الفصل الثامن عشر

فأس الثلج

وضعت الشرطة كارتر في قفص الاتهام أمام مجموعةٍ كاملة من القضاة في صباح اليوم التالي، وكانت المحكمة مزدحمةً للغاية لدرجةِ أنني والسيد ليندسي اضطُررنا إلى أن نشقَّ طريقنا بالقوة من أجل الوصول إلى منضدة المُحامين. وعُرِضَت عدة قضايا ثانوية قبل إحضار كارتر من الزنزانة، وخلال جلسة الاستماع هذه كان لديَّ براح من الوقت للنظر في أرجاء المحكمة ومعرفة مَن كان هناك. وعلى الفور تقريبًا رأيتُ السير جيلبرت كارستيرز الذي، على الرغم من أنه لم يكن قد نُصِّب قاضيَ صُلحٍ بعدُ — حيث وصل تفويضه إلى ذلك المنصب المُوقَّر بعد بضعة أيام، وهو ما كان غريبًا للغاية — كان قد مُنِح مقعدًا على المنصَّة، بصُحبة واحدٍ أو اثنين من الشخصيات المرموقة المحلية الأخرى، أحدهم، كما لاحظتُ بشيءٍ من الفضول، كان القس السيد ريدلي الذي كان أعطى شهادته في التحقيق الذي أُجري حول مقتل فيليبس. كان من السهل ملاحظة أن كل هؤلاء الأشخاص في حالة فضولٍ شديد بشأن مقتل كرون؛ ومن بعض الهمسات التي سمعتُها، فهمت أن السبب الرئيسي لهذا الاهتمام يكمُن في رأيٍ مُتفق عليه مفاده، كما كان السيد ليندسي قد صرَّح لي أكثر من مرة، بأن هذه الجريمة مُشابهة لجريمة الأسبوع السابق. وكان من السهل جدًّا ملاحظة أنهم لم يكونوا مُهتمِّين برؤية كارتر بقدرِ اهتمامهم بسماعِ ما يمكن أن يُتَّهم به.

بدا أن ثمة دهشة عامة عندما أعلن السيد ليندسي بهدوءٍ أنه موجود للدفاع عن السجين. كنتَ ستظنُّ من سلوك الشرطة أنه، في رأيهم، لم يكن يُوجَد ما يفعله القضاة الجالسون على المنصة سوى سماع القليل من الأدلة وإحالة كارتر على الفور إلى محكمة الجنايات لمُحاكمته بتهمة القتل العمد. كانت الأدلة التي قدَّموها، بالطبع، واضحةً ومباشرة للغاية. فقد عُثِر على كرون طريحًا في بركةٍ عميقة في نهر تيل؛ لكن الشهادة الطبية أظهرت أنه لقِيَ حتفه بضربةٍ من أداة حادة، اخترق سنُّها الجمجمة والجزء الأمامي من المخ بطريقةٍ تُسبِّب الموت الفوري. وكان قد قُبِض على الرجل الموجود في قفص الاتهام وبحوزته محفظة كرون؛ ومن ثم، بحسب الشرطة، يكون هو مَن قتل كرون وسرقه. كما قلت، كان السيد موراي وجميع رجاله، كما ترَون، مُتفِقين تمامًا مع الرأي القائل بأن هذا كان كافيًا؛ وأنا على يقين من أن القضاة كانوا يفكِّرون بنفس الطريقة. ولم تكن الشرطة سعيدةً للغاية، وكان بقية الحضور في المحكمة، على أقل تقدير، مُتحيِّرين بعض الشيء، عندما طرح السيد ليندسي بضعة أسئلة على شاهدَين، كان تشيسهولم أحدُهما، وكان الطبيب الذي فحص جثة كرون هو الآخر. وقبل ذِكر تلك الأسئلة التي طرحها السيد ليندسي، سأوضح هنا أنه كان يُوجَد شيء معيَّن، نوع من التلميح الغامض في طريقته خلال طرحها عليهما، والذي أوحى بأكثر بكثيرٍ من الأسئلة المجرَّدة نفسها، وجعل الناس يبدءون في التهامُس فيما بينهم بأن المحامي ليندسي يعرف أشياء لم يُقرِّر الإفصاح عنها بعد.

