إيرين جوليو-كوري (١٨٩٧–١٩٥٦)

ريناتا شتروماير

كانت إيرين جوليو ثاني امرأة، بعد أمها ماري كوري، تحصل على جائزة نوبل في الكيمياء.

•••

في ١٩٣٧ كانت إيرين جوليو-كوري على وشك اكتشاف الانشطار النووي؛ نتيجة لخبرتها الهائلة في الكيمياء الإشعاعية. فبالتعاون مع الفيزيائي بافلي سافيتش من يوغوسلافيا بينت إيرين إنتاج نظير مشع يبلغ عمر النصف له ٣٫٤ ساعة عن طريق قصف اليورانيوم بالنيوترونات. وفي منشورهما عام ١٩٣٨ أساءا تفسير المشاهدة، وظنا أنهما اكتشفا عنصرًا جديدًا شديد الشبه بعنصر اللانثانوم. عند متابعة هذه التجارب وصف عالما الكيمياء أوتو هان وفريتز اشتراسمان في ١٩٣٨ انشطار اليورانيوم بفعل النيوترونات. وكان هذا الاكتشاف مبنيًّا على تفسير ليزا مايتنر وأوتو فريش (عالما الفيزياء) بانقسام نواة اليورانيوم إلى نواتين لهما نفس الكتلة تقريبًا. وتذكَّرَ مساعدٌ شاب لإيرين ملاحظة فريدريك أنه إذا كان تعاوَن مع زوجته لاكتشفا الانشطار النووي قبل الفريق الألماني. وبعد أن أضاعت إيرين جوليو-كوري اكتشاف النيوترونات، كانت هذه هي المرة الثانية التي تُضيع فيها جائزة نوبل أخرى بفارق تافه يكاد لا يذكر.

figure
إيرين وفريدريك جوليو-كوري معًا في معملهما بمعهد الراديوم في أواخر عشرينيات القرن العشرين.

فازت إيرين جوليو-كوري بجائزة نوبل في الكيمياء عام ١٩٣٥ بالمشاركة مع زوجها فريدريك جوليو-كوري «تقديرًا لتخليقهما عناصر مشعة جديدة». لم يكن اكتشافهم للنشاط الإشعاعي الصناعي خطوة عظيمة في سبيل تطوير الفيزياء النووية فحسب، ولكنه أدى على نحو مباشر أيضًا إلى إمكانية الحصول على نظائر مشعة، تستخدم الآن على نطاق واسع في الأبحاث الطبية والبيولوجية، وبدونها لم يكن للطب النووي أن يوجد. وحتى اكتشافهما، كانت دراسات التحلل الإشعاعي تفترض أن المواد الموجودة في الطبيعة فقط تنحل تلقائيًّا بانبعاث الإشعاع. وعن طريق قصف البورون والألومنيوم بجزيئات ألفا أنتجا نيتروجينًا مشعًّا وفسفورًا مشعًّا. وهذان العنصران وغيرهما من العناصر المنتجة بطرق مشابهة، والتي لا توجد في الطبيعة، ينحلان تلقائيًّا خلال فترات قصيرة جدًّا بانبعاث بروتونات موجبة أو إلكترونات سالبة.

عندما حصلت إيرين جوليو-كوري على شهادة الدكتوراه في ١٩٢٥ كانت بالفعل موضع احتفاء كعالمة شابة؛ ونظرًا لاسمها الشهير ولدعم أمها لها لم تضطر إيرين إطلاقًا للكفاح من أجل الحصول على فرص للعمل ونجحت في الاستفادة التامة منهما.

حصلت إيرين على وظيفتها الأولى بمعهد الراديوم، الذي أسسته أمها، وظلت هناك طوال مسيرتها المهنية، ويعلق بينسود-فينسنت على ذلك قائلًا: «إيرين لم تغادر قطُّ محراب أسرة كوري لتغامر بالدخول إلى عالم مجهول. كان من الواضح جدًّا بالنسبة لها أن عليها أن تتبع خط سير أمها؛ لدرجة أنها لم تفكر قط في إمكانية اختيار نهج آخر في الحياة.»

