الفصل الثامن

أيسخينيس

۱

حياته

كان أيسخينيس عدوًّا لدودًا لديموسثينيس مدة ۲۰ عامًا، وربما كانت هذه العداوة أهم متعة له في الحياة، فكانت دافعًا قويًّا له على تأليف خطبه الباقية، أما ديموسثينيس نفسه فلم يرَ بدًّا من الاستماع إلى ذلك العدو ذي الذكاء النادر والموهبة الخطابية الحقة؛ فكان يصغي إليه باهتمام زائد في المحاكم وأمام الإكليسيا، وبذلك أعطاه نفوذًا لم يستطع إفساده غموض آرائه السياسية وتذبذب خلقه الشخصي.

لم تكن لأيسخينيس سياسة بنائية، ولكن كانت له المواهب اللازمة لزعيم معارضة شديدة حقودة. وإننا لنَدين إلى العداوة التي استحكمت بين هذَين الرجلَين، بمقدار عظيم من معلوماتنا عن كلٍّ منهما فيما يختص بحياتهما الخاصة والعامة. حقيقة إنه لا يمكننا أن نقبل دون تحفُّظ اعترافات وانتقادات كلٍّ من هذَين الخطيبَين لذلك النزاع، بَيدَ أنهما يتفقان في حالات كثيرة في الوقائع، وإن كانا يختلفان في تفسير كلٍّ منهما لها، وبذلك يمكننا جمع ملخص للحقيقة بحذر.

وُلد أيسخينيس حوالي عام ٣۹۰ق.م.١ وقد نفت حكومة الثلاثين والده أتروميتوس Atrometus، وهو مواطن أثيني عريق النسب،٢ فهرب إلى كورنثة مع زوجه، وخدم مدةً كجندي مرتزق في آسيا، ثم عاد أخيرًا إلى أثينا حيث أنشأ مدرسة. وقد احتلَّت زوجة جلاوكوثيا Glaucothea منصبًا دينيًّا بسيطًا تعلِّم التلاميذ الحديثي الإيمان بعضَ الأسرار الخاصة بديانة أورفيوس Orpheus. ويبدو أن أيسخينيس قد ساعد كلًّا من والديه في عمله، هذا على فرض أن هناك ذرة من الصدق تمتزج بحقد ديموسثينيس:
«لقد كانت مهنتك ملء المحابر وتنظيف القماطر وكنس حجرة الدراسة، كما يفعل الأرقَّاء دون أبناء النبلاء، ولما كبرت ساعدت أمك في تدريس الديانة؛ فكنت تسمِّع للتلاميذ أصول الدين والإيمان، وتقوم بعمل نافع لها. كذلك كنت تشتغل أثناء الليل في تغليف قرابين الاحتفالات في جلود الغزلان، وتحضير الشراب المقدَّم كقرابين، وتكسوها بالطين والنخالة.»٣
إن الوصف الكامل الذي استُمدَّت منه الفقرة السابقة، عبارة عن صورة هزلية ظاهرة، قيمتها الرئيسية هي لتوضح أن ديموسثينيس، لو لم تجعله الظروف من الساسة لكان من المحتمل أن يصبح كاتبًا ناجحًا للهزليات المتوسطة. ولكن يبدو أنها تشير إلى حقيقة أن والدَي أيسخينيس كانا وضيعي الحال، حتى إن حياته شخصيًّا وهو صبي كانت حياة ضنك وتعب، ولم يتمتع بالفرص العادية من الحصول على التعليم الذي يؤهِّله ليكون سياسيًّا.٤ وبعد ذلك لمَّا كان في السن التي يتعلم فيها غيره من الراغبين في الحياة العامة على يد أساتذة البلاغة، اضطُر هو إلى كسب قوته بعرق جبينه؛ فكان أولًا كاتبًا لبعض صغار الموظفين، ثم ممثلًا، وتبعًا لقول ديموسثينيس، كان يقوم بتمثيل أدوار صغيرة حقيرة، وكان يعتمد في معيشته على ما يقذفه به المتفرِّجون من تين وزيتون،٥ وزيادة على ذلك فقد خدم كمواطن بسيط، ثم أبرز نفسه بنفسه في مانتينيا وتاموناي Mantinea & Tamynae. وفي سنة ۳٥۷ق.م. حصل على عمل سياسي تحت إدارة أريستوفون الأزيني Aristophon of Azenia أولًا، ثم تحت إشراف يوبولوس Eubulus، وأخيرًا نجده يعمل كاتبًا في الإكليسيا.
تزوج أيسخينيس من عائلة محترمة حوالي عام ۳٥۰ق.م. وفي سنة ٣٤٨ق.م. ظهر لأول مرة في منصب يدل على ثقة الشعب به؛ إذ عُيِّن عضوًا في مجلس ميجالوبوليس Megalopolis في أركاديا Arcadia، وفي هذه الآونة خرج معترفًا بأنه خصم لفيليب، ولكنه عاد ثانية حليفًا للسلام. وسنناقش فيما بعدُ أسباب هذا التحوُّل في الرأي، وتفسيره هو نفسه الذي يقول فيه إنه لمس أن الحرب شيء غير عملي؛ تفسير معقول في حد ذاته.٦
بعد مرور عامين على ذلك، اشترك أيسخينيس مع ديموسثينيس في السفارات الشهيرة لفيليب، التي نتج عنها بعد تأخيرات خطيرة، سلم فيلوكراتيس الذي لم يقبله الشعب. وقد صرَّح ديموسثينيس أن ذلك السلم لا يليق بكرامة أثينا،٧ غير أنه كان يحثُّ على ضرورة العمل به سواء أكان حسنًا أم سيئًا، وعلاوةً على تقوُّله بما يشين سلوك أيسخينيس كسفير؛ فقد أعدَّ العدة لاتهامه بخيانة الثقة الموضوعة فيه، بواسطة الاستيلاء على رشاوٍ من فيليب، وأشرك معه تيمارخوس ليقوما بمحاكمة أيسخينيس، بَيدَ أن أيسخينيس أعدَّ العدة لهجوم مضادٍّ، فاتَّهم تيمارخوس بسوء السلوك، واستشهد على ذلك بأنه منع من الكلام أمام الجمهور نتيجةً لذلك. ويظهر أنه ثبتت إدانة تيمارخوس. وفي عام ٣٤٣ق.م. عُقدت الجلسة التي ألقيت فيها خطبة ديموسثينيس «عن السفارة الكاذبة de False Legatione» وكذلك خطبة أيسخينيس التي بنفس العنوان، وقد بُرئ أيسخينيس بأغلبية ثلاثين صوتًا. ثم استعد أيسخينيس في العام التالي للانتقام، بَيدَ أنه ما كاد يبدأ باتهام ديموسثينيس حتى واجهه هذا الأخير بحركة مضادَّة.٨

وفي سنة ۳۳۹ق.م. كان أيسخينيس عضوًا في مجلس الشورى الأمفيكتيوني، فألقى خطبة حماسية كانت سببًا في قيام الحرب المقدسة.

وفي عام ۳٢٧ق.م. وهو العام التالي لمعركة خايرونيا، وجد أيسخينيس سلاحًا جديدًا يقذف به خصمه، وهو اقتراح كتيسيفون Ctesiphon بمنح ديموسثينيس تاجًا نظير خدماته لأثينا؛ فاتهم أيسخينيس كتيسيفون بعدم احترام القوانين، غير أن القضية لم تُنظر إلا عام ۳۳۰ق.م. عندما فشل أيسخينيس في الحصول على خمس الأصوات؛ فحكم عليه بغرامة قدرها ألف دراخم، ولمَّا عجز عن الدفع أو لم يرد الدفع، ذهب إلى المنفى، فرحل إلى آسيا الصغرى وعاش في إفيسوس Ephesus أو رودس Rhodes. ويقول بلوتارخوس إنه قضى بقية حياته سفسطائيًّا محترفًا، ومعنى ذلك أنه كان معلِّمًا للبلاغة دون أدنى شك.٩ وليس لدينا أية معلومات أخرى عن حياته أو عن كيفية وفاته أو تاريخها.

۲

دوره السياسي
لا يمكن اعتبار أيسخينيس رجلًا سياسيًّا بأي حال من الأحوال طالما ليست له سياسة معيَّنة؛ فقد كان كما يعترف هو «نهَّازًا للفرص»، ويقول: «يجب على الأفراد والأمة أن يغيِّروا مكانهم حسب مقتضيات الأحوال، وأن يهدفوا إلى أحسن ما في كل وقت.»١٠ ورغم أنه يدَّعي كونه «ناصح أعظم مدينة في العالم»،١١ فلم يكن له في الشئون العامة مبدأ أسمى من السير على الخط الأقل مقاومة.

ومع ذلك يجب علينا أن نبحث عمَّا إذا كان أيسخينيس هو حقًّا السياسي المفسد الذي يحدثنا عنه ديموسثينيس.

والآراء الأثينية أقل دقةً من آرائنا فيما يختص بالأعمال المفسدة، ويعترف هوبيريديس Hyperides بأن هناك درجات مختلفة من الإثم في موضوع أخذ الرشاوى. فأكبر جريمة هي قبول الرشوة من مصادر غير لائقة، أي من أعداء الدولة ولضرر الدولة.١٢

وينصُّ هذا المبدأ على أن قبول الفرد الرشوة ليعمل واجبه ويعمل لخير ما يفيد وطنه، إثم بسيط إن صح أن يُسمَّى إثمًا. وفي هذه الحالة يكون إثم الشخص أو براءته موكولًا لضميره الشخصي يبتُّ فيه كما يتراءى له.

