الجزيرة العربية

مساحتها مليون من الكيلومترات المربعة. أما عدد سكانها فلا يُعرف على وجه التحديد. فبالنسبة للمملكة العربية السعودية مثلًا، قيل إن سكانها بين ثلاثة ملايين وستة ملايين، وقد قُدِّروا أخيرًا بأربعة ملايين ونصف مليون. وأما بالنسبة لليمن فمن المؤكد أنه يقطنه أربعة ملايين، وقد يرتفع عدد سكانه إلى ثمانية ملايين. وبالنسبة لأقطار الجزيرة الأخرى — أي عدا السعودية واليمن — يقال إن ساكنيها عددهم بين مليون ونصف ومليونين.

وعلى هذا يكون مجموع عدد السكان للجزيرة ١٠ ملايين أو تزيد، نصفهم كما رأينا في الجنوب الغربي من الجزيرة؛ أي في اليمن وحضرموت.

ويقال إن ربع أهل الجزيرة بدو، ويقال إن ثلثي السكان أهل زراعة عددهم في المرتفعات الجنوبية الغربية ٢ إلى ٣ ملايين، وفي عمان ٢٠٠٠٠٠، وفي نجد وفي الواحات أهل زراعة كذلك.

ويقال إن من أهل الجزيرة يسكنون الحواضر، وهاك أهمها: الهفوف ٦٥٠٠٠، مكة المكرمة ١٠٠٠٠٠، جدة ٨٠٠٠٠، المدينة المنورة ٤٥٠٠، الرياض ٨٠٠٠٠، بريدة ٣٠٠٠٠، صنعاء ٢٠٠٠٠، مستعمرة عدن ١٠٠٠٠٠، المنامة (البحرين) ٣٠٠٠٠.

والكثرة الغالبة من أهل الجزيرة عرب مسلمون.

وقد هاجر يهود الجنوب الغربي إلى إسرائيل، وكانوا حتى عهد قريب يبلغون ١٠٠٠٠٠، وأكثرهم كانوا في اليمن.

وفي مختلف الثغور العربية جماعات من الهنود، والهنود الذين يُعرف الواحد منهم باسم پارسي، وهم مجوس من أصل فارسي، والأوروبيين.

وأكثر مسلمي الجزيرة من أهل السنة، ونصف عدد هؤلاء على مذهب الإصلاح المقترن باسم محمد بن عبد الوهاب.

وفي عمان وظفار ٢٠٠٠٠٠ على المذهب الإباضي.

وفي المرتفعات اليمنية ما بين مليون ومليونين من الزيود، كما يوجد ١٠٠٠٠٠ على المذهب الإسماعيلي في نجران.

وأهم مجموعات القبائل البدوية مجموعة عنيزة ومن فروعها المشهورة في الشمال قبيلة الرولة.

وتنقسم الجزيرة — من حيث الجغرافيا السياسية — إلى الأقسام الآتية: المملكة العربية السعودية، المملكة المتوكلية اليمنية، مستعمرة عدن ومحمية عدن، سلطنة مسقط وإمامة عمان، مشيخات، خليج البصرة ويعرفه العرب المحدثون باسم «الخليج العربي»، البحرين، الكويت، قطر.

(١) المملكة العربية السعودية

وهي من خلق الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، استردَّ إمارة آبائه بمغامرةٍ كانت أشبه بنوادر الأساطير منها بوقائع الحروب، وتلقب بلقب سلطان نجد وملحقاتها بما في ذلك حايل وكان ذلك في سنة ١٩٢١، وأضاف في سنة ١٩٢٦ إلى ذلك اللقب لقب ملك الحجاز، وأخيرًا جمع في سنة ١٩٣٢ السلطنتين في المملكة العربية السعودية وعاصمتها الرياض، وتلقب بلقب «ملك» المملكة العربية السعودية.