وقد طرح أسئلته الأولى على تشيسهولم، بطريقةٍ عادية، كما لو كانت أسئلةً عادية جدًّا، ولكن في إطارٍ من الدلالة وراءها، أثار الفضول.

حيث سأله: «أجريتَ تفتيشًا شاملًا للغاية للمنطقة التي عُثِر فيها على جثة كرون، أليس كذلك؟»

أجاب تشيسهولم: «بحث كامل.»

«هل وجدت بالضبط البُقعة التي قُتِل فيها الرجل؟»

«استنادًا إلى آثار الدماء، أجل.»

«على ضفة النهر، بين النهر وبعض الأشجار، أليس كذلك؟»

«بالضبط، بين الضفة وبعض الأشجار.»

«كم المسافة التي سُحِبَت عبرها الجثة قبل أن تُلقى في النهر؟»

أجاب تشيسهولم على الفور: «عشر ياردات.»

سأل السيد ليندسي: «هل لاحظتَ أي آثار أقدام؟»

أوضح تشيسهولم: «كان من الصعب اقتفاء أيٍّ منها.» وتابع: «فالعشب كثيف جدًّا في بعض الأماكن، وحيث لا يكون كثيفًا، فهو مُتقارب وليِّن من حيث الملمس بحيث لا يمكن أن يترك الحذاء عليه أيَّ أثر.»

قال السيد ليندسي، وهو يميل إلى الأمام وينظر إلى تشيسهولم في وجهه: «سؤال آخر.» وتابع: «عندما وجهتَ الاتهام إلى الرجل الموجود في القفص بقتل أبيل كرون، هل أظهر في الحال — على الفور! — أكبر قدرٍ من المُفاجأة؟ هيا، أنت تحت القسَم، نعم أم لا؟»

قال تشيسهولم: «نعم! لقد فعل.»

«لكنه اعترف بنفس السرعة أن محفظة كرون بحوزته؟ مرةً أخرى، نعم أم لا؟»

قال تشيسهولم: «نعم.» وأضاف: «نعم … هذا صحيح.»

كان ذلك كلَّ ما سأله السيد ليندسي لتشيسهولم. ولم يسأل الطبيب أكثرَ من ذلك بكثير. ولكن كان يُوجَد المزيد من الإثارة بشأنِ ما سأله عنه، نابعة من شيءٍ فعله أثناء السؤال.

حيث قال: «يُوجَد حديث، أيها الطبيب، حول تحديد نوع السلاح الذي تسبَّب في إصابة هذا الرجل كرون بجرح قاتل.» وتابع: «اقتُرِح أن الجرح الذي تسبَّب في وفاته ربما كان، ومن المُرجَّح أنه كان، ناتجًا عن ضربة من رُمح سلمون. ما رأيك؟»

قال الطبيب بحذَر: «ربما كان كذلك.»

قال السيد ليندسي: «لقد كان ناتجًا بالتأكيد عن سلاح مُدبَّب؛ نوع من الأسلحة المُسنَّنة، أليس كذلك؟»

أكَّد الطبيب: «سلاح حاد، ومدبَّب، بكل تأكيد.»

«تُوجَد أشياء أخرى غير رمح السلمون كان من المُمكن، في رأيك، أن تُسبِّب ذلك؟»

قال الطبيب: «أوه، بالتأكيد!»

