جوليا لرمونتوفا (١٨٤٦–١٩١٩)

ماريان أوفرينز

كانت جوليا لرمونتوفا أول امرأة في العالم تحصل على درجة علمية في الكيمياء، واعتبرها معاصروها واحدة من أهم الكيميائيين في وقتها، وعملت كيميائية حتى عمر الخامسة والثلاثين فحسب. وقد وقفت لرمونتوفا طوال حياتها في ظل صديقتها صوفيا كوفالفسكايا عالمة الرياضيات التي أصبحت أول امرأة تحصل على درجة الأستاذية في أوروبا.

•••

في ٢١ ديسمبر عام ١٨٤٦ (وفقًا للتقويم اليولياني) أو في ٢ يناير عام ١٨٤٧ (وفقًا للتقويم الميلادي)، ولدت جوليا فسيفولودوفنا في كنف أسرة لرمونتوف الأرستقراطية بسانت بطرسبرج. وكانت ابنة إليساوجيتا أندريجفنا كوسيكوفسكس وزوجها الجنرال فسيفولود ليرمونتوف، الذي كان ابن عم الشاعر الروسي الشهير ميخائيل لرمونتوف. وتربَّت جوليا في ظل التقليد الأرثوذكسي اليوناني وكذلك في التقليد الكاثوليكي الروماني، وعاشت أثناء شبابها في موسكو حيث كان والدها مسئولًا عن هيئة الطلاب بموسكو.

كان والداها ينتميان إلى الطبقة المثقفة بموسكو؛ ومن ثم أعطيا تعليم وتدريب أبنائهما أولوية قصوى؛ ولذا كان يوجد في مسكن آل لرمونتوف غالبًا مختلف المربيات الأجانب في نفس الوقت، وكانا ينتقيان أفضل المدرسين الخصوصيين للأطفال.

على الرغم من أن الأسرة لم تستطع مواصلة دعم جوليا في اهتمامها بالعلم، فإنهم لم يمنعوها من تطوير معرفتها في هذا المجال؛ ومن ثم تمكنت جوليا من قراءة الكتب المهنية الضرورية وإجراء تجارب بسيطة في المنزل.

في البداية أرادت جوليا دراسة الطب ولكن رؤية الهياكل العظمية في غرفة التشريح وفقر المرضى كانا كفيلين بإثارة اشمئزازها؛ ومن ثم قررت أن تلتحق بكلية زراعة بتروفسكايا في موسكو، والتي كانت تتميز ببرنامج ممتاز في الكيمياء. وعلى الرغم من أن طلب التحاقها كان مدعومًا بعدد كبير من الأساتذة فإنها رُفِضت؛ ولذا قررت أن تسافر للخارج. يبدو الأمر سهلًا، ولكن بالنسبة إلى امرأة في ذلك الوقت، ولا سيما امرأة روسية، لم تكن مهمة سهلة على الإطلاق، وكانت تحتاج إلى قدر هائل من الشجاعة والمثابرة وقوة الشخصية. كانت الدراسة صعبة وأغلبية النساء كانت لديهن موارد مالية ضعيفة؛ إذ كانت الأموال تُدَّخَر لدراسة الصبيان والرجال. بالإضافة إلى ذلك، فغالبًا ما كانت توجد معارضة من قِبَل الرجال.

من خلال ابنة عمها آنا إفرينوفا — التي صارت فيما بعد صاحبة أول دكتوراه في القانون من النساء — قابلت صوفيا كروين كروكوسكايا التي تزوجت زواج مصلحة من فلاديمير كوفالفسكي لتتمكن من الدراسة بالخارج كامرأة متزوجة. وأقنعت صوفيا كوفالفسكايا والدي جوليا ليسمحا لابنتهما بالسفر؛ فهي إذا سافرت بصحبة امرأة متزوجة فستجد من يحميها ويرعاها.

وفي خريف ١٨٦٩ وصلت جوليا إلى هايدلبرج، حيث أقامت مع آل كوفالفسكي، ونتيجة لنشاط كوفالفسكايا، قُبِلت جوليا في معمل بونزن، الذي كان معروفًا بكرهه للمرأة.

