صورة الرجل الغامض

عندما استيقظ «تختخ» في الصباح تناول إفطاره بسرعة، ثم أخذ طريقه إلى الخارج … ركب دراجته، فقفز «زنجر» خلفه، كان الجوُّ صحوًا، مع رياح خفيفة تهب … اتجه إلى فيلَّا «محب» حيث يلتقي «المغامرون» هناك، وعندما اجتمعوا اتجهوا إلى غرفة «محب» حيث يوجد الكمبيوتر الخاص به، جلس «تختخ» أمام الكمبيوتر، فقالت «نوسة»: هل تتذكر ملامح «نوار» جيدًا؟

– طبعًا!

بدأ «تختخ» يرسم صورة «نوار» وهو يتذكَّر ملامحه، ثم أخذ يعدل في خطوطه، فلم تكن الصورة النهائية قريبة الشبه من «نوار»، وقال محب: إنه وسيم مثل نجوم السينما … شعره ناعم … وعيناه ضيقتان قليلًا، وأنفه مستقيم، وشفتاه رقيقتان تُوحيان بالقسوة، وحاجباه كثيفان، وأذناه متوسطة الحجم وملتصقتان بجانبَي وجهه.

عندما انشغل «تختخ» في رسم صورة «نوار» من ذاكرته خرجت «نوسة» … فقالت «لوزة»: لا بُدَّ أنك تذكرت المشروبات الساخنة، فأنا أشعر بالبرد!

ابتسمت «نوسة» وقالت: أنت هكذا دائمًا تشعرين بالبرد!

ثم خرجت … ظلَّ «تختخ» يرسم، ويُلغي خطوطًا، ويُضيف أخرى، بينما «المغامرون» يتابعونه.

ابتسم «عاطف» وقال: إنه لا يصلح لبطولة فيلم!

محب: لا تبدو ملامحه تمامًا، وإن اقتربت منها، فهو لا يزال بعيدًا عن الصورة التي رسمتُها له في ذاكرتي!

قام «تختخ» من أمام الكمبيوتر، وجلس «محب» مكانه، أخذ يُجري بعض التغييرات ويضيف بعض الرتوش، ثم تأمَّل الرسم وقال: أعتقد أن الصورة أقرب الآن له!

عادت «نوسة» بالمشروبات الساخنة، فأسرعت «لوزة» بأخذ كوب شاي باللبن، ثم نظرت إلى «تختخ» وابتسمت وهي تقول: لو مع الشاي بعض الساندويتشات!

قال «تختخ»: خصوصًا وأنا لم أفطر جيدًا، ولهذا لم أوفق في رسم الصورة.

عاطف: «تختخ» لا يعمل جيدًا بمعدة خالية كالعادة!

ضحكوا، وقال «تختخ» ﻟ «محب»: نحتاج لمزيد من الرتوش لتكون أقرب.

أجرى «محب» بعض الظلال على الصورة … كانت ملامح «نوار» تقترب من الحقيقة، تأمل «محب» الصورة وهو يستعيد في ذاكرته ملامح «نوار» … كان ضوء الغرفة في الفيلَّا الغامضة شاحبًا بما يُلقي غموضًا على وجه «نوار» وهو ممدَّد على السرير، لكن «محب» عرف كيف يطبع ملامحه في ذاكرته، وأخيرًا قال: هذه الأقرب إلى ملامح «نوار».

تختخ: هذا صحيح، اطبَعْها، وأعطي كلَّ واحد صورة، فسوف تحتاج خطتنا إلى وجود مثل هذه الصورة مع «المغامرين».

سألت «لوزة»: هل هو كبير في السن؟! فهناك شعر أبيض في رأسه!

تختخ: لم يَعُد الشعر الأبيض دليلَ التقدم في السن، فهناك شباب يختلط شعرهم بين الأبيض والأسود … هو وسط بين الأربعين والخمسين.