لقد اتَّهم ديموسثينيس أيسخينيس بتغيير سياسته نتيجة للرشاوى التي حصل عليها من فيليب، ويعرف أنه كان في بدء حياته العامة معارضًا لمقدونيا، ولدينا إقراره هو شخصيًّا عن تحوُّله في مناسبة السفارة إلى ميجالوبوليس إذ يقول:

«إنك تلومني على الخطبة التي ألقيتها، كمبعوث، أمام عشرة آلاف شخص في أركاديا، وتقول إنني قد تحوَّلت، أنت أيها المخلوق الوضيع، يا من كِدت أن تُتَّهم بهجر وطنك. والحقيقة أنني قد حاولت جهد طاقتي في أثناء الحرب، أن أوحِّد الأركاديين مع بقية الإغريق ضد فيليب، لكنني أعترف أنني لمَّا وجدت الجميع يُعرضون عن مساعدة أثينا؛ إذ كان بعضهم ينتظر ما سيحدث، والبعض الآخر يسير ضدنا، واستغل الحرب كوسيلة تمدُّهم بنفقاتهم اليومية، نصحت الشعب بالاتفاق مع فيليب وعقد الصلح معكم، أنتم يا من لم تُشهروا سيفًا مطلقًا، وتقولون إن ذلك عار، ولكني أقول إنه أكثر نبلًا من الحرب.»١٣
وبعد انتهاء سلم فيلوكراتيس أصبحت الاتهامات أكثر تحديدًا من ذي قبل؛ فيؤكد ديموسثينيس أنه كانت لأيسخينيس اتصالات خاصة مع فيليب؛ فمنحه بعض أراضٍ خاصة في بويوتيا لقاء خدماته.١٤ ثم يعود إلى تهمة التاج بعد ذلك بسنوات عدة. ولا ينكر أيسخينيس هذه التهمة، ولا يذكرها، لا في خطبته «عن السفارة» ولا في اتهام كتيسيفون. ولما استطاع ديموسثينيس العثور على دليل بسيط مباشر، أقام دعواه مؤكِّدًا علاقة أيسخينيس بالخائن فيلوكراتيس، بَيدَ أن حجَّته كانت واهية، فعلى الرغم من مباهاة أيسخينيس بتلك العلاقات إحدى المرات؛ فقد أنكرها في مناسبة أخرى، وليس هذا فحسب، بل تجرَّأ أيضًا على مساواة ديموسثينيس بفيلوكراتيس.١٥
ربما كان يجدر بنا أن نعلِّق أهميةً أكثر على قول ديموسثينيس بأن أيسخينيس كان يحرِّض المدينة بين آونة وأخرى، على قبول وعود فيليب الغامضة، بأن يعمل لصالحها، ولكن قبل أن نتهمه على هذا الأساس، خليق بنا أن نتذكر أن إيسوكراتيس الذي يفوق أيسخينيس في الذكاء، ولا يمكن الشك في أمانته، قد استسلم كليةً لشخصية فيليب، فوثق بحسن نيَّاته تمام الثقة،١٦ وربما يكون أيسخينيس قد خُدع بنفس الطريقة.
لكن أقوى اتهام وجِّه إلى سياسة أيسخينيس ينحصر في خطَبه؛ فقد اتُّهم في أثناء زيارة للجيش المقدوني في فوكيس Phocis بمشاركته فيليب في رقصة البيان Paean احتفالًا بهزيمة فوكيس. ومن الغريب أنه يعترف بتلك الواقعة ويَعُدها أمرًا عاديًّا لا غبار عليه.١٧
كذلك كان مسلكه في المجلس الأمفكتيوني أكثر خطورة،١٨ فقد دُعي لإلقاء خطبة، وما إن بدأ في إلقائها حتى قاطعه بوقاحة رجلٌ لوكري Locrian من أمفيسا Amphissa. ولمَّا أراد أيسخينيس الانتقام، «حدث له»١٩ أن تذكَّر عدم تقوى الأمفيسيين Amphissians باحتلالهم سهل كيرا Cirrha، وعلى ذلك قرأ بصوت عالٍ، اللعنة التي تُليت بعد الحرب المقدسة الأولى، وبإعادة ذكر حوادث الأجيال الماضية التي كانت قد نُسيت، أثار حماسة سامعيه؛ حتى إنه في الصباح التالي — لأن الوقت كان متأخرًا فلم يُسمح باتخاذ أي إجراء تحت جنح الظلام — زحف جميع سكان دلفي على كيرا، وهدموا مباني الميناء، وأضرموا النار في المدينة. ورغم أن هذا العمل قد ساق بلاد الإغريق دون شك إلى حرب أمفكتيونية؛ فإن أيسخينيس لم يأبه لما نتج عن ذلك من سوء المغبَّة، واهتم فقط بتأثير خطبته الملحوظ.

٣

شخصيته
يُمكن جمع خصائص شخصية أيسخينيس من كتاباته وكتابات ديموسثينيس؛ فلا بدَّ وأنه كان محترمًا بين أهله وعشيرته؛ لأنه وإن لم يلعب إلا أدوارًا بسيطةً في الحياة، كما يؤكد ديموسثينيس، إلا أنه كان يلعب أدوارًا هامة كلما سنحت له فرصة، كما اعترف عدوُّه في لحظة من لحظات سهوه. وإن الظروف التي تمَّت فيها المأساة الإغريقية كانت تتطلَّب شخصيات عظيمةً لتحمل الأعباء، حتى ولو كانوا حكامًا مستبدين. وإنَّ طعن ديموسثينيس الذي يلقِّبه فيه ﺑ «تمثال نبيل» ليؤكد عدم افتقاره إلى تلك الصفات.٢٠ ويحتمل أن تنصَّ كلمات ديموسثينيس على أن الكرامة اندثرت وقتئذٍ حتى إن الوضع السابق كان يبدو عظيمًا وعظيمًا جدًّا في ساحة القضاء. وكان أيسخينيس نفسه يحتقر استخدام إشارات التهييج التي يقوم بها الخطباء، ويحثُّ على ضرورة التزام الهدوء والسكينة وكبت العواطف الثائرة، وكثيرًا ما كان يُصر على وجوب وضع الخطيب يده داخل ردائه وهو يتكلم.٢١ وقد كان هذا الاعتراف بالتحيُّز فرصة مكَّنت ديموسثينيس من الرد عليه بردٍّ وجيه إذ قال: «يجب أن تضع يدك داخل ردائك وأنت موفد في سفارة، لا وأنت تتكلم.»٢٢ لقد ضرب ديموسثينيس في هذه المناسبة على وتر حسَّاس، بَيدَ أنه لو استخدم الذكاء والحزم لكان الشرف عادة لأيسخينيس.
إن صوت أيسخينيس الرائع ميزة بارزة حبَته بها الطبيعة، وإنه ليجيد استخدام نبراته، فحسده على ذلك ديموسثينيس الذي كانت تنقصه بعض المواهب الطبيعية للخطيب؛ ولذا كان يحاول دائمًا الحطَّ من قدر خطابته.٢٣ غير أن أيسخينيس لم يُعِر ذلك أي اهتمام؛ لأنه كان يعلم بدون شك مزايا نفسه، التي دفع ديموسثينيس ذات مرة، ثمنها غاليًا.٢٤ فلم يظهر أيسخينيس أي اهتمام. ولكن يبدو أنه حزَّ في نفسه أن يقارنه ديموسثينيس بجماعة السيرينيس Sirens اللواتي يطربن الرجال بأصواتهن العذبة ليسُقنهم إلى حتفهم. فلم يلقَ احتقار ديموسثينيس آذانًا صاغية، وكان الرد الوحيد عليه، أنَّ ذلك اتهام وضيع، وحتى على فرض صحته؛ فإن ديموسثينيس ليس بالرجل الكفء لإثارته؛ فإن الرجل ذا الأعمال المجيدة هو وحده الذي يستطيع اتهام غيره، وليس منافس أيسخينيس إلا ثرثارًا. وعندما يتمالك نفسه قليلًا، تريحه فكرة أن ديموسثينيس خاوٍ كالمزمار، ولا يصلح لشيء إذا جُرِّد من لسانه.٢٥
لم أهتم في حالة الخطباء الآخرين بالمزايا الشخصية؛ فالقاعدة أن يُحكَم على الخطيب كرجل، دون أي اعتبار لمزاياه الشخصية؛ ففي حالة إيسايوس مثلًا، وهي حالة متطرفة، لو نظرنا إلى ميزاته الشخصية وشواذه، لوجدناها عديمة القيمة، بينما يتجلى كثير من المميزات الشخصية في كتابات أيسخينيس، لدرجة أننا لا نستطيع إهمالها بحالٍ ما؛ فهي مادة هامة لتقديرنا إياه كخطيب وكشخصية عامة. إذَن لنا بعض العذر في إعارة شخصيته اهتمامًا أكثر من أي خطيب أتيكي آخر. أما خُلقه العام فقد سبق لنا أن ناقشناه إلى حدٍّ ما.٢٦ وقد يُلقي فحص صفاته الخاصة ضوءًا أكثر على موضوع إدانته.
كان أيسخينيس كما رأينا، رجلًا عصاميًّا، ارتفع على الأقل فوق مرتبة البيئة التي ولد فيها؛ فنجده خلال خطَبه كلها يفتخر بالثقافة والمنزلة اللتين وصل إليهما، أو كما يعبِّر م. كروازيه M. Croiset «فخر حديث النعمة vanité de parvenu

فيفتخر بعلمه ويغرق في المباهاة به دون أن يلاحظ أنه بذلك يعرِّض نفسه لتهمة عدم التخلُّق بخير ما يمكن للتعليم أن يهب. إن ديموسثينيس عادل رغم صرامته، ويسأله قائلًا:

«بأي حقٍّ تتكلم عن التعليم؟ فما رأينا إنسانًا نال قسطًا من التعليم الحر، يتحدث عن نفسه بمثل تلك النعرة التي تتكلم بها؛ فإن وجهه ليحمرُّ خجلًا إذا ما تحدث عنه شخص آخر بمثل هذه الأقوال، ولكن من لم يتعلم التعليم الصحيح، مثلك، وتبلغ به الصفاقة أن يدَّعي التعلُّم الحق، لا ينجح إلا في إيذاء سامعيه عندما يتكلم عن علمه، كما أنه يفشل في الوصول إلى الأثر المطلوب.»٢٧
لقد اعتبر أيسخينيس ἀπαιδευσία أي الحاجة إلى التعلُّم، جريمة مدنية تقريبًا، ولم يطرأ على مخيِّلته قط أنه شخصيًّا واقع في تلك الجريمة.٢٨ إنه يُظهر تعلُّمه بالاستشهاد بعض النصوص الشعرية، تلك النصوص التي ينبغي الاعتراف، بأنها أحيانًا تناسب حجَّته تمام المناسبة، وبالإشارة إلى الميثولوجيا والأساطير التي تكون جافة في بعض الأحايين. وإن استخدامه التاريخ ليفضح معرفته السطحية لذلك العلم، والاحتمال قليل في أنه قد درس ثوكوديديس مثلًا. ومع ذلك فقد كان يتمتع بقسط وافر من العلم، وإنما عدم الذوق هو الذي جعله يشطُّ. وخير إجادة له في استعمال النصوص هي عندما يطبِّق أشعار هسيود Hesiod على الإنسان الذي تتضمن جريمته أنه اتهم مدينة بأسرها في خرابه، وسنذكر تلك الفقرة فيما بعد.٢٩

إن الأبيات تعطي وخزات لاذعة عن تشهيراته، وإن آراءه عن الأثر التعليمي للشعر صادقة، بَيدَ أنه لا يستطيع المحافظة على ذلك المستوى. وقد نتج افتخاره الكثير بعلمه عن حبٍّ لنوع من الأدب الصناعي في اللغة والعمل، والاعتراف بتكلُّف الحشمة التي هي في الواقع غريبة على طبيعته. وهو يعترف بإعجابه بضبط الخطباء الشعبيين في عصر صولون نفوسهم، وعظمة الإمبراطورية.