عزم بنسن ألا تدخل السيدات مرة أخرى في معمله، خاصةً السيدات الروسيات. كذلك لم يسمح للسيدة ليرمونتوف بالعمل معه ولم يدعها تتحدث إليه. ثم ذهبت إليه صوفيا كوفاليفسكايا واستجدت عطفه حتى لم يعُد بإمكانه المقاومة وغيَّر رأيه. أليس هذا صحيحًا؟ إلا أن ما فعله الفيلسوف لم يكن تصرفًا خاطئًا بالكامل. ومع ذلك ظل بنسن محتفظًا بسمعته بأنه كان يضيف من خياله قليلًا على ما يرويه من قصص؛ فقد كان يؤلف روايات، حتى إن كانت لم تُنشر.

كارل فايرشتراس في رسالة موجهة إلى صوفيا كوفالفسكايا (١٨٧٤)
كذلك كتب فايرشتراس:

استفدتُ بالطبع كثيرًا من كلامكِ وكلام رفيقتَي دراستك الاثنتين (ليرمونتوفا وجورينوفا)، وعرفتُ كثيرًا عن نمط حياتك غير التقليدي في هذه الفترة، واستمتعتُ به كثيرًا. وقد أصبحتِ تحظين باهتمام أكبر في هايدلبرج.

وفي معمل بونزن أجرت أبحاثًا حول مركبات البلاتين، وسرعان ما لحقت بالروسيتين آنا إفرينوفا التي رفض والداها دراستها بالخارج رفضًا شديدًا، حتى إن والدها كان «يفضِّل موتها عن التحاقها بجامعة»؛ ونظرًا لأنها لم تستطع الحصول على زيجة مصلحة، هربت عبر الحدود، تحت نيران الحرس.

وفي ١٨٧١ تبعت لرمونتوفا صديقتها كوفالفسكايا من هايدلبرج إلى برلين، وهناك عملت لرمونتوفا في معمل أوجست فيلهلم هوفمان الخاص، وحضرت محاضراته عن الكيمياء العضوية كطالبة خاصة، ونشرت بحثها الأول: «عن مركب الدايفنين».

في بداية عام ١٨٧٤، أنهت رسالة الدكتوراه الخاصة بها: «المعرفة بمركبات الميثيلين»، وبعد مناقشة مطولة حول إمكانية قبول النساء، وعلى نحو خاص قبول جوليا فون لرمونتوف، استطاعت أن تدافع عن عملها في حفل تخرُّج اعتيادي، في ٢٤ أكتوبر ١٨٧٤ في جوتنجن، حيث خلَفت دوروتيا شلوتسر؛ أول امرأة تحصل على درجة الدكتوراه في جوتنجن.

كانت شديدة القلق على تخرجها؛ ولذا كانت مفاجأة سارة لها عندما رأت الأساتذة جالسين على مائدة الشاي والحلوى، وربما النبيذ أيضًا. لم يكن الاختبار سهلًا، ولكنهم شربوا وأكلوا بعده، وعلاوة على ذلك، أخبرها الأساتذة أنهم منحوها دكتوراه من الدرجة الأولى.

عندما عادت جوليا إلى روسيا في عام ١٨٧٤، كان ديميتري مندليف وغيره من الكيميائيين في الجمعية الكيميائية الروسية سعداء لرؤيتها. عملت لفترة قصيرة في معمل فلاديمير ماركوفنيكوف في موسكو، ولكن بعد فترة عادت مرة أخرى إلى سانت بطرسبرج، حيث وجدت وظيفة لدى ألكسندر بتلروف وإم لفوف في معمل الجامعة، وأجرت مع آخرين أبحاثًا عن إنتاج حمض 2-methyl-2-butenoic acid، وعملت منذ ١٨٧٦ مراسلة لجريدة «بوليتن دي لا سوسيتي كيميك دي باريس» الفرنسية.

في العام نفسه أصيبت جوليا بحمى التيفود، وكان من مضاعفاتها إصابتها بالتهاب حاد في الدماغ، وخاف الناس على حياتها وكذلك على ذكائها، ولكنها لحسن الحظ شفيت تمامًا من المرض.

