رحلة البحث عن المُحرِّكات الأبدية
مقدمة
فالحركة الأزلية هي التي لا يكون لها بدايةٌ تبدأ منها ولا نهاية تنتهي عندها، أمَّا الحركة الأبدية فهي التي بدأَت في زمنٍ مُحدَّد ولن تقف في المستقبل، وهي تكافئ بذلك الحركة الدائمة. أمَّا الحركة الذاتية فهي التي تتمتَّع بها بعض الآلات؛ حيث إنها تعمل وَفْق برامجَ وخطواتٍ محدَّدة، وقد كانت معظم الآلات التي تُصنَع قبل عصر الكهرباء تُبرمَج ميكانيكيًّا؛ بمعنى تُصمَّم أقراص أو آلياتٌ أخرى تُوضَع عليها تعليمات عمل الآلة. وهذا النوع لا يندرج تحت عنوان آلات الحركة الدائمة التي سيتناولُها هذا الفصل، وإنما تحت عنوان الآلات الميكانيكية المُبرمَجة.
- (١) الذي يُعطِي طاقةً بشكلٍ دائم من دون أن يستهلك أية طاقة من الوسط الخارجي، ويُسمَّى بالمُحرِّك الأبدي من النَّوع الأول. وقد وجدنا سابقًا، كيف أسهم في تأسيس الترموديناميك عددٌ من العُلماء، وقد صاغوا القانون الأول فيه ليكون بعنوان «مبدأ مصونية الطاقة» الذي يُطبَّق على تحوُّل الحرارة إلى طاقةٍ ميكانيكية وبالعكس. وقد وصفه الكيميائي الألماني فيلهلم أوستفالد W. Ostwald (١٨٥٣–١٩٣٣م) بأنه مبدأ استحالة الحركة الدائمة من النوع الأول؛ أي إنَّ الآلة التي تُعطينا طاقة من نوعٍ ما لا تكون قد زُوِّدت بها قبلًا بشكل أو بآخر. وبالتأكيد لا يشمل هذا المبدأ جميع الظاهرات الطبيعية.٦
- (٢) المُحَرِّك الذي يستطيع تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقةٍ ميكانيكية بشكلٍ كامل، ويُسمِّى المحرِّك الأبدي من النوع الثاني، ولكن القانون الثاني في الترموديناميك ينُص على أنه يستحيل صنعُ آلةٍ تعمل دوريًّا ولا تفعل شيئًا سوى أخذ الحرارة من مصدر ورفع ثقل. ومع أنَّ هذه الآلة مُمْكنة من ناحية المبدأ الأوَّل، إلا أنَّ القانون الثاني يُنكِر إمكانية وجودها؛ ولهذا السبب قام أوستفالد بتسمية هذا المبدأ، بمبدأ استحالة الحركة الدائمة من النوع الثاني؛ فبينما يمنحنا المبدأ الأول الأمل بتوليد الطاقة من العدَم، يحرمنا المبدأ الثاني من هذا الأمل.٧
البحث عن المُحرِّكات الأبدية التي يُؤخَذ منها عمل بشكلٍ دائم، مُجرد أن تبدأ الآلة بالعمل، كان حُلْم الكثيرين من الميكانيكيين وصُنَّاع الآلات المَهَرة، وهو أشبه بحلم الخيميائيين بحصولهم على الذهب من الرصاص وغيره من المعادن الرخيصة. مع أنَّ بعضهم كان دجَّالًا والآخر مخادع، بحيث جعل من عمله سِرِّيًّا للغاية لا يمكن كشفُه لأي شخصٍ كان، إلا أنه كان يضَع قريبًا أو خادمًا له ليعمل على تشغيل الآلة، فتبدو أنها أبديةُ الحركة.
مع كل ما أُهدِر من وقتٍ ومالٍ وجهدٍ في سبيل الحصول على المُحَرِّك الأبدي، إلا أن كَمَّ التصاميم والأفكار التي وُضعَت — كما سنشاهد في هذا الفصل — دفع بالآخرين أن يفكِّروا بطريقةٍ أكثر منطقيةً وعلمية للحصول على محرِّكٍ يمكنه أن يكون مفيدًا في عمله وأدائه.
المبحث الأول: اليونانيون
أرسطو (القرن ٤ق.م.)
وقف أرسطو عند حدود التعريف والتفريق بين المفاهيم من النَّاحية النظرية، ولم يقدِّم لنا أكثَر من ذلك، خصوصًا ما يتعلَّق بالحركة الأبدية وتأثيرها أو تأثُّرها بالأجسام.
أوطولوقس (القرن ٣ق.م.)
