطءٍ على قدمَيها.

وقالت: «لا أسعى وراء المال، رغم حاجتي الشديدة إليه في كثيرٍ من الأحيان، الله وحدَه يعلم. لكنني كونتيسة رانتريملي، وأتمنَّى أن يُعترَف بحقِّي في هذا اللقب. لقد بقِيَت شخصيتي في الظلِّ لمدة عشر سنوات. وفي عدة مناسبات، كانت تصِلني تلميحات غامضة بأنني بطريقةٍ ما غادرت القلعة في ظروفٍ غامضة. إذا قام لورد رانتريملي بإتلاف الرسالة التي أُرغمت على كتابتها بالإكراه، وإذا أعطاني اعترافًا مكتوبًا بأنه لم يكن هناك أي مزاعم ضدِّي أثناء إقامتي في القلعة؛ يمكنه الاستمتاع بأمواله بسلامٍ دون إعطائي شيئًا. فأنا لا أُريد شيئًا منها.»

«هل طلبتِ منه أن يفعل ذلك؟»

«نعم. ولكنه يرفض التخلي عن الرسالة أو إتلافها، رغم أنني أخبرتُه بالظروف التي كُتبت فيها. ولكن — لأكون مُنصفة — قال إنه سيسمح لي بجنيهٍ أسبوعيًّا مدى الحياة، تكرُّمًا منه شخصيًّا.»

«وهل رفضتِ هذا العرض؟»

«نعم، رفضتُه.»

«سيدتي، يؤسِفني قول إنني لا أستطيع التفكير في أي وسيلةٍ لفعل أي شيءٍ فيما يتعلق بما أعترف أنه معاملة غير عادلة للغاية. ليس لدَينا أي شيءٍ على الإطلاق للمُضي قدمًا باستثناء كلمتك غير المؤيدة بشيء. كان لورد رانتريملي مُحقًّا تمامًا عندما قال إنه لن يُصدِّق أحد قصتك. وأنا لن أتمكن من الذهاب إلى قلعة رانتريملي وإجراء التحقيقات هناك. وليس لي أي حقوقٍ على المبنى على الإطلاق، وسأواجه مشكلةً فوريةً بوصفي مُتسللًا مُتطفلًا. أتوسَّل إليك أن تتَّبِعي نصيحتي وتقبلي الدخل السنوي.»

هزَّت صوفيا بروكس رأسها ببطء، بهذا العناد الخفيف الذي تلقَّيتُ منه إشاراتٍ أثناء روايتها للقصة.

وقالت: «لقد كنتَ لطيفًا جدًّا للاستماع لوقتٍ طويل.» ثم قالت باقتضاب: «طاب يومك!» واستدارت وغادرتِ الغرفة. على الورقة أسفل عنوانها، كتبتُ هذه النبوءة: «قبل نهاية الأسبوع، أتوقَّع أن لورد رانتريملي بذاته سيتَّصِل لمقابلتي.»

•••

في صباح اليوم التالي، في نفس الساعة التي وصلت فيها الآنسة بروكس تقريبًا في اليوم السابق، تم إحضار بطاقة إيرل رانتريملي إليَّ.

كان سيادته رجل أعمال فظًّا، غير مُهذب وأنيقًا، يُمكنني أن أُطلق عليه أنه شخص فخور بثروته لتوافر كل الأسباب لذلك؛ فقد كسب ثروته الخاصة. كان بلا شكٍّ فخورًا بلقَبه الجديد بالقدْر ذاته، وكان يحاول الارتقاء إلى مُستواه، مُتخذًا بين الحين والآخر موقفًا مُتغطرسًا مُتسلطًا، ثم يعود مرةً أخرى إلى الأسلوب الحازم والحريص لرجل الأعمال؛ فقد كان إحساسه المالي الماكر يخوض صراعًا مُستمرًّا مع بريق اسمه العريق. أنا مُتأكد من أنه كان سيتمتع بميزاتٍ أفضل كمُمول أو كرجلٍ نبيل، لكن هذا المزيج كان صعبًا عليه. شعرتُ بكراهيةٍ غريزية تجاه الرجل، والتي ربما لم تكن لتحدُث لو كان حصل على اللقب منذ عشرين عامًا، أو إذا التقيتُ به بصفته رجل أعمال، دون التفكير في الشرَف الأرستقراطي الذي كان ينتظِره. يبدو أنه لا يُوجَد شيء مُشترك بينه وبين حامل اللقب السابق. كان لديه عينان صارمتان مثل عينَي ابن مقرض، وأنفٌّ حاد يشم رائحة المال، وشفتان رفيعتان لا تُوحِيان بأنه إنسان لطيف. وكان قصير القامة، لكنه لم يكن مُصابًا باعوجاج القدم، وتلك كانت إحدى مزاياه. جلس قبل أن يُتاح لي الوقت لأعرض عليه مقعدًا، وظلَّ مُرتديًا قُبعته بحضوري، الأمر الذي لم يكن ليفعله لو كان رجلًا نبيلًا حقيقيًّا أو رجل أعمالٍ مُهذبًا.

أعلن بتفاخُر: «أنا لورد رانتريملي.» وكان الإعلان غير ضروري على الإطلاق؛ لأنني كنتُ أحمل بطاقته في يدي.

«قطعًا يا سيدي. وقد جئتَ لتعلَم ما إذا كان بإمكاني صرف الشبح الموجود في تلك القلعة القديمة في الشمال التي تحمِل اسمك؟»

صرخ سيادته مُندهشًا: «يا إلهي، أنا مُتفاجئ! كيف أمكنك تخمين ذلك؟»

«آه، هذا ليس تخمينًا، ولكنه اختيار بين شيئين، أي منهما قد يأتي بك إلى مسكني. واخترت الدافع الأول لأنني اعتقدتُ أنك قد تُفضل تسوية المشكلة الثانية مع مُحاميك، وقد أخبرك بلا شك أن ادعاء الآنسة صوفيا بروكس كان باطلًا، وأنك كنتَ مُحقًّا تمامًا في رفضك التخلِّي عن الرسالة المكتوبة على الآلة الكاتبة التي وقَّعَت عليها منذ عشر سنوات أو إتلافها، وأن عرضك لها دخلًا سنويًّا قدره ٥٢ جنيهًا — دون استشارته — كان ضعفًا من جانبك.»

قبل وقتٍ طويل من انتهاء هذه المحاضرة، والتي نطقتُ بها ببساطة ولامُبالاة، كما لو كنتُ أقرأ شيئًا يعرفه الجميع، وقف سيادته على قدمَيه مرةً أخرى، وهو يُحدِّق في وجهي مثل رجلٍ مصعوق. ولقد منَحَني هذا الأمر الفرصة لممارسة الكياسة التي أحبَطَها دخوله وسلوكه المُفاجئان. نهضت، وانحنيت، وقلت:

«فلتتفضَّل بالجلوس يا سيدي.»

سقط على المقعد بدلًا من أن يجلس عليه.

واصلتُ بأقصى درجات اللباقة وأنا أمدُّ يدي: «والآن، هل يُمكنني وضع قُبعتك على هذا الرف بعيدًا عنك، حيث لن تُزعجك أثناء حديثنا؟»

مثل رجلٍ في حلم، نزع قُبعته عن رأسه، وسلَّمها لي دون أن ينطق ببنت شفة، وبعد وضعها في أمان، عدتُ لمقعدي بشعور مريح بأن سيادته وأنا أصبحنا على قدْرٍ من المساواة أقربَ بكثيرٍ مما كان عليه الحال عندما دخل الغرفة.

