معلومات غريبة

بقي «تختخ» في المنزل انتظارًا لعودة «محب»، وعاد «محب» في المساء يحمل قصةً غريبة، بعد أن استطاع إقناع بوَّاب منزلهم بالتوجُّه إلى «الفيلا» التي يسكن بها الأستاذ «عبد القادر» ليحصل على أكبر قِسطٍ من المعلومات عنها.

قال «محب» ﻟ «تختخ»: لقد حصلتُ على معلومات عجيبة للغاية … وهذه المعلومات محتاجة إلى تفسير … لقد كان بوَّابنا يقول عن «الفيلا» إنها مشئومة … وقد سألته لماذا؟ فقال: إنها ظلَّت خاليةً عشر سنوات … لم يسكنها إنسان.

قال «تختخ»: إنها بداية مشوِّقة عن هذه «الفيلا».

محب: المهم أن سكانًا كثيرين طلبوا السكن في هذه «الفيلا» … وعرضوا أن يدفعوا أي مبلغ يطلبه صاحبها … ولكنه كان يرفض باستمرار إسكانها.

تختخ: شيء عجيب فعلًا! … لماذا إذن وافق على إسكان الأستاذ «عبد القادر» بها؟! لقد سكن دون أن يدفع مليمًا واحدًا أكثر من الإيجار!

محب: شيء غريب فعلًا! …

تختخ: أليس عند البوَّاب تعليل لهذا؟ …

محب: مطلقًا!

تختخ: ومن صاحب «الفيلا»؟

محب: البوَّاب لا يعلم … إنه لا يعرف سوى أن هناك محاميًا في القاهرة هو المسئول عن «الفيلا» … أمَّا صاحبها فلم يرَه مطلقًا، ولم يحضر إلى «الفيلا» منذ اشتغل البوَّاب بها؛ أي منذ حوالي ست سنوات.

تختخ: ومن الذي يدفع للبوَّاب أجره؟

محب: المحامي … إنه يتولَّى كل شيء خاص ﺑ «الفيلا».

تختخ: وهل عرفتَ اسم المحامي؟

محب: نعم اسمه الأستاذ صبري … ورقم تليفونه هو ٥٩١٢٥، وعنوانه ٥ شارع قصر النيل بالقاهرة.

تختخ: لا بد أن نُقابل هذا المحامي فورًا.

وقام «تختخ» إلى التليفون واتصل بالمحامي فوجده قد خرج لقضاء عمل خارج المكتب … وقال سكرتيره إنه يحضر عادةً في الواحدة بعد الظهر ويبقى حتى الرابعة … ثم يعود في الثامنة ويبقى حتى العاشرة تقريبًا.

تختخ: سنذهب غدًا في الواحدة بعد الظهر لمقابلته … فهناك أسئلة كثيرة حول هذه «الفيلا» تحتاج إلى أجوبة.

في الساعة الواحدة من اليوم التالي كان «تختخ» و«محب» يقفان أمام محل «لاباس» الحلواني بشارع قصر النيل، وهو يُواجه مباشرةً مكتب الأستاذ «صبري» المحامي … كانا قد جلسا في المحل نصف ساعة أكلا فيها بعض الحلوى والعصير … واستعدَّا لمقابلة المحامي.

حملهما المصعد إلى الدور الخامس حيث يقع مكتب المحامي … ودفعا الباب ودخلا … كان ثمة رجل عجوز يجلس في الغرفة الأولى، وبعد أن ألقيا عليه التحية قال «تختخ»: هل الأستاذ «صبري» موجود؟

الرجل: نعم … هل هناك أي خدمة؟

تختخ: نُريد أن نُقابله.

قام الرجل إلى مكتب الأستاذ «صبري»، بعد أن عرف اسمَيهما … ثم عاد بعد قليل وطلب منهما أن يتبعاه … وسارا خلفه إلى غرفة واسعة كان واضحًا أنها غرفة الأستاذ «صبري» الذي استقبلهما وقد بدت عليه الدهشة لصِغر سنهما.

قدَّم «تختخ» نفسه و«محب» إلى الأستاذ الذي سألهما: ماذا تريدان؟ هل هناك قضية؟

تختخ: لا … لقد حضرنا لكَ من أجل «فيلا» المعادي.

الأستاذ: هل أحدكما ابن الأستاذ «عبد القادر»؟

تختخ: تقصد «أشرف»؟

الأستاذ: لا أذكر اسمه بالضبط … ولكني أعلم أن له ابنًا.

تختخ: لقد خُطف «أشرف» ابن الأستاذ «عبد القادر» منذ ستة أيام.

الأستاذ: خطف! كيف؟ ولماذا؟

تختخ: أمَّا كيف فنحن لا نعرف … أمَّا لماذا فلأن خاطفيه طلبوا فديةً عشرة آلاف جنيه لإعادته.

الأستاذ: غير معقول! هل الأستاذ «عبد القادر» غني إلى هذه الدرجة؟

تختخ: أبدًا … وهذا هو الشيء الغريب في الموضوع.

الأستاذ: وما دخل «الفيلا» في هذا الموضوع؟

تختخ: لقد علمنا أن «الفيلا» ظلَّت خاليةً نحو عشر سنوات … فلماذا؟

الأستاذ: في الحقيقة لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال؛ فهذا شيء خاص بصاحب «الفيلا».

تختخ: ولكننا نعرف أنكَ المسئول عن تأجيرها.