ويتحدث أيسخينيس باشمئزاز عن تيمارخوس عندما خلع عباءته وقام بتمثيل المصارعة الإغريقية عريانًا أمام حشد غفير من الشعب.٣٠ وفي مقدمة نفس الخطبة يُدلي بحجة قوية عن فائدة «الاعتدال». وفي محاكمة تيمارخوس ينحصر اعتداله في الإشارة إلى بعض أمور معيَّنة، لا يذكرها بالاسم:
«إني أطلب صفحكم أيها السادة؛ إذا ساقني الحديث عن أمور معينة لا يقرُّها الشرف بطبيعة الحال، وهي من خصال المدَّعى عليه، أقول إذا ساقني الحديث عنها إلى استخدام تعبير يشبه أعمال تيمارخوس … إذ يقع عليه اللوم أكثر مني. وسيتعذَّر اجتناب استعمال مثل هذه التعابير، بَيدَ أني سأحاول اجتنابها بقدر الإمكان.»٣١
لاحظ كذلك الحذف الذي يتمسَّك به، أو «الإيجاز paraleipsis»، وهو ضرب بلاغي مألوف لقرَّاء شيشرون؛ الذي قدَّس ما لا يمكن البرهنة عليه:
«أي رجال أثينا، لاحظوا كيف أحاول الاعتدال في مهاجمتي تيمارخوس، وإنني لأغض النظر عما اقترفه من إهانات في صباه. أما فيما يتعلق بي؛ فإنها قد لا تكون أكثر حيوية، من حكومة الثلاثين مثلًا، أو الحوادث التي سبقت أرخونية يوكليديس، أو أي حادث آخر يكون قد حدث.»٣٢
«بلغني أن هذا المخلوق (أحد خلَّان تيمارخوس) قد اقترف جرائم مشينة معينة، وأقسم بزوس الأوليمبي Zeus of Olympus أنني لا أستطيع التفوُّه بها أمامكم، مع أنه لم يخجل من اقترافها، ولو أمكنني التفوُّه بها في حضرتكم لما كان لي وجه أن أعيش بعد ذلك.»٣٣

ورغم تواضع المدَّعي فإن في الخطبة كثيرًا من الإشارات إلى جرائم تيمارخوس. وقد رُوعي التحفُّظ إزاء هذه الجرائم حتى إنه لم يذكر سوى عشرها. وعلى ذلك يتوافر سوء النية وعدم الشرف في نغمة الخطبة كلها.

ومن ناحية أخرى، فقد أشار الخطيب إلى مراعاته احترام القضاة … وأخبرهم أن «تيمارخوس قد تعوَّد قضاء أيامه في بيت للميسر حيث توجد ساحة لمعارك الديوك، وحيث تقام ألعاب التقاسم بالأزلام، وأظن أن بعضكم قد شاهد مثل هذه الأشياء أو سمع عنها.»٣٤
لا يمكن لأي مجمع عظيم أن يأخذ مثل ذلك الإطراء على محمل جدي ويظن أنه قيل ببراءة، لكن من المحتَّم أن المقصود به كان لتخفيف حدة الجو القاتم المحيط به، ومثل هذه الدعايات غير نادرة، وفي أغلب الأحوال لا ينتج عنها أي ضرر.٣٥
وإن بلاس الذي قام بدراسة دقيقة للخطبة «ضد تيمارخوس»، ليواجهنا باتهام لشخصية أيسخينيس أشد عنفًا؛ فهو يجد مزاعم قوية تقوم على أسس تاريخية، بأن أغلب الاتهامات كاذبة؛ إذ يلاحظ أن تُهَم سوء السير قائمة كليةً على أقوال المدَّعي، ويقرر أن ميسجولاس Misgolas، وهو شاهد في غاية الأهمية، إما إنه سوف يرفض الإدلاء بشهادته كلية، أو سوف لا يقول الصدق. فوجود مثل هذه العقبة في منتصف الطريق، اعتراف صارخ بالضعف الذي يؤيِّده تعليق الخطيب في سياق القضية فيما بعد. إنه يقول إن لديه شهودًا آخرين، ولكن «إذا حثَّهم المدَّعى عليه ومؤيدوه على أن يرفضوا الإدلاء بشهاداتهم — وإني لا أعتقد أنهم سيحثُّونهم كلهم بحالٍ ما — يبقى أمر واحد لا يستطيعون فعله، ألا وهو تشويه الصدق والسمعة الطيبة اللذَين يتمتع بهما تيمارخوس في هذه المدينة، تلك السمعة التي لم أعطِها له، بل اكتسبها هو لنفسه بنفسه. لأن حياة الرجل المحترم يجب ألا تشوبها شائبة حتى تدفع أي شك في الإثم.»٣٦

يعتقد بلاس أن التُّهم البسيطة الموجَّهة إلى تيمارخوس لتبديده ضيعته بطيش، قد طغت على طبيعته وفضائله الموروثة، ولكن هذه وحدها ليست كافية لاتهامه.

يجب علينا أن نطبِّق قليلًا من الحقائق التي نعرفها ضد نظريات بلاس؛ فلا شك في أن تيمارخوس كان متَّهمًا وحُرم من حقوق المواطنين.٣٧ ولم يكن المحلفون الأثينيون في ذلك الوقت معصومين من الخطأ، وكان لا بد من انتصار النزَعات السياسية على الحياد والنزاهة سواء في المحاكم العادية أو في المحكمة العليا للإكليسيا كما هو الحال في هذه القضية، ومع ذلك فإن رجلًا بريئًا من التهمة المسندة إليه أصلًا، ولا سيَّما إذا كان لم يقترف جريمة سياسية حقيقية، وإنما يلعب دورًا في الشئون السياسية — رجلًا يعضده نفوذ ديموسثينيس القوي — من المعقول أن يتوقَّع حكمًا عادلًا بإطلاق سراحه. وما بالك أنه أطلق سراح أيسخينيس نفسه بعد ذلك بسنوات قلائل في تهمة سياسية، رغم أن مسلكه السياسي كان يتطلَّب كثيرًا من التفسير، وكان وراءه كل نفوذ ديموسثينيس، لا لمصلحته بل ضده.
لقد حُقَّ لأيسخينيس أن يشعر بالكبرياء بسبب ما وصل إليه من مركز رفيع بعد أصل وضيع، ولكن تكرار ذكر أسباب تلك الكبرياء عرض للكبرياء؛ فهو يجب أن يتحدث عن نفسه «كمستشار لأعظم مدينة»، وكصديق للإسكندر وفيليب، ويقول: «إن ديموسثينيس يتمسَّك عليَّ بصداقتي للإسكندر.»٣٨ فيرد عليه ديموسثينيس بأنه لم يفعل شيئًا من هذا القبيل ويقول له: «أتقول إنني أتمسَّك عليك بصداقتك للإسكندر؟ بالله عليك كيف حصلت عليها، أو استحققتها؟ لست مجنونًا لأدعوك صديق فيليب أو الإسكندر، اللهم إلا إذا صح أن نسمِّي الأُجراء والحُصَّاد «أصدقاء» و«ضيوف» من يستأجرونهم لخدمتهم.»٣٩
وزيادة على ذلك؛ «على أي أساس صحيح ومعقول، استطاع أيسخينيس، ابن جلاوكوثيا Glaucothea، الطبَّال (ضارب الطار)، أن يكون ضيفًا على فيليب أو صديقًا له».٤٠

قد يكون تقدير ديموسثينيس للموقف أقرب إلى الصواب؛ إذ لم يكن أيسخينيس مع كل مهارته، رجلًا كإيسوكراتيس يستطيع مقابلة الأمراء مقابلة الند للند.

يستشهد على فخره بخطبه وأثرها، بالفرص العديدة التي يذكرها فيها أو يشير إليها؛ فإنه يعطي ملخَّصًا لخطبة ألقاها وهو سفير لفيليب،٤١ ويختصر خطبةً ألقاها أمام الإكليسيا،٤٢ كذلك يذكر خطبةً ألقاها على «آلاف وآلاف من الأركاديين»،٤٣ ويطنب في ذكر بعض مقتبسات من خطبته المشئومة التي ألقاها على الأمفكتيونيين،٤٤ وأثرها المنكود؛ وإن لذَّته في التغنِّي بقواه الشخصية قد أعمته تمامًا عن طيشه الإجرامي.

ورغم اعترافاته الهدَّامة في «تيمارخوس»؛ فإن حياته الخاصة تبدو حياة مناسبة للمستوى الأثيني. ويتهمه ديموسثينيس بإهانة سيدة أولونثية إهانة بالغة، ولكننا لسنا في وضع يسمح لنا بالحكم على صحة تلك الواقعة أو كونها من نسج الخيال، غير أن أيسخينيس ينكر تلك التهمة حانقًا، مؤكدًا أن الشعب الأثيني رفض الإصغاء إليها بسبب احترامه لشخصيته (أي شخصية أيسخينيس)، ويقول هذا الأخير:

«تأملوا حمق وخسَّة ذلك الرجل الذي تجاسر على أن يختلق ضدي كذبة وحشية كهذه، بخصوص السيدة الأولونثية. لقد ازدريتموه قبل أن يُتم قصته؛ حيث لم تتفق كذبته وخُلقي، وإنكم لتعرفونني حق المعرفة.»٤٥
ومهما كان منبت أيسخينيس فإنه لم يخجل منه؛ فيشير باحترام وحب في أكثر من مرة إلى والده؛٤٦ وقد ذكر حبه لزوجه وأولاده في مناسبة واحدة، بعبارة بليغة، للتأثير عن مشاعر سامعيه. وقد كان استعمال «التعبيرات العاطفية» شائعًا جدًّا بين جمهور المستمعين اليونانيين، ولكن أيسخينيس كان يظهر نبوغه دائمًا في الأسلوب الذي يصوغ به مرافعته؛ هادفًا مباشرة إلى شعور المستمعين الفردي نحو عائلاتهم، بدلًا من طلب عطف الجمع كله على ضحايا سوء الحظ، فيقول:
«لقد رزقت من زوجتي، ابنة فيلوديموس وشقيقة فيلون Philon وإخيكراتيس Echecrates، ثلاثة أطفال؛ بنتًا وولدَين، وقد جئت بهم إلى هنا مع بقية عائلتي لكي أسأل سؤالًا فأثبت نقطة واحدة لقضاتي، وسأبدأ به الآن. إني أسألكم يا رجال أثينا، هل تظنون أنه يليق أن أضحِّي بوطني وصحبة أصدقائي، وحقي في الاشتراك في العبادة، وقبر آبائي، وأشي بهم إلى فيليب، مؤثرًا صداقته على سلامتهم؟ هل أصبحت عبدًا للملذات الدنيئة؟ أفعلت شيئًا وضيعًا كهذا من أجل المال؟ كلا! ليست مقدونيا هي التي تجعل الرجل صالحًا أو شريرًا ولكنها الطبيعة، وعندما نرجع من سفارة نكون نحن كما كنا عندما أوفدتمونا.»٤٧
وأخيرًا كان في مقدوره التحدث عن نفسه بكرامة، كما نرى في الفقرة السابقة٤٨ التي يدفع بها التهمة عن نفسه، والفقرة الآتية:
«أي ديموسثينيس، إن سكوتي هو نتيجة لاعتدال حياتي؛ فإني قانع بالقليل، وليست لديَّ أية رغبة وضيعة في العظمة، كذلك مردُّ صمتي أو كلامي إنما إلى التفكير العميق، لا إلى الضرورة التي تفرضها على المرء عادات التبذير. وإنك، كما أتصور، تسكت عادةً إذا نلتَ ما ترغب، حتى إذا ما أنفقته رفعت صوتك من جديد.»٤٩

٤

أسلوبه

تتركب مفردات أيسخينيس غالبًا من ألفاظ عادية الاستعمال، لا تتطلَّب أي تعليق، ورغم أنه من أكثر المعجبين بالشعر؛ فلا نجد في كتابته ألفاظًا ذات خيال شِعري أو شاذة أو أكثر من أي خطيب آخر.

