هل تنطق الفتاة؟

قبل أن يغادر «تختخ» مكتب المفتش «سامي» رنَّ التليفون على مكتبه … فرفع المفتش «سامي» السماعة، واستمع لحظة ثم ابتسم وقال: أعتذر لك عزيزي الدكتور نشأت، نعم … سألت عنك عدة مرات … الحقيقة أن عندي استشارة طبية، وأرجو ألَّا أُعطلَك.

جذبَت المكالمةُ التليفونية انتباهَ «تختخ» فقد كانت تدور حول الفتاة البكماء … كان «تختخ» يتمنى أن تكون الإجابة في صالح الفتاة؛ لأنها إذا نطقت فسوف تكشف كثيرًا من الغموض …

استغرقَت المكالمةُ وقتًا، وعندما انتهَت قال المفتش «سامي»: عظيم … هذه معلومات مهمة، وإذا احتجنا أن نعرضها عليك، فسوف ألجأ إليك مباشرة.

وضع السماعة، فسأله «تختخ»: ماذا قال الدكتور؟

سامي: قال إن ذلك أمر عادي … فقد يُفاجأ الإنسان بحدث لم يكن يتوقعه فيفقد القدرة على النطق، لكنه يظل يسمع لأن أجهزة السمع لم تتأثر وأنه يعود للنطق مرة أخرى؛ لكن بعد وقتٍ.

تختخ: الحمد لله أنها سوف تنطق.

شرد المفتش «سامي» لحظة ثم قال: الغريب أن والد «شمس» لم يذكر أنها بكماء، وهذا يعني أن صدمة الخطف أفقدَتها القدرةَ على النطق.

سأل «تختخ» بينما هو مستغرق في التفكير: هل يجب أن تعود «شمس» إلى أسرتها الآن؟!

سامي: سؤال مهم … فقد تنطق عندما ترى والدَيها، وساعتها يمكن أن تقدم لنا معلومات تفيدنا في الكشف عن العصابة التي خطفتها!

وتحدث المفتش «سامي» عن كيف اختفت «شمس» … فقد حكى له والدها أن الدادة المسئولة عنها خرجَت بها وهي فوق مقعدها المتحرك إلى الحديقة القريبة من سكنهم، وهذه رحلة تكاد تكون يومية عندما يكون الجو مشمسًا … فالبنت تشعر بالضيق لأنها محبوسة في الفيلَّا التي يملكونها في «حلوان» … وفي هذا اليوم الذي اختفت فيه، خرجَت بها الدادة كالعادة، وفي الحديقة أجلستها في مكان مشمس … فقد كان الجو دافئًا في ذلك اليوم. ولأن «شمس» شعرت بالدفء فقد نامَت في مقعدها، وذهبت الدادة تشتري لها حلوى … وعندما عادت لم تجدها! بحثَت عنها في أنحاء الحديقة، وسألت مَن كان موجودًا، فأخبرتها واحدة أنَّ رجلًا دفع الكرسي المتحرك وفوقه «شمس» التي كانت مستغرقة في النوم، ثم أخذوها في سيارة سوداء واختفت!

وأضاف المفتش «سامي»: في البداية عندما لجأ والدها إلى الشرطة، كان قد مضى على خطفها عشرون يومًا … كان والدها يظن أنها مخطوفة لطلب فدية لها، خصوصًا وهو رجلٌ ثريٌّ، ولذلك لم يلجأ إلى الشرطة مباشرة في انتظار أن يتصل به أحد، ولما فقد الأمل لجأ إلى الشرطة، ونحن في البداية وضعنا هذا الاحتمال؛ لكن عثورك عليها وهي وحدها على الكرسي المتحرك، والجو بارد … يعني أن الذين خطفوها لم يخطفوها من أجل الفدية المالية … ولكن يبدو أن هناك لغزًا! فلماذا خطفوها؟ ولماذا تركوها؟ هناك شيءٌ خفيٌّ!

صمت المفتش «سامي»، ثم نظر إلى «تختخ» وسأله: هل يمكن أن أصحب والدها معي ليراها الليلة؟!

ردَّ «تختخ» بسرعة: طبعًا … وسوف أُخبر والدي إذا عاد.

استأذن «تختخ» وانصرف عائدًا إلى الفيلَّا حيث يجتمع «المغامرون»، وعندما وصل إلى هناك أعلن «زنجر» عن وصوله بأن نبح عدة مرات، فعرف «المغامرون» أنه بالباب، وما إن ظهر أمامهم على باب «البرجولة» حتى قالت «لوزة» بسرعة: لا بد أنك تحمل أخبارًا.

جلس «تختخ» وهو يقول: دعيني ألتقط أنفاسي يا «لوزة».

لوزة: لكني متشوقة أن أسمع أخبار صديقتي العزيزة، هل عرفت اسمها؟

ابتسم «تختخ» وقال: نعم … اسمها «شمس».