وساحلها الغربي — على البحر الأحمر — يبدأ عند العقبة — وإن كانت هذه تتبع الأردن — وينتهي عند حدود اليمن، وحدودها الجنوبية والجنوبية الشرقية تتصل بحدود اليمن، ومحمية عدن ومسقط وعمان ومشيخات ساحل الصلح على خليج البصرة، وساحل المملكة الشرقي على هذا الخليج يقع عليه إقليم الإحساء، ثم يتجه شمالًا نحو الكويت.

وقد توفي الملك عبد العزيز في سنة ١٩٥٣ وورث المُلْكَ ابنه الأكبر الملك سعود.

(١-١) علاقات المملكة

وهذه تتشكل بحكم الأحوال الآتية:
  • أولًا: وجود الحرمين في المملكة، وقيام المملكة عن العالم الإسلامي بأكمله برعاية الحجاج، وهؤلاء يبلغ عددهم سنويًّا في السنوات الطيبة ١٠٠٠٠٠ حاج، وفي سنة ١٩٥٢ ألغت الحكومة السعودية ما كان يؤديه الحجاج من رسوم.
  • ثانيًا: مصالحها المختلفة في الجزيرة نفسها وعلى حدودها، وما يترتب على هذا من مواقفٍ سياسية محلية.
  • ثالثًا: عضويتها في جامعة الدول العربية، وما تقوم به بحكم تلك العضوية في تشكيل السياسة العربية في القضايا المختلفة.
  • رابعًا: استثمار مواردها من النفط وتأثير هذا في سياستها عامة.
  • خامسًا: شروط استخدام حكومة الولايات المتحدة الأمريكية للقاعدة الجوية بالظهران.

(٢) المملكة المتوكلية اليمنية

ومساحتها ٧٤٠٠٠ ميل مربع، وتتكون من قسمين يتميز كل منهما عن الآخر تميزًا تامًّا: المرتفعات الداخلية وتهامة على ساحل البحر الأحمر، وحدود اليمن تلتقي بحدود المملكة العربية السعودية غربًا في العسير وشرقًا في نجران، ويحد اليمن في الجنوب محمية عدن.

والعاصمة الآن — بعد مقتل الإمام يحيى — في تعز.

(٢-١) علاقات المملكة

وهذه تتشكل بحكم الأحوال الآتية:
  • أولًا: التردد بين خُطَا التجديد والمحافظة، ومظاهر التردد تتجلى في الأخذ أحيانًا بسياسة العزلة وأحيانًا في تخفيف حدتها.
  • ثانيًا: الرغبة في استثمار الموارد، وخشية ما قد يترتب عليه من فتح باب المطامع الأجنبية.
  • ثالثًا: مسألة عدن وسائر أقطار الجنوب العربي والعلاقات اليمنية البريطانية.
  • رابعًا: اتحاد الدول العربية.

وعن دمشق في ١٦ شعبان ١٣٧٧، الموافق ٨ مارس (آذار) ١٩٥٨ صدر ميثاق بإنشاء اتحاد للدول العربية يتكون من الجمهورية العربية المتحدة، والمملكة المتوكلية اليمنية، والدول العربية التي تقبل الانضمام إلى هذا الاتحاد.

وينص الميثاق على احتفاظ كل دولة بشخصيتها الدولية وبنظام الحكم الخاص بها، وينص على تساوي مواطني الاتحاد في الحقوق والواجبات العامة، وعلى أن لكل مواطن في الاتحاد حق العمل وتولي الوظائف العامة في البلاد المتحدة دون تفرقة وفي حدود القانون، وعلى كفالة حرية التنقل في الاتحاد في حدود القانون، وينصُّ على أن تتبع الدول الأعضاء السياسة الخارجية الموحدة التي يضعها الاتحاد، وعلى أن يتولَّى التمثيل السياسي والقنصلي للاتحاد في الخارج هيئة واحدة في الأحوال التي يقرر فيها الاتحاد ذلك، وعلى أن يكون للاتحاد قوات مسلحة موحدة، وعلى أن تنظم الشئون الاقتصادية للاتحاد وفقًا لخطط مرسومة تهدف إلى تنمية الإنتاج واستغلال موارد الثروة الطبيعية وتنسيق النشاط الاقتصادي، وعلى أن يُنشأ بين البلاد المتحدة اتحاد جمركي وذلك بالشروط والأوضاع التي يحددها القانون، وعلى أن ينظم القانون مراحل ووسائل تنسيق التعليم والثقافة في الاتحاد.