والفرق بين أسلوبه وأسلوب كاتب آخر مثل لوسياس، هو فرق في النغمة لا في المفردات؛ إذ يميل أيسخينيس إلى التهويل في نغماته، ويتعمَّد استخدام كلمات أقوى مما يتطلبه الأمر، فيقول: «إنك غاضب» حينما لا يتطلب الأمر غير الدهشة، و«إنك تتميَّز غيظًا» عندما يناسب المقام الغيظ المعتدل، و«إنك حانق» عندما يكفي عدم الرضا.٥٠
وإنه ليتوسَّل إلى الآلهة في غير ما ضرورة أكثر من أي خطيب آخر عدا ديموسثينيس. والمبالغة سبب من أسباب روعة ألفاظه كما وصفها الناقد الروماني، ولكن الجزء الأكبر هو موهبته الفطرية على استعمال كلمات عادية جدًّا في أعظم التراكيب تأثيرًا. وإذا حلَّلنا أحسن فقراته، يندر أن نعثر على كلمات غير عادية، ومع ذلك فلا جدال في قوتها وعظمتها.٥١ وعلى أية حال فقد أنكر القدامى صفاء أسلوب أيسخينيس، وربما كان هذا على أساس الخواصِّ التي ذكرناها الآن.
وهو غامض أحيانًا كما يلاحظ بلاس، أي إنه من المحتمل أن تجد عبارات غير هيِّنة الفهم، ولكنها على العموم نادرة جدًّا. فما من كاتب، حتى لوسياس نفسه يمكن أن يكون جليَّ العبارات دائمًا،٥٢ وعمومًا فإن أيسخينيس، كقاعدة، بسيط في تركيب عباراته بقدر ما هو بسيط في ترتيب خطبه، وهو أسهل فهمًا من ديموسثينيس مثلًا.
ليس لأيسخينيس الجمال الكامل وشدة الألفاظ التي يشيد بها النقاد كأهم أسس الجمال عند لوسياس؛ فنجد أحيانًا تكرار ألفاظ دون مبرر، وأحيانًا أخرى نجده يستخدم كلمتَين مترادفتَين حينما كان يكفي استعمال كلمة واحدة، غير أنه كثيرًا ما ينتج عن مثل ذلك التكرار جلاء المعنى ووضوحه، ولو أن الشدة وتراكم المفردات تزيد في التوكيد.٥٣

إن الفنان العظيم هو وحده الذي يكون واثقًا تمامًا من أنه قد عثر على الكلمة الصحيحة ليعبِّر عن المعنى كله تعبيرًا كافيًا وبالطريقة الصحيحة، غير عامد إلى الحشو أو التطويل. وليس أيسخينيس فنانًا كاملًا في اللغة؛ إذ لا يهدف مطلقًا إلى الجمال الفني، بل إلى الأثر الرائع الذي يجعل الأسلوب أمرًا ثانويًّا. وإن النثر الفني بالنسبة إليه بعيد من أن يكون غاية في حد ذاته.

لم يضَع أيسخينيس خطبة ليقرأها خبراء الأدب، بل لتلقَى من فوق المنبر، ولم يرمِ إلى إرضاء ذوق النقَّاد، لكن إلى التأثير في عواطف المواطن العادي. فبعض خطَبه الهامة لم يُكتب مطلقًا، وإن كان من المحتمل أن يكون قد احتفظ بمذكرات عنها.٥٤ ولم تحفظ الخطب الثلاث التي كتبها كاملة لجمالها الأدبي، بل لموضوعها. فإن وقت الثقافة البلاغية كان قد ولَّى وقتذاك، وتطلَّب مجرى الحوادث نوعًا من الخطابة يحثُّ الناس على العمل. أما أثر خطبه فلا شك فيه؛ فإننا نعلم — والحجة عليه، وهو لم يجادل في هذا قط — كيف حرَّكت خطَبه الأمفكتيونيين، ونعلم أنه أصبح قوة في أثينا بفضل فصاحته وبلاغته دون أن تكون له أية صفات خلقية ظاهرة، وبدون تأثير المزايا العائلية أو المبادئ السياسية المعينة.
وينوِّع أيسخينيس بشكل ملموس في طول عباراته؛ فبعضها طويل يتكوَّن من سلسلة من الجمل المشتقة والموصولة، وعلى أية حال تقع هذه غالبًا في القصص؛ حيث يلتمس العذر في مثل هذا الأسلوب غير المطَّرد. مثال ذلك الجمل الطويلة في الفقرات ٢٦-٢٧، ٧٥–٧٧، ١١٥ من خطبته «عن السفارة» de Legatione؛ فإنها تحوي أخبارًا عن خطَب أيسخينيس المبكرة.

فأولى هذه الفقرات (۲٦-۲۷) تسير على وتيرة واحدة بسبب مجموعات المضاف إليه المطلق التي تتألف منها الجمل الشرطية الطويلة، أما الفعل الأصلي فلا يقع إلا قرب نهاية الجملة، ثم يتبع بعد ذلك بعبارة أخرى بها مضاف إليه.

وتعطينا جملة طويلة في بداية خطبة «كتيسيفون» ملخَّصًا للظروف التي اضطرت الخطيب إلى الكلام. وترتبط الجمل غالبًا بوساطة και وإن كانت كلها تعود على اسم موصول في البداية؛ لذا لا نجد أية مهارة في تركيب مثل هذه الجمل، ولا يحدَّد طولها إلا بمقدار «الماء الموجود في الساعة المائية.»

وتحتفظ تلك الجمل بتأثيرها لغاية طول محدود، وينعدم أثرها إذا تعدَّته؛ لأن النقطة التي يريد الخطيب ذكرها تتأخر بطول الجملة؛ حيث إن الجملة الأصلية التي تشمل الواقعة الموضَّحة بالجملة الموصولة، لا يصل إلا الخطيب إلا بعد تراكم عدة أسماء موصولة صعبة الفهم.

ومع ذلك نجد أيسخينيس على العموم معتدلًا في طول عباراته، ومتوسِّط طول جمله أقل من متوسِّط طول جمل إيسوكراتيس، كذلك نجده يحافظ على القاعدة التي تنصُّ على أن السجع يجب ألا يتعدَّى طولًا يمكن النطق به في نفس واحد.

ورغم أنه ليس من أدعياء العلم؛ فلا يمكن وصفه بأنه خالٍ من ذوق التأليف. ونرى في جميع خطبه أمثلة لاجتناب المد في الحروف، وقد أظهر في خطبته «عن السفارة» اعتناءً زائدًا بذلك الأمر.

وعمومًا لا يمكن تتبَّع اجتنابه المد هذا، وليس ذلك دائمًا، خلال الترتيب العادي للكلمات.٥٥ وأمثلة السجع الجاف نادرة، ولو أنه يوجد كثير من الأمثلة غير الهامة. وبصرف النظر عن القواعد النظرية؛ فإن الخطيب المجيد يتجنَّب بغريزته التعقيد اللفظي للحروف؛ لأن سلامة النغمة شرط لازم لفصاحة التكلُّم. ومع أن أيسخينيس واثق من مقدرته على حسن الإلقاء؛ فإنه قد يسمح ببعض أصوات يعتبرها إيسوكراتيس وغيره من النظريين، جافة. وقد اختصَّ أيسخينيس بالخطابة العملية.
ومن مميِّزات أيسخينيس البارزة، استعماله العبارات البلاغية. وإن المقابلات البلاغية الشفوية التي ألَّفها جورجياس والسفسطائيون، والتي يظهر لنا كثير منها جافًّا متعبًا، قد نالت تقدير وإجلال أيسخينيس. ومن أمثلة الطباق الشكلي الخالص: «إنه يذكر أسماء أولئك الذين لم يرَ أجسامهم إطلاقًا.»٥٦ حيث صوت الطنطنة ὀνόματα, σώματα أكثر أهميةً من المعنى، ولا يمكن الحصول على مثل تأثير مقاطع الجناس هذه (homoeoteleute)، ولو أن بعض التلاعب بالألفاظ يدلُّ عليها في بعض الأحايين؛ فمثلًا:
οὺ τὸν τϱόπον ἀλλὰ τὸν τόπον μόνον μετήλλαξεν.
– «إنه لم يغيَّر طريقته بل مكانه فقط».٥٧ ولا شك أن الخطيب يهدف إلى التأثير الهزلي باستخدام مثل ذلك الجناس. كذلك نجد تكرار الكلمات المتكلِّف في مثل هذه الجمل: «إن ما رأيته أخبرتكم به كما رأيته، وما سمعته كما سمعته، والآن ماذا رأيت وسمعت عن كيرسوبلبتيس Cersobleptes؟ رأيت … إلخ»٥٨ ويبدو أن مثل هذا التكرار وغيره يفلت من زمام الخطيب رغم كل احتياط.٥٩
لا يظهر أن أيسخينيس كان يراعي اتزان النغمات في كتابته، وأسلوبه سلس لا يتقيَّد بقيود لا مبرر لها، وعباراته الموزونة المسجوعة مشتَّتة ولكنها نادرة، ويبدو أنه لم يقصد استعمالها بل حدثت مصادفة؛ حيث إنها توجد في مواضع ليس فيها نقط خاصة تستدعي استعمال الرَّجز.٦٠
ومن جهة أخرى كثيرًا ما نراه يقتبس مباشرة بعض فقرات شعرية؛ حيث يميل إليها، ولا يشبهه في ذلك الأمر أي خطيب آخر ما عدا لوكورجوس Lycurgus، ويقلُّ لوكورجوس في مقدرته على استعمال المقتبسات الشعرية عن أيسخينيس الذي يستعملها بجدارة، ويحدث فينا تأثيرًا بأن هناك اتهامًا دينيًّا وراء الفقرة التي يقتبسها من شعر هسيودوس:
«كثيرًا ما تعاني بلدة بأجمعها بسبب إثم فرد واحد.»٦١

وفي حالات أخرى تكون الفقرات المقتبسة طويلة، وتشبه اقتباسات لوكورجوس في أنها من النادر أن تدور حول نقطة خاصة.