ربما تُعَد هذه الرِّسالة أقدمَ وثيقةٍ تتحدَّث عن المُحرِّك الدائم الحركة وتصِفُ طريقةَ صنعه؛ إذْ يطلُب أوطولوقس توفير كرة، دون تحديد قياسٍ محدَّد لقُطرها، تُحاط الكرة بشريطٍ دائري عند وسطها عرضُه حوالي ٢٫٥سم، ويُحفَر عليه ستةُ دوائر في أعلاه وستةُ دوائر في أسفله، بحيث تكون السُّفلية أصغَر من العُلوية. يتم ملء ثلاثِ دوائرَ عُلويَّة بقِشْر القِنَّب (الأَبَق)، ولا يقول لماذا اختار هذه المادة بالذات، لكن يجبُ أن تكون وظيفتُها تقليل الاحتكاك والمحافظة على استمرارية الحركة، ثم يتم ملء ثلاث دوائرَ سُفلية بقِشْر القِنَّب أيضًا، بحيث يكون وزن القِشْر متساويًا في كل الدوائر، تُغطَّى الدوائر المحفورة مع القِشْر بلوحَيْن لمنعِ خروجِ القِشْر منها. ومع إعطاء الكرة دفعةً فإنها تبدأ بالحركة ولا تتوقَّف.
لكن ينقُص التصميمَ قاعدةٌ ترتكز عليها الكرة حتى تُحافِظ على استمراريتها في الحركة. وكذلك يجبُ تثبيت الشريط المُحيط في وسط الكرة حتى تتمكَّن من الحركة بحُرية.
المبحث الثاني: الهنود
المبحث الثالث: العلماء العرب والمسلمون
منذ القرن العاشر للميلاد كان للعلماء العرب رأيٌ ذو شأن في الحركة الأبدية والمحرِّكات الدائمة الحركة، وقد انقسَموا قسمَين؛ منهم من اعتقد بإمكانيتها، ومنهم من قال باستحالة تحقُّقها نظرًا لتوقُّف المصدر المزوِّد لها بالقدرة. وما يُدهِش في الأمر هو مُحَاولة البعض بناءَ هذه المحرِّكات الأبدية بتصاميمَ كنا نعتقد حتى عهدٍ قريب أنها من أعمال الأوروبيين.
الفارابي (القرن ٤ﻫ/١٠م)
ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)
أحمد بن خلف المرادي (القرن ٥ﻫ/١١م)
ابن باجة (القرن ٦ﻫ/١٢م)
- (١)
نوع يعود إلى (الحوادث المُفردة) كانتقال الأجسام وتحَرُّك النبات ومشي الإنسان، فهذه كلها حوادثُ مُتقطِّعة تقع بين حدَّين من قياس الزمن.
- (٢)
ثم هناك الحركات المُطلَقة التي تدفع هذه الأجسام وتُدير الكواكب، وهي دائمةٌ خالدة ليس لها بدء ولا يُنتظَر أن يكون لها نهاية؛ هذه الحركة الدائمة أشرفُ من الحركة المُتقطِّعة، والأجسام التي تتبدَّى فيها الحركة الدائمة أشرف من الأجسام التي تتبدَّى فيها الحركة المُتقطِّعة. وتكون الحركة الدائمة عادةً مستديرةً أو مستقيمةً ولكنها خالدة.
رضوان بن محمد الساعاتي (القرن ٧ﻫ/١٣م)
محمد بن منكلي (القرن ٨ﻫ/١٤م)
تقي الدين الراصد (القرن ١٠ﻫ/١٦م)
ابن مدرك (القرن ؟م)
تصاميمُ عربيةٌ وإسلامية مجهولة المؤلِّفين
المبحث الرابع: الأوروبيون
وسنجدُ أنَّ الجهود التي بذلها الأوروبيون لا تقل أبدًا لا من الناحية التصميمية ولا من الناحية التنفيذية عن تلك التي بذَلَها العرب والمسلمون؛ فقد كان الهدف واحدًا هو الحصول على محرِّكٍ دائمٍ يقدِّم لنا الحركة مجَّانًا. وقد استمرَّت جهود الأوروبيين في هذا الاتجاه حتى القرن ٢٠م، وحتى بعد أن قرَّرَت الكثير من المؤسسات العلمية اعتماد قوانين الترموديناميك وعدم النظر في أية فكرة تتعلَّق بالمحرِّك الأبدي.
بيير دو ماريكور (القرن ١٣م)
ليوناردو دا فنشي (القرن ١٦م)
لاحظنا مدى دقة ليوناردو دا فنشي وهو أستاذٌ كبير في الهيدروديناميكا، فهو يعود بطموحات الطحَّانين إلى الأرض والواقع؛ فقد أرادهم أن يصلوا المئات من حجر الرَّحَى بالعجلة المائية بدلًا من واحدة، كل حجر من هذه الأحجار ستطحن له بعدئذٍ حبوبًا أقل بمائة مرة، إنَّ وزنًا معينًا يسقط من عُلوٍّ مُعين يمثِّل قوةً دافعةً معيَّنة. يُمكِن للمرء أن يقسِّم هذه القوة أو يغيِّر استعمالها بشكلٍ لا نهائي، لكن أحدًا لا يستطيع أن يزيدَ فيها.