وقد نصَّ الميثاق على أن يكون الإشراف على شئون الاتحاد لمجلس يسمى المجلس الأعلى؛ يُشكل من رؤساء الدول الأعضاء، ويعاون هذا المجلس الأعلى مجلس يُسمى مجلس الاتحاد.

ويختص المجلس الأعلى برسم السياسة العليا للاتحاد في المسائل السياسية والدفاعية والاقتصادية والثقافية، وإصدار القوانين اللازمة في هذا الشأن، وهو المرجع الأعلى في تحديد الاختصاصات، وتصدر قرارات المجلس بالإجماع.

ويعيِّن المجلس الأعلى القائد العام للقوات المسلحة للاتحاد، وتصدر الميزانية العامة للاتحاد بقرارٍ منه.

ومجلس الاتحاد هو الهيئة الدائمة للاتحاد، ويتولَّى النظر في الشئون السياسية، ويضع البرنامج السنوي المتضمن للنظم والتدابير المؤدية إلى تحقيق أهداف الاتحاد.

وتُعرَض قرارات مجلس الاتحاد والبرنامج السنوي الذي يضعه على المجلس الأعلى للاتحاد للتصديق عليها، ويبتُّ المجلس الأعلى في القرارات التي أصدرها مجلس الاتحاد واعترضت عليها إحدى الدولتين أو الدول.

وتتبع مجلس الاتحاد الهيئات الآتية:
  • (أ)

    مجلس الدفاع.

  • (ب)

    المجلس الاقتصادي.

  • (جـ)

    المجلس الثقافي.

وتعرض قرارات هذه الهيئات على مجلس الاتحاد للتصديق عليها.

وقد وقَّع على الميثاق رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر، وعن الإمام أحمد ملك المملكة المتوكلية اليمنية ولي عهد المملكة سيف الإسلام محمد البدر.

وصدر القانون الاتحادي رقم ١ لسنة ١٩٥٨ بتاريخ ١٧ شعبان ١٣٧٧ / ٨ مارس سنة ١٩٥٨ بتشكيل مجلس الاتحاد من اثنيْ عشر عضوًا، ويمثل كلًّا من الجمهورية العربية المتحدة والمملكة المتوكلية اليمنية ستةُ أعضاء.

وصدر القانون الاتحادي رقم ٢ لسنة ١٩٥٨ بنفس التاريخ السابق بتحديد موارد الميزانية العامة لاتحاد الدول العربية.

وقد نصت المادة ٣ منه على أن تؤدي المملكة المتوكلية اليمنية ثلاثة في المائة من إيرادات الميزانية العامة للاتحاد وتؤدي الباقي الجمهورية العربية المتحدة.

وصدر القانون الاتحادي رقم ٣ لسنة ١٩٥٨ بتاريخ ١٧ شعبان سنة ١٣٧٧ الموافق ٨ مارس سنة ١٩٥٨ لإنشاء المؤسسة النقدية للمملكة المتوكلية اليمنية، والقانون الاتحادي رقم ٤ لسنة ١٩٥٨ بتاريخ ١٧ شعبان سنة ١٣٧٧ الموافق ٨ مارس ١٩٥٨ بتنسيق النظام النقدي في اتحاد الدول العربية، والقانون الاتحادي رقم ٥ لسنة ١٩٥٨ وتاريخه ١٧ شعبان سنة ١٣٧٧ الموافق ٨ مارس سنة ١٩٥٨ بالنظام الدفاعي لاتحاد الدول العربية، والقانون الاتحادي رقم ٦ لسنة ١٩٥٨ وتاريخه ١٧ شعبان سنة ١٣٧٧ الموافق ٨ مارس سنة ١٩٥٨ بشأن المجلسين الثقافي والاقتصادي.