وأحيانًا يستعمل حكمًا واضحةً أحسن اختيارها:

– «يجرد المدينة كما نجرد الكرمة» ἀμπελουργεῖν τὴν πόλιν.
– «لقد صرخت في أذن كل فرد.» ἔναυλον ἦν πᾶσιν.
ويقع بعضها ذو الأثر الفعَّال في الفقرات التي يظهر أنها مقتبسات من ديموسثينيس أو تفاسير له؛ فمثلًا: ἐπιστομίσαι أي يحث الهيئة الحربية؛ ἀπορράψειν τὸ Φιλίππου στόμα أي يخيط فم فيليب.٦٢ وقد تكون هذه من ثوريَّات ديموسثينيس الجريئة.

والآن ننتقل من المادة إلى الإنتاج التام؛ فنجد أن أيسخينيس يستطيع الوصول بأسلوبه إلى مستوًى عالٍ، وقد كان محقًّا في اتهامه للخطابة القاسية التي كانت سائدةً في عصره، وإننا لنعلم أنه إنما يقول الحقيقة من غير مبالغة. ومما يخفِّف من حدَّة ذلك الاتهام، ولا يفسده، سلسلة التهكُّمات الموجودة خلال القطعة بأجمعها:

«إن سماع مثل تلك القضايا، كما اعتاد والدي أن يخبرني، كان يسير على نمط يخالف نمطنا؛ فقد كان القضاة أكثر شدة من المدَّعي، مع من يقترح إجراءات غير قانونية، وكثيرًا ما كانوا يستوقفون كاتب الجلسة ويطلبون منه إعادة قراءة القوانين واللوائح، وعلى ذلك يُدان المقترحون، ليس على عدم اطلاعهم وقراءتهم لجميع القوانين، بل إذا حوَّروا في فقرة واحدة. فيصبح ذلك أمرًا مزريًا يفوق كل وصف، فبينما يقرأ الكاتب اللائحة غير القانونية، يكون القضاة شاردي الذهن في شيء آخر كما لو كانوا يستمعون إلى أحجية لا تُهمُّهم. وعلى ذلك فإنك تعترف بأمور مخجلة خلال طرق ديموسثينيس، فقد سمحت بتغيير العدالة، فالمدَّعي يدافع عنه، والمدَّعى عليه يشرف على اتهامه، وينسى القضاة أحيانًا الأمر الذي دُعوا للحكم فيه، ويضطرون لإعطاء أصواتهم في أمور يجب ألا يحكموا فيها. وإذا كان للمدَّعى عليه أن يشير إلى الوقائع، فلا يخبرك أن طلبه قانوني، بل إن شخصًا ما سبق أن طلب مثل تلك الإجراءات وأطلق سراحه.»٦٣

وقد اختيرت القطعة الآتية مرارًا كنموذج جيد للأسلوب الراقي لبلاغة أيسخينيس. ولو درسناها بصرف النظر عن متنها ودون أي اعتبار لصحة فحواها، لوجدناها قطعة رائعة للمرافعة «العاطفية». فقد نسب الرومان — مع شغفهم بالتورية والمقابلة — لأيسخينيس نغمةً أكثر، وقوةً أقل من ديموسثينيس؛ وهذا صواب إذا اعتبرنا أعمالها بالإجماع، أما إذا نظرنا إلى الفقرات المتفرِّقة كهذه، كان أيسخينيس في مستوى أعظم الخطباء الآتيكيين:

«إن طيبة، جارتنا طيبة، قد فصلت وانتزعت من وسط بلاد الإغريق ما بين عشية وضحاها، وربما كان ذلك لاتِّباعها سياسة خاطئة، ومع ذلك فلم يكن الحكم البشري هو الذي قادها إلى الخطأ، بل الشريعة الدينية. وإن أهل لاكيدايمونيا التُّعساء، الذين تدخَّلوا في ذلك الأمر، وكان تدخُّلهم في الأصل للاستيلاء على المعبد، أولئك الذين كانوا قادة الإغريق، لا بدَّ وأن يرسلوا الآن إلى الإسكندر، رهينةً، ويعلنوا عن مصابهم، ولا بد أن يخضعوا هم ووطنهم ويذعنوا لكل ما يتراءى له، ويُحاكَموا بأمر ذلك الفاتح الذي كان قبلًا هو الفريق المغلوب. وإن مدينتنا، تلك المدينة التي كانت الملجأ العام لجميع الإغريق، وكان يفِد إليها السفراء ليطلبوا الأمن منَّا، مدينة مدينة، إنها الآن تناضل، لا لتكون قائدة الإغريق، وإنما من أجل أرضها هي نفسها. لم يُصبنا ذلك إلا مذ تقلَّد ديموسثينيس مقاليد سياستنا. وفي هيسيودوس فقرة تحوى تحذيرًا حازمًا يلائم تلك الحالة. وحسب ما أعتقد، إنه يتكلم بقصد تعليم الشعب ونصح المدينة، كيلا يتخذوا لأنفسهم قادةً أشرارًا.»

«ولسوف أذكر تلك السطور؛ لأني أظن أننا منذ الطفولة نحفظ حكم الشعراء عن ظهر قلب، كي نستخدمها ونحن رجال.»

«كثيرًا ما تعاني المدينة كلها بسبب إثم فرد واحد، ذلك الذي يدعو إلى طريق الملذات ويسير في سبل الشرور، وعقابًا على هذا، يرسل الله الدمار، بالمجاعة والطاعون المبيد، ويهدم حوائطهم ويبيد جيوشهم، ويحطم سفنهم في عرض البحار.»٦٤

نعلم أن أيسخينيس قد تناول التعليم تناولًا جديًّا — وفي الحقيقة أكثر جديةً من أي شيء آخر — وإن إشارته هنا إلى الأثر التعليمي للشعراء ليؤيِّد لنا اهتمامه الجدِّي بذلك الأمر الذي قد يكون مجرد عاطفة عابرة، ولكنه الآن أصبح عاطفة قوية.

وبفحص قليل من مثل هذه الفقرات الخطيرة، نجد أن خير إجادة لأيسخينيس هي عندما يتهم ديموسثينيس اتهامًا مباشرًا، وتتميَّز هجماته بروح الدُّعابة التي لا تعطيها قوة، ولكنها على أية حال تحوي حقائق كافيةً لجعل حقدها فعَّالًا. ولمَّا كان أيسخينيس يحترم الصدق احترامًا بالغًا، حتى إنه يتوخَّى منتهى الدقة في ذكر الحقائق؛ فإن ذلك لا يقلِّل من شدة هجماته بحقد ضد صحة أقوال خصمه، بينما تطغى موجة الضحك التي تعقب الفقرة النهائية، على كل سؤال عن صدق وقائعه؛ مثال ذلك قوله:

«لهذا الشخص ميزة من الغريب أن تكون له وحده، فعندما يكذب غيره من المغالطين، يحاولون الكلام بإبهام وبدون تحذير خشية أن يُتَّهموا بالكذب، أما ديموسثينيس، فإنه عندما يحاول التأثير عليك، يبدأ أولًا يقسم قسمًا يجرُّ عليه الخراب، وذلك لكي يعطي قوة لكذبه، وثانيًا، رغم علمه بأن شيئًا لن يحدث قط؛ فإنه يجرؤ على ذكر اليوم الذي سيحدث فيه ذلك الشيء، بعد أن يظل يحسب حسابًا دقيقًا، ويذكر أسماء أشخاص لم يرَ وجههم إطلاقًا، وبذلك يخدعك لتستمع له واثقًا بصدق روايته؛ فيحصل بذلك على بغضك لمن يتهمه، لأنه وغد ولا يعرف قيمة الأدلة الصادقة.»

«وبعد أن يتكلم هكذا، يعطي لكاتب الجلسة مذكرةً ليقرأها؛ وهي أطول من الإلياذة Iliad، وخاوية أكثر من أقواله أو من الحياة التي يحياها، ومليئة بالآمال البعيدة المنال، والجيوش التي لن تظهر في استعراض.»٦٥
هناك أمثلة عدة في أعمال أيسخينيس وخصمه للعادة التي كان يتبعها قدامى الخطباء، الإغريق منهم والرومان، ويجدون فيها متعة، وهي عادة القدح في أجداد خصومهم السياسيين والتشهير بحياتهم الخاصة. ولا تظهر في أيسخينيس أية استعمالات للألفاظ البذيئة — وفي أعمال دينارخوس Dinarchus تشكيلة عظيمة من الكلمات المقذعة — ولكن الفقرة التالية المستخرجة من تخيُّلاته العرضية عن ديموسثينيس أكثر تأثيرًا؛ لأن نغمتها أكثر اعتدالًا من الإهانات التي لا يتصورها العقل، التي وصف ديموسثينيس بها معيشة وأحوال أسرة أيسخينيس،٦٦ إذ يقول:
«أما عن والده فلا بد وأن كان عدوًّا للشعب؛ لأنكم حكمتم على أجداده بالإعدام، ولو نُسب إلى أمه فهو من سكوثيا Scythia، أي بربري ولو أنه يتكلم الإغريقية، وعلى ذلك فحتى شروره ليست من أصل وطني. وماذا عن حياته اليومية؟ كان في أول حياته بحَّارًا، ثم ظهر بعد ذلك كاتب خطَب، وقد أنفق ميراثه بطَيش، وكان تحت شبهة إفشاء الخطَب التي كانت ستلقى كمرافعات، إلى من عملت ضدهم، ثم حصل على مركز في المحكمة، ورغم أنه اكتسب أموالًا طائلةً من ذلك المركز؛ فإنه لم يدَّخر لنفسه منها شيئًا؛ إذ لو أُعطِي كنوز الملوك في ذلك الوقت لبذَّرها، وما من ثروة تبقى مع العادات السيئة.»
«وأسوأ من ذلك كله، أنه لا يكسب عيشه من موارده الخاصة، بل من إيذائه لكم.»٦٧