اندهشت «نوسة» وقالت: شمس … كيف لم نفكر في هذا الاسم، وقلنا مرة: إن اسمها «فجر» ومرة اسمها «قمر»؟

وقفَت «لوزة» في حماس وهي تقول: سوف أُخبرها أننا عرفنا اسمها.

وعندما همَّتْ بالتحرك قالت «نوسة»: ليس الآن يا «لوزة»، فسوف نخبرها … المهم الآن أن نعرف بقية الأخبار، ولا بد أن «تختخ» عنده الكثير!

تختخ: فعلًا … أهم هذه الأخبار أن «شمس» يمكن أن تنطق مرة أخرى!

هتفت «لوزة»: صحيح، إنني أريد أن أتحدَّث معها.

حكى لهم «تختخ» مضمون المكالمة التليفونية بين المفتش «سامي» والدكتور «نشأت»، وكيف اختفت «شمس» … والتفكير في أن يأتي والدُها الليلة ليراها، فقد يكون ذلك دافعًا لها حتى تنطق …

فقال «محب»: ما دام لم يتصل أحد بوالدها، فهذا يعني أن الخطف كان لسبب أهم!

تختخ: هذا ما قاله المفتش «سامي»، وهذا هو اللغز، فلماذا خطفوها، ثم تركوها؟! على كلٍّ نحن في انتظار المفتش «سامي» الليلة.

انصرف «المغامرون» على أن يلتقوا آخر النهار في فيلَّا «تختخ» الذي أخذ طريقه إلى داخل الفيلَّا، واتجه مباشرة إلى غرفة الضيوف ليرى الفتاة.

كان «تختخ» قد أحضر بعض قِطَع الشوكولاتة ليُقدِّمها لها … وحرص على أن تكون من نوع مختلف عن النوع الذي أفزع الفتاة عندما رأت الغلاف … دخل الغرفة فوجد دادة «نجيبة» ومعها الفتاة … نظر لها وقال «تختخ»: أهلًا يا «شمس».

امتلأ وجهُ الفتاة بالدهشة … فكيف عرف اسمها؟

وقال: ما رأيك … لقد أخبرَتنا العصفورة باسمك.

ابتسمت الفتاة وهزَّت رأسها بمعنى نعم … قدَّم لها قِطَع الشوكولاتة، فنظرت له بامتنان وأخذتها، فقال: اسمك جميل يا «شمس»، وقد فرحنا عندما عرفنا اسمك.

مضَت دقائق قبل أن ينصرف «تختخ» إلى غرفته، كان يفكر في زيارة المفتش «سامي» والفيلَّا الحمراء الغامضة … و«نوار» الذي يعيش فيها وحده، قال في نفسه وهو يدخل الغرفة: هل يمكن أن يشكَّ فينا «نوار»؟ وهل يمكن دخول الفيلَّا مرة أخرى؟ وهل يفكر في زيارة «نوار»؟!

كان «تختخ» يشعر بالجوع فقد فات وقت الغداء، كانت دادة «نجيبة» قد جهَّزت له غداءَه، فوجده على المائدة، وقبل أن يضع لقمة في فمه سأل الدادة التي كانت على وشك الانصراف: هل تناولتْ «شمس» غداءَها يا دادة؟

ابتسمَت دادة «نجيبة» وهي تقول: منذ فترة، وهل يمكن أن أتركها كل هذا الوقت؟!

ثم خرجَت، وضع «تختخ» لقمة في فمه وظل يمضغها وهو مستغرق في التفكير؛ لكنه فجأة سَمِع صوت «زنجر» ينبح بصوت خافت … توقَّف عن المضغ وقال في نفسه: لقد نسيت «زنجر» … قفز من على المائدة، وأخذ طريقَه مسرعًا إلى المطبخ فوجد دادة «نجيبة» التي ابتسمت له وهي تقول: أعرف … إنني أجهز غداءه فعلًا.

أخذ «تختخ» غداء «زنجر» واتجه مباشرة إلى الحديقة، كان «زنجر» يقف أمام الباب وكأنه ينتظر … زامَ عندما رأى «تختخ» وكأنه يعاتبه … فوضع له «تختخ» الطعام في مكانه المعتاد في آخر الحديقة، ثم ربَّتَ عليه وانصرف … وعندما كان في طريقه إلى سُلَّم الفيلَّا الداخلي خطر له خاطر: لماذا لا يفحص الكرسي المتحرك مرة أخرى، لعله يكتشف شيئًا جديدًا يساعد «المغامرين» على حل هذا اللغز؟!

ذهب إلى الكرسي الذي كان مخفيًّا تحت السلم الداخلي للفيلَّا، جذبه إليه وظل يتأمله، قال في نفسه: إنني لم أتعامل مع كرسي متحرك إلا هذه المرة، ولا بد أن هذا الكرسي فيه سرٌّ ما … أخذ يتحسس مقاعد الكرسي، ويدق عليه بأصابعه فيُصدر رنينًا خافتا، ضغَط على مقعد الكرسي فوجده صلبًا … قال في نفسه: كيف تصلح هذه القاعدة الجافة لفتاة مشلولة تجلس عليها فترة طويلة، من الضروري أن تكون لينة؟!