وصدر قرار المجلس الأعلى لاتحاد الدول العربية وتاريخه ١٧ شعبان سنة ١٣٧٧ الموافق ٨ مارس سنة ١٩٥٨ بأن يكون المقر الدائم لاتحاد الدول مدينة الحديدة، على أنه صدر قرار فيما بعد بأن تكون القاهرة مقر الاتحاد بصفة مؤقتة، وقرار آخر في نفس التاريخ بتعيين المشير عبد الحكيم عامر قائدًا عامًّا للقوات المسلحة للاتحاد.

ملاحظة

نقل هذا الملخص عن العدد ٢٠ مكرر غير اعتيادي من الوقائع المصرية في ٩ مارس سنة ١٩٥٨ الموافق ١٨ شعبان سنة ١٣٧٧.

ويلاحظ أن التواريخ المذكورة لا تستقيم، فالميثاق تاريخه ١٦ شعبان سنة ١٣٧٧ الموافق ٨ مارس والقوانين مؤرخة ١٧ شعبان الموافق ٨ مارس.

(٣) مستعمرة عدن ومحمية عدن

مساحة المستعمرة والمحمية نحو ١١٢٠٠٠ ميل مربع، ويمتدان على الساحل الجنوبي للجزيرة العربية من «الشيخ سعيد» إلى حدود سلطنة مسقط، ويبلغ هذا الامتداد نحو ٧٠٠ ميل.

والحدود البرية للمستعمرة والمحمية ليست محققة تمامًا، وتختلف سعة الرقعة الواقعة بين الحدود البرية والبحر ما بين ٥٠ ميلًا في الغرب و٢٠٠ ميل في الشرق.

(٣-١) مستعمرة عدن

رقعة صغيرة من الأرض؛ حوالي ٨٠ ميلًا مربعًا، سكانها حوالي ١٠٠٠٠٠ نفس، أخلاط على النحو الآتي: ٨٠٠٠٠ عربي، ٨٥٠٠ هنود مسلمون، ٦٥٠٠ صوماليون، ٣٥٠٠ هنود غير مسلمين، ١٥٠٠ من اليهود — انتقل بعد ذلك ٢٠٠٠ إلى إسرائيل — ٥٠٠ أوروبيون، وآخرون.

وضعت الحكومة البريطانية يدها على عدن في ١٨٣٩. وظلت عدن منذ ذلك الوقت حتى ١٩٢٣ تتبع الإدارة البريطانية في بمباي، ثم انتقلت تبعيتها لحاكم عام الهند. وفي سنة ١٩٣٧ أصبحت تتبع وزارة المستعمرات البريطانية، يحكمها حاكم يعاونه مجلس تنفيذي ومجلس تشريعي.

وترجع أهمية المستعمرة حربيًّا واقتصاديًّا لوقوعها على الطريق التجاري العالمي الواصل بين الشرق والغرب. وزادت الأهمية بعد وصل البحرين المتوسط والأحمر بحفر قناة السويس وضرورة تموين السفن بالفحم أو بالزيت. أما من حيث الأغراض التجارية فلعدن شأن في توزيع السلع المستوردة أو المصدرة في الأقاليم المجاورة.

ولما استقلَّت الهند في ١٩٤٧ أخذت السلطات البريطانية في إبطال استخدام الروبية الهندية في عدن، وأحلت محله استخدام شلن أفريقية الشرقية، ودخلت عدن بذلك في نطاق مجلس النقد الأفريقي الشرقي.

وبالمستعمرة قوة عسكرية محلية قوامها ٢٠٠٠ رجل للخدمة في المستعمرة وفي المحمية. هذا إلى القوات التابعة لسلاح الطيران البريطاني.

(٣-٢) محمية عدن

وهي غربية وشرقية، والغربية مساحتها ٤٢٠٠٠ ميل مربع والشرقية ٧٠٠٠٠ ميل مربع (وتقع مستعمرة عدن جغرافيًّا في المحمية الشرقية).

والقليل من أرض المحمية يصلح للزراعة، وأكثر الأرض صحراء أو مرعًى، ويسقط بالمحمية الغربية مطر، وتنمو بها غلات زراعية تكفي ما يلزم أهلها من غذاء، على عكس المحمية الشرقية.