أضاف «محب»: قوي البنيان، فعندما كنا نسنده أنا و«تختخ» كانت قوةُ بنيانه واضحة، وذراعاه مفتولتين وكأنه بطل مصارعة!

كانت الساعة قد اقتربت من الظهيرة، فقال «تختخ»: ينبغي أن نلحق بالمفتش «سامي»، فهو دائمًا مشغول، وقد يكون في مأمورية خارج القاهرة.

نوسة: حادثه على المحمول لتعرف أين هو؟

تحدث «تختخ» إلى المفتش «سامي» فقال له إنه في انتظاره، واتفق «المغامرون» على أن يلتقوا آخر النهار، وأن يذهب «تختخ» ومحب إلى المفتش «سامي» … انطلق الصديقان إلى مكتب المفتش «سامي» الذي قال لهما: رسمتما صورة «نوار»؟!

أخرج له «تختخ» الصورة من حقيبته الصغيرة وقدَّمها إليه، أخذ المفتش «سامي» يتأمل الصورة طويلًا ثم سأل «سامي»: هل أنتما متأكدان من ملامحه؟!

تختخ: نعم … هذه الصورة أقرب إلى ملامح «نوار».

سامي: المهم هو إثبات أنه كان وراء خطف «شمس» وهذا لن يتحقق إلا بالعثور على الكرسي الأصلي لنتأكد من عملية التهريب!

فسأل «محب»: وماذا عن أرقام السيارة التي ارتكبت حادثة التخلص من «نوار»!

سامي: ظهر أنها مسروقة، وقد أبلغ صاحبها عن سرقة لوحة الأرقام.

تختخ: لو عثرنا على الكرسي المتحرك الأصلي، وأثبتنا أنه ﻟ «نوار» فإننا نستطيع الوصول إلى العصابة الأخرى التي حاولت أن تتخلص منه!

سامي: ممكن إذا وقع أن ينتقم منهم بالاعتراف عليهم.

صمت قليلًا ثم أضاف: من الضروري أن تجلسَا مع وحدة الرسم، وتجيبَا عن أسئلتهم التي تدور حول أوصاف «نوار».

محب: ألا تكفي هذه الصورة؟!

سامي: إنهم رسامون متخصصون … وحتى نتأكد أكثر!

انتقل «تختخ» ومحب إلى وحدة الرسم، كان هناك عدد من الرسامين الذين بدءوا يسمعون أوصاف «نوار» من الصديقين، بينما كان يجرون بأقلامهم على الورق، يترجمون بها ملامح «نوار» إلى صورة، ومرَّ وقت طويل حتى انتهوا من رسم الصورة … ثم انتقل رئيسهم مع «تختخ» و«محب» إلى مكتب المفتش «سامي» … كان «تختخ» و«محب» يشعران بالزهو؛ لأن الصورة التي رسمها الرسامون تكاد تكون هي نفسها الصورة التي رسموها بالكمبيوتر، عندما رآها المفتش «سامي» قال: الأصدقاء على حق، إنها تقريبًا نفس الصورة!

عندما انصرف الصديقان من مكتب المفتش «سامي» كانَا قد اتفقَا على مراقبة الفيلَّا الغامضة، في نفس الوقت زيارة «شمس» بفيلَّاها في «حلوان»؛ لأنها إذا نطقت فسوف تساعد «المغامرون» على كشف اللغز … وعندما وصلا إلى «المعادي» قال «محب»: أقترح أن نمرَّ على الفيلَّا الغامضة فقد نلتقي «بنوار».

أخذ طريقهما إلى الفيلَّا، كانت هادئة تمامًا، لا توجد نافذة مفتوحة، فبدَت وكأنها مهجورة، كان «تختخ» و«محب» يراقبانها من بعيد قليلًا، قال «تختخ»: يبدو أن أصحابها لا يظهرون إلا في الليل.

