الفصل العاشر

الشاهد الآخر

تبِعتُ أبيل كرون بقلبٍ تتسارَع دقاته وأعصابٍ مُتوترة للغاية إلى خارج واجهة متجره إلى ما يُشبه حجرةَ مكتبٍ كائنة في الجزء الخلفي منه، كانت عبارةً عن حفرة صغيرة، قذرة، فيها طاولة مُتهالكة، وكرسيٌّ أو اثنان، ومنضدة مرتفعة، وخزانة، ومجموعة متنوعة من الأدوات الغريبة التي جمعها في تجارته. كان كشْف الرجل المفاجئ عن معرفة السرِّ قد أطاح بكل ثقتي في نفسي. إذ لم يخطر ببالي أبدًا أنَّ أيَّ مخلوقٍ كان لدَيه أي عِلم بسرِّي؛ لأنه كان سرًّا، بالطبع، وما كنت لأفصح به لكرون، من بين جميع الرجال في العالم، مع معرفتي بكونه شخصًا يهوى النميمة. وقد ألقى عليَّ هذا الدفع بحدَّة شديدة، وأخذني على حين غِرة وأنا وحدي معه، وتحت رحمته، كما كان الأمر، قبل أن أتمكَّن من أن أستجمع فطنتي. كان كلُّ شيءٍ بداخلي مُرتبكًا. كنتُ أفكِّر في عدة أشياء في وقتٍ واحد. كيف عرف؟ هل كنتُ مُراقَبًا؟ هل تبعني شخصٌ ما من بيرويك في تلك الليلة؟ هل كان هذا جزءًا من الغموض العام؟ وماذا كان سينتج عن ذلك، بعد أن أدرك أبيل كرون أنَّني كنت أعرف شيئًا ما، ولم أفصِح عنه حتى ذلك الحين؟

وقفتُ أُحدِّق فيه مشدوهًا وهو يرفع فتيل مصباح زيت وُضِع على رفِّ مَوقد تتناثر عليه فوضى من الأشياء الصغيرة، ولمح وجهي عندما صار هناك المزيد من الضوء، وبينما كان يُغلق الباب ضحك، ضحك كما لو كان يعرف أنه قد وضعني في فخ. وقبل أن يتكلم مرةً أخرى ذهب إلى الخزانة وأخرج زجاجة وكأسين.

وسأل، وهو ينظر نحوي بخُبث: «هل ترتشف بعض المشروب؟» وأضاف: «قطرة ضئيلة؟ ستُجديك نفعًا.»

فقلت: «كلا!»

أجاب، وهو يسكب مقدارَ نصف كأسٍ من الويسكي، أضاف إليه القليل من الماء: «إذن سأشرب نيابةً عني وعنك.» ثم أضاف: «نخبُك، يا ولدي؛ وأتمنَّى أن تتحلَّى بفضيلة الاستفادة من فُرَصك!»

غمز من فوق حافة كأسه وهو يأخذ جرعةً كبيرة من محتواها، وبدا الشرُّ في نظرته لدرجةٍ استفزَّتني كي أتمالك أعصابي مرةً أخرى. إذ أدركتُ حينئذٍ أنني أتعامل مع رجلٍ سيئٍ لدرجةٍ استثنائية، وأنه من الأفضل أن أتوخَّى الحذر.

فقلت وأنا أحدِّق فيه مباشرةً: «سيد كرون، ماذا تريد أن تقول لي؟»

أجاب، وهو يشير إلى كرسيٍّ دُفِع تحت أحد جانبي الطاولة الصغيرة: «اجلس.» وتابع: «اسحب ذلك الكرسي واجلس. ما سيقوله أحدنا للآخر لن يُقال في غضون خمس دقائق. دعنا نتناقش بطريقةٍ مناسبة ومريحة.»

فعلت ما طلب، وسحب هو كرسيًّا آخر وجلس قبالتي، مُسندًا كوعه على الطاولة ومال للأمام عبْرَها، لدرجةِ أن عينَيه الحادتَين وشفتيه المتسائلتين كانت قريبة مني أكثر مما كنت أود، نظرًا لأن الطاولة كانت صغيرة. وبينما كان يميل إلى الأمام في جِلسته، أسندتُ أنا ظهري على مقعدي، مُبتعدًا عنه قدرَ المُستطاع، ومحدِّقًا فيه فقط؛ كما لو كنتُ حيوانًا محاصرًا لا يستطيع الابتعاد عن عينَي آخرَ يرغب في قتله على الفور. وسألته مرةً أخرى عما يريد.

فقال: «لم تُجِب عن سؤالي.» وأضاف: «سأطرحه مرةً أخرى، ولا داعي للخوف من أن يسمعنا أحد في هذا المكان، إنه آمِن! أقول مرةً أخرى، لماذا لم تقُل في شهادتك خلال ذلك التحقيق إنك قد رأيت السير جيلبرت كارستيرز عند مفترق الطرُق في ليلة الجريمة! هه؟»

قلت: «هذا شأني!»