قلتُ بلُطف: «ماذا عن الشبح ذي القدم المُعوجة يا سيدي؟ هل لي أن أقول إنه في المدينة، ذلك الجزء التجاري العقلاني من لندن، لا يُؤمن أحد بوجود الأرواح باستثناء تلك التي يحكون عنها في الحانات؟»

بدأ سيادته في الحديث، وهو يكافح من أجل استعادة مهابته مرةً أخرى: «إذا كنتَ تقصد … إذا كنت تقصد أن تسأل عما إذا كان هناك أي رجل أحمق بما يكفي لتصديق قصة وجود شبح؛ فأنا أجيب بالنفي. أنا رجل عملي يا سيدي. أمتلك الآن في الشمال ملكيةً تُمثل — فيما يتعلق بالأراضي الزراعية، وحقوق الصيد، وغير ذلك — رأس مالٍ مُجمدًا يُقدر بآلاف الجنيهات. وكما يبدو أنك تعرف كل شيء يا سيدي، ربما تُدرك أنني أعتزم بناء قصرٍ حديث على هذه الملكية.»

«نعم؛ لقد رأيتُ الرسالة في صحيفة «التايمز».»

«حسنٌ جدًّا يا سيدي. إنه لأمر سيئ إذا لم يستطع المرء — في بلد القانون وحقوق الملكية هذا — فعل ما يشاء بمُمتلكاته.»

«أعتقد، يا سيدي، أنه يمكن الاستشهاد بالقضايا التي أظهرت فيها قرارات المحاكم أن المرء قد لا يستطيع أن يفعل ما يشاء بمُمتلكاته. ومع ذلك، أنا متأكد تمامًا من أنك إذا قُمتَ بتسوية قلعة رانتريملي بالأرض، وبنيتَ قصرًا حديثًا مكانها؛ فلن يُعيقك القانون.»

قال صاحب السيادة بصوتٍ أجش: «أتمنَّى ذلك يا سيدي، أتمنَّى ذلك. ومع ذلك، فأنا لستُ من الأشخاص الذين يرغبون في الاستخفاف بالرأي العام.

فأنا رئيس مجلس إدارة العديد من الشركات التي تعتمد بشكلٍ أو بآخر على التأييد الشعبي لتحقيق النجاح. وأستنكِر العداء غير الضروري. وعمليًّا، بإمكاني تأكيد حقِّي في تدمير هذا الحصن القديم غدًا إذا كنتُ أرغب في القيام بذلك، وإذا كان هذا الحق مَوضع نزاع خطير؛ فسوف أكون حازمًا بالطبع. لكنه ليس محلَّ نزاعٍ خطير. فالأمة البريطانية، يا سيدي، شعب عاقل جدًّا ما كان ليعترِض على إزالة بناءٍ مهجور انقضى نفعُه منذ فترةٍ طويلة، وتشييد قصر زاخر بجميع التحسينات الحديثة سيكون إضافةً مُميزةً للبلاد، يا سيدي. احتجَّ عدد قليل من الفضوليين الوقحين على هدم قلعة رانتريملي، لكن هذا كل ما في الأمر.»

«آه، إذَن أنت تنوي حقًّا تدميرها؟» عدتُ للحوار، وكان يمكن سماع القليل من التحسُّر في نبرة صوتي.

«ليس في الوقت الراهن، ليس حتى يهدأ هذا الصخب المُبتذل. ومع ذلك، بصفتي رجل أعمال، أجد نفسي مُجبرًا على إدراك أن قدرًا كبيرًا من رأس المال غير المُثمر مُجمَّد في تلك الملكية.»

«ولماذا هو مُجمَّد؟»

«بسبب الاعتقاد السخيف بأن المكان مسكون. كان بإمكاني بيعه غدًا بمبلغٍ جيد، لولا تلك الشائعة.»

«لكن من المؤكد أن الرجال العقلاء لا ينتبهون لمِثل هذه الشائعات.»

«قد لا يفعل الرجال العقلاء ذلك، لكن غالبًا ما يتزوَّج الرجال العقلاء من نساءٍ سخيفات، والنساء يعترضْن. قبل أيامٍ كنتُ أتفاوض مع بيتس، من ستيرجن وبيتس، وهو رجل ثري جدًّا، وقادر تمامًا وراغب في دفع الثمن الذي طلبته. لم يهتمَّ بما يُقال عن الشبح المزعوم، لكن عائلته رفضت تمامًا أن يكون لها أي علاقة بالمكان، ومن ثم لم يكتمل الاتفاق.»

«ما نظريتك بخصوص هذا الشبح يا سيدي؟»

أجابني بنفادِ صبر:

«كيف يمكن لرجلٍ عاقل أن يكون له نظرية عن شبح؟ ومع ذلك، يُمكنني تقديم نظرية تتعلق بالضوضاء التي تُسمَع في القلعة؛ لسنواتٍ كان هذا المكان ملاذًا لشخصياتٍ مشكوك فيها.»

علقت ببراءة: «أنا أفهم أن عائلة رانتريملي قديمة جدًّا.» لكن سيادته لم ينتبِه إلى التلميح.

وتابع برضًا شديد: «نعم، نحن عائلة قديمة. والقلعة، كما تعلم، مكان ضخم مُتداعٍ، يحتوي على العديد من السراديب. أجرؤ على القول إنه في الأيام الخوالي كانت بعض هذه السراديب والكهوف ملاذًا للمُهربين، ومخزنًا لبضاعتهم المُهرَّبة، وذلك بلا شك لمعرفتي الكاملة بأسلافي، الذين يؤسِفني — بصفتي رجل أعمال — الاعتراف بعدم اهتمامهم باحترام القانون. لا أشك في أن القلعة الآن هي ملجأ لعددٍ من الشخصيات الخطرة، الذين يستغلون الأساطير التي تُردَّد عن المكان، ويُخيفون الحمقى من خلال انتحال صفة الأشباح.»

«هل تُريدني أن أكشف عن مخبئهم إذَن؟»

«بالضبط.»

«هل يُمكنني الإقامة في القلعة ذاتها؟»

«يا إلهي، لا! ولا على بعد مِيلين منها. يُمكنك تأمين مسكنٍ ومأكل في سكن الحارس، ربما، أو في القرية التي تبعُد ثلاثة أميال.»

«أُفضِّل العيش في القلعة ليل نهار، حتى يتمَّ حلُّ اللغز.»

«أوه، أنت رجل عملي. هذا قرار معقول للغاية. لكن لن يمكنك إقناع أي شخصٍ في ذلك الحي بمُرافقتك. ستحتاج إلى أخذ شخصٍ ما معك من لندن، ومن المُحتمل عدم بقائه معك طويلًا.»

«ربما يا سيدي، إذا استخدمت نفوذك؛ قد يسمح رئيس الشرطة في القرية لشُرطي بمُرافقتي. أنا لا أمانع على الإطلاق في حدوث عُنف، لكن أودُّ أن يكون هناك أحدٌ ما لتحضير وجباتي، وأن يكون على استعدادٍ في حالة حدوث صراع، إذا ثبتت صحة تخمينك بشأن الشبح.»