وتظهر مواهبه، حقيقةً، بأجلى مظاهرها عندما يزلُّ خصمه؛ فيعطيه فرصة لتهويل أية واقعة تافهة ويجعل من الحبَّة قبَّة. ونراه في الفقرة الهزلية التالية، يمثِّل لجلجة ديموسثينيس، بألفاظ تخرج متقطِّعة من فِيه، أمهر مما يمكن لأي وصف آخر أن ينقلها في صيغة الغائب:

«بينما كنت ألقي هذه الخطبة، إذا بديموسثينيس يقاطعني في وسطها ويصرخ بأعلى صوته — وإن جميع زملائي في السفارة ليؤيِّدونني في تلك الواقعة — فإنه بالإضافة إلى مساوئه الأخرى، من مواطني بويوتيا، وقد قال شيئًا في هذا الغرض: «هذا الشخص مملوء بروح المشاغبة وعدم المبالاة، وإنني لأعترف بأني مكوَّن من مادة أخف من مادته، وأخشى الأخطار قبل حدوثها بمدة طويلة. ومع ذلك فإني أحرِّم عليه إحداث الشغب بين الولايات، لأني أظن أن خير طريق لنا نحن السفراء، ألا نتداخل في شيء. فإذا ما زحف فيليب على ثرموبولاي Thermopylae فإنني أغطي وجهي؛ إذ سوف لا يحاكمني أحد على كون فيليب قد تسلَّح، وإنما الذي سأحاكم عليه هو ما أقوله دون داعٍ، أو ما أعمله زيادة على التعليمات التي أعطِيت لي.»٦٨

وقد انتهز أيسخينيس فرصة فشل ديموسثينيس في إلقاء خطبة فعَّالة أمام فيليب إبَّان السفارة الأولى، وجعلها أساسًا لنكاته. وقد ضاق ديموسثينيس ذرعًا بأقاصيص خصمه؛ فأصبح كمن رفض زملاؤه الإقامة معه في نفس المسكن كلما وجدوا مسكنًا آخر، ولكنه وجد فرصة ليقنعهم في أسلوبه الخاص بأهميته كخطيب. وقد بيَّن أعذاره في بضع كلمات؛ فإن فشله في تشجيع وتأييد فيليب قد فسَّر ببغضه الدفين له، ذلك البغض الذي جعل من المتعذِّر إبداء أي دفاع أو تفسير، والحقيقة أن ديموسثينيس لم يحاول الرد:

«عندما ألقيت هذه الخطبة وغيرها، أتى دور ديموسثينيس ليقوم بدوره في السفارة؛ فصمت كل فرد وأصاخ بسمعه ليستمع إلى خطبة ذات قوة خارقة؛ لأننا عندما اجتمعنا بعد ذلك، سمعنا كما سمع فيليب وأتباعه تقريره عن أطماعه. وعندما كان كل فرد مستعدًّا ليصغي إليه، نطق ذلك الوحش بمقدِّمة غامضة، ولمَّا تقدَّم في كلامه عن سطح الموضوع بقليل، توقَّف فجأةً وتلعثم، وأخيرًا ضاع منه الموضوع تمامًا فلم يحر كلامًا. فلمَّا رأى فيليب حالته هذه، حثَّه على أن يتشجَّع ولا يفكر في أنه قد فشل لأنه أصبح كالممثِّل الذي نسي دوره، بل عليه أن يفكر في هدوء ويتذكر شيئًا فشيئًا، ثم يلقي الخطبة التي قصد إلقاءها. ولكنه إذا ارتبك مرة وضاعت من ذاكرته نقط الخطبة التي كتبها، لم يستطع أن يتمالك نفسه؛ فحاول مرة أخرى ولكن دون جدوى، إذ فشل بنفس الطريقة السابقة. تم أعقب ذلك سكوت أعلن بعده الحاجب ارفضاض الجلسة.»٦٩
لم يتفوَّق أيسخينيس في تلك الفرص الهزلية فحسب، بل فاز بضحك المستمعين أيضًا بوساطة جملة واحدة نطق بها. ونعلم جيدًا أن ميدياس Midias، بعد عدة مشاجرات شائنة، وضع حدًّا لوقاحته، بأن اعتدى على ديموسثينيس أمام الجمع، فصفعه على وجهه في المسرح.
استغلَّ ديموسثينيس ذلك الاعتداء جيدًا؛ فجمع منه ثروات عظيمة في عدة مناسبات، تلك الحقيقة التي أوحت إلى ملاحظة أيسخينيس بأن «وجهه هو ثروته».٧٠ ولنذكر مثلًا واحدًا على مهارته في الرد المفحم: اقترح ديموسثينيس ذات مرة، في ثورة غضب، أنه يجب على المحكمة أن ترفض الأخذ بأقوال رجل اشتهر بالرشوة، ويجدر بها أن تتحيَّز بهذا ضده.٧١ عندئذٍ تمسَّك أيسخينيس عليه، بكلمته أكثر من روح خطابته، وقال: «أيها السادة، رغم أنكم قد أقسمتم أن تكونوا محايدين في سماعكم كلا الطرفين؛ فإنه تجاسر وحثَّكم على ألا تستمعوا إلى صوت المدَّعى عليه.»٧٢

٥

معالجة الموضوعات: تقييم عام
لا بدَّ وأن يكون أيسخينيس قد اكتسب خبرة من إجراءات مجلس الشعب، والقانون، عندما كان يشغل منصب γραμματεύς أو كاتبًا لذلك المجلس. ويتضح ذلك جليًّا من معالجته العامة لموضوعاته، وخصوصًا في حججه القانونية الواضحة والمقنعة. فقد أخرج قضية في غاية القوة في خطبته ضد كتيسيفون؛ حيث وجد في شذوذ الإجراءات التي اتُّخذت، نحو تاج ديموسثينيس، موضوعًا هامًّا لأدلته.
ويتبع في تأليف خطبه، ترتيبًا تاريخيًّا. وكان يعلم يقينًا أن فصاحة أسلوبه تخرج سردًا للقضية، واضحًا وجذابًا، وأن عدم استمراره على وتيرة واحدة في خطابته يجعله غير ممل، فمرةً يتكلم بمهارة نبيلة تذكر مسيو كروازيه بفصاحة المنبر،٧٣ ومرةً أخرى تخفي رقة نغمته حدَّة عواطفه وجدية غرضه.٧٤

وإنه ليستطيع الكلام عن نفسه باحترام، وعن عائلته بشعور صادق. وإن الاعتناء بالحجج يولِّد السرد الواضح، والاستجواب غير المباشر المدعَّم بالتهكُّم القوي يولِّد كشف الخصم بمهارة.

يستطيع أيسخينيس أن يوقظ لذة سامعيه في الاستماع إليه، بالإشارة إلى الطريق التي ينوي اتباعها، ويدعم هذه اللذة بكل ضروب الفصاحة، وهذه الطريق — رغم سفسطائيتها أحيانًا، ورغم وجود بعض عيوب قليلة تشوهها أحيانًا أخرى — فإن فيها شكلًا طبيعيًّا أكثر، وتُظهر آثارًا من المحسِّنات العلمية أقل من أي خطيب عظيم آخر؛ فهو أقدر من أندوكيديس، وأكثر تنويعًا من لوسياس، وأعظم حيوية من إيسايوس.

إن مواهب أيسخينيس الفطرية تضعه في مرتبة أرقى من لوكورجوس، ولو أن نظرتنا إلى أخلاق الأخير السامية تعطيه حقًّا قويًّا في تقديرٍ ناله. ويضعه بلاس في مرتبة أقل من هوبيريديس، بَيدَ أن دراسة الفقرات الخفيفة في أيسخينيس، تسوقنا إلى الاعتقاد بأن بلاس لو وجَّه اهتمامه إلى الحالات الخاصة، لساوَى به ذلك الخطيب المثقف أو فضله عليه لنفس الأسباب التي أبداها. ويضعه حكم الأزمنة الغابرة والحديثة بالإجماع، في مرتبة تقلُّ كثيرًا عن ديموسثينيس الذي لا ينافسه منافس، ولكنه في صفة واحدة على الأقل يبُذُّ ذلك الخطيب النموذجي. وتبعًا لرأي لونجينوس Longinus، إن ديموسثينيس مناسب لجعل سامعيه يضحكون، ليس معه، بل عليه.٧٥ أما أيسخينيس فلا يجعل الضحك عليه مطلقًا.
ربما كان أيسخينيس يقرأ أقل مما يستحق؛ فقد عانى من التحيُّز التاريخي، وقد أدَّى الاحتقار السائد لصفاته كسياسي، إلى عدم تقدير فضائله كخطيب، ولا غرابة في ذلك؛ فقد عانى غيره من الخطباء نفس الشيء على يد المؤرِّخين المتعصبين.٧٦

ومن الممتع أن تقرأ ما كتب عن أيسخينيس في كتاب بلاس «الخطباء الآتيكيون»؛ فإن ذلك التلميذ الموهوب يبدأ بتعصُّب شديد ضد معلِّمه، ويتمسَّك تمامًا بأخطائه، ولكنه يضطر من آن إلى آخر، إلى الاعتراف بوجود فضائل إيجابية، ويظهر أنه اضطرَّ رغم أنفه في النهاية إلى تعديل حكمه، بينما العناية وعدم المحاباة اللتان وضَّح بهما جميع النقط بالتفصيل، جيِّدها وسيِّئها على حد سواء، تكوِّنان مادة لتقدير ملائم كتقدير كروازيه.

٦

محتويات خطَبه

نختم هذا الباب بإيضاح مختصر لموضوع خطبه الثلاث:

الخطبة الأولى: ضد تيمارخوس

تبدأ هذه الخطبة (الفقرتان ۲-۱) بذكر بواعث المدَّعي، والفقرة الثالثة تبيِّن الموقف الذي ينوى اتخاذه؛ إن تيمارخوس، بكسره القوانين قد سبَّب رفع هذه الدعوى. وتقرأ القوانين الخاصة بذلك الموضوع وتناقش مناقشةً كاملةً (الفقرات ٤–۳٦).

وهذه الحقيقة القانونية، بصرف النظر عن هذه القضية بالذات، تدعم مركز المدَّعي أكثر ما لو بدئت الخطبة بسرد الوقائع.

الفقرات ۳۷–۷٦. التهمة الأولى «سوء السلوك». سرد لحياة تيمارخوس الخاصة تتخلَّله البراهين والأدلة على عدم كفاءته السياسية.

الفقرات ۷۷–۹۳. أمثلة لعدم كفاءته مبنية على أسس أخرى، سابقات للحكم بحسب ما يعرف عن الشخص عامة، حتى ولو كان بالدليل عيوب.

الفقرات ٩٤–۱۰٥. التهمة الثانية «تبذير تيمارخوس». السرد والدليل على تبذيره.