قال: «بالضبط.» وتابع: «وسأتفق معك في ذلك. هذا شأنك. ولكن إن كنتَ تقصد بذلك أنه شأنك وحدك، ولا يخصُّ أيَّ شخصٍ آخر، فأنا لا أتفق معك. ولن تتفق معك الشرطة.»

حدَّق أحدُنا في الآخر عبر المنضدة لمدة دقيقة في صمت، ثم طرحت عليه مباشرةً السؤال الذي كنتُ أرغب في طرحه منذ أن تحدَّث في البداية. وطرحته عليه بغلظةٍ كافية.

سألته: «كيف عرفت؟»

فضحك على ذلك؛ بسخرية، بالطبع.

وقال: «حسنًا، هذا بسيط للغاية.» ثم أضاف: «لا مراوغة في ذلك! كيف عرفت؟ لأنه عندما رأيتَ السير جيلبرت كنتُ أقف على بُعد خمسة أقدامٍ منك، وما رأيتَه أنت، رأيتُه أنا. رأيتكما كليكما!»

فصحتُ قائلًا: «هل كنتَ هناك؟»

أجاب: «مختبئًا خلف السياج الشجري الذي كنتَ مندسًّا أمامه.» ثم أضاف: «وإذا كنتَ تريد أن تعرف ما كنتُ أفعله هناك، فسوف أخبرك. كنت أنجز — أو كنت قد انتهيتُ من — بعض الصيد غير القانوني. وكما قلت، ما رأيتَه أنت رأيتُه أنا!»

قلت: «إذن سأطرح عليك سؤالًا، يا سيد كرون.» وتابعت: «لماذا لم تفصح عن ذلك، بنفسك؟»

قال: «حسنًا!» وتابع: «يحقُّ لك أن تسألني هذا السؤال. لكنني لم أُستَدعَ شاهدًا في ذلك التحقيق.»

قلت: «كان يُمكنك أن تتقدَّم للإدلاء بشهادتك.»

أجاب بحدة: «لم أختَر ذلك.»

نظر أحدُنا إلى الآخر مرةً أخرى، وبينما كنَّا ننظر، تجرَّع كأسه بالكامل وصبَّ لنفسه، بسخاء، كأسًا أخرى. وإذ ازددتُ جرأةً بحلول ذلك الوقت، بدأت العمل على استجوابه.

فقلت: «هل ستُولي بعض الأهمية لما رأيته؟»

أجاب ببطء: «حسنًا، ليس شيئًا يبعث على السرور، من أجل سلامة المرء، أن يكون قريبًا مثلما كان عليه من مكانٍ قُتِل فيه رجل آخر لتوِّه.»

قلت له: «أنت وأنا كنا قريبين للغاية، على أي حال.»

ردَّ عليَّ بحدة مرةً أخرى: «نحن نعرف لماذا كنَّا هناك.» وأضاف: «ولا نعرف سبب وجوده هناك.»

قلت بجرأة: «قُلها، يا سيد كرون.» وأضفت: «الحقيقة هي، أنك تشتبِهُ فيه، أليس كذلك؟»

أجاب: «أنا أشتبه فيه بقدرٍ كبير، ربما.» وأضاف: «ففي نهاية الأمر، حتى الرجل الذي في مثل مكانته هو مجرد رجل، عندما يُقال ويُفعَل كل شيء، وقد تكون ثمة أسبابٌ لا نعرف أنا وأنت عنها شيئًا. دعني أطرح عليك سؤالًا»، تابع، وهو يقترب منِّي عبر المنضدة. «هل ذكرتَ ذلك لأي أحد؟»

أخطأت في ذلك، لكنه كان حادًّا جدًّا معي، وكان أسلوبه شديدَ الإصرار، لدرجةِ أن الكلمة خرجت من بين شفتَيَّ قبل أن أُفكِّر.

حيث أجبت: «كلَّا!» «لم أفعل.»

قال: «ولا أنا.» وتابع: «ولا أنا. إذن، أنت وأنا الشخصان الوحيدان اللذان يعرفان.»

سألت: «وماذا في ذلك؟»

تجرَّع بعض المشروب مرةً أخرى وجلس صامتًا لحظةً أو اثنتَين، وهو ينقر بأظافر أصابعه على حافة الزجاج.