لكن فجأة فُتحت بوابة الفيلَّا، وخرج منها رجل قصير يمشي بخطوات سريعة وقد لبس ملابس ثقيلة، ووضع «كوفيَّة» حول رقبته غطَّى بها نصف وجهه، فلم يتعرَّفَا على ملامحه، كانت البوابة قد أُغلقت فور خروجه مباشرة … فتَبِعاه من بعيد، ظل سائرًا على الرصيف حتى خرج إلى الشارع الرئيسي، وقف ينظر يمينًا ويسارًا، ثم أشار إلى تاكسي فتوقَّف أمامه، ركب وانطلق التاكسي … قال «محب»: إذن هناك مَن يتردَّد على الفيلَّا!

تختخ: دَعْنا نعود إليها … فقد نرى آخرين!

عادا إلى حيث الفيلَّا … ووقفَا بعيدًا يراقبانها … مرَّ وقتٌ طويل دون أن يظهر أحد … بدَا الشارع مُوحشًا … فبين كلِّ فترة وأخرى تمرُّ سيارة … أو يظهر أحدٌ من فيلَّا مجاورة … ولم يكن أمام الصديقَين إلا أن ينصرفَا … هبَّت الرياح وبدأت السماء تُعتم، فقال «تختخ»: يجب أن نُسرع بالعودة، فالسماء تُنذر بمطر ثقيل!

وما إن انتهى من جملته حتى تردَّد صوتُ الرعد وأبرقت السماء، ثم انهمر المطر بشدة فلم يستطيعَا التحرك.

احتمى «تختخ» و«محب» بإحدى الفيلَّات الغريبة … ومن موقعهما ظلَّا يراقبان الفيلَّا الغامضة … فجأة ظهرت سيارة خارجة منها واختفَت في الاتجاه الآخر دون أن يتمكَّنَا من قراءة أرقامها … قال «تختخ»: إنهم يتحركون في أوقات غريبة!

ظلَّا في مكانهما حتى هدأَت حدة المطر الذي أغرق الشارع، وكان عليهما أن يفترقَا قبل أن يشتدَّ المطر مرة أخرى، بعد أن اتفقَا على إلغاء اجتماع آخر النهار …

وعندما وصل «تختخ» إلى الفيلَّا تحدث إلى «محب» ليطمئن أنه قد وصل إلى فيلَّاه … وكان قد وصلها فعلًا … أخذ طريقَه إلى غرفته وأبدل ثيابه … كان يفكِّر: هل يقوم بزيارة الفيلَّا الغامضة في الليل هو و«محب»؟ وهل يمكن لقاء «نوار» مرة أخرى؟ ثم تساءل بينه وبين نفسه: هل يمكن أن يكون الكرسي المتحرك الأصلي في الفيلَّا الغامضة، أو أنهم تخلَّصوا منه؟

رنَّ تليفونه المحمول، وكان المتحدث «عاطف» الذي سأله عما فعلوا عند المفتش «سامي»، فحكى له «تختخ» ما حدث، وأن الصورة التي رسمها «المغامرون» لم تختلف عن الصورة التي رُسمت في وحدة الرسم، قال «عاطف»: أقترح أن نقوم بزيارة لصديقتنا «شمس» فقد يكون لقاؤها بأسرتها قد أعاد لها النطق، فتشرح لنا ما حدث لها بعد خطفها … فاللغز يزداد تعقيدًا.

تختخ: هذا صحيح … واقتراح زيارة «شمس» جيد، ويمكن أن ننفِّذَه غدًا.

في الصباح اجتمع «المغامرون» في فيلَّا «محب» وأخذوا طريقهم إلى «حلوان»، حيث توجد فيلَّا «شمس» … كان الجوُّ صحوًا بعد أن أمطرت السماء بشدة في الليلة السابقة.