وفي معهد الراديوم في ١٩٢٤ قابلت زوجها فريدريك جوليو (١٩٠٠–١٩٥٨)، الذي كان أحد طلاب الدكتوراه لدى أمها. وبدأ التعاون عن قرب بينهما بعد أن أنهى بحثه لدرجة الدكتوراه عام ١٩٣٠ وانتهى بعد خمس سنوات بحصولهما على جائزة نوبل في الكيمياء.

أما عن ابنهما؛ فقد أصبح فيزيائيًّا مثل جده بيير كوري وأبيه، ورُشِّح أيضًا للأكاديمية الفرنسية للعلوم، وكذلك سلكت أخته إيلين لانجفان-جوليو نفس مجال أبويها وجَدَّيها، ولكن على غرار أمها وجَدَّتها، فشلت في أن تصبح عضوًا في الأكاديمية الفرنسية للعلوم.

منذ نعومة أظفارها، كان من الواضح أن إيرين تتمتع بذكاء شديد وموهبة متميزة في الرياضيات. بالنسبة لماري، كان تعليم بناتها له أهمية قصوى؛ لذا فعندما أنهت إيرين دراستها في المدرسة الابتدائية ولم تجد أمها مدرسة ثانوية مناسبة لها أسست «مدرسة تعاونية». في هذه المؤسسة البديلة، تعاونت مع بعض زملائها العلماء المشهورين في تعليم بعضهم أطفال بعض. ولمدة عامين درَّست ماري كوري الفيزياء ودرَّس بول لانجفان الرياضيات، ودرَّس جان بيران (الذي حصل على جائزة نوبل في ١٩٢٦) الكيمياء. وعندما أُغلِقت المدرسة التعاونية بعد عامين، ذهبت إيرين إلى كلية سافينيا، واجتازت اختبار الثانوية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى مباشرة. أثناء الحرب تمكنت ماري كوري من اختراع أجهزة أشعة سينية محمولة، وساعدت الفرق الطبية على تشغيلها. وكانت إيرين في البداية تعاون أمها على الجبهة الشمالية، ثم أصبح لها فيما بعد فريق التمريض الخاص بها.

بدأت مشروعها البحثي المهم الأول مع زوجها في ١٩٣١، عندما درسا معًا آثار الاكتشافات الأخيرة لبوته وبيكر اللذين وصفا أشعة مخترقة جديدة، وهي أشعة جاما أو الأشعة الكهرومغناطيسية. ولهذا الغرض استخدم الزوجان جوليو-كوري أشعة ألفا من مصدر بولونيوم قوي جدًّا لقصف صفائح رقيقة من مواد مختلفة. عندما كانت المواد تحتوي على هيدروجين كانا يلاحظان إشعاعًا جديدًا وهو ما افترضا أنه أنوية الهيدروجين (بروتونات). نتيجة لسوء الفهم هذا أضاع الزوجان اكتشاف النيوترونات، وعلى الفور اكتشف جيمس شادويك (١٨٩١–١٩٧٤) أهمية نتائجهما ونشر بعد شهر واحد دليلًا تكميليًّا معلنًا اكتشاف النيوترونات، وهو ما حصل من أجله على جائزة نوبل في الفيزياء عام ١٩٣٥، نفس العام الذي حصل فيه الزوجان جوليو-كوري على جائزة نوبل في الكيمياء. لم يكن التمييز بين الفيزياء والكيمياء الإشعاعية واضحًا في ذلك الوقت. كان معهد الراديوم يركز على الكيمياء بدرجة كبيرة، على عكس المجموعات البحثية الأوروبية الأخرى التي كانت تركز على الفيزياء النووية (مثل معمل كافنديش (المملكة المتحدة)، معهد القيصر فيلهلم (ألمانيا)، معمل فيرمي (إيطاليا)). وربما يكون هذا هو السبب وراء حصول أعضاء هذه المعامل على جوائز نوبل أخرى، قدَّم آل كوري النتائج التجريبية الأساسية لها.