والمحمية بشرقيها وغربيها يقطنها ٨٠٠٠٠٠ نفس، تنظمهم قبائل تعيش في وحدات يبلغ عددها نحو ثلاثين وحدة: منها ما هو تحت سلطان أو ما تحت شيخ، وهؤلاء السلاطين والشيوخ عقدوا مع الحكومة البريطانية خلال قرن من الزمان معاهدات، والمعاهدات تتفق في وضع السلطان أو الشيخ تحت الحماية وتختلف في مبلغ إشراف حاكم مستعمرة عدن ووكلائه لدى الوحدات على إدارة السلطان أو الشيخ.

وأهم وحدة في المحمية الشرقية سلطنة المكلا في بيت القعيطي، وصاحبها يلقب بصاحب السمو، وفي الماضي كان يخدم رجالٌ من أهلها في جيش النظام صاحب حيدر آباد في الهند. والواقع أن اتصال تلك الإمارات العربية في ذلك الساحل وفي الخليج العربي بالهند وأقيالها وتجارها وصناعها وعاداتها وأزيائها وثيقٌ.

وفي الشرق من المكلا تقع سلطنة قشم وسقطري.

وأكبر حكام وادي حضرموت شأنًا سلطان سيئون.

وقد أنشأت حكومة عدن في ١٩٣٧ في المحمية الغربية قوة يطلقون عليها اسم «الحرس الحكومي»، وفي سنة ١٩٤٠ أنشأت في المحمية الشرقية «الفيلق الحضرمي البدوي» على نسق «الفيلق العربي في الأردن».

ولأهل هذا الساحل وساحل الخليج شهرة قديمة في الملاحة العربية في تلك البحار الهندية. ومن الساحلين كانت الهجرات العربية الشهيرة إلى أفريقية الشرقية والهند وجاوة والفليبين وما إلى ذلك.

ونختم الكلام بنبذةٍ عن سلطنة لحج من الوحدات المحمية الكبرى:

وبيت السلطنة في لحج من العبادلة من اليمن وكانوا أصحاب عدن، ضربها الأسطول البريطاني بالمدافع في ١٨٣٩، وسلَّم السلطان بفقد عدن في معاهدة عقدها مع البريطانيين وفيها تعهدوا بأن يدفعوا له تعويضًا عن الاحتلال ستةَ آلاف ريال مسانهة؛ كانت بداءة تلك المرتبات التي تدفعها الحكومة البريطانية لأولئك السلاطين والمشايخ في ذلك الساحل.

ثم في سنة ١٨٥٧ استولى البريطانيون على عدن استيلاءً تامًّا، وأقصوا السلطان وقبيلته عنها، وجعلوا «بوابة» عدن الحدود بينهم وبينه وأن يكون ما دونها بما فيه بلدة الشيخ عثمان من أملاك سلطنة لحج.

وفي سنة ١٨٨٢ اشترى البريطانيون «الشيخ عثمان» من شقيق السلطان في مقابل مبلغ قدره عشرون ألف ريال، والرجل لا يملك البيع، وأذعن السلطان في النهاية فقبل أن تكون داره — وهي قريبة تبعد نصف ساعة عن الشيخ عثمان — الحدودَ الفاصلة بين لحج وعدن.

وفي خلال الحرب العالمية الأولى احتلَّ الترك مؤقتًا لحج في تلك الفترة المضطربة من العلاقات البريطانية-التركية-اليمنية.

أما الموقف الحالي فهو معقد: نلخصه في رغبة سلطنة لحج في مزيدٍ من الاستقلال، وفي استرجاع أراضٍ من اليمن تدَّعِي أنها لها، وفي الاعتراف بإلحاق الإمارات العربية المجاورة لِلَحْجٍ ورفع الحماية البريطانية عنها، وهي الصبيحة والحواشبة والقطيب وأبين والضالع واليافع والعلوي. وهذه والفضلى تكون «النواحي التسع» المحمية.