كان «تختخ» يحتفظ بالكارت الذي قدَّمه له «منير» والد «شمس» وفيه عنوان الفيلَّا … فاتجهوا إليها … وما إن وصلوا حتى وجدوا «شمس» جالسة على كرسي متحرك … مع الدادة الخاصة بها في حديقة الفيلَّا المشمسة … وما إن رأتهم حتى صفَّقت فرحًا برؤيتهم … وأشارت إلى «لوزة» وهي تقول: «زه» … وإلى «نوسة» وقالت: «سه» …

جاءَت والدة «شمس» ورحَّبَت ﺑ «المغامرين» بحرارة … فقالت «شمس» وهي تُشير إلى «لوزة»، وأشارت إلى «تختخ» وهي تقول: «فيق».

صفَّقوا لها، وقام «تختخ» يقدِّم المغامرين إلى والدة «شمس»: «محب»، «عاطف»، «نوسة»، «لوزة» … وأنا «توفيق»!

فهتفت «شمس»: «فيق»!

قالت والدة «شمس» إنهم عرضوها على أخصائي فأخبرهم أنها ستنطق بعد وقت … وأن صدمة خطفها هي التي شلَّت جهاز النطق عندها … لكن إحساسها بالأمان سوف يُزيل تأثير الصدمة … وأنها ستنطق الكلمات ناقصة في البداية حتى تصل إلى حالة النطق الكاملة، ودعتهم لدخول الفيلَّا … لكنهم فضَّلوا أن يبقَوا معها في الحديقة.

انصرفَت والدة «شمس» بعد أن شكرتهم من جديد … فقالت «نوسة»: لماذا لا نسألها عمَّا حدث لها، ما دامت تنطق بعض الحروف، ونحاول أن نفهم منها؟!

قال «تختخ» «لشمس»: هل تذكرين ما حدث لكِ؟

هزَّت «شمس» رأسها بنعم، ثم بدأت تحاول النطق … قالت «شمس» وهي تُشير إلى الدادة: «دا»!

ثم أشارت إلى الحديقة وإلى الشمس، ثم مثَّلَت أنها نامَت، وأشارت إلى الدادة مرة أخرى، وقالت: «دا»! وأشارت إلى بعيد!

قال «محب» يُفسر إشاراتها وكلماتها: كانت في الحديقة مع «دادة» والشمس كانت تدفئها … فنامَت وذهبتِ الدادة بعيدًا.

نظر «تختخ» إلى الدادة وسألها: صحيحٌ ما تقوله «شمس»؟

الدادة: صحيح … كنا في الحديقة العامة التي نخرج إليها كلما كان الجوُّ صحوًا …

وفي هذا اليوم … كان الموجودون في الحديقة قليلين … فطلبت من إحداهن أن تُراقب «شمس» التي كانت قد نامت في مقعدها حتى أشتريَ شيئًا … ونحن دائمًا نخرج … لكني لم أكن أبتعد عن «شمس» … وكنا نبقى في الحديقة حتى تطلب أن نعود!

أشارت لها «شمس» وهي تقول: «دا»، ثم أشارت لها أن تسكت حتى تتحدث هي …

سكتت الدادة، فأشارت «شمس» إلى نفسها، ومثَّلت أنها نائمة، ثم فتحَت عينَيها وظهر الرعب على وجهها وقالت: «را» وأشارت إلى ارتفاع، ثم أشارت إلى بلوزة «نوسة» وقلَّدت صوت سيارة، ثم وضعَت يدها على فمها … وسكتَت …

نظر «المغامرون» إلى بعضهم … وقالت «نوسة» تسألها: هل هي سيدة؟

أشارت «شمس» بمعنى لا … ثم رسمَت بيدها شاربًا فوق شفتَيها … وأشارت إلى ارتفاع قصير … ثم إلى بلوزة «نوسة» مرة أخرى، فقال تختخ: تقصد رجلًا وسيارة، وهي تقصد الرجل الذي حملها ووضعها في السيارة.

هزَّت «شمس» رأسها بمعنى: نعم.

وتساءلت «نوسة»: ولماذا تُشير إلى بلوزتي؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