توقَّف السيد ليندسي لحظةً، وجال بناظرَيه في قاعة المحكمة كما لو كان يُفكِّر في سؤاله التالي. ثم فجأة وضع يده تحت المنضدة التي كان يقف أمامها، ووسط صمتٍ تام أخرج طردًا طويلًا، رفيعًا، من الورق البُنِّي كنت قد رأيته يُحضِره إلى المكتب صباح ذلك اليوم. وبهدوء، بينما ازداد الصمت عمقًا والاهتمام قوة، أخرج منه شيئًا ما لم أكن قد رأيتُ مثله من قبل؛ أداةً أو سلاحًا يبلغ طوله ثلاثة أقدام، وعموده مصنوع من خشبٍ صلب ولكن من الواضح أنه مرن، ومزوَّد في أحد طرفيه بحلقةٍ حديدية قوية، وفي الآخر برأسٍ فولاذي، أحد طرفَيه على شكل قدُّوم نجار، بينما كان الآخر سنًّا رفيعًا. وازن هذا السلاح بين راحتَيه المفتوحتَين للحظة، حتى تتمكَّن هيئة المحكمة من رؤيته، ثم مرَّره إلى منصة الشهود.

ثم قال: «الآن، أيها الطبيب، انظر إلى هذا، وهو أحد أحدث أشكال فأس الثلج. هل يمكن أن يكون ذلك الجرح ناتجًا عن هذا، أو شيءٍ مُشابه جدًّا له؟»

وضع الشاهد سبَّابته على السن الحاد للرأس.

وأجاب: «بالتأكيد!» ثم أضاف: «من الأرجح أن يكون ناتجًا عن مثل هذا السلاح من أن ينتج عن رمح السلمون.»

مدَّ السيد ليندسي يده ليأخذ فأس الثلج، وبعد أن أمسكها، مرَّرها لي هي وطرد الورق البني.

وقال: «شكرا لك أيها الطبيب؛ ذلك كلُّ ما أردتُ معرفته.» ثم التفت إلى منصة القضاة. وسأل: «أودُّ أن أسأل حضراتكم، إن كانت نيَّتُكم، بناءً على الأدلة التي سمعتموها، أن تحكموا على السجين بتهمةٍ عقوبتها الإعدام اليوم؟» وتابع: «إذا كان الأمر كذلك، فسأُعارض مثل هذا القرار. ما أودُّ طلبه، وأنا أعلم ما أفعله، هو تأجيل هذه القضية لمدة أسبوع، إلى أن أحصل على بعض الأدلة لأضعها أمامكم، والتي، أظنُّ أنها سوف تُثبت أن هذا الرجل لم يقتل أبيل كرون.»

دار بعض النقاش. وأوليتُ قليلًا من الاهتمام له؛ إذ كنتُ مندهشًا إلى حدٍّ كبير من المنعطف المفاجئ الذي سلكته الأمور، ومذهولًا تمامًا من إخراج السيد ليندسي لفأس الثلج. لكن النقاش انتهى إلى الاستجابة لطلب السيد ليندسي، ووضْع كارتر في الحبس الاحتياطي، على أن يَمثُل أمام المحكمة مرةً أخرى بعد أسبوع؛ وبعد قليلٍ خرجنا جميعًا إلى الشوارع، في مجموعات، والجميع يتحدَّثون بحماسٍ حول ما حدث للتو، ويتكهَّنون بشأنِ ما كان يسعى إليه المحامي ليندسي. ومع ذلك، كان السيد ليندسي نفسه أكثر ثباتًا، وإذا كان يُوجَد أي شيءٍ يصف حاله، فقد كان أكثر هدوءًا من المعتاد. ربَّت على ذراعي عندما خرجْنا من المحكمة، وفي نفس الوقت أخذ منِّي الطرد الذي يحتوي على فأس الثلج.

وقال: «يا هيو؛ لا يُوجَد شيء آخر أفعله اليوم، وسأغادر البلدة في الحال، حتى الغد. يمكنك إغلاق المكتب الآن، ويمكنك أنت والاثنان الآخران أن تحصلوا على إجازة. سأذهب مباشرةً إلى البيت وبعد ذلك إلى المحطة.»