في ١٨٧٧ توفي والد جوليا؛ ولذا انتقلت إلى موسكو لترعى مصالح أسرتها، وفي موسكو وجدت مكانًا شاغرًا في معمل ماركوفنيكوف الذي عمل في أبحاث البترول؛ لأن البترول كان يوجد بكميات ضخمة بالقرب من باكو. كانت جوليا أيضًا أول امرأة تعمل في هذا المجال البحثي، وطورت جهازًا للتقطير المستمر للبترول أشاد به معاصروها على الرغم من عدم إمكانية استخدامه على نطاق صناعي.

ظل بتلروف يحاول إقناعها، من سانت بطرسبرج، بقبول منصب معلم في الحلقات الدراسية المتقدمة للنساء، ولكنها لم تقبل العرض؛ وطبقًا لما قالته جوليا نفسها، كان هذا لأنها كانت تتساءل عما إذا كان وزير التعليم سيمنحها ترخيصًا بذلك، ولكن طبقًا لبتلروف، كانت كوفالفسكايا هي الملومة؛ لأنها تركت ابنتها تحت الرعاية الكاملة لجوليا، في حين أن صوفيا، طبقًا لبتلروف، كانت «تتجول حول العالم».

في ١٨٨١ أصبحت جوليا أول امرأة تكون عضوًا في الجمعية التقنية الروسية.

نظرًا لأن جوليا ورثت ضيعة الأسرة سمنكوفو؛ فقد اعتادت على الإقامة فيها لعدد من الشهور في الصيف، وفي النهاية فضلت هذا على الكيمياء وأقامت في الريف إقامة دائمة. وهناك حولت اهتمامها إلى العلوم الزراعية، ولاقى الجبن الذي كان يتم تصنيعه في الضيعة نجاحًا، وكان يباع في جميع أنحاء روسيا وأوكرانيا. عاشت جوليا في الضيعة حياة منعزلة، ومع ذلك، كان من المعروف أنها مرضت مرضًا شديدًا في ربيع ١٨٨٩ حيث أصيبت بالتهاب رئوي حاد، وفي خريف هذا العام سافرت إلى استوكهولم لتزور كوفالفسكايا. وفي مايو ١٨٩٠ قابلت صوفيا كوفالفسكايا في سانت بطرسبرج، وفي الوقت نفسه اصطحبت فوفا، ابنة صوفيا، وقد أثرت فيها وفاة كوفالفسكايا المفاجئة في ١٨٩١ أيما تأثير فكتبت «ذكريات صوفيا كوفالفسكايا».

بعد ثورة أكتوبر ١٩١٧ كان ثمة محاولة لتأميم ضيعة سمنكوفو، ولكن أناتولي لوناشارسكي، وزير التعليم — الذي لعب أيضًا دورًا في حماية ميراث إيكاترينا جونتشاروفا — تدخَّل؛ فكانت النتيجة السماح لجوليا بالاحتفاظ بالضيعة. وفي ديسمبر ١٩١٩، توفيت جوليا لرمونتوفا جراء الإصابة بنزيف بالمخ. وعلى الرغم من أن جوليا لم تتزوج إطلاقًا؛ فقد كانت فوفا كوفالفسكايا بمثابة ابنة لها، وكانت تعتبرها «ماما لوليا» وورثت ضيعة لرمونتوفا كلها.

المراجع

  • Koblitz, A. H. (1983/1993) A Convergence of Lives. Sofia Kovalevskaia: Scientist, Writer Revolutionary, Rutgers University Press, New Brunswick NJ.
  • Ogilvie, M. and Harvey, J. (eds) (2000) The Biographical Dictionary of Women in Science. Pioneering Lives from Ancient Times to the Mid-20th Century, Routledge, Cambridge, MA/London.
  • Rebière, A. (1897) Les Femmes dans La Science. Notes Recueillies, Librairie Nony & Cie, Paris.
  • Rogger, F. (1999) Der Doktorhut im Besenschrank. Das abenteurliche Leben der ersten Studentinnen—am Beispiel der Universität Bern, eFeF Verlag, Bern.
  • Roussanova, E. (2001) Julia Lermontova (1846–1919), Die erste promovierte Chemikerin des 19. Jahrhunderts, Hamburg.
  • Tobies, R. (1997) Aller Männerkultur zum Trotz. Frauen in Mathematik und Naturwissenschaften, Frankfurt am Main.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