قال سيادته: «يؤسِفني أن أُبلغك أن الشرطة في تلك المنطقة الهمجية تؤمن بالخرافات مثل الفلاحين. أنا، بنفسي، أخبرتُ رئيس الشرطة بنظريتي، ولمدة ستة أسابيع كان يحاول أن يطارد الأوغاد، الذين، بالتأكيد، يلتقون في القلعة. هل تُصدِّق، يا سيدي، أن ضباط شرطة المنطقة، بعد تجربةٍ دامت لليالٍ قليلة في القلعة، هدَّدوا بالاستقالة الجماعية إذا عُيِّنوا للخدمة في رانتريملي؟ وقالوا إنهم سمعوا أنينًا وصراخًا، ووقْع قدمٍ مُعوجة تسير ببطءٍ وثباتٍ على الأرضيات المصنوعة من خشب البلوط. هذا سخيف تمامًا، بالطبع، لكن هذا ما حدث! لماذا لا أستطيع حتى تعيين خادمةٍ أو عاملٍ لتنظيف أدلة المأساة التي حدثت هناك قبل ستة أسابيع. الأسِرَّة لم يمسَسْها أحد، والخزف الصيني المكسور والصينية الفضية موجودة حتى اليوم تحت السُّلم، ولا يزال كل شيء كما كان عندما تمَّ التحقيق.»

«حسنًا يا سيدي، تنطوي القضية على العديد من الصعوبات؛ ومن ثم، ستتفهَّم، بوصفك رجل أعمال مثلي، أنَّ أجري يجِب أن يكون كبيرًا في المقابل.»

كل المكانة المُفترَضة التي قوَّمت هذا الرجل كلما خاطبته بلقب «يا سيدي» اختفت على الفور عندما نطقتُ بكلمة «أجر». ضاقت عيناه، وظهر في وجهه كل الدهاء الأصلي لرجلٍ خبير في البُخل. سأكون عادلًا وأقول إنه عقد معي أفضل صفقةٍ ممكنة، وأنا، من جانبي، أخفيتُ عنه بمهارةٍ حقيقة اهتمامي الشديد بمسألة ذهابي إلى رانتريملي من أجل لا شيء سوى عدم التخلِّي عن امتياز تفقُّد قلعة رانتريملي.

عندما رحل الإيرل الجديد، سائرًا إلى الباب بطريقة نبيلٍ مُتغطرس، ثم مُنحنيًا لي بدماثة رجل أعمال، تركتُ شقتي، وركبت سيارة أجرة، ووجدت نفسي على وجه السرعة أصعد السُّلم إلى الطابق الأول من ٥١ شارع بومونت، ستراند. عندما توقفتُ عند الباب الذي نُقِشت عليه الكلمات: «إس بروكس، الكتابة بالاختزال، الطباعة على الآلة الكاتبة، الترجمة»، سمعتُ نقرًا سريعًا لآلةٍ كاتبة بالداخل. توقَّفَتِ الكتابة عندما طرقتُ الباب، ودُعيت للدخول. كانت الغرفة تحتوي على أثاث بسيط، ولم يظهر عليها سوى علاماتٍ بسيطة للرفاهية. على طاولة جانبية صغيرة، نظيفة، لكن دون غطاء، كانت أطباق الإفطار، مغسولة، لكن لم يتم وضعُها في مكانها بعدُ، وقادتني الغلاية الموجودة على سطح المَوقد بجوار النيران التي قاربت على الانطفاء إلى استنتاج أنَّ المرأة التي تكتب على الآلة الكاتبة كانت تطهو لنفسها. كنتُ أشكُّ في أنها تتَّخِذ من الأريكة ذات المظهر المُحرج التي احتلت جزئيًّا أحد جوانب الغرفة فراشًا. بجانب النافذة الأمامية الوحيدة كانت الآلة الكاتبة على حاملٍ صغير، وأمامها جلست السيدة التي زارتني صباح أمس. كانت الآن تُحدِّق في وجهي، آملةً على الأرجح أن أكون عميلًا؛ لأنه لم يظهر في عينيها أنها تعرَّفت عليَّ.

حيَّيْتها: «صباح الخير سيدة رانتريملي.» ممَّا جعلها تنهض على قدمَيها على الفور، مع قليلٍ من الدهشة.

قالت أخيرًا: «يا إلهي، أنت السيد فالمونت. المَعذرة أنا غبية جدًّا. تفضل بالجلوس.»

«شكرًا سيدتي. إنه أنا من يجب عليه الاعتذار عن هذه الزيارة الصباحية المُفاجئة. لقد جئتُ لأسألك سؤالًا: هل يمكنكِ الطهي؟»

نظرَت إليَّ السيدة ببعضٍ من الدهشة المُختلطة ربما بقدرٍ كبير من السخط الذي يمكن أن يفترضه شخص لطيف. لم تَرُد، ولكنها نظرَت إلى الغلاية، ثم استدارت نحو أطباق الإفطار على الطاولة بجانب الحائط، وتدفَّق الدم ببطءٍ إلى خدَّيها الشاحبين.

قلتُ أخيرًا حين أصبح الصمتُ مُحرجًا: «سيدتي، عليك أن تعذري اندفاع رجلٍ أجنبي يجد نفسه دائمًا في صراعٍ مع الأحكام المُسبقة التي يفشل في فهمها. ربما تشعُرين بالإهانة من سؤالي. لكن آخر شخصٍ سألته هذا السؤال كان السيدة الشابة الجميلة مدام لا كومتيس دي فاليري-موبيران، التي صفَّقت بحماسٍ وبهجة عند سماعها لهذه المُجاملة، وأجابت باندفاع:

«حسنًا، سيد فالمونت، دعني أصنع لك أومليت طعمُه وهمي.» وقد فعلت. لا ينبغي لأحدٍ أن ينسى أن لويس الثامن عشر نفسه طبخ الكمأ مع هريس الأرطلان الذي تسبَّب في وفاة دوق كارز، الذي تناول الطبق الملكي، بسبب عُسر الهضم. إن الطبخ فنٌّ نبيل، وملَكي. وأنا رجل فرنسي، يا سيدتي، ومثل جميع أبناء بلدي، أعتبر أن وظيفة الطهو تتفوَّق تفوقًا كبيرًا على استخدام هذه الآلة، التي هي مِهنتك، أو عِلم التحقيقات، الذي هو مهنتي.»

قالت، بعد أن فشلَت محاضرتي في تهدئتها، بفخرٍ راقٍ بدا بطريقةٍ ما أكثر طبيعيةً ممَّا كان يزعمه زائري الأخير، بشكلٍ متقطع: «سيدي، هل أتيتَ لتعرِضَ عليَّ وظيفة طاهية؟»

«نعم سيدتي، في قلعة رانتريملي.»

سألت وهي تكاد تحبس أنفاسها: «هل أنت ذاهب إلى هناك؟»

«نعم سيدتي، سأغادر صباح الغد في قطار الساعة العاشرة. كلَّفَني لورد رانتريملي بالتحقيق في الوجود المُفترَض للشبح في ذلك المسكن المُتهالك. ويُسمح لي بإحضار أي مُساعدين أحتاج إليهم، وأنا متأكد من عدَم وجود أي شخصٍ في الحي يجرؤ على النوم في القلعة. وأنت تعرفين المكان جيدًا، بعد أن عشتِ هناك، لذلك سأكون سعيدًا بمساعدتك إذا أتيت. وإذا كان هناك أي شخصٍ يمكنك الوثوق به ولا يخاف من الأشباح، فسأكون سعيدًا بمُرافقتكما إلى قلعة رانتريملي غدًا.»

