الوصول إلى الحل!

بينما كان «تختخ» يُجفِّف ثيابه سأله «أدهم»: لماذا نزلتَ إلى حديقة الفيلَّا المجاورة؟!

تختخ: لأكتشف حلَّ اللغز.

أدهم: وما هو اللغز؟!

ابتسم «تختخ» وقال: سوف تعرفه فيما بعد … فهو حكاية طويلة!

اهتزَّ المحمول في جيبه، فنظر فيه، وكان المتحدث «محب» الذي قال: أين أنتَ الآن؟

ردَّ «تختخ»: عند صديقنا «أدهم».

محب: هل بدأت شيئًا؟

تختخ: نعم … إننا نقترب من حل اللغز، أقترحُ أن نلتقيَ آخر النهار.

انتهت المكالمة، بينما كان «أدهم» ينظر من نافذة غرفته يحاول أن يعرف لماذا نزل «تختخ» إلى الحديقة؟ وما هو اللغز الذي نزل من أجله؟

التفت بسرعةٍ إلى «تختخ» وهمس: تعالَ … انظر.

أسرع «تختخ» إليه، ونظر من النافذة … كانت سيارة نقل تقوم بتحميل بعض الصناديق ورأى ما هو مكتوب على أحدها بعد أن كشفوا الغطاء الذي يغطيها. أسرع إلى نظارته المكبرة … وأعاد النظر إلى ما هو مكتوب … وقرأ اسم الشركة، بينما كان الرجل الذي يحمل الصندوق قد تحرك، فلم يستطع قراءة عنوانها … قال في نفسه: لا بأسَ، يمكن معرفة العنوان.

ظلَّ يراقب الرجال الذين ينقلون الصناديق إلى السيارة، لكنه لم يستطع أيضًا قراءة عنوان الشركة …

انتهى الرجال من تحميل السيارة التي تحركت حتى اختفت … فجأة امتلأت ملامح «تختخ» بالدهشة … وقال في نفسه: هل ظهر أخيرًا؟! فقد رأى «نوار» متجهًا إلى حيث بيت الكلاب، وخلفه الرجل القصير.

نَبحتِ الكلاب فجاء صوت «زنجر» ينبح وكأنه يردُّ عليها … وتَبِعه نباح كلب «أدهم» … ورأى «تختخ» «نوار» وهو يداعب الكلاب … رفع نظارته المكبرة إلى عينَيه … وأخذ يراقب ملامح «نوار» التي كانت تبدو جادة تمامًا، ثم تحدَّث إلى الرجل القصير … وانصرف.

فكَّر «تختخ»: هل يُسرع بالنزول إليه، ويلتقي به؟!

نظر إلى «أدهم» وقال له: هيَّا نتريَّض قليلًا.

سأل «أدهم»: هل هناك شيء؟

تختخ: لا شيء … لكن الشمس قد ظهرَت وهي فرصة لأن نمارس رياضتنا المفضلة بالدراجات.

نزلَا إلى الحديقة، وأطلق «تختخ» صفيرًا، فظهر «زنجر» يجري إليه وحده … ركب دراجته فقفز «زنجر» خلفه … كان «أدهم» يراقب ذلك مبتسمًا فركب دراجته هو الآخر وخرجَا إلى الشارع … اتجه «تختخ» إلى مدخل الفيلَّا الغامضة … ومرَّ من أمامها … كانت بوابتها مغلقة …