قال أخيرًا: «إنها قضية غريبة، يا مونيلوز.» وتابع: «انظر إلى الأمر بأيِّ طريقةٍ تُعجبك، ستُدرك أنها قضية غريبة! لدَينا رجل، مُستأجِر لغرفةٍ بمنزل والدتك، يأتي إلى البلدة ويتجوَّل في الجوار ويقرأ سجلات الأبرشية القديمة ويطرح أسئلة على القس، أجل، وتجوَّل على كِلا ضفتي نهر تويد؛ لقد علمت ذلك بنفسي! لأي غرض؟ هل يتعلَّق الأمر بأموال، أو مُمتلكات، أو شيء من هذا القبيل، يعتمد على كشف جيلفرثويت هذا عن بعض الحقائق أو غير ذلك من تلك السجلات القديمة؟ ثم يأتي رجل آخر، غريب، غامض في تحركاته بقدرِ ما كان جيلفرثويت، من المُفترَض أن يلتقي بجيلفرثويت في بقعةٍ مُنعزلة مُعينة، وفي ساعة غريبة جدًّا، ولا يستطيع جيلفرثويت الذهاب، ويجعلك تذهب، وتجد الرجل … مقتولًا! وبالقُرب من المكان … رأيتَ هذا الرجل الآخر، الذي يتَّسِم، بيني وبينك، على الرغم من أنه ليس سرًّا، بأنه غريب عن المنطقة بقدرِ ما كان جيلفرثويت أو فيليبس!»

قلت: «لا أفهم ما تقصد من ذلك.»

قال: «ألم تفهم؟» تابع: «إذن سأبسط لك الأمر أكثر. هل تعلم أنه حتى جاء السير جيلبرت كارستيرز إلى هنا، منذ فترةٍ ليست بالطويلة، ليأخذ لقبه ومنزله والضيعة، لم تكن قدمُه قد وطئت المكان مُطلقًا، ولم يقترِب من المكان مُطلقًا، طوال الثلاثين عامًا هذه؟ عجبًا يا رجل! إن والده، السير أليك العجوز، وشقيقته، السيدة رالستون بارونة كريج، لم يكونا قد رَأَياه مُطلقًا منذ رحيله عن هاثركلو، وهو شابٌّ في الحادية والعشرين من عمره!»

صحتُ قائلًا، وقد فوجئت كثيرًا بكلماته: «أحقًّا تقول، يا سيد كرون؟» وتابعت: «لم أكن أعرف ذلك. أين كان، إذن؟»

قال: «الربُّ يعلم!» ثم أضاف: «وكذلك هو. قيل إنه كان طبيبًا في لندن، وفي بلاد أجنبية. تشاجر هو وأخوه — الأخ الأكبر، كما تعلم، السيد مايكل — مع البارونيت العجوز عندما كانا في سنِّ الشباب، وهجراه، وسلك كلٌّ منهما في طريقه. ووصلت الأخبار عن وفاة مايكل، والأدلة عليها، إلى المنزل قبل وقتٍ قصير من وفاة السير أليك، وبما أن مايكل لم يكن قد تزوَّج أبدًا، فقد آلت التركة إلى الأخ الأصغر بالطبع عندما تُوفِّي والده في الشتاء الماضي. وكما قلت، مَن ذا الذي يعرف أيَّ شيءٍ عن أفعاله الماضية عندما كان بعيدًا لأكثر من ثلاثين عامًا، ومَن كانوا أصحابه، وما هي أسراره؟ هل تفهم ما أقول؟»

أجبته: «أجل، أفهمك، يا سيد كرون.» ثم أضفت: «خُلاصة الأمر، أنت تشتبه في السير جيلبرت، أليس كذلك؟»

أجاب: «ما أقوله، هو هذا: ربما كانت له علاقة بالقضية. لا يمكنك الجزم. لكن أنا وأنت نعلم أنه كان بالقُرب من المكان، قادمًا من اتجاهه، وقتَ ارتكاب جريمة القتل. ولا أحد يعرف غيرك … وغيري!»

سألت: «ماذا ستفعل حيال ذلك؟»

أخذ فترةً أخرى من التفكير قبل أن يُجيب، وعندما تحدَّث كان حديثه مصحوبًا بنظرة تحذير.

قال: «ليس من الحِكمة الحديث عن الرجال الأغنياء.» وأضاف: «ذلك الرجل لا يملك فقط ماله الخاص، الذي يُمكن أن تصفه بأنه كمية كبيرة، ولكن زوجته التي أحضرها معه هي امرأة ذات ثروة هائلة، كما علمت. لن يكون من الحِكمة أن تُثير الشائعات، يا مونيلوز، ما لم تتمكَّن من إثباتها.»

سألت: «وماذا عنك؟» وتابعت: «أنت تعرف بقدرِ ما أعرف.»

قال: «أجل، وتُوجَد كلمة واحدة تُلخِّص كلَّ شيء.» وتابع: «وهي كلمة قصيرة. تمهَّل! سيُكْتَشَف المزيد من الأمور. احتفظ بخططك قليلًا. وعندما تأتي اللحظة المناسبة، وإذا حانت تلك اللحظة، قطعًا، تعرف أنني وراءك لأدعمك. وهذا كل شيء!»

ثم نهض، مع إيماءة، كما لو أنه يُعلِن أن المقابلة قد انتهت، وكنت سعيدًا جدًّا بالابتعاد عنه لدرجةِ أنني غادرتُ دون كلمةٍ أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