قالت: «هناك امرأة عجوز تأتي إلى هنا لتنظيف غرفتي، وتفعل ما أريده. وهي صمَّاء؛ لذا لن تسمع الأشباح، وإلى جانب ذلك، يا سيدي، يُمكنها الطهي.»

ضحكتُ معترفًا بهذه الضربة الخبيثة الأخيرة لي، كما يقول الإنجليز.

أجبتها: «هذا سيَفي بالغرَض.» وقمتُ من مكاني، ووضعت ورقةً نقديةً من فئة عشرة جنيهات أمامها وقلت: «أقترح، يا سيدتي، أن تشتري بهذا أيَّ شيءٍ قد تحتاجينه. لدى خادمي تعليمات بإرسال حقيبةٍ ضخمة مليئة بالمؤن عن طريق قطار الركاب، والتي يجب أن تصِل إلى هناك قبلنا. إذا أمكنك مُقابلتي في محطة يوستون قبل مغادرة القطار بحوالي ربع ساعة؛ فقد نتمكن من كشف كل ما ترغبين في معرفته فيما يتعلق بلغز قلعة رانتريملي.»

قبِلَت صوفيا بروكس المال دون اعتراض، وشكرتني. كان بإمكاني رؤية ارتعاش يديها النحيفتَين من الإثارة أثناء وضع الورقة النقدية في حقيبتها.

•••

حل الظلام مساء اليوم التالي قبل أن ندخل في المبنى الكئيب، الذي بدا للوهلة الأولى وكأنه قلعة أكثر من كونه منزلًا. كنتُ قد أرسلت برقيةً من لندن لأطلب عربةً صغيرةً لنا، وتوجهنا إلى مركز الشرطة في هذه المركبة، حيث قدمتُ أمرًا مكتوبًا من لورد رانتريملي للحصول على مفاتيح القلعة. أظهر رئيس الشرطة نفسه، وهو شخص هادئ الطبع، قليل الكلام، بعض الاهتمام بمُهمتي مع ذلك، وكان جيدًا بما يكفي لشغل المقعد الرابع في العربة الصغيرة، ومرافقتنا عبر الحديقة إلى القلعة، وعاد في تلك المركبة إلى القرية مع اقتراب حلول الظلام، ولم أستطع إلا ملاحظة قلق هذا المسئول الشجاع بشأن المُغادرة قبل حلول الغسق تمامًا. وبالرغم من صمته، سرعان ما علمتُ أنه لا يُصدق نظرية لورد رانتريملي بأن القلعة تؤوي شخصياتٍ خطيرة، ومع ذلك كان احترامه المتأصِّل لطبقة النبلاء عظيمًا لدرجة أنني لم أستطع حثَّهُ على المُجادلة بأي حزمٍ في تخمين سيادته. كان من الواضح — مع ذلك — أن رئيس الشرطة يؤمن ضمنيًّا بالشبح ذي القدم المُعوجة. طلبتُ منه العودة في صباح اليوم التالي، حيث سأقضي الليلة في التحقيق، وربما يكون لديَّ بعض الأسئلة لطرحها عليه، أسئلة لا يستطيع أحد الإجابة عنها سوى رئيس الشرطة. ووعدَنا الرجل الصالح، وتركنا بعجالة، وركض سائق العربة بحصانه على الطريق الطويل الكئيب باتجاه القرية خارج البوابات.

كانت صوفيا بروكس رفيقةً مليئة بالحزن، ولم أحصل على مساعدة تُذكَر في ذلك المساء. ويبدو أن ذكرياتها تغلَّبت عليها حيث زارت المكتبة التي كانت تعمل فيها سابقًا، وبلا شك كانت شاهدةً على قصة حُبها القصيرة، وعادت بعيونٍ حمراء وذقن مرتجف، وأخبرتني بتردُّد أن الكتاب العظيم الذي كانت تعمل منه قبل عشر سنوات، والذي تركته مفتوحًا على طاولة المكتبة الصلبة، لا يزال موجودًا تمامًا كما وضعَته قبل إجبارها على التخلِّي عن عملها. يبدو أنه لم يدخل أحد إلى تلك المكتبة منذ عقدٍ من الزمان. لم يسَعْني إلا التعاطف مع السيدة المسكينة، التي كانت تعيد زيارة، هذه الساحة المسكونة الشاهدة على سعادتها القصيرة، وكأنها شبح. ولكن على الرغم من أنها كانت رفيقةً حزينةً للغاية، فإنَّ المرأة العجوز التي جاءت معها كانت كنزًا. فبعد أن عاشت طَوال حياتها في حيٍّ شبه فقير بالقُرب من ستراند، وأنها نادرًا ما شهدت أكثر من لمحةٍ صيفية عن البلاد، أسعدتها الرحلة الطويلة. والآن يبدو أن هذه القلعة القديمة الغريبة الشكل الواقعة في وسَط الغابة تُحقق كل الأحلام الناشئة في خيالها نتيجةً لقراءة القصص التافهة. أشعلت النار، وأعدَّت لنا عشاءً مُشرفًا للغاية، وتجوَّلت في المكان وهي تُغني لنفسها بطبقةٍ عالية.

بعد فترة وجيزة من العشاء، أوت صوفيا بروكس إلى الفراش، حيث أنهكتها عواطفها وذكرياتها مثلما أرهقَتها رحلتها الطويلة في ذلك اليوم. وبعد أن بقيتُ وحدي، قمتُ بتدخين بعض السجائر، وانتهيتُ من زجاجة من الكلاريت الرائع كانت بجواري. قبل ساعاتٍ قليلة قلَّ بلا شكٍّ احترامي لدى الشرطي الهادئ الطبع عندما — بدلًا من أن أسأله أسئلةً بخصوص المأساة — كنتُ قد استفسرتُ عن موقع قبو النبيذ، وحصلتُ على مفتاح بوابته. إن مشهد رفوف الزجاجات المُتراصَّة بعضها خلف بعض والمُغطاة بالغبار وخيوط العنكبوت، له تأثير أكبر من أي شيءٍ آخر يُساعدني على بقائي مُستيقظًا وحدي. كان هناك بعض أنواع النبيذ البارزة في ذلك الكهف المُوحِش.

ربما كانت الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشرة عندما بدأت تحقيقاتي. كنتُ قد اتخذتُ الاحتياطات لأوفِّر لنفسي نصف دزينة ممَّا تسمى بالمصابيح الكهربائية قبل أن أُغادر لندن. فهي تعطي إضاءةً لمدة عشرين أو ثلاثين ساعةً بشكلٍ ثابت، وأطول بكثيرٍ إذا تمَّ استخدام الوميض بين الحين والآخر. والمصباح عبارة عن أنبوبٍ سميك، طوله قدم ونصف تقريبًا، مزوَّد بدائرةٍ مركزية من الزجاج في أحد طرفيه. وبالضغط على زنبرك؛ تنبعث الأشعة الكهربائية مثل إضاءة المصباح الأمامي للقاطرة. وبترك الزنبرك يسود الظلام على الفور. لقد وجدتُ هذا الاختراع مُفيدًا لأنه يركز الضوء على أي بقعةٍ محددة تريدها، تاركًا باقي المناطق المُحيطة في ظلام؛ لكي لا يُشتت الذهن، حتى دون وعي، برؤية العين لأكثر ممَّا يلزم في هذه اللحظة. يسكُب المرء ضوءًا أبيض على مادةٍ مُعينة كما لو كان يسكب الماء من فوهة خرطوم.