قطع «تختخ» و«أدهم» الشارعَ حتى نهايته، ثم عادَا مرة أخرى، وقبل أن يقتربَا من بوابة الفيلَّا الغامضة، شاهد «تختخ» سيارة مرسيدس سوداء تخرج فقرأ أرقامها التي كانت واضحة تمامًا، خصوصًا أنها كانت تسير في اتجاههما … وعندما مرَّت بجوارهما حاول «تختخ» أن يرى مَن بداخلها، لكن زجاج السيارة الأسود كان يُخفي الجالس … استعاد رقم السيارة في ذاكرته حتى لا ينساه … وكان الرقم صغيرًا … وعندما وصل إلى فيلَّا «أدهم» ودَّعه إلى لقاء الغد … أخذ «تختخ» طريقَه إلى فيلَّاه وعندما دخل غرفته أبدل ثيابه، ثم استلقى على سريره … كان يستعيد ما حدث، وكذلك الماسورتان اللتان وجدهما في حديقة الفيلَّا الغامضة ورؤية «نوار» واسم الشركة، وتوقَّف عند اسم الشركة وتساءل بينه وبين نفسه: كيف الوصول إلى عنوان الشركة في النهاية؟ قال: عندما يجتمع «المغامرون» سوف يفكرون معًا!

•••

في فيلَّا «محب» حيث يجتمع «المغامرون» كان «تختخ» لم يَصِل بعد … قالت «لوزة»: لقد نسينا «شمس»، يجب أن نزورها.

نوسة: نحن لم ننسها، فهي التي بدأ بها اللغز ومنها سوف نعرف ماذا حدث لها … وكيف أصبحت وحدها فوق الكرسي المتحرك؟!

دخل «تختخ» وكان يعطس بتأثير المطر الذي نزل عليه في حديقة الفيلَّا الغامضة، وعندما جلس سأله «عاطف»: لماذا تعطس؟!

حكى لهم «تختخ» ما حدث، فقالت «نوسة»: كان لا بد أن تلبس ملابس المطر!

تختخ: كانت الشمس ساخنة أول النهار، ولم أكن أظن أن الجو سوف يتغير! لكن هذا ليس هو المهم!

فسألته «لوزة» بسرعة: وماذا هو المهم؟!

تختخ: عثرتُ على ماسورتَين تُشبهان مواسير الكرسي المتحرك، لكن لم أستطع فحصهما، وسوف أفعل ذلك غدًا، فلا بدَّ من العثور على بقية الكرسي، خصوصًا قاعدته التي عليها شعار واسم الشركة التي صنعَته، والأهم …

توقف عن الكلام، فقالت «لوزة»: وماذا هو الأهم؟!

تختخ: عرفت اسم الشركة.

عاطف: هذا مهم.

محب: وعرفت عنوانها؟!

تختخ: للأسف لم أستطع رغم أنني استعملت نظارتي المكبرة!

قالت «نوسة» بحماس: لا يهمُّ … فنحن نستطيع الوصول إلى عنوانها الآن!

ثم انصرفَت فجأة … اندهش المغامرون لتصرُّف «نوسة»، غير أن «تختخ» استمر في الكلام … وأخبرهم برؤية «نوار» في حديقة الفيلَّا الغامضة … ورؤيته للسيارة المرسيدس السوداء خارجة من بوابة الفيلَّا … عادت «نوسة» وهي تحمل كتابًا متوسط الحجم …

فقال «محب»: دليل التليفونات …

جلست «نوسة» وقالت: دليل الشركات … وفيه كل أسماء الشركات الموجودة في بلدنا … سوف نعرف عنوان الشركة ونعرف تليفوناتها أيضًا.

نظرت إلى «تختخ» وسألته: ما هو اسم الشركة؟

تختخ: شركة «الأنوار» للتصدير والاستيراد.

قال «عاطف»: إذن اسم «نوار» ليس اسمًا مزيفًا!

أخذت «نوسة» تُقلب صفحات الدليل وتمرُّ بأصبعها على أسماء الشركات، ثم صاحت فجأة: هذا هو اسمها «الأنوار للتصدير والاستيراد» وعنوانها: ٢٤٩ شارع الجمهورية.

سألت «لوزة»: وأين يقع شارع الجمهورية؟!

وقف «محب» وهو يقول: هيَّا إلى الكمبيوتر!

دخلوا غرفة «محب» حيث يوجد جهاز الكمبيوتر، فجلس أمامه واستدعى خريطة القاهرة، ثم أخذ يبحث عن شارع الجمهورية، حتى وضع أصبعه عليه وقال: إنه يمتد من ميدان رمسيس إلى ميدان الأوبرا!