الفقرات ۱۰٦–۱۱٥. التهمة الثالثة «فساد حياته العامة».

الفقرة ۱۱٦. التلخيص.

الفقرات ۱۱٧–۱۷٦، توقُّع الدفاع.

الفقرات ۱۷۷–۱۹٥. الخاتمة، يسبق الإعلان عنها (في الفقرة ۱۱۷) كحضٍّ على الحياة الفاضلة.

الفقرة ۱۹٦. خاتمة قصيرة: «لقد أوضحت تعليماتي حسب القانون، وفحصت حياة المدَّعى عليه، وإني لأنزل الآن تاركًا الأمر بين أيديكم.»

الخطبة الثانية: عن السفارة

اتَّهم ديموسثينيس أيسخينيس بخيانة الوطن، ويلاحظ أن خطبته كانت في الحقيقة عن السفارة الثانية فقط، والحوادث التي نجمت عنها في أثينا، ولو أنه يشير إلى بعض وقائع السفارة الثالثة، ويقول إن أيسخينيس قد فسد حتى قبل السفارة الثانية. ولا يتَّبع ترتيبًا تاريخيًّا، وبذا يتعسَّر تتبُّع قصته. أما أيسخينيس فواضح جليٌّ، يتناول جميع الحوادث في ترتيب تاريخي، غير أن في ذلك تمويهًا، فلكَي يصرف الانتباه عن المدة التي كان خلقه فيها مدعاةً للتساؤل، يقضي وقتًا غير مناسب في وصف السفارة الأولى التي لا يتهمه ديموسثينيس فيها بشيءٍ ما.

(الفقرات ۱–۱۱) المقدمة، وتحوي استعطافًا قويًّا لطلب استماع دون تحيُّز.

(الفقرات ۱۲–۳۹) السفارة الأولى إلى فيليب، وهي موضوع سرد ممتع على حساب ديموسثينيس.

(الفقرات ٤۰–٥٥) عودة السفراء وتقاريرهم … إلخ.

ولا يظهر نفس الوضوح في باقي الخطبة؛ فقد كان على أيسخينيس أن يدافع عن عدة تهمٍ وجِّهت ضده، فلا يكفي لذلك سرد بسيط. وكانت التهم الرئيسية أن أيسخينيس كان مأجورًا من فيليب، وأنه خدع الشعب عن نوايا فيليب، وبذا ساقهم إلى أعمال كانت وبالًا عليهم.

لم يستطع ديموسثينيس إثبات التهمة الأولى مهما كانت شكوكه قوية؛ فإن وقائع صلح فيلوكراتيس، وتأخير إصلاح الاتفاق مع فيليب، لم تكن جديدة على الشعب، بل كان يعلمها الجميع، ولكن المسألة كانت فقط إما حسن النية وإما سوءها. وكان دفاع أيسخينيس أنه خدع الشعب لأنه هو نفسه كان مخدوعًا، وهذا اعتراف بسلامة النية وعدم الجدارة. ولم يكُن السرد مستمرًّا؛ إذ اختلطت فيه إلى حدٍّ ما تفاصيل السفارة إلى فيليب، والسفارة إلى الأركاديين، وحتف كيرسوبلبتيس.

وهناك أيضًا إشارة إلى بعض تهم معينة، كقضية السيدة الأولونثية، وإفشاء البيان، وما إليهما، ولا يوجد أي دفاع في هاتين القضيتَين الأخيرتَين، وإنما محاولة لتبريرهما (الفقرات ٥٥–۱۷۰). وتبدأ الخاتمة ببيان تاريخي للشئون الأثينية، وذلك البيان إما مسروق من أندوكيديس، وإما من كتاب عام شهير، ويشمل الطلب العادي بحماية المتكلم من كيد خصومه.

وينتهي مناديًا يوبولوس Ebulus وفوكيون.
Phocion ليتكلَّما عنه (الفقرات ۱۷۱–۱۷۸).

لقد شددنا الضغط في هذه الصفحات على الأبواب المفككة الحلقات الخاصة بالتهم الرئيسية، ولا ننكر أن الدفاع كان غامضًا أحيانًا، حتى ليظهر أن أيسخينيس لم يكن يهدف إلى تفنيد التهم بل إلى التهرُّب من الاتهام. وتبدو هذه العيوب عند التحليل، أما إذا أخذت الخطبة في جملتها فإنها قطعة محاماة رائعة، تجمل تبرئة المتكلم أمرًا واضحًا.

الخطبة الثالثة: ضد كتيسيفون

تبدأ الخطبة بمقدِّمة عادية مبتذلة، مؤلفة على أسلوب أندوكيديس، عن لؤم ومهارة خصوم الخطيب، وثقته هو بالقانون. ويقترح أيسخينيس إثبات عدم شرعية إجراءات كتيسيفون وكذب أقواله، وضرر أفعاله. (الفقرات ۱–۸).

  • التهمة الأولى: «عدم شرعية اقتراح منح ديموسثينيس تاجًا؛ لأن ديموسثينيس كان في ذلك الوقت عرضةً للمحاسبة εΰϑυνα (الفقرات ۹–۱۲). وجميع الأقوال على خلاف ذلك، رغم أن الرجوع إلى القانون يثبت قطعًا أن ديموسثينيس كان عرضةً لها.» (الفقرات ۱۳–۳۱).
  • التهمة الثانية: «ليس من الشرعي أن يعلن موضوع التاج في المسرح». (الفقرات ۳۲–٤۸).
  • التهمة الثالثة: «بطلان الأقوال التي قدَّم الاقتراح بناءً عليها، تلك الأقوال التي تنصُّ على أن النصيحة العامة والأعمال العامة لديموسثينيس، كانت لصالح الشعب.» (الفقرة ٤٩).
وقد عولجت التهمتان الأوليان بالحجج القانونية، التي يظهر فيها أيسخينيس كالعادة، مقدرة بالغة. والجزء الثالث والأطول من الخطبة (الفقرات ٤٩–١٧٦) أقل إجادة. فيقترح الخطيب ترك الحياة الخاصة لخصمه جانبًا، ولو أنه يشير إلى إمكان استنتاج عدة وقائع للبرهنة على عدم قيمتها العامة (الفقرات ٥۱–٥۳)، وأنه يجدر التعرُّض فقط لسياسته العامة؛ فيتناول ذلك في ترتيب تاريخي، وبالتطويل، ويشرح عدة مناسبات كانت فيها سياسة ديموسثينيس وبالًا على أثينا. وكانت الحجج الكثيرة المبعثرة خلال السرد تافهة في طبيعتها، وتشمل أحيانًا استنادات إلى الخرافات. مثال ذلك، عندما يخبرنا أنه قد أرسلت جيوش إلى خايرونيا رغم عدم تقديم الذبائح اللائقة، ويحاول إثبات أن ديموسثينيس هو المذنب άλιτήριος الذي من أجله يجب أن تعاني المدينة بأسرها.
وإذا ما تناولناها بالتفصيل، نجد أن بعض هذه الفقرات مثير للعواطف، ولكن ضعفها كلها هو أن أيسخينيس نفسه لم يعلن أية سياسة جدية أو منظمة. ويشمل هذا الجزء بعض شذوذ، حسب ذوق ذلك الوقت، في كلامه عن عائلة وأخلاق ديموسثينيس.٧٧

وتحوي الفقرات ۱۷۷–۱۹۰، إشارات إلى قدامى الأبطال عن طريق المقارنة المثيرة للحسد.

والفقرات ۱۹۱–۲۰۲، فساد الإجراءات في المحاكم.٧٨

والفقرات ۲۰۳–۲۰٥، التلخيص.

والفقرات ۲۰٦–۲۱۲، اتهامات أخرى لديموسثينيس.

والفقرتان ۲۱۳–٢١٤، عن كتيسيفون.

وتتناول الفقرات ۲۱٥–۲۲۹، أصلًا تفنيد الاتهامات ضد أيسخينيس.