بعد حصولهما على جائزة نوبل، انفصلت مسيرة جوليو-كوري المهنية وانتهى تعاونهما البحثي. أصبحت إيرين أستاذًا بجامعة باريس، وتابعت البرنامج البحثي الذي أطلقه والداها في معهد الراديوم، ودَرَّس فريدريك في كلية فرنسا وأسس معمله الخاص، وأصبح الرائد الفرنسي في الفيزياء النووية عندما أسس تفاعلًا نوويًّا تسلسليًّا مع معاونيه في ١٩٣٩.

وصل نشاط إيرين جوليو-كوري السياسي إلى ذروته في ١٩٣٤-١٩٣٥ عندما انضمت إلى لجنة تأهب المثقفين المناهضين للفاشية، وفي وقت لم يكن فيه النساء يمتلكن حتى حق الاقتراح، أصبحت هي «سكرتير الدولة الثاني للبحث العلمي» تحت حكم الجبهة الشعبية؛ وهي الحكومة الاشتراكية لعام ١٩٣٦. قبلت إيرين المنصب مدفوعة بالأفكار المناصرة للمرأة، ولكن واجباتها اليومية كانت من الكثرة بحيث منعتها من أن تفي بمتطلبات منصبها، وكان هذا غالبًا هو سبب استقالتها بعد شهرين. ولإثبات تمييز الأكاديمية الفرنسية للعلوم ضد المرأة وكرهها لها تقدمت لعضوية الأكاديمية أربع مرات بين عامي ١٩٥١ و١٩٥٤ رغم توقعها رفض عضويتها. وحتى الطلب الذي تقدمت به لعضوية الجمعية الأمريكية الكيميائية رُفض في ١٩٥٣، وإن كان ذلك لأسباب سياسية؛ إذ كانت إيرين ضحية نشاط زوجها السياسي الشيوعي الذي أفقدها منصبها بوصفها رئيس قسم الكيمياء في لجنة الطاقة الذرية الفرنسية.

وعلى غرار أمها، عانت إيرين من سرطان الدم، الذي ربما تسبب فيه فرط تعرضها للأشعة السينية وأشعة جاما؛ إذ تعرضت لها منذ وقت طويل أثناء الحرب العالمية الأولى عندما كانت تعمل فنِّيَّ أشعة في المستشفيات العسكرية والمعامل. أيضًا لم تعترف إيرين، مثل أمها، بمخاطر النشاط الإشعاعي، التي كان العلماء يشتبهون فيها منذ أواخر عشرينيات القرن العشرين.

المراجع

  • Anonymous (1972) Distinguished nuclear pioneers, Frédéric and Irène Joliot-Curie, Journal of Nuclear Medicine, 13 (6), 402–406.
  • Bensaude-Vincent, B. (1996) Star scientists in a nobelist family. Irène and Frédéric Joliot-Curie. in Creative Couples in the Sciences. (eds H. M. Pycior, N. G. Slack, p. G. Abiram) Rutgers University Press, New Brunswick, NJ.
  • Brain, D. (2005) The Curies. A Biography of the Most Controversial Family in Science. John Wiley & Sons, Inc., Hoboken, NJ.
  • Curie, È. (1952) Madame Curie, Fischer Verlag, Frankfurt am Main, Germany.
  • Jones, L. M. (1990) Intellectual Contributions of Women to Physics. in Women of Science. Righting the Record, (eds. G. Kass-Simon and p. Farnes, associate ed. D. Nash) Indiana University Press, Bloomington and Indianapolis.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