ومن عناصر الموقف الحالي ما يُقال عن رغبة من الحكومة البريطانية في تنظيم محمياتها في اتحاد أو ما يشبه.

ومن عناصره ما بين اليمن والسلطات البريطانية والشياخات في تلك المناطق من كفاحٍ بارد وحامٍ.

(٤) شياخات الخليج العربي

من حيث الجغرافية السياسية ينقسم الساحل الغربي للخليج العربي ما بين أراضٍ تتبع المملكة العربية السعودية وأراض تكون إمارات عربية، وهذه هي الكويت والبحرين وقطر، ثم الشياخات التي تكون ما يعرف بالإنجليزية باسم Truical oman أو عمان الصلح (ولا يعرف للمنطقة اسم بالعربية) — وأحيانًا يُطلق عليه اسم «ساحل الصلح» — ويتكوَّن من شياخاتٍ صغيرة هي: أبو ظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة، كلبا. وهذه الإمارات السبع جميعها — باستثناء كلبا — تقع على الجانب الغربي لرأس مسندم الذي يفصل الخليج العربي عن خليج عمان، وهذا الجانب الغربي هو الذي ينطبق عليه اسم ساحل الصلح البحري بوجهٍ خاص.

بدأ النفوذ البريطاني في تلك البلاد في القرن السابع عشر عندما حاول البريطانيون أن يحلوا محلَّ البرتغاليين في السيطرة على ذلك الطريق الموصل بين الشرق والغرب، وازدادت أهميته عندما علت كلمة البريطانيين في الهند؛ فأصبح للخليج أهمية عسكرية سياسية تجارية، ومرت السيطرة البريطانية في الأدوار الآتية: دور محاربة النفوذ البرتغالي ثم الهولندي ثم الفرنسي، ودور منع النفوذ الروسي والنفوذ العثماني في الأزمنة الحديثة من بلوغ تلك المياه، وفي تلك الأدوار جميعًا مُنِع اتحاد الساحل في حكم إمارة عربية واحدة، أو خضوعه — متحدًا — في حكم الدولة العثمانية أو حكم الدولة الفارسية؛ ومن ثم كانت سياسة المعاهدات والحمايات والمرتبات.

هذه السياسة طرأ عليها بعد تكوين الجمهوريتين المستقلتين (الهند وباكستان) شيء من التعديل؛ فاتخذ الاهتمام بأقاليم الخليج العربي أشكالًا أخرى، وخاصة بعد أن أصبح معروفًا لدى الباحثين أن نصف موارد العالم على الأقل من الزيت تقع فيها، والشركات التي تعمل في استخراجه تجتمع فيها مصالح بريطانية وأميركية وهولندية وفرنسية.

ومنذ سنة ١٩٥٠ أصبحت القاعدة في تقسيم أرباح استغلال الزيت قاعدة الحصتين المتساويتين بين الشركة وشيخ الإقليم.

وفيما يلي بيان إجمالي بالمبالغ التي دفعت لحكام إقليم الخليج العربي والعراق وإيران مقدرًا بملايين الدولارات:

العربية السعودية الكويت العراق البحرين قطر إيران
سنة ١٩٥٠ ١١٢ ١٢٫٤ ١٢٫٤ ٣٫٣ ١ ٤٤٫٩
سنة ١٩٥١ ١٥٥ ٣٠٫٣٠ ٣٨٫٥ ٣٫٨ ٣٫٨ ٣٫٢٣
سنة ١٩٥٢ ١٧٠ ١٣٩ ١١٠ ٦٫٣ ٩ «لا شيء أيام أزمة تأميم الزيت الإيراني المشهورة»

ونظرًا لأن الباحثين يقدِّرون وجود الزيت تحت قاع البحر فقد أصبح لتحديد المياه الإقليمية شأن، ويلحق بالموضوع أيضًا تحديد من يملك قاع البحر خارج المياه الإقليمية.