كان الصمت يُخيِّم على المنزل العظيم بشكلٍ مؤلم. أخذت أحد هذه المصابيح، وذهبتُ إلى أسفل السُّلم الكبير حيث لقي كبير الخدم الشرير حتفه. هناك — كما قال سيادته — تُوجَد الصينية الفضية، وبالقُرب منها إبريق فضي، وزوج من الملاعق، وسكين، وشوكة، وتتناثر في جميع الأنحاء شظايا الأطباق المكسورة، والأكواب، والصحون. مُتعجبًا من غباء الباحثين الذين سبقوني، ركضتُ إلى أعلى السُّلم قافزًا على درجتَين في كل مرة، واستدرتُ إلى اليمين، على طول الرواق حتى وصلتُ إلى الغرفة التي كان يشغلها الإيرل الراحل. كانت أغطية الفراش مَثنيةً للأسفل تمامًا كما كانت عندما قفز سيادته على الأرض، بلا شك بعد أن سمِع صوتًا خافتًا للارتطام المُميت عند الجزء السُّفلي من السُّلم، على الرغم من صَمَمِه. وكانت هناك خزانة كبيرة من خشب البلوط عند مقدمة الفراش، على بعد ستِّ بوصات تقريبًا من الحائط. استندَت بمَيلٍ على هذه الخزانة عند حافة الفراش طاولةٌ صغيرة مُستديرة، وانزلق غطاء الطاولة عن سطحها المائل حتى أخفى جزئيًّا غطاء الخزانة. صعدتُ على هذه الخزانة المنحوتة من خشب البلوط الأسود القديم ووجهتُ أشعة المصباح الكهربائي إلى الشقِّ الموجود بينها وبين الحائط. ثم ضحكتُ بصوتٍ عالٍ، وشعرتُ بالدهشة إلى حدٍّ ما لسماع ضحكة أُخرى خلفي مباشرة. قفزتُ على الأرض مرةً أخرى، وقمتُ بإدارة مصباحي مثل نورٍ كاشف على سفينةٍ حربية في البحر. لم يكن هناك أي وجودٍ بشري في تلك الغرفة بخلافي أنا. وبالطبع، بعد لحظة دهشتي الأولى، أدركتُ أن الضحكة لم تكن سوى صدًى لصوت ضحكتي؛ حيث كانت جدران المنزل القديمة مثل الألواح الصوتية. كان المكان يُشبه كمانًا قديمًا، لا يزال ينبض بالموسيقى التي عُزفت عليه. وكان من السَّهل فَهم كيف أصبح السكان المؤمنون بالخرافات يؤمنون بكونه مسكونًا، وفي الواقع، وجدتُ من خلال التجربة أنه إذا سار المرء سريعًا على طول الأرضية المكشوفة للرواق، وتوقف فجأة؛ بدا له أن صوت الخطوات لا يزال مُستمرًّا.

عدتُ الآن إلى رأس السُّلم، وفحصتُ الألواح المصقولة العارية وحصلتُ على نتائج أكثر من مُرضية. مندهشًا من معرفتي للكثير في مثل هذا الوقت القصير، أخذتُ من جيبي الورقة التي حاول النبيل وهو يحتضِر الكتابة عليها بيدِه المُصابة بشللٍ نصفي. أعطاني رئيس الشرطة الورقة، وجلستُ على رأس السُّلم، وبسطتُها على الأرض، وفحصتها. كانت بلا معنًى. ويبدو أنه تمَّت محاولة كتابة كلمتين والحرف الأول من الكلمة الثالثة. الآن، مهما كانت بشاعة أي نصٍّ مكتوب، يمكنك أحيانًا فك تشفيره من خلال الإمساك به من زوايا مختلفة، حيث يتمُّ حلُّ تلك الألغاز التي لا يمكن حلُّها عند النظر إليها مباشرة. غالبًا ما تفهم القصد من خلال إغلاق العينين جزئيًّا، كما هو الحال في تلك الصور حيثُ يتمُّ إخفاء العنصر البشري بين الخطوط العريضة للأشجار والأوراق. أمسكت الورقة على مسافة ذراع، مع تسليط المصباح الكهربائي عليها، وفحصتُها من جميع الزوايا، بعينين مفتوحتَين، وعينَين نصف مُغمضتين. أخيرًا، قمتُ بإمالتها بعيدًا عني، ورأيتُ أن الكلمات كان المقصود منها: «السِّر». بالطبع، كان السِّرُّ هو ما كان يحاول كشفه، لكن من الواضح أنه لم يفعل شيئًا سوى كتابة العنوان. مُنغمسًا بعمقٍ في تحقيقي، لم يُدهشني شيءٌ في حياتي أكثر من سماعي في السكون أسفل الرواق أحدَهم يقول لاهثًا: «يا إلهي!»

أدرتُ المصباح، ورأيتُ صوفيا بروكس متكئةً على الحائط، تكاد تفقد الوعي، وعيناها تُحدِّقان مثل عينَي شخصٍ مجنون، ووجهها أبيض مثلما يكون وجهُ أي شبح. وكانت ترتدي ثوبَ النوم. قفزتُ على قدمي.

وصرخت: «ماذا تفعلين هنا؟»

«يا إلهي، هل هذا أنت يا سيد فالمونت؟ الحمد لله، الحمد لله! ظننتُ أنني أُصاب بالجنون. رأيتُ يدًا، يدًا بلا جسد، تحمل ورقةً بيضاء.»

«كانت اليد بعيدةً كل البعد على أن تكون بلا جسدٍ يا سيدتي، لأنها تخصُّني. لكن لماذا أنت هنا؟ قارب الوقت على منتصف الليل.»

أجابت المرأة: «إنه منتصف الليل، لقد جئتُ إلى هنا لأنني سمعت زوجي يُناديني ثلاث مراتٍ بوضوح؛ «صوفيا، صوفيا، صوفيا!» مثل هذا تمامًا.»

قلتُ بقسوةٍ نادرًا ما أستخدمها مع النساء: «هذا هراء يا سيدتي.» لكنني بدأتُ أرى أن هذه المخلوقة الهستيرية كانت ستعترض طريقي أثناء إجرائي لبحثٍ يتطلَّب الهدوء والسكينة. كنت آسفًا على دعوتها للحضور. «هذا هراء، يا سيدتي، لقد كنتِ تحلمين.»

«في الواقع، يا سيد فالمونت، لم أكن أحلم. أنا لم أنَمْ حتى، وسمعتُ الكلمات بوضوحٍ تام. يجب ألا تعتقد أنني مجنونة أو مؤمنة بالخرافات.»

اعتقدتُ أنها كانت كليهما، وفي اللحظة التالية قدمتُ دليلًا إضافيًّا على ذلك حيث ركضَت فجأةً إلى الأمام وتشبَّثَت بذراعي.