الفقرات ۲۳۰–۲٥۹، مناقشة عامة أخرى لعدم شرعية إجراءات ديموسثينيس وعدم أحقيته. وخاتمة مرافعته نداء إلى الماضي: «ألا تظنون أن ثيميستوكليس Themistocles والأبطال الذين سقطوا في ماراثون Marathon وبلاتيا، وقبور أسلافنا، ستتأوَّه عاليًا، إذا ما مُنِح تاجٌ لشخص يتفق مع البرابرة على خراب اليونان؟» ثم ينتهي بغتة وبشكل يثير الضحك متوسِّلًا إلى «الأرض والشمس والفضيلة والذكاء والتعليم، التي نميِّز بها بين ما هو نبيل وما هو وضيع.» فتُذكِّرنا هذه الخاتمة بالتوسُّلات التي فاهَ بها يوربيديس Euripides عن لسان أريستوفانيس.٧٩
١  انظر تيمارخوس فقرة ٤٩؛ حيث يقرر أيسخينيس عام ٣٤٦ق.م. أنه يبلغ من العمر أكثر من ٤٥ سنة.
٢  أيسخينيس، عن السفارة، فقرة ١٤٧، ويؤكد ديموسثينيس (عن كورنثة فقرة ١٢٩) أنه كان في الأصل عبدًا يدعى تروميس Tromes (أي الجبان)، ثم غيَّر اسمه إلى أتروميتوس (أي الجريء).
٣  ديموسثينيس، عن كورنثة، الفقرتان ٢٥٨ و٢٥٩. انظر أيضًا ما يرد في الباب التاسع، الفصل السادس.
٤  وعلى أية حال فقد اختير أخوه الأكبر فيلوكراتيس قائدًا ثلاث مرات متواليات، وأرسل أخاه الأصغر أفوبيتوس Aphobetus سفيرًا إلى الملك العظيم؛ أيسخينيس. «عن الأساطير»، فقرة ١٤٩.
٥  ديموسثينيس، عن كورنثة، فقرة ٢٦٢، انظر ما يرد في الباب التاسع، الفصل السادس.
٦  عن السفارة، فقرة ٧٩، انظر صحيفة ١٨١.
٧  انظر الخطبة «عن السلم» التي ألقيت في نفس العام.
٨  أيسخينيس، كتيسيفون، الفقرات ٢٢٢–٢٢٥.
٩  ديموسثينيس، باب ٢٤، πεϱὶ Ρόδον καὶ Ιωνίαν σοφιστεύων κατεβίωσεν‘.
١٠  عن السفارة، فقرة ١٦، τοῖς γάϱ καιϱοῖς ἀνάγκη συμπεϱιφέϱεσθαι πϱὸς τὸ κϱάτιστον καὶ τὸν ἄνδϱα καὶ τὴν πόλιν.
١١  عن السفارة، فقرة ١٥٧، ὁ τῆς μεγίστης σύμβουλος πόλεως.
١٢  هوبيريديس، المحامي ديموسثينيس ٢٤.
١٣  عن السفارة، فقرة ٧٩.
١٤  ديموسثينيس، «عن السفارة الكاذبة»، الفقرات ١٤٥، ١٦٦، ١٧٧، «عن كورنثة»، فقرة ٤١.
١٥  تيمارخوس، فقرة ١٧٤، كتيسيفون، فقرة ٥٨.
١٦  انظر صحيفة ١٦٠.
١٧  عن السفارة، فقرة ١٦٣.
١٨  انظر صفحة ١٧٩.
١٩  έπήλϑέ μοι، أيسخينيس، كتيسيفون، فقرة ١١٨؛ حيث يسرد أيسخينيس الواقعة برمتها.
٢٠  «عن كورنثوس»، الفقرات ١٢٩، ٢٦٣ … إلخ. كذلك «عن السفارة الكاذبة»، فقرة ٢٤٦. فمن الطبيعي أن يقوم الحاكم المستبد بدور الملوك والطغاة الذين يجب كقاعدة أن يكونوا شخصيات ملكية. (قارن الفقرة ٢٤٧ من «عن السفارة الكاذبة» ὁ Κϱέων Αἰσχίνης).
٢١  تيمارخوس، فقرة ٢٥.
٢٢  ديموسثينيس، «عن السفارة الكاذبة»، فقرة ٥٢، ٢.
٢٣  ديموسثينيس، «عن السفارة الكاذبة»، فقرة ٢٥٥ σεμνολογεῖ, φωνασκήσας etc. وعن كورنثوس فقرة ١٣٣ σεμνολόγου ومراجع عديدة ﻟ τϱιταγωνίσης.
٢٤  أيسخينيس «عن السفارة»، فقرة ٤١، τὴν φύσιν μου μακαϱίζων, etc. (عن تصرف ديموسثينيس إبان السفارة الأولى).
٢٥  كتيسيفون، الفقرتان ٣٢٨-٣٢٩، ἐξ ὀνομάτων συγκείμενος, etc.
٢٦  انظر الصفحات ١٨٠–١٨٣.
٢٧  ديموسثينيس، عن كورنثوس، فقرة ١٣٨.
٢٨  إن الإشارة إلى نفسه ﮐ πεπαιδευμένος وإلى خصومه ﮐ ἀπαίδευτοιἀπαιδευσία, ἀμαϑές το وغيرها عادية جدًّا في الخطبتَين «ضد تيمارخوس» و«عن السفارة».
٢٩  انظر الصفحتَين ١٩٧، ١٩٩.
٣٠  تيمارخوس، فقرة ٢٦، يضيف أيسخينيس نغمة إغريقية خاصة؛ «كان جسمه في حالة غير مرضية بسبب سكره، حتى إن أفاضل القوم أغمضوا عيونهم.» لقد كان إهماله جسده هو الذي أثَّر في النظارة أكثر من كشف ذراعيه ورجليه؛ أضف إلى ذلك إشاراته وحركاته.
٣١  تيمارخوس، الفقرتان ٣٧، ٣٨.
٣٢  تيمارخوس، فقرة ٣٩، تستعمل الكلمة “Ακυϱος” بمعنَيين … ليست أعمال تيمارخوس المبكرة مصدَّقًا عليها أي إنها ليست مثبتة، أما أعمال حكومة الثلاثين فلم تصدِّق عليها الحكومات التالية، وإن عدم ارتباط أجزاء العبارة هو الذي لا يفسد المعنى العام. وربما كانت هناك إشارة إلى «العفو» علق عليها بعد طرد حكومة الثلاثين. كذلك يعلن أيسخينيس عفوًا عن جميع جرائم تيمارخوس التي اقترفها قبل تاريخ معين.
٣٣  تيمارخوس، فقرة ٥٥، وهناك دفاع آخر في الفقرة ٧٠، قارن كذلك الفقرة ٧٦.
٣٤  تيمارخوس، فقرة ٥٣.
٣٥  قارن الفصل الخامس من هذا الباب.
٣٦  تيمارخوس، فقرة ٤٨.
٣٧  ديموسثينيس، «عن السفارة الكاذبة»، الفقرتان ٣، ٢٥٧.
٣٨  ξενια تعبِّر عن العلاقة الودية بين المضيف والضيف، ولا يمكن ترجمتها بالضبط.
٣٩  عن كورنثوس، فقرة ٥١.
٤٠  عن كورنثورس، فقرة ٢٨٤.
٤١  أيسخينيس «عن السفارة»، الفقرات ٢٥–٣٣.
٤٢  أيسخينيس «عن السفارة»، الفقرات ٧٥–٧٨.
٤٣  أيسخينيس «عن السفارة»، فقرة ٧٩.
٤٤  كتيسيفون، الفقرات ١١٩–١٢١.
٤٥  أيسخينيس «عن السفارة»، فقرة ١٥٣.
٤٦  كما في «عن السفارة» فقرة ١٤٧. ويعبِّر عن تقديره لوالدته في نفس الخطبة، فقرة ١٤٨.
٤٧  «عن السفارة» فقرة ١٥٢.
٤٨  انظر صفحة ١٩١ (فقرة: لقد رزقت من زوجتي).
٤٩  كتيسيفون، فقرة ٢١٨.
٥٠  قارن الاستعمال المتكرر ﻟ δεινῶς, δεινός–δεινὴ ἀπαιδευσία, ἀναισχυντιά; δεινῶς σχετλιάζε, ἀσχημονεῖν, ἀγνοεῖν, etc. والتراكيب مثل: ὑπεϱαγαναακτῶ, ὑπεϱαισχύνομαι.
٥١  مثال ذلك، الفقرة الجميلة عن طيبة صفحة ١٩٩.
٥٢  فمثلًا خطبة لوسياس ضد إيراتوسثينيس Eratosthenes تحوي جملًا كثيرة معقدة لا داعي لغموضها.
٥٣  δϱώντων φϱονούντων βλεπόντων ὑμῶν كتيسيفون، فقرة ٩٤.
٥٤  قارن إشاراته المتكررة إلى خطبه صفحة ١٩٠.
٥٥  مثال ذلك «عن السفارة» فقرة ١٨٣. τοὺς εἰς τὸν μέλλοντ᾽ αὐτῷ χϱόνον ἀντεϱοῦντας بلاس، المجلد الثالث، الجزء الثاني، صفحة ٢٣٢ يذكر أن هناك اعتناءً زائدًا بتلك النقطة في «عن السفارة» أكثر مما في الخطبتَين الأخريَين.
٥٦  كتيسيفون، فقرة ٩٩.
٥٧  كتيسيفون، فقرة ٧٨.
٥٨  «عن السفارة»، فقرة ٨١.
٥٩  قارن كتيسيفون، فقرة ١٩٨، ὅστις μὲν οὖν ἐν τῇ τιμήσει τὴν ψῆφον αἰτεῖ τὴν ὀϱγὴν τὴν ὑμετέϱαν παϱαιτεῖται, ὅστις δ᾿ ἐν τῷ πϱώτῳ λόγῳ τὴν ψῆφον αἰτεῖ ὅϱκον αἰτεῖ, νόμον αἰτεῖ, δημοκϱατίαν αἰτεῖ ; ὧν οὔτε αἰτῆσαι οὐδὲν ὅσιον οὔτ᾽ αἰτηθέντα ἑτέϱφ δοῦναι.
٦٠  مثال الرجز، كتيسيفون، فقرة ٢٣٩ ά σωφϱονῶν ὁ δῆμος οὐκ ἐδέξατο و«عن السفارة»، فقرة ٦٦، μίαν δὲ νύκτα διαλιπὼν συνηγόϱουν etc. ومثال التأثير العروضي، عن السفارة، فقرة ٢٢٣، ἀεὶ τὸ παϱὸν λυμαινόμενος, τὸ δὲ μέλλον κατεπαγγελλόμενος ووصل غريب، عن السفارة، فقرة ٩١، ἁπάντων μετασχὼν τῶν πόνων τῇ πόλει,   
٦١  كتيسيفون، فقرة ١٢٥.
٦٢  عن السفارة، الفقرتان ١١، ٢١.
٦٣  كتيسيفون، الفقرتان ١٩٢-١٩٣.
٦٤  كتيسيفون، الفقرات ١٣٣–١٣٦.
٦٥  كتيسيفون، الفقرتان ٩٩-١٠٠.
٦٦  ديموسثينيس، عن كورنثوس، الفقرتان ١٢٩، ٢٥٩.
٦٧  كتيسيفون، الفقرتان ١٧٢-١٧٣.
٦٨  عن السفارة، الفقرتان ١٠٦-١٠٧.
٦٩  عن السفارة، الفقرتان ٣٤-٣٥.
٧٠  كتيسيفون، فقرة ٢١٢. οὐ κεφαλὴν ἀλλὰ πϱόσοδον κέκτηται إن اللعب بالألفاظ ليس أمرًا سهلًا، فالكلمة κεφαλή بالطبع تعني κεφάλαιον، أي «رئيس» أو «عاصمة». بينما πϱόσοδος معناها «دخل» أو «إيراد».
٧١  عن السفارة الكاذبة، فقرة ٣٣٩.
٧٢  أيسخينيس، عن السفارة، الفقرة الأولى.
٧٣  الأدب الإغريقي La Litt. Grecque، الفصل الرابع، ٦٤٣، مع الرجوع خاصة إلى كتيسيفون فقرة ١٣٣ التي سبق ذكرها بصفحتي ١٩٩-٢٠٠، والفقرات ١٥٢ … إلخ.
٧٤  مثال ذلك ما سبق ذكره عن ديموسثينيس الصفحات ٢٠٠-٢٠١.
٧٥  عن السمو de sublim، الباب الرابع والعشرون. οὐ γέλωτα κινεῖ μᾶλλον ἤ καταγελᾶται.
٧٦  وقد استطاع مومسن Mommsen (الكتاب الرابع، باب ١٢، الصفحتان ٦٠٩-٦١٠ من الطبعة الإنجليزية لعام ١٨٨٧م) أن يكتب عن شيشرون: «لم يكن لدى شيشرون أي اتهام أو عاطفة، فلم يكن سوى محام، ومحام غير مجيد …» «وإذا كان في الأمر غرابة، فإنها في الحقيقة، ليست في الخطب وما تحدث من أثر غريب.»
٧٧  مثال ذلك، خاصة، الفقرات ١٧١–١٧٦ التي ذكر جزء منها في صفحة ٢٠١.
٧٨  ذكرت في صفحة ١٩٩.
٧٩  الضفادع Frogs، ٨٩٢: αἰθήϱ ἐμὸν βίστημα, καὶ λώττης στϱοφίγξ, καὶ ξύνεσι, etc.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