دفَع الكرسي تحت السلم فاصطدم بالحائط وأصدر صوتًا أجوف، فكَّر قليلًا ثم اتخذ قرارًا، وانصرف مسرعًا إلى حيث تناول غداءَه بسرعة.

كان هناك وقت حتى يجتمع «المغامرون» في موعد المفتش «سامي» … مرَّ على دادة «نجيبة» وأخبرها أنه سوف يتغيب بعض الوقت، ثم انصرف مباشرة، لكنه وهو يقطع حديقة الفيلَّا إلى الباب، وجد «زنجر» في انتظاره، لكنه لم يكن يحتاجه في المهمة التي يقوم بها … ربَّت عليه فانسحب «زنجر» مبتعدًا؛ بينما أخذ طريقه إلى الخارج … عندما وصل إلى ميدان «الفلكي» بحث عن المحلات التي تبيع الأجهزة التعويضية … ومن بينها الكرسي المتحرك … وقف أمام أحد هذه المحلات يتأمل الأجهزة التعويضية المعروضة في فاترينة المحل، ثم قرر الدخول بسرعة … كان أحد البائعين في المحل يقترب منه.

البائع: أي خدمة؟!

تختخ: أُريد أن أرى أحد الكراسي المتحركة.

البائع: لمن؟

لم يفهم «تختخ» ماذا يقصد البائع الذي أدرك ذلك فقال البائع: أقصد لصبي أو شاب أو رجل نحيف أو ممتلئ؟

ابتسم «تختخ» عندما سمع كلمة ممتلئ … فلم يَقُل البائع تخين، ثم قال: صبية صغيرة في حدود التاسعة.

اختفى البائع بعض الوقت، ثم عاد يحمل كرسيًّا مطويًّا، فَرَدَه أمام «تختخ»، ثم دفعه إلى جانب ليتأكد من حركته. أخذ «تختخ» يختبر الكرسي ويتفحصه بدقةٍ، ثم نظر في أركان المحل … فسأله البائع: عمَّ تبحث؟

كان «تختخ» قد وجد مساحة خالية في جانب من المحل، دفع الكرسي أمامه، لكنه توقف لحظة، لم يكن الكرسيُّ ثقيلًا؛ كان خفيفًا بدرجة ملحوظة … في حين أن الكرسي المتحرك الموجود في الفيلَّا كان أكثر ثِقَلًا … دفع الكرسي فاصطدم بالجدار، وأصدر رنينًا مختلفًا. كان البائع يتأمَّل «تختخ» وهو يُجرِي هذه التجارب على الكرسي … فسأله: عمَّ تبحث بالضبط؟!

تختخ: أعتذر عما أفعل؛ ولكن دعني أسألك بعض الأسئلة.

البائع: تفضَّلْ؛ وإن كنتُ لا أفهم معنى ما تفعله!

تختخ: إذا سمحت، مساند الكرسي … هل هي مفرغة، أم صماء؟

البائع: مفرغة طبعًا … فالكرسي المتحرك يجب أن يكون خفيفًا حتى يمكن دفعه أو تحريكه إذا كان الجالس عليه هو الذي يقوم بتحريكه!

تختخ: وهل طبعًا كل أجزائه مفرغة؟

البائع: لا طبعًا … فعَضْمُ الكرسي أقصد القاعدة والأجزاء التي تحملها تكون صمَّاء حتى تحتمل الجالس عليها.

مدَّ «تختخ» يده، وضغط على مقعد الكرسي، فاستجاب المقعد للضغطة؛ بما يعني أن المقعد ليِّنٌ …

مرة أخرى سأله البائع وقد علتِ الدهشةُ وجهَه: أخبرني … ماذا تريد؟!

تختخ: الحقيقة عندنا أحد الكراسي المتحركة، لكنه خفيف الوزن نوعًا ما، والمساند تكاد تكون صمَّاء!

البائع: هل الكرسي لشخص ثقيل الوزن؟

تختخ: لا … إنه لطفلة كما أخبرتك في حدود التاسعة.

سأله البائع: هل هو صناعة مصرية؟

تختخ: لا … صناعة ألمانية.

البائع: لا بدَّ أنه صناعة جيدة؟!

ثم أضاف بعد لحظة: ماذا تريد إذن؟

ابتسم «تختخ» وهو يقول: لا شيء، فقط كنت أجمع معلوماتي عن الكراسي المتحركة.

ثم شكر البائع وانصرف … في طريق العودة كانت الأسئلة تتدافع في رأسه، قال في نفسه: هل ما أفكر فيه سيكون صحيحًا … أم أنا أفكر في احتمالات غير صحيحة؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