واتفق «المغامرون الخمسة» على أن يقوم «محب» بمراقبة الشركة، فهو الذي يعرف «أنوار». أمَّا «تختخ» فإنه سيقوم بمهمته في الفيلَّا الغامضة بحثًا عن بقية الكرسي المتحرك.

في الصباح استيقظ «تختخ» نشيطًا؛ فقد نام مبكرًا … تناول إفطاره وركب دراجته وخلفه «زنجر» واتجه إلى فيلَّا «أدهم» … في الطريق رنَّ تليفونه، وكان المتحدث «أدهم» الذي أخبره أن عدة سيارات نزَّلَت حمولتها مبكرًا وانصرفت، وأنه في انتظاره … وقبل أن يُنهيَ مكالمته كان «تختخ» يمرُّ من أمام الفيلَّا الغامضة، ورأى الرجل القصير يغلق البوابة … وينصرف، فقال في نفسه: إذن سيكون لديَّ وقتٌ يكفي للبحث.

في الصباح نفسه أخذ «محب» طريقه إلى وسط «القاهرة» عن طريق «المترو»، ونزل في ميدان «رمسيس» … اتجه إلى حيث يبدأ شارع الجمهورية، وبحث عن أرقام العمارات وعرف أن رقم ٢٤٩ يقع في منتصف الشارع وأمام عمارة من عشرة طوابق، قرأ رقم ٢٤٩، وقف على الرصيف المقابل، حتى يراقب الداخلين والخارجين منها …

كان الوقت لا يزال مبكرًا، ولم تفتح المحلات أبوابها بعد، وكانت حركة الشارع خفيفة … أخذ يقرأ لافتات معلقة على أدوار العمارة، لكنه لم يقرأ بينها اسم «شركة الأنوار للتصدير والاستيراد» … تساءل بينه وبين نفسه: لماذا لا يوجد اسم للشركة مثل بقية الشركات الأخرى؟!

قطَع الشارع إلى الرصيف المقابل حيث توجد العمارة … فرأى على مدخلها عددًا كبيرًا من اللافتات، من بينها لافتة نحاسية عليها اسم الشركة، فكَّر: هل يظل أمام العمارة، أو يبتعد حتى لا تقع عينَا «نوار» عليه؟ وهل لا يزال يذكره؟ … في النهاية قرر أن ينتقل إلى الرصيف الآخر، وأخذ يراقب مدخل العمارة.

نزل «تختخ» إلى حديقة الفيلَّا الغامضة عن طريق فيلَّا «أدهم»، واتجه مباشرة إلى الأشياء القديمة المهملة … وأخذ يبحث عن الكرسي المتحرك أو بقاياه … لمح أسفل كَومة المهملات عجلتَي الكرسي المتحرك؛ لكن الوصول إليهما كان صعبًا … ظل ينقل الأشياء من فوقها … فجأة سمع صفارتَين متتاليتَين، ففهم أن «أدهم» يحذِّره من وصول أحد، اختبأ خلف كومة المهملات …

بعد قليل ظهر الرجل القصير يحمل كيسًا على ظهره، ويتجه إلى بيت الكلاب، ثم أنزل الكيس، فنبحتِ الكلاب … فتح لها الباب فاندفعت خارجة تتقافز حوله … فتح الكيس وأخرج كمية من اللحوم وضعها أمامها … فهجمت عليها. وظل هو يراقبها.

كان «تختخ» يراقب ما يدور أمامه وهو يفكر: لو أن الكلاب شمت رائحته فسوف تندفع نحوه! نظر في اتجاه الحبل المعلق في فرع شجرة فيلَّا «أدهم»، وقال في نفسه: لو أن الرجل القصير نظر في اتجاه الحبل فسوف تكون مشكلة!