همست: «استمع! استمع! ألا تسمع شيئًا؟»

«هراء!» صرختُ مرةً أخرى، تقريبًا لأن صبري قد نفد، وتمنَّيتُ أن أستمرَّ في تحقيقي دون إزعاج.

همسَت وهي ترفع إصبعها: «صه! صه! اسمع!» وقف كِلانا مثل التماثيل، وفجأةً شعرتُ بهذا الدبيب الفضولي في رأسي ممَّا يدلُّ على أنه حتى أكثر الناس تحضُّرًا بيننا لم يَقضوا بعدُ على الخوف من الخرافات. سمعتُ في الصمت المقلق شخصًا يصعد السُّلم ببطء، وسمعتُ الخطوة المتعثرة لرجلٍ أعرج. بسبب توتُّر اللحظة، انطفأ المصباح، ثم تمالكتُ نفسي، وضغطتُ على الزنبرك ولوَّحت بأشعته للخلف وللأمام أسفل السُّلم. كان المكان فارغًا تمامًا، لكن الخطوات المُتردِّدة كانت تقترِب منَّا، شيئًا فشيئًا. كان بإمكاني أن أُحدد آخر درجةٍ من السُّلم وطئها. في هذه اللحظة المُثيرة للاهتمام، أطلقَت صوفيا بروكس صرخةً خارقةً وانهارت في ذراعي؛ ممَّا جعل المصباح الكهربائي يسقط على السُّلم مُتخبطًا بدرجاته، تاركًا إيَّانا في ظلامٍ دامس. حقًّا، أعترف بأنني رجل شُجاع، لكن هناك مواقف تَميل إلى التسبُّب في الإزعاج. حملتُ المخلوق الضعيف بحذَرٍ إلى أسفل السُّلم، خوفًا من مصير كبير الخدم، وأخيرًا أدخلتُها إلى غرفة الطعام، حيث أشعلتُ شمعةً أعطَت ضوءًا أقل بريقًا من مصباحي، ربما، لكنه أكثر ثباتًا. بللتُ وجهها ببعض الماء، وأعدتُها إلى وعيها، ثم نزعتُ سدادة زجاجة نبيذٍ أخرى، وطلبتُ منها شُرب كأس، وهو ما فعلَته.

همسَت: «ما كان ذلك؟»

«لا أعلم يا سيدتي. من المُحتمل جدًّا أن يكون شبح رانتريملي ذا القدم المُعوجة.»

«هل تؤمن بالأشباح يا سيد فالمونت؟»

«لم أفعل الليلة الماضية، لكن في هذه الساعة أُومِن بشيءٍ واحد فقط، وهو أن الوقت قد حان لكي ينام الجميع.»

حينها نهضَت على قدمَيها، واعتذرت بضحكةٍ صغيرة مُرتجفة عن رُعبها، لكنني أكَّدت لها أنه في الوقت الحالي كان هناك شخصان مذعوران على رأس السُّلم. أخذتُ الشمعة، واستعدْتُ مصباحي الكهربائي، الذي لحُسن الحظ لم يحدُث له شيء من تدحرجه على السُّلم مثل كبير الخدم، ورافقتُ السيدة إلى باب غرفتها، وتمنيتُ لها ليلةً سعيدة، أو بالأحرى، صباحًا سعيدًا.

بدَّدت الشمس المُشرقة حجابًا خفيفًا من الضباب الذي علق فوق الحديقة، وصرفَت أيضًا — فيما يخصُّني — الأشباح التي استحضرَتها مخيلتي عند منتصف الليل. كانت الساعة حوالي العاشرة والنصف عندما وصل رئيس الشرطة. أمتدح نفسي لأنني أضفيتُ بعض الحياة على ذلك الرجل الضعيف الخيال قبل أن أفرغ منه.

«ما الذي جعلك تعتقد أن كبير الخدم كان يصعد السُّلم عندما سقط؟»

أجاب الرئيس: «كان يصعد حاملًا فطور اللورد.»

«ألم يخطر ببالك أنه لو كان الأمر كذلك، لما كان الإبريق الفضي فارغًا، وبالإضافة إلى الأطباق المكسورة، كان يجب أن يكون هناك لفائف مُتناثرة على الأرض، أو زبدة، أو خبز، أو أي شيء آخر؟»

فتح رئيس الشرطة عينيه.

واعترض قائلًا: «لم يكن هناك أي شخصٍ آخر ليُحضر له الإفطار.»

«هنا أنت مُخطئ تمامًا. أحضر لي الحذاء الذي كان كبير الخدم يرتديه.»

«لم يكن يرتدي حذاءً يا سيدي. كان يرتدي خُفًّا من القماش.»

«هل تعرف أين هو الآن؟»

«نعم؛ إنه في خزانة الأحذية.»

«حسنًا، أخرِجْه، وافحص نعليه، ستجد شظيةً قصيرةً من خشب البلوط المُدبَّب مُلتصقةً بأحدهما.»

أحضر الشرطي، الذي بدا أكثر ذهولًا من أي وقتٍ مضى، الخفَّ، وسمعتُه يهتف وهو يقترب مني: «يا إلهي، أنا مندهش!» ناوَلَني الخفَّ موجهًا نعلَيه لأعلى، وهناك، كما ذكرت، كانت شظية البلوط التي سحبتُها للخارج.

«الآن، إذا أخذتَ قطعة البلوط هذه إلى أعلى السلم؛ سترى أنها تتناسَب تمامًا مع الفجوة الصغيرة عند حافة أحد الألواح الخشبية. من الجيد إبقاء عينيك مفتوحتَين أيها الشرطي، عند التحقيق في قضية مثل هذه.»

قال مرةً أخرى بينما كنا نصعد السُّلم معًا: «يا إلهي، أنا مندهش!»

أريته أنَّ الشظية المأخوذة من الخفِّ تتناسَب تمامًا مع الفجوة التي أشرتُ إليها.

قلت له: «الآن، لم يكن كبير الخدم يصعد السُّلم، بل كان ينزل عليه. وعندما سقط على رأسه، لا بدَّ أنه أحدث ضجةً مُخيفة. بينما كان ينزل السُّلم حاملًا الصينية، خرقت هذه الشظية خفَّه، ونظرًا لأن يديه كانتا مشغولتين، لم يستطع إنقاذ نفسه، وسقط على رأسه حتى أسفل السُّلم. ومع ذلك، فإن النقطة المُذهلة هي حقيقة أنه لم يكن يحمل فطور اللورد إليه، أو يأخذه من عنده، ولكن هناك شخص آخر في القلعة كان يُقدِّم الطعامَ له. من يكون ذلك الشخص؟»

قال الشرطي: «سأندهش إذا عرفت، لكنني أعتقد أنك مُخطئ في ذلك. ربما لم يكن يحمل وجبة الإفطار، لكنه بالتأكيد كان يأخذ الصينية بعيدًا، كما يتَّضِح من الأطباق الفارغة، التي أشرتُ إليها منذ لحظة.»

«لا، أيها الشرطي. عندما سمع سيادته الارتطام، وقفز مندفعًا من فراشه؛ قلب الطاولة الصغيرة التي وُضِعَت عليها الصينية الخاصة به، وسقطت على الخزانة المصنوعة من خشب البلوط على رأس الفراش، وإذا نظرتَ بينها وبين الحائط ستجد صينية، وأطباقًا، وبقايا وجبة إفطار.»