الأستاذ: هذا صحيح … ولكن سبب بقائها خاليةً كل هذه المدة يعود إلى صاحبها.

تختخ: لماذا؟

الأستاذ: لا أستطيع التصريح بالسبب!

تختخ: وما هو اسم صاحب «الفيلا»؟

الأستاذ: وهذا سر آخر … وأرجو ألَّا تسأل أسئلةً أخرى فلن أُجيب عنها …

تختخ: ولكن ذلك مهم لمعرفة مصير «أشرف».

الأستاذ: آسف … لا إجابة.

ثم وقف الأستاذ معلنًا انتهاء المقابلة، فخرج «تختخ» و«محب».

ولمَّا وصلا إلى المصعد قال «محب»: هل انتهَت المسألة عند هذا الحد؟ … إننا لم نحصل على شيء.

تختخ: لا يمكن أن تنتهي المسألة هكذا … سنذهب إلى المفتش «سامي» فورًا، إن مكتبه ليس بعيدًا.

أسرع الصديقان إلى أول تاكسي صادفاه، وطلبا من السائق التوجُّه إلى مبنى المباحث الجنائية بميدان باب الخلق، وأسرعا إلى مكتب المفتش «سامي» الذي استقبلهما قائلًا: هل هناك أخبار عن «أشرف»؟

تختخ: هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات … وبعدها من المحتمل أن نصل إلى حل لغز خطف «أشرف».

قال المفتش باهتمام: ما هي هذه الأسئلة؟

تختخ: لقد علمنا أن «الفيلا» التي يسكن بها الأستاذ «عبد القادر» ظلَّت خاليةً لمدة عشر سنوات تقريبًا فلماذا؟ … ومن هو صاحب هذه «الفيلا»؟ ولماذا رفض المالك طلب عشرات السكَّان وقَبِل طلب الأستاذ «عبد القادر»؟ …

المفتش: ومن الذي يملك الإجابة عن هذه الأسئلة؟

تختخ: إنه الأستاذ «صبري» المحامي، وعنوانه ٥ شارع قصر النيل، وقد جئنا من عنده الآن بعد أن رفض الإجابة عن الأسئلة.

المفتش: إنني أعرفه، ومن السهل جدًّا أن نجعله يتكلَّم، هل معكَ رقم تليفونه؟

وقدَّم «تختخ» رقم التليفون إلى المفتش الذي فكَّر قليلًا، ثم قال: من الأفضل أن نذهب إليه في مكتبه … هيا بنا …

ركب الثلاثة سيارة المفتش واتجهوا إلى مكتب المحامي. وكان المحامي مشغولًا مع بعض عملائه فجلسوا معًا في انتظار خروج الزبائن، ثم دخلوا إلى مكتب المحامي الذي لم يكد يرى المفتش حتى قال: المفتش «سامي»! … أهلًا وسهلًا.

كان المحامي يعرف المفتش الشهير، فأبدى استعداده للإجابة عن الأسئلة.

قال المفتش: لقد زاركَ صديقاي «توفيق» و«محب» منذ نصف ساعة تقريبًا، وتحدَّثا معكَ بخصوص خطف «أشرف» ابن الأستاذ «عبد القادر» الذي سكن مؤخَّرًا في «الفيلا» التي تُشرف عليها.

المحامي: هذا حدث فعلًا … وقد سألني أحدهما بعض أسئلة للأسف لا أستطيع الإجابة عنها لأنها من أسرار أحد عملائنا، وأنتَ تعرف أن المحامي يؤتمن على الأسرار كما يؤتمن الطبيب.

المفتش: إنني أسألكَ رسميًّا … وأرجو أن تُجيب عن الأسئلة … وإلا اضطُررت إلى استدعائك أمام النيابة!

المحامي: هل المسألة هامة إلى هذا الحد؟

المفتش: طبعًا! … إنها تتعلَّق بحياة صبي … وبعصابة خطيرة يجب القبض على أفرادها.

المحامي: ولكني لا أستطيع التحدُّث أمام هذَين الولدَين … فأسرار مُوكِّلي لا يمكن نشرها على الناس.

المفتش: إنهما يُساعدان العدالة … وقد ساعدانا وبقية زملائهما مساعدات قيمة … وأستطيع أن أؤكد لكَ أنهما سيُحافظان على السر مهما كان.

المحامي: تفضَّل بالسؤال وسوف أُجيب.

المفتش: السؤال الأول هو لماذا ظلِلت ترفض تأجير «الفيلا» عشر سنوات برغم وجود مستأجرين كثيرين؟

المحامي: لأن مُوكِّلي طلب ألَّا يُؤجِّرها إلا لشخص اسمه «عبد القادر موسى» … ولم يتقدَّم أحدٌ بهذا الاسم طوال هذه الفترة، حتى قرأت إعلانًا عن شخصٍ يُريد استئجار سكن في حي هادئ، فاتصلت به، ولم أكد أعرف أن اسمه «عبد القادر موسى» حتى أجَّرتُها له.

نظر المفتش إلى «تختخ» و«محب»، ونظرا إليه وقد أصابت الثلاثة دهشة بالِغة …

وقال المفتش: ذلك شيء مدهش للغاية!

المحامي: فعلًا … ولكن هذه كانت رغبة مُوكِّلي.

المفتش وما هو اسم مُوكِّلكِ صاحبِ «الفيلا»؟

المحامي: اسمه «عبد القادر موسى»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