ظل «تختخ» منكمشًا خلف كومة المهملات، لكنه كان يرى من خلال فتحات فيها الرجل القصير وهو يراقب الكلاب، التي التهمت اللحوم التي أمامها … فأشار الرجل إلى باب البيت فعادت الكلاب ودخلته. أغلق عليها الباب وانصرف.

ظل «تختخ» يراقبه حتى اختفى. انتظر قليلًا ثم سمع صفارتَين متتاليتَين، فهم أن الرجل القصير قد غادر الفيلَّا. عاد من جديد ينقل المهملات من فوق عجلتَي الكرسي المتحرك … فجأة وجد المواسير الباقية للكرسي. كانت مقطعة … أمسك واحدة منها ورفعها أمام عينَيه؛ فعرف أنها مفرغة لكن لفت نظرَه نزولُ مسحوق أبيض قليل منها، تطاير في الهواء، أخرج من حقيبته ورقة صغيرة وضعها أسفل الماسورة، ثم دقَّ عليها بهدوء … فتساقط بعض المسحوق الأبيض. طوى الورقة بإحكام ثم أعادها للحقيبة، وعاد مرة أخرى لنقل المهملات من فوق عجلتَي الكرسي المتحرك حتى وصل إليها.

وكانت قاعدة الكرسي لا تزال مشتبكة بالعجلتَين … قلبها فرأى علامة المصنع وكلمة صُنع في «ألمانيا» … كان يقفز من الفرح.

أعاد الأشياء المهملة إلى مكانها فوق عجلتَي الكرسي وانسحب في هدوء. تسلَّق الحبل حتى فرع الشجرة، ثم نزل الحبل وزحف فوق الفرع حتى أصبح فوق الشجرة.

كان «محب» واقفًا على الرصيف الآخر يراقب العمارة المقابلة. كانت الحركة قد نشطت في الشارع، وفتحت المحلات أبوابها، وكان هناك داخلون إلى العمارة، وخارجون منها؛ لكن ليس من بينهم مَن ينتظره. فجأةً وصلَت سيارة مرسيدس بيضاء ونزل منها رجل أنيق لم يستطع «محب» تبيُّنَ ملامحِه، ودخل العمارة …

سأل «محب» نفسه: هل يكون هذا «نوار»؟ إنه في حجمه تقريبًا، وربما يستخدم أكثر من سيارة، ويبدو أنه يفضل المرسيدس؛ فقد شاهدنا المرسيدس السوداء ونحن عائدون من «حلوان» ورآها «تختخ» خارجة من الفيلَّا الغامضة. لم يتحرك «محب» من مكانه، فقد كان عليه أن ينتظر خروجه.

في غرفة «أدهم» كان «تختخ» يتحدث إلى المفتش «سامي» ويخبره بما وجده في الحديقة من بقايا الكرسي المتحرك، ووجود علامة الشركة الألمانية. فقال المفتش «سامي» إنه في مأمورية خارج القاهرة، وإنه سيكون في مكتبه غدًا وسوف ينتظره.

عندما انتهَت المكالمة سأله «أدهم»: مَن هو المفتش «سامي»؟

تختخ: سوف أُجيب عن كل أسئلتك عندما ينتهي اللغز، وإنني أشكرك لأنك تقوم بدورك بطريقة ممتازة.

اندهش «أدهم» وسأل: وأين هو دوري الذي أقوم به؟!

ابتسم «تختخ» وقال: كل ما تقوم به الآن هو دورك، وسوف تعرف أهمية ما تقوم به.

ثم ودَّعه وانصرف وخلفه «زنجر».

كان «محب» لا يزال في مكانه يُراقب مدخل العمارة، فجأةً وصلت مرسيدس سوداء وقفَت ونزل منها مَن يركبها … امتلأتْ ملامح «محب» بالدهشة … لقد كان راكب السيارة المرسيدس هو «نوار» نفسه! دخل العمارة فأسرع «محب» يتصل ﺑ «تختخ» ليقول له في المحمول: لقد تأكَّد ما كنَّا نفكِّر فيه.

وردَّ عليه «تختخ»: وعندي ما يثبت ذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