هتف رئيس الشرطة مرةً أخرى: «يا إلهي، أنا مندهش!»

تابعتُ بهدوء: «النقطة الأساسية من كل هذا ليست الكارثة التي لحقَت بكبير الخدم، ولا حتى الصدمة التي تعرَّض لها سيادته، ولكن حقيقة أن الصينية التي كان يحملها الخادم كانت لجلب طعامٍ إلى سجين، من المُحتمَل أنه لم يأكل شيئًا منذ ستة أسابيع.»

قال الشرطي: «إذَن، هو في عداد الموتى.»

قلت: «أجد أنه من الأسهل الإيمان بوجود رجلٍ حي أكثر من الإيمان بوجود شبَح رجلٍ مَيت. وأعتقد أنني سمعتُ خطاه عند منتصف الليل، وبدَت لي كخُطى شخصٍ يكاد يكون منهكًا للغاية. لذلك، أيها الشرطي، لقد انتظرتُ وصولك بفارغ الصبر. الكلمات التي سعى اللورد الراحل إلى كتابتها على الورقة بالإنجليزية كانت تعني «السرية». وأنا متأكد من أن الكتابة غير الواضحة التي أنهى بها جهوده كانت تُشير إلى حرف «آر»، وإذا كان قد أنهى جملته، لكانت كما يلي: «الغرفة السرية». الآن، أيها الشرطي، هناك أسطورة تقول إن في هذه القلعة غرفةً سرية. فهل تعرف أين هي؟»

«لا أحد يعرف مكان الغرفة السرية، أو طريقة دخولها، باستثناء لوردات رانتريملي.»

«حسنًا، يُمكنني أن أؤكد لك أن لورد رانتريملي الذي يعيش في لندن لا يعرف شيئًا عن ذلك. لقد ذرعتُ المكان ذهابًا وإيابًا منذ طلوع النهار، وأخذت بعض القياسات التقريبية عن طريق قياس المسافات بخطواتي. وأظنُّ أن الغرفة السرية على يسار هذا السُّلم. ربما تُوجَد مجموعة كاملة من الغرف، لأنه يُوجَد بالتأكيد سُلَّم آخر مماثل لهذا السلم، وقد سمعت عند منتصف الليل صعود رجل بقدم مُعوجة على ذلك السُّلم. إما ذلك، أو الشبح الذي أخافكم جميعًا، وكما قلت، أنا أومن بوجود الرجل.»

هنا أدلى الضابط بأول ملاحظةٍ معقولة سمعتُه ينطق بها:

«إذا كانت الجدران سميكةً لدرجة أن صراخ السجين لم يُسمع، فكيف تُسمع خطواته التي تُصدِر ضوضاء أقل بكثير؟»

«ملحوظة رائعة، أيها الشرطي، وعندما راوَدَتني نفس الفكرة في وقتٍ سابق من هذا الصباح، بدأت في دراسة البناء المعماري لهذه القلعة. في المقام الأول، يبلغ عرض قاعة الدخول عند الأبواب الكبيرة ضعف عرضها بالقُرب من السُّلم. وإذا كنتَ تقف وظهرك إلى الباب الأمامي، فسوف تتساءل على الفور لماذا صنع البناة هذه الزاوية اليُمنى الغريبة وغير الضرورية، مما أدى إلى تضييق الجزء الأبعد من القاعة إلى نصف عرضها. ثم، بينما تُحدِّق في السُّلم، وترى قائم الدرابزين الرائع المنحوت من خشب البلوط واقفًا مثل عمودٍ ضخم، ستخمِّن، إذا كان لديك أي خيال، أن السُّلم، مثل القاعة، كان في يومٍ من الأيام ضعف عرضه الآن. نحن نرى نصفه فقط، ولا شكَّ أننا سنجد قائم درابزين مُماثلًا داخل الغرفة المَخفية. يجب أن تتذكر، أيها الشرطي، أن هذه الحجرات السرية ليست غرفًا صغيرةً مُضافة. لقد قامت بإيواء ملكٍ مرتين.»

انحنى رأس الشرطي مُنخفضًا عند ذكر الملك. ورأيتُ أن تحامُله ضيِّقَ الأفق عليَّ وعلى أساليبي كان يتلاشى، وأنه بدأ ينظر إليَّ باحترامٍ أكبر مما أظهره في البداية.

«ليس بالضرورة أن تكون الجدران سميكةً حتى تكون حاجبة للصوت. طبقتان من الطوب، ومساحة بينهما مليئة ببطانة عازلة للصوت من شأنها أن تفيَ بالغرَض. تمَّ عزل الغُرَف السرية عن باقي المنزل منذ بناء القلعة ولم يُصمِّمها المهندس المعماري الأصلي. ربما تمَّ بناء الحائط الذي يفصلها على عجلٍ لتلبية حاجة مُلحة، وقد تمَّ تشييده مباشرةً أعلى منتصف السُّلم، تاركًا الألواح الخشبية الضخمة سليمة، ومن ثم تنتقل كل خطوةٍ عبر الحائط، إذا جاز التعبير. الآن، عندما يصعد رجل السُّلم السري، يتردَّد صدى خطواته لدرجةٍ تجعل المرء يُقسِم أن شخصًا غير مرئي يسير على الألواح المرئية بالخارج.»

قال الشرطي بنبرة صوت يملؤها الإعجاب: «يا إلهي!»

«الآن، أيها الضابط، لديَّ هنا مِعول وعتلة. أقترح أن نحسم المسألة على الفور.»

لكن الشرطي اعترض على هذا الاقتراح.

«أنت بالتأكيد لن تكسِر الحائط دون إذنٍ من سيادة اللورد في لندن؟»

«أيها الشرطي، أظنُّ أنه لا يُوجَد لورد لرانتريملي في لندن، وأننا سنجد لورد رانتريملي هزيلًا للغاية ولكنه اللورد الحقيقي على بُعد عشر أقدام منَّا. لا أحتاج أن أُخبرك أنه إذا لعبتَ دورًا أساسيًّا في إنقاذه على الفور دون اتخاذ الكثير من الإجراءات الروتينية؛ فلن تتأثر مصالحك لأنك جلبتَ الطعام والشراب سريعًا للورد منطقتك الأعلى شأنًا.»

صرخ الشرطي بحماسٍ لم أكن مُستعدًّا له: «أنت على حق. من أين نبدأ؟»

«حسنًا، من أي مكان؛ كل هذا الحائط مُزيف بدايةً من قاعة الدخول إلى نقطةٍ ما بالأعلى هنا. ومع ذلك، حيث إنَّ كبير الخدم كان يحمل الوجبة للطابق العلوي، أعتقد أننا سنوفر الوقت إذا بدأنا ببسطة السُّلم.»