(٤-١) الكويت

حُدِّدَتْ حدودها تحت إشراف الحكومة البريطانية في سنتيْ ١٩٢٢ و١٩٢٣ والإمارة في الغرب تجاور العراق، وفي الجنوب الغربي تجاور إقليم الإحساء، وهو جزء من المملكة العربية السعودية، وبين هذه المملكة والإمارة أرض محايدة حقوق الطرفين فيها متساوية إلى أن يتم الفصل في شأنها. وفي سنة ١٩٥٣ كشف عن وجود الزيت فيها ولما يتمَّ بعدُ تحديد تابعيتها.

ومساحة الإمارة ٦٠٠٠ ميل مربع، وسكانها الحضر ١٥٠٠٠٠ يضاف إليهم ٥٠٠٠٠ قَدِمُوا للعمل في الزيت.

ومدينة الكويت تقع على ساحل البحر، في موقع لا ماء فيه، ويرجع إنشاؤها إلى قرنٍ ونصف قرن من الزمان. وكان العامل في إنشائها الرغبة في اتخاذ موضع يؤمن ساكنيها من ضغط قبائل أخرى، واتجه الكويتيون نحو البحر ملَّاحين وتُجَّارًا، وهم يجلبون الماء العذب من شط العرب على بعد ٥٠ ميلًا، وبعد أن أقبل مال الزيت أنفقوا الكثير على إنشاء أجهزة تقطير ماء البحر وعلى منشآت عمرانية كثيرة.

(٤-٢) البحرين

مجموعة من الجزائر بين قطر والإحساء، مساحتها ٢١٣ ميلًا مربعًا، وأكبر الجزائر تُدْعَى جزيرة البحرين، وطولها ثلاثون ميلًا وعرضها عشرة أميال، وبالجزيرة عيون ماء عذب، ويتصل بالجزيرة جزيرة أخرى اسمها المحرق، وفيها أكبر مطارات الخليج، وبين الجزيرتين بحر عميق به قاعدة بحرية بريطانية، وسكان الإمارة حوالي ١١٥٠٠٠ نفس.

والعاصمة اسمها منامة، وسكانها نحو ٤٠٠٠٠ أكثرهم من العرب، ومعهم جاليات من الإيرانيين والهنود والأوروبيين.

وموقع البحرين في الخليج، وما بها من ثغورٍ ومرافئ جعلها ذات أهمية لأقطار الخليج عربية وفارسية وللأمم الأوروبية التي عملت في تجارة وسياسة الخليج. ولفارس كما لغيرها اتصال بالإمارات، وفي فتراتٍ من الزمان كان بها حكم فارسي إلا أن آخر العهد بالتابعية الفارسية كان في سنة ١٧٨٣ عندما تغلَّبَ العرب عليها. على أن الفرس لا يزالون حتى اللحظة الحاضرة غير مقتنعين بما كان.

وإمارة البحرين مركز النفوذ البريطاني في الخليج كله.

(٤-٣) قطر

مساحتها ٨٠٠٠ ميل مربع، وسكانها ٢٥٠٠٠، وعاصمة قطر الدوحة، وكُشف بها عن الزيت.

وشأنها ومشكلاتها نفس مشكلات جاراتها: العلاقات ببريطانيا، مال الزيت وتأثيراته.

(٤-٤) ساحل الصلح

وقد أشرنا إليه، ويكفي الإشارة في شأنه إلى مشكلة البريمي وصلاتها بالعربية السعودية وأبو ظبي وسلطنة مسقط.

(٤-٥) مسقط وعمان

وموضوعها معقد، والأصح أن نفصل بين إمامة عمان وسلطنة مسقط وأن نعرف الحقائق الآتية:
  • أولًا: إمامة عمان، إمامة إباضية قديمة، وهذه الإماة يعلو نفوذها أحيانًا، وأحيانًا يختفي نفوذها أمام سلاطين مسقط.

    ومنذ نحو أربعين سنة وإمامة عمان حكومة مستقرة.

    وقد ضعف نفوذ سلاطين مسقط منذ أكثر من قرنٍ من الزمان.

