جغرافية تونس

مساحة تونس بحدودها الحالية بين خطي طول ٨° و١١° شرقًا وخطي عرض ٣٢°، ٣٧° شمالًا: ١٨٠ و١٢٥ كيلومترًا مربعًا، وتتاخمها من الغرب الجزائر، ومن الجنوب الصحراء، ومن أقصى الجنوب الشرقي ليبيا الإيطالية؛ أي طرابلس، وتضرب مياه البحر الأبيض المتوسط سواحلها في الشمال والشرق، وأغلب هذه الشواطئ، أراضٍ منخفضة، ومناخها على الجملة دفيء معتدل، ولكن سقوط الأمطار يختلف كثرةً وقلَّةً من ناحية إلى أخرى، بل من سنة إلى سنة، وللقرب من البحر أو من الصحراء شأن فيه؛ ولذلك يختلف كثيرًا باختلاف خطوط العرض واختلافًا أكثر بارتفاع الأرض، وتضاريسها جد متباينة، ومتوسط ارتفاعها فوق سطح البحر ليس كبيرًا، وتمتد جبالها من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، وهي بقية جبال الجزائر، وفي الشمال الغربي لتونس جبال من الطباشير والحجر الرملي، وقلما يزيد ارتفاعها تجاه الجزائر على ثلاثة آلاف قدم، ويهطل على هذه الجبال مطر غزير، ويغطيها البلوط والحسك، وفيها مناجم الزنك والحديد، وهي تساير الساحل؛ حيث نصادف ثغر طبرقة الصغير، ثم كثبان نفزة ورأس العبد، وشبه جزيرة رأس سرات الصغيرة، ويقلُّ ارتفاع هذه الجبال في الشرق شيئًا فشيئًا إلى أن تبلغ التلال التي تكتنف سهل بنزرت وماطر، وكلاهما وافر الماء يثمر ثمرًا طيبًا من الحنطة، وبحيرة بنزرت ويصلها بالبحر مجاز ضيق، فرضة حسنة ماؤها بعيد الغور تجاه صقلية، وهي على مقربة منها. ويشرف على سهل ماطر جبل عجيب يعرف بجبل أشكل، وقد أوشك هذا السهل أن يغطى بالغرين، ولم يعد به من البطائح إلا القليل، وأبعد من هذا ناحية الشرق رأس سيدي علي المكي فوق غار الملح، وهو يتاخم خليج تونس من الشمال، ويملأ هذا الخليج الرسوب الذي يحطه نهرا مَجِرْدَة ومليان. ذلك أن أوتيكا، وكانت من ثغور الرومان، تبعد الآن عن البحر ستة أميال. أما شبه جزيرة قرطاجنة، وكانت من قبلُ جزيرة، فيصلها بأرض تونس برزخ يفصل سبخة الرينة من بحيرة تونس، ويصل حلق الوادي البحر بهذه البحيرة — وفي طرفها مدينة تونس، ولا يغزر المطر في ناحية تونس؛ ولذلك تجود فيها الكروم والفواكه ولا تجود الحبوب.

ويخترق نهر مَجِردة شمالي تونس من الغرب إلى الشرق، وهو النهر الوحيد في تونس الحقيق بهذا الاسم، ويقل ماؤه كثيرًا في الصيف، ويفيض ويكدر من نوفمبر إلى أبريل، وتفصل «حلوق تستور» مجراه الأسفل «مجاز الباب وطبربة» من مجراه الأوسط؛ حيث يروي غور دخلة (ناحيتي سوق الأربعاء وسوق الخميس) وهو غني بالحبوب والمراعي شأنه في ذلك شأن تلال بجاية الطباشيرية المجاورة له، وتكتنف وادي نهر مجردة من الشمال تلال تبرسق، وهي من الحجر الجيري، وإلى جنوب الوادي معارج تونس الوسطى، والغربية، وهي تلال مدورة من الحجر الجيري، ثم سهول عظيمة وهكذا، وهذه المعارج امتداد جبال الأطلس في الجزائر، ويغطي هذا التل المرتفع غابات من صنوبر حلب وشجيرات نامية ومراع عظيمة؛ ولذلك تطيب فيه الحنطة. أما ناحيته الجنوبية الغربية فأكثر جفافًا من نواحيه الأخرى، ولا يطيب فيها إلا الشعير، وهذه الناحية بالذات وبخاصة تجاه حدود الجزائر أغنى نواحي تونس بالمناجم. وتصب أنهار تونس في خليج تونس، وهي فروع مَجِرْدَة ونهر مليان.

وتقوم إلى الجنوب من التل المرتفع أبرز الحدود الجبلية، وتمتدُّ هذه الجبال التي هي بمثابة العمود الفقري لتونس من جوار تبسة إلى جبل زَغْوان وجبل الرصاص وبوقرنين. على أن هذه الجبال لا تعوق الاتصال بالجنوب، فهو مُيَسَّر بفضل ممرات أو دروب أشهرها مجاز قصور سبيبة الكبيرة ومسايل المنحدرات الجنوبية، مثل وادي مِرْجِوِلِّل وزَرُود والحطب تفيض في غير مواسم وبغير انتظام في الأخبات السبخة في إقليم الفيافي الكبير الذي يمتد من قَفْصَة، ولا تقطعه إلا تلال قليلة جيرية متوسطة الارتفاع. ويغطي هذه الفيافي في الغرب الحلفاء أو الشيبة، وتغطيها من ناحية الشرق أشجار السَّلَم، ثم تنحدر شيئًا فشيئًا حتى أحراج الزيتون على ساحل سفاقس، ومع ذلك ففي هذه الفيافي مزارع شاسعة وبقاع صالحة للرعي، وليس بها من البلاد، إذا استثنينا القيروان، إلا ما يقوم عند رءوس الممرات من جبال تونس. على أن هذه الفيافي تتغير طبيعتها صوب الجنوب، فتصبح كالصحراء لندرة المطر، وتنتهي وراء قفصة أرض غنية برواسب الفوسفات عند غور الشطوط وواحتي الجريد ونفزاوة، وهنا تبدأ الصحراء الكبرى.

وشبه جزيرة رأس أدار المشهورة على الساحل الشمالي الشرقي؛ حيث أُفْلِحَت مزارع مثمرة، وعلى امتداد جبال تونس، وهي بين خليجي تونس والحمَّامات، وتتصل سهولها التي على الساحل بممري زغوان وقرنبالية، وإلى الجنوب من أحراج البرتقال في نابُل والحمَّامات وسهل سوسة، وفيه وديان ما زال ماؤها وافرًا يكفي بزيتونه وغلَّاته الأخرى السكان الذين تكتظُّ بهم القرى الكبيرة الحصينة، والساحل مستقيم لا تبرز منه إلا شبه جزيرتين صغيرتين هما المنستير والمهدية.

ويبدأ الساحل عند رأس كبوديا في مستوى الجور تقريبًا، ثم ينعطف إلى الداخل فيُخلف في جون سفاقس جزر قرقنة ويفصلها عن الشاطئ بطائح، ثم يساير خليج قابس وفيه إسفنج كثير، وأحراج النخيل في قابس عند نهاية الخليج، وبين هذه الأحراج وبين واحة الحمة المتاخمة للشطوط ممر يصل سهول تونس الوسطى أو الشرقية بسهول الساحل الجنوبي الأقصى، وهذه السهول هي: سهول أرث، وبالقرب منها جزيرة جِرْبة الكبيرة المستوية الخضراء، وسهول جِفَرة التي تتاخمها البحيرات، ومع ذلك فثم أحراج زيتون زاهرة حول جرجيس وبِنْ جردان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