لقد وجدتُ أن عضلات الشرطي تفوق عقله كثيرًا. لقد كان يعمل مثل ثوري فرنسي يهدِم متراسًا. عندما هدَمْنا جزءًا من ألواح البلوط القديمة، والتي بدا من المؤسِف أن يتمَّ تشويهها بالفأس والعتلة؛ وصلْنا لحائطٍ من الطوب، الذي سُرعان ما تلاشى أمام قوة الشرطي. ثم استخرجنا بعض المواد مثل الحصير، ووجدْنا حائطًا آخر من الطوب، كان خلفه مجموعة أخرى من الألواح. لم تكشف الحفرة التي صنعناها سوى الظلام في الداخل، ورغم هتافنا، لم يكن هناك جواب. أخيرًا، عندما وسَّعنا الحفرة بما يكفي ليدخلها رجل، أخذتُ معي مصباحًا كهربائيًّا، ودخلتُ وتبِعَني الشرطي، والعتلة لا تزال في يده. علمت — كما توقعت — أننا كنَّا في القاعة العلوية لسُلَّم عرضه تقريبًا مثل السُّلم الموجود بالخارج. أظهر وميض من الضوء بابًا يتطابق مع مدفأة الطابق العلوي، ولأن هذا الباب لم يكن مُغلقًا؛ دخلنا غرفةً كبيرة، ذات إضاءة خافتة مصدرها نوافذ ذات قضبان قوية تؤدي إلى فناءٍ مسدود لم يكن هناك أي دليل لوجوده حتى ذلك الوقت، سواء خارج القلعة أو داخلها. انسحق زجاج مكسور تحت أقدامنا، ورأيتُ أن الأرضية مُغطاة بزجاجات النبيذ التي كُسرت أعناقها بدلًا من سحب السدادة. على مرتبةٍ في الطرف البعيد من الغرفة، كان هناك رجل بشعرٍ أشيب ولحية شعثاء رمادية اللون غير مهذبة. بدا إما نائمًا أو ميتًا، لكن عندما وجهتُ المصباح الكهربائي بالكامل على وجهه، أثبت أنه لا يزال على قيد الحياة، لأنه فرك عينيه بضعف، وأنَّ قائلًا:

«هل هذا أنت أخيرًا، أيها الخادم الوحشي؟ أحضر لي شيئًا لآكُله بحق السماء!»

هززتُه ليستيقظ أكثر. وبدا وكأنه سكران حتى الثمالة وهزيل على نحوٍ مُخيف. عندما جعلته يقف على قدميه لاحظتُ حينها التشوُّه الموجود في إحداهما. قُمنا بمساعدته للخروج من الفتحة، نزولًا إلى غرفة الطعام، حيث كان يصرخ باستمرارٍ طلبًا لشيءٍ يأكله، ولكن عندما وضعنا الطعام أمامه، كان بالكاد يستطيع لمسَه. لقد أصبح أكثر شبهًا بالإنسان عندما شرب كأسين من النبيذ، ورأيتُ في الحال أنه لم يكن كبيرًا في السنِّ كما كان يبدو عليه بسبب شَعره الرمادي. كانت هناك نظرة ذُعر في عينيه، وكان يراقب الباب وكأنه مُتخوِّف.

سأل أخيرًا: «أين كبير الخدم هذا؟»

أجبته: «لقد مات.»

«هل قتلته؟»

«لا. سقط على السُّلم وكُسِر عنقه.»

ضحك الرجل بقسوة.

«أين والدي؟»

«من والدك؟»

«لورد رانتريملي.»

«مات أيضًا.»

«كيف مات؟»

«مات نتيجةً لتعرُّضه لشللٍ مفاجئ في الصباح الذي قُتل فيه كبير الخدم.»

لم يُعلق الرجل الذي أُنقِذ على هذا، لكنه استدار وأكل القليل من طعامه. ثم قال لي:

«هل تعرف فتاةً تدعى صوفيا بروكس؟»

«نعم. لمدة عشر سنوات، ظنَّت أنك مَيت.»

«عشر سنوات! يا إلهي، هل تقصد أن تقول إنني هناك منذ عشر سنوات فقط؟ عجبًا، أنا رجل عجوز. يجب أن يكون عمري ستِّين على الأقل.»

«لا؛ أنت لا تتجاوز الثلاثين بكثير.»

«هل صوفيا …» توقف عن الحديث، وعادت نظرة الذُّعر إلى عينيه مرةً أخرى.

«لا. إنها بخير، وهي هنا.»

«هنا؟»

«في مكانٍ ما في الجوار. لقد أرسلتُها والخادمة للخارج في نزهة على الأقدام، وقلتُ لهما ألا تعودا حتى وقت الغداء؛ لأني والشرطي لدَينا ما نفعله، ولا نرغب في المقاطعة.»

مرَّر الرجل يدَه عبر لحيته الطويلة المتشابكة.

وقال: «أودُّ أن أهندم نفسي قليلًا قبل أن أرى صوفيا.»

هتف الشرطي: «يُمكنني أن أفعل ذلك من أجلك، أيها اللورد.»

ردَّد الرجل: «أيها اللورد؟ أوه، نعم، لقد فهمت. أنت شرطي، أليس كذلك؟»

«بلى، أيها اللورد، رئيس الشرطة.»

«إذَن، يجب أن أُسلِّم نفسي لك. لقد قتلتُ كبير الخدم.»

«أوه، هذا مُستحيل أيها اللورد!»

«لا، ليس مُستحيلًا. كان الوحش — كما كنتُ أطلق عليه — يشيخ، وفي صباح أحد الأيام نسي إغلاق الباب خلفَه. تبعتُه خِلسةً للخارج، وعلى رأس السُّلم غرستُ قدمي في أسفل ظهره؛ مما دفعه إلى السقوط على رأسه. كان حادث الارتطام رهيبًا. لم أقصد قتلَ هذا الوحش، كل ما أردتُه كان الهروب، وبينما كنتُ على وشك الركض على السُّلم، فزعتُ من رؤية والدي الذي كان يبدو … كان يبدو … حسنًا، لن أحاول قول كيف كان يبدو، ولكني شعرتُ بعودة كل خوفي القديم منه. وبينما كان يخطو بخطواتٍ كبيرة نحوي، على طول الرواق، كنتُ في حالة من الرعب لدرجة أنني قفزتُ عبر الباب السري وأغلقته بقوة.»

سألت: «أين الباب السري؟»

«الباب السري هو تلك المدفأة. تتحرك المدفأة بالكامل إلى الداخل إذا دفعت الزخرفة المنحوتة في الزاوية اليُسرى جانبًا.»

«إذَن فهي مدفأة زائفة؟»

«لا، يمكنك أن تُشعل نارًا فيها، وسيخرج الدخان من المدخنة. لكني قتلتُ كبير الخدم، أيها الشرطي، مع أنني لم أقصد ذلك، أُقسِم لك.»

الآن أظهر الشرطي مَعدِنه الحقيقي.

«أيها اللورد، لن نقول شيئًا عن ذلك. من الناحية القانونية أنت لم تفعل ذلك. كما ترى، كان هناك تحقيق بشأن كبير الخدم وأصدرت هيئة المُحلفين الحُكم؛ «موت عرضي، من خلال التعثُّر من أعلى السُّلم».» «لا يمكنك تجاهل تحقيق الطبيب الشرعي أيها اللورد.»

قال سيادته، مع الضحكة الأولى له منذ سنواتٍ عديدة: «بالطبع. لا أريد تجاهل أي شيء، أيها الشرطي، لقد كنتُ وراء تلك المدخنة الملعونة لفترةٍ طويلة جدًّا ولا أتمنَّى دخول سجنٍ آخر.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