استدار بسرعةٍ في اتجاه منزله، وذهبت إلى المكتب لتنفيذ تعليماته. لم يكن ثمَّة شيء غريب في أن يُعطيَنا إجازة؛ كان شيئًا يفعله غالبًا في الصيف، في الأيام الجميلة التي لم يكن لدينا فيها الكثير لنفعله، وكان هذا يومًا مَجيدًا رائعًا، وكان سير الدعوى في المحكمة قصيرًا جدًّا لدرجةِ أنَّ وقت الظهيرة لم يكن قد حلَّ بعد. لذا صرفت الموظفَين المُبتدئَين وفتى المكتب، وأغلقته، وغادرتُ أنا أيضًا، وفي الشارع خارج المكتب التقيتُ بالسير جيلبرت كارستيرز. كان قادمًا في اتجاه مكتبنا، ومن الواضح أنه كان مُستغرقًا في التفكير، وارتجف قليلًا عندما رفع ناظرَيه ورآني.

وقال بطريقته العفوية: «مرحبًا، يا مونيلوز!» وتابع: «كنتُ توًّا أريد أن أراك. اسمع!» وتابع، وهو يضع يدَه على ذراعي «هل أنت مُتأكد تمامًا من أنك لم تُخبِر أيَّ أحدٍ عداي بما رأيته أنت وكرون؛ هل تعرف ما أعني؟»

أجبت: «مُتأكد تمامًا، يا سير جيلبرت!» وأضفت: «لا يُوجَد أحد يعرف الأمر، عداك.»

قال: «حسنًا»، وكان بوسعي أن أُلاحظ أنه شعر بالارتياح. ثم أضاف: «لا أُريد التورُّط في هذه الأمور؛ أنا أكره ذلك للغاية. ما الذي يُحاول ليندسي الوصول إليه في دفاعه عن ذلك الرجل كارتر؟»

أجبت: «لا أستطيع أن أتصوَّر.» وتابعت: «إلا إذا كان يميل الآن إلى نظرية الشرطة القائلة بأن فيليبس قُتِل على يد رجلٍ أو رجال تبعوه من بيبلز، وأن نفس الرجل أو الرجال قتلوا كرون. أظن أنه لا بدَّ أن الأمر كذلك: كان يُوجَد بعض الرجال، السيَّاح، يتجولون في الأرجاء، ولم يُعْثَر عليهم بعد.»

تردَّد لحظة، ثم نظر إلى باب مكتبنا.

ثم سأل: «هل ليندسي بالداخل؟»

أجبت: «كلَّا يا سير جيلبرت.» وتابعت: «لقد غادر البلدة ومَنحَنا إجازة.»

قال، وهو ينظر نحوي بابتسامةٍ مفاجئة: «أوه!» ثم أضاف: «لقد حصلتَ على إجازة، يا مونيلوز، أليس كذلك؟ انظر هنا، أنا ذاهب في جولة باليخت الخاص بي، تعالَ معي! متى يُمكنك أن تُصبح مُستعدًّا؟»

أجبت، وقد سُررت بالدعوة: «بمجرد أن أتناول طعام الغداء، يا سير جيلبرت.» ثم أضفت: «هل ساعة كافية؟»

قال: «لستَ بحاجةٍ لأن تشغل نفسك بشأن غدائك.» وتابع: «لديَّ سلة غداء مُعبَّأة الآن في الفندق، وسأعود لأطلُب منهم وضعَ ما يكفي شخصَين. اذهب وأحضِر معطفًا ثقيلًا، وقابلني عند المرسى في غضون نصف ساعة.»

هُرعتُ إلى المنزل، وأخبرتُ والدتي إلى أين أنا ذاهب، وأسرعتُ بالمغادرة إلى ضفة النهر. كانت صفحة نهر تويد مثل مرآة تعكس ضوء الشمس في ذلك اليوم، وبعد المصبِّ كان البحر المفتوح ساطعًا وأزرق مثل السماء في الأعلى. كيف كان يُمكنني توقُّع أنه هناك، في تلك المياه المتراقصة البعيدة، كان ينتظرني ما لا أستطيع التفكير فيه الآن، بعد مضي وقتٍ طويل، إلا بخوفٍ ورُعب؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