تُحطِّم هذه الحقيقةُ آمالَ أي شخصٍ يبحث عن المحرِّك الدائم، ومع ذلك، فإنها ما زالت تُقَدِّم هيمنةً حُرَّة لأحلام أولئك الذين يُريدون أن يُدركوا الجسم المُتحرك بشكلٍ دائم.
ماركو أنطونيو زيمارا (القرن ١٦م)
جيروم كاردان (القرن ١٦م)
فيتوريو زونكا (القرن ١٧م)
سيمون ستيفن (القرن ١٧م)
روبرت فلود (القرن ١٧م)
مارين ميرسن (القرن ١٧م)
جيوفاني باتيستا بالياني (القرن ١٧م)
جورج أندرياس بوكلير (القرن ١٧م)
كريستيان هويغنز (القرن ١٧م)
يوحنا بيسلر(القرن ١٨م)
وهكذا انتصر قانون مصونية الطاقة، وأثبت أن خَرْقه ليس بالأمر السهل، حتى مع كل التقدُّم التكنولوجي الذي كان في أوائل القرن الثامن عشر.
لازار كارنو (القرن ١٩م)
ج. ج. طومسون (القرن ٢٠م)
تصاميم أوروبية لمحرِّكاتٍ أبدية
- (١)
تُحاول أن تتغلَّب على قوى التوازُن بين بداية الحركة ونهايتها.
- (٢)
تكاد تشترك جميع النماذج بوجود شكلٍ دائري لاستثمار الحركة. وعلى هذا يحاولون دومًا اصطناع دورة تتغذَّى من خلالها العناصر بالمواد نفسها، وتعمل وَفْق المبادئ نفسها.
حتى اليوم فإن مكتب براءات الاختراع الأمريكي يرفُض فحصَ أي طلبٍ يتعلق بالمحرِّك الدائم الحركة، مهما كان نوعه أو القوى التي يرتكز عليها في مبدأ عمله، إنهم حُرَّاسٌ مخلصون وملتزمون بقوانين الترموديناميك.
-
أرفض العمل، لعدم إمكانية ذلك طبيعيًّا.
-
أصرف السائل بأدب.
-
أقول هذا الطرح غير منطقي.
-
أتوقَّف عن الاختراع.
-
هذا إعجاز وليس اختراعًا؛ لأن كل شيءٍ متحركٍ (ميكانيكي) قابلٌ للعطَب.
-
لا يُمكِن اختراعُه.
-
هذا هُراء.
-
أعتذرُ عن ذلك.
-
أعتمدُ في تغذيته على شيءٍ أبدي.
-
يُوجَد الكثير منه.
-
أُحاول.
-
سأخترعُه بلا شك إن كان وطني يطلُبه مني.
-
هذا مشروعي الآن وهو جاهز.
-
أفكِّر فيه، وأبحث عن الحلول التي تعترض العمل.
-
أبدأ بالخطوة الأولى.
-
أقوم بالعمل به لأنني إن لم أتوصَّل إليه، فإنني سأتوصَّل إلى أمورٍ أخرى؛ ذلك لأني في عملي في أي اختراعٍ أتوصل إلى أشياءَ أخرى تلقائيًّا، وذلك حتمي من حيث الفكرة وطريقة العمل وأدواته.
وقد وجدتُ من تحليل تلك الإجابات السابقة أن نسبة الذين رفضوا الفكرة كانت (٥٠٪)، مقارنةً بالآخرين الذي أجابوا بإمكانية المحاولة أو الاستفادة من العمل عليه، وهم من أبناء القرن العشرين. ولا تزال فكرة المُحرِّك الأبدي ساحرة وتجتذب الكثيرين؛ فما زالت البشرية متعطِّشة للطاقة، والبحث دائمٌ ودائبٌ عن مصادرَ جديدةٍ ومتجدِّدة، والأروع من ذلك أن تكون مجَّانيةً بلا مُقابِل.
• الكرة المتحركة، الرقم العام: ٤١/نت، عدد الأوراق: (٥ ورقات)، تاريخ النسخ: ٦٦٩ﻫ، مكان الوجود: مكتبة تشستربيتي رقم (٣٠٣٥)، دبلن، أيرلندا، وهي نسخة تامة، ذهبية، ترجمة ثابت بن قرة.
• تحرير كتاب الكرة المتحرِّكة أوطولوقس [(١ظ] (٢٠ / ١] المكتبة البريطانية: مخطوطات شرقية وIO Islamic 923, ff 1v-10r.
http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/btv1b10509412z.r=villard%20de%20honnecourt.