  • ثانيًا: وبلاد عمان على هذا تضم الجزء الأكبر من السلسلة الطويلة من الجبال التي يطلق عليها اسم الحجر، والإمام الحالي هو محمد بن عبد الله الخليلي وعاصمته بروى: بالقرب من السفح الجنوبي الغربي من الجبل الأخضر. وأقوى رجلين في الإمامة هما أمير الجبل الأخضر وأمير الشرفية.
  • ثالثًا: وتتألف أراضي سلطان مسقط من: (١) منطقة مسقط ومطرح. (٢) المنطقة الساحلية الطويلة التي تُدْعَى الباطنة بين الجحر الغربي والبحر. (٣) شبه الجزيرة الشمالي المعروف باسم رءوس الجبال. (٤) الأراضي في جوار رأس الحد. (٥) منطقة ظفار إلى الشرق من حضرموت.

وهذه المملكات لا تؤلِّف منطقة واحدة متصلة.

والسلطان يصرف جانبًا كبيرًا من وقته في سلالة عاصمة ظفار، وهو يستقل مركبًا في سفره بين سلالة ومسقط.

والسلطان الحالي هو سعيد بن تيمور من آل بوسعيد. وفي ١١٥٧ / ١٧٤٤ استطاع أحمد بن سعيد أن يكون إمامًا، فلما توفي انتُخِبَ ابنه إمامًا خلفًا له، ولكنه انسحب إلى الجبال وعاش في شبه عزلة فَذَوَتِ الإمامة، وانتقل الأمراء من آل بو سعيد إلى الساحل وزاد اهتمامهم بالملاحة والتجارة والإنتاج، وأعظمهم سعيد بن سلطان الذي حكم من ١٨٠٤ إلى ١٨٥٦ وجمع بين زنجبار ومسقط، ولم يطلق على نفسه لقب «الإمام» أو «السلطان»، بل اكتفى بلقب «السيد»، وضعفت سطوة حكومته في عمان وبين قبائلها ضعفًا مطَّرِدًا، ولم يتمكن أحد من خلفائه من أن يستردَّ استردادًا كاملًا ما كان للأسرة من منزلة في الجبال وفي الأراضي التي وراء الجبال، وإن حَرَصَ السلاطين على توكيد ما يزعمونه لأنفسهم من سلطة في عمان، جنوبًا وغربًا إلى الربع الخالي، وبعد عهد سعيد حدث الفصل بين زنجبار ومسقط.

وفي ١٨٦٨ عقدت الإمامة إلى عزان بن قيس وبقي إمامًا إلى ١٨٧١، وهو من آل بوسعيد، ولكن اختياره يدل على توكيد الفصل بين السلطنة والإمامة.

وفي سنة ١٩٢٠ كان اتفاق بين الإمامة والسلطنة وكان هذا بعد حروب، ولم يُوقَف على نصوص هذا الاتفاق، فمن قائل بأن الاتفاق يعترف للسلطان بالسلطنة على مسقط وعمان على أن تكون لقبائل الداخل حكومة من بينهم تعتمد على أساس الأمر الواقع لتدير شئونهم المحلية البحتة، ومن قائل: إن الاتفاقية تسلِّم تسليمًا ضمنيًّا باستقلال الإمامة، ومن قائل بأن السلطان تعهَّد بألا يتدخل في الشئون الداخلية لعمان.

والظاهر أن الاتفاق لم يحلَّ شيئًا، ولم يزل الأمر مضطربًا؛ السلطان تؤيده بريطانيا والإمام يؤيده الرأي العام العربي. واتخذت المسألة أخيرًا مكانها في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية (نوفمبر ١٩٦٠).

والأحوال الاقتصادية في السلطنة والإمامة سيئة وإن كانت في السلطنة أسوأ.

ساءت أحوال مسقط بعد أن ذهب دخلها من تجارة الرقيق وتهريب الأسلحة، وصارت السلطنة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على مورديها الرئيسيين: التمر والسمك، وليس للتمر ما كان له في الأسواق العالمية.

ويبدو الآن أن أكبر أمل في تحسين الحالة الاقتصادية السيئة في الساحل وفي الداخل قائم على إمكان اكتشاف الزيت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